مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 12:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
نحترم تضحياتكم , أنتم أعزاء علينا لكن الحق أعز.....
ليس باسمنا....
أنا أحترم الأستاذ رياض سيف و الأستاذ رياض الترك , بدرجة لا يمكن مقارنتها مثلا مع مقدار "احترامي" لخدام أو مأمون الحمصي أو رفعت الأسد..يجب الاعتراف أن الترك كان يواجه النظام شبه وحيد مع مجموعات يسارية و قومية أخرى في الوقت الذي كنا فيه نستمع إلى توجيهات قيادة الحزب الشيوعي التي كانت تصر على اعتبار النظام الحاكم خط الدفاع الأول ضد الإمبريالية..هذا يسبب لدينا نحن الذين نبحث اليوم عن حريتنا شيئا من الإحساس بالذنب عندما يتعلق الموضوع بانتقاد شخص كالترك..لكن يجب أن أعترف أيضا أن سقوط الوهم المرتبط بالنظام جعل من المستحيل اعتبار أي كان فوق النقد و حتى اللاذع إن لم يكن شديد القسوة , لا حرمة لأي كان و لأي سبب كان..لم يكن شعورا بالصدمة أو الاستغراب عندما استمعت إلى رياض الترك يتحدث عن إنسانية جورج بوش , أنا لا أريد هنا مناقشة إنسانية بوش فهذا يجيبك عنه الأطفال في بلدي , كان شعورا برغبة أعمق في فهم ما يجري لنا و لماذا كلما كان الحديث يدور عن تحقيق إنجاز ما , قومي أو اشتراكي في الأمس , ننتهي بأن نجد أنفسنا أميالا بعيدة عن هذا الهدف..إن النخبة اليسارية سابقا و التي تلبرت اليوم تقبل عن طيب خاطر غريب أن تحشر نفسها بين بوش و الأسد و من الطبيعي أن تتحدث بالتالي عن إنسانية الأول تاركة بالمقابل بعض أزلام النظام يتحدثون عن وطنية الأخير..بدون ما يفعله بشار الأسد بنا كسوريين سيصبح مستحيلا حتى التفكير في الحديث عن بوش الإنسان أما بالنسبة لبشار فإن وجود قوة غاشمة مثل أمريكا تمارس البلطجة على مستوى العالم و تحاول فرض مشروعها الإقليمي عليه و على غيره من زعماء المنطقة يعتبر أساس وطنيته , ما أن يغيب ذكر بوش حتى تصبح وطنية بشار الأسد بلا معنى , و تصبح مجرد اغتصاب لحقوق و لقمة خبز ملايين السوريين , فقط وجود بلطجي عالمي مثل بوش يشهر عضلاته في وجهه يجعل بشار وطنيا..أذكر هنا رسالة الغزالي المعنونة : فضائح الباطنية و فضائل المستظرية ( نسبة إلى الخليفة العباسي المعاصر للغزالي المستظهر بالله ) , كان هم الغزالي هو إثبات بطلان ولاية الإمام الاسماعيلي ليثبت إمامة الخليفة العباسي , لا يحتاج الخليفة العباسي بالنسبة لمقاربة الغزالي إلا لإثبات هذا دون أي شيء آخر سواء التزامه بالنص المقدس و لا بخير الرعية أي الناس , تماما كإنسانية بوش التي لا معنى لها بدون وجود طغاة مثل صدام أو الأسد أو بالمقابل وطنية بشار..ما تمارسه النخبة اليوم هو باختصار تقرير إلى أي قوة تقف , هذا لا يحتاج بالمناسبة إلى أية جهد سياسي و فكري و خاصة في البحث عن قوى و عوامل التغيير و عن تطوير فكر ديمقراطي حر أو متحرر من كل القيود و الأفكار المسبقة بحثا عن شكل و صيغة التغيير و الطريق المؤدي إليه , كل ما تحتاجه هنا هو تبرير أفعال القوة التي تقف إلى جانبها و انتظار انتصارها و لذلك أنا أنصح هؤلاء السادة بالعودة إلى كتاب الإمام الغزالي للاستفادة من خبرته في هذا الصدد..يجب التأكيد أيضا أن النظام قد جعل من شبه المستحيل قيام حراك شعبي و زاد من عزلة النخبة و من تدجين الجماهير بطريقة يجعل التغيير بالضرورة يتطلب مبادرات مختلفة عن الممارسة السابقة لأي حركات احتجاجية و أنه بالمقابل خلق ليس فقط نقيض مشوه ممسوخ في هذه النخبة بل و باستبعاده أي بديل قادر و شعبي فإنه يضع الأرضية الموضوعية لحياة سياسية نخبوية قابلة لفتاوى جديدة من أطراف النخبة الليبراليين و الإسلاميين و اليساريين الذين يتخاصمون حول جوهر هذه القوة أو تلك في أقصى الحالات..إن قسما من النخبة ينتظر أن يقوم الخارج الذي يملك قوة أكبر بما لا يقاس من النظام بإقصاء النظام , إنها تبحث في صيغة إدارة البلد سياسيا بعد سقوط النظام , هذا أبعد ما يكون عن التغيير الديمقراطي..لا أخفي هنا أننا كيساريين تحرريين نسعى إلى إسقاط النظام بقوة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة و التي يجب أن تتصاعد إلى انتفاضة شعبية شاملة , هذا الهدف يغيب لصالح كلام غامض لا معنى له عن التغيير الديمقراطي السلمي الذي يتناقض مع طبيعة و سياسات النظام و مع طبيعة المطالب الديمقراطية التي تطرحها النخبة المعارضة , إن هذا الغموض يؤدي إلى انعدام أي أفق حقيقي أمام الحركة الشعبية و بالتالي فهو شعار ليس فقط غير مفهوم و خال من المعنى بل و لا يحاول أو يرغب أصلا أن يربط نفسه بحركة الشارع السوري أو أن يعول عليها و يترك هذا الشارع الباحث عن طريق حريته أسير البلبلة و الجدل حول طبيعة القوى الغاشمة التي تحاصره , هكذا فالمعارضة الليبرالية يمكنها أن تتحدث بشجاعة عن أمريكا الإنسانية و لا تتحدث عن انتفاضة شعبية ذات مطلب ديمقراطي شامل..كما أننا لا نخفي أننا ندعو الجماهير فور سقوط النظام إلى العمل على تأسيس مؤسسات جماهيرية ديمقراطية مباشرة تعارض أي شكل من تسلط أي جزء من النخبة على المجتمع , من المؤكد أن هذه الأقسام ستحاول كما جرى في العراق أن تمد نفوذها داخل مؤسسات الدولة القائمة أو المنتظر قيامها لتشكل أرضية ضرورية لنفوذها و مشاركتها السياسية المقبلة , و من المؤكد أيضا أنه لن توجد أية مشاريع حقيقية متمايزة بين أقسام هذه النخب لا لإعادة بناء الحياة السياسية و لا الاقتصادية و لا الاجتماعية , الجميع ملتزم هذه المرة باشتراطات بوش الإنسانية أي باختصار بليبرالية اقتصادية و فكرية و محاصصة تختلف تفاصيلها حسب موازين القوى الاجتماعي و الدعم الأمريكي الخارجي..على الضد من هذا فإننا كيساريين تحرريين ندعو الجماهير اليوم و في الغد تحت ظل أي نظام إلى أخذ المبادرة بأيديهم و إقامة مؤسساتهم الخاصة الديمقراطية التي تتجاوز حدود أية سلطة أوليغاركية تمثل أقلية اجتماعية أو نخبوية أو دينية أو اقتصادية باتجاه بديل ديمقراطي يقوم على مشاركة معظم الناس في تحديد مصيرهم و لخدمة أغلبية الناس الساحقة في إطار من التضامن الطوعي و من التفاعل الحر بين أفراد أحرار متساوين..إن السياسة بمنظور النخبة , السياسة التي تتعلق بالسلطة و مفهوم الأقوى , آنية و نسبية مثلها مثل نسبية و آنية القوة العسكرية و السياسية لهذا الطرف أو ذاك..و هذا ما يحكم عليها بالفشل على المستوى البعيد , هذا لا نخترعه و ليس أمنية ذاتية , القوة بالمفهوم السياسي كانت و ستبقى لا إنسانية و لو أنها أكثر واقعية من كل القيم الإنسانية , في مقابلها هناك الإنسان بوضعيته المنتجة للقيم الإنسانية , هذه يوتوبيا حتى اليوم لكنها الحالة الوحيدة التي تعطي معنى لمفاهيم مثل الإنسانية و الحرية و الوطنية و سواها , القيم التي ستصبح قائمة بذاتها في هذه الحالة و لا تعتمد على وجود نقيض أكثر استبدادا أو استهتارا بالإنسان..في السياسة لا تنفع المناشدات و ليس المقصود هنا إطلاق مناشدة لا للنظام و لا للمعارضة الليبرالية و بالتأكيد أيضا ليس لبوش , إن الغرض هنا هو التشديد على أن السياسة هذه المرة تبحث عن بداية جديدة يتوقف معها أي كلام غير الكلام عن الناس عن الإنسان..
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟