|
ترسبات طائفية!
عاصم بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2143 - 2007 / 12 / 28 - 12:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مهما خرج الإنسان منا من برك الطائفية والمذهبية أو سعى لذلك،ومهما "طهّر" عقله ونفسه من جراثيمها، لا يستطيع أن يخرج منها بشكل تام. إنها فعل لا إرادي..خارج السيطرة،طبعاً هي من الترسبات السلبية للتنشئة المتخلفة ولكنها موجودة لا يمكننا نفيها بإستعمال أحد أدوات النفي،لأن الواقع والتجربة تدحضان هذا النفي.
تتعرف إلى أحدهم:أول سؤال بعد التعارف (أي السلام) يكون حول الأسماء... للأسماء في لبنان أبعاد كثيرة تتخطى كونها مجرد إسم تعيني لفرد ما أو لقب يُقصد به شخص معين يستخدم للمناداة .. فعلى سبيل المثال من خلال الإسم تستطيع أن تعرف هوية الشخص الدينية فإذا كان يُدعى حسن أو محمد أو سعد فهو على الأغلب من المسلمين (دون الدخول في متاهات المذاهب التي يمكن تميزها أيضاً من خلال الأسماء!) وإذا كان إسمه جورج أو جوزف أو مارسيل فهو على الأغلب من المسيحيين (أيضاً دون المتاهات المذهبية).. ومن الإسم نستطيع أن نعرف الإنتماء الحزبي والعقائدي،فمثلا من يحمل إسم صدام قد يكون بعثياً عراقياً وقد سمي هكذا تيمناً بالرئيس العراقي السابق صدام حسين ،وفيديل بطبيعة الحال شيوعي (قد تكون الأسماء لا تعبر تعبيراً دقيقاً عن الإنتماء الحزبي إلا في بعض الحالات).
عن طريق الأنترنت،قد تتعرف يومياً على أشخاص جدد...مجرد التعرف وطرح الأسماء ، يَطرح السؤال الصعب نفسه، أهذا مسيحي أم مسلم؟ مسلم..إذن أهو شيعي أم سني؟ مسيحي..إذن أهو ماروني أم روم؟ ... يتداعى السؤال وحده حتى مع أؤلئك الذي يدعون العلمانية والإبتعاد عن الطائفية والطوائف ، حتى البعض منهم يكفر الأديان في كثير من الأحيان .. وهذا السؤال قد يطرح إلى العلن،لكن في الأغلب يبقى سراً في الباطن العقلي. هذا طبيعي وغرائزي ومتأصل في النفس...لكن الخطير في الأمر أن يتمادى الشخص لاحقاً في تصرفه حين يتعرف على دين الآخر،ويكتشف أنه مختلف عنه فيقطع الحديث-التعارف! هذا الفرق – ربما - بين الرافض للطائفية والتعامل بها وفيها وبين المنغمسين فيها حتى النخاع...
هذا الأمر(العاهة بالفعل) يصيبنا جميعاً ولا داعي لنكرانه أو التهرب منه. وأنا لا أدعي بطولة حين أكشف أنني أفكر في الأمر أحياناً (لا بل غالباً) ولكن "البطولة" تكمن حين يستطيع المرء لجم هذا التفكير ونبذه والتعامل مع الفرد المواجه له كإنسان خالي من الصفات الإضافية التي ليس له علاقة بإختيارها (كالدين،والألقاب:بيك،أفندي،أمير،شيخ...). أنا أفضح نفسي وأنقدها لكي أنقذها وأنظفها وأهذبها!
وهنا تقع مشكلة "المنظرين" العرب الأولى،حيث الهوة كبيرة بين "التنظير" الذي نبرع فيه كعرب ولبنانيين بشكل خاص ، وبين "الواقع" الأسود المبكي و"الممارسة"..!
يحضرني الآن حادث مضحك ومميز ومعبّر في الآن نفسه، حصل معي بالفعل ونستطيع أن نستخلص منه فكرة/نزعة تصبغ عميلة التعارف بين اللبنانيين تحديداً:
تعرفت على أحدهم عن طريق الأنترنت،وقد كنت أنا المبادر للتعارف،فقد حصلت على بريده الإلكتروني (e-mail) من إحدى المنتديات،لمجرد رغبة في التعارف ليس أكثر. بعد التحية،أشهرنا أسماءنا (كأننا في معركة ونشهر سيوفنا،أحدهم شبه الحب بين شخصين بالمعركة،وأنا أشبه التعارف العادي بالمعركة أيضاً وخاصة في لبنان) لم أفكر حينها في أي شيء،سوى أنني تعرفت على شخص جديد والمميز أنه لبناني مثلي ويعيش في الخارج (كنت حينها حديث العهد على الشبكة العنكبوتية). سألته عن مكان ولادته في لبنان بكل براءة أو فضول زائد...رد عليَّ بطريقة جافة و"مقرفة"،ضارباً أفكاري البريئة – حينها - بعرض الحائط،قال:"بدك تعرف المنطقة ولا الطايفة؟"وأرفقها بإبتسامة فاجرة...!!! في حقيقة الأمر كان يضع في صورته الرمزية صورة لقائد الثورة الإسلامية في إيران الخميني(لمن يفهم في لغة المسنجر-الشات)... طبعاً تداركت الأمر،فلم تكن هذه نيتي مطلقاً...فخلعت رداء البراءة وقلت:"الصورة يلي حاططها بتدل وبتكفي على طايفتك!" وأرفقتها بإبتسامة ساخرة.. حاول أن يطبع رغباته وأفكاره (طبعه) في أسئلتي ...ولكنه فشل. أهمية الفكرة ليست في هوية المنتصر في معركة - داحس والغبراء- التعارف هذه،الأهم النتيجة-الخلاصة:أن اللبناني يبقى عالقاً في شباك الطائفية و الأفكار العشائرية التي – إفتراضاً- دهسها الزمن ومضى،حتى لو سكن في كندا(مثلاً)! ومن جديد نعود لنحدد هوية المُسبب ألا وهي التنشئة والجو العائلي الذي يحيا فيه الفرد منذ صغره،يقول علماء النفس:"أن سنوات الطفولة حاسمة في تبلور شخصية الفرد وأثرها في حياته المقبلة،حيث يكون الجهاز العصبي للطفل مرن وشفاف".
(سردي لهذه القصة البسيطة،أعاد إلى واجهة الوعي لدي مقالة كان قد كتبها الكاتب اللبناني أمين قمورية ونشرت في جريدة النهار بتاريخ 02/10/2007 تحت عنوان "المهارات طائفية"،سأعمد إلى نشرها في نهاية المقال..)
لكن الإسم والشهرة ليسا دائماً عاملاً مساعداً في إرتكاب هذه الخطيئة أو الجريمة (بلى، هي جريمة كبيرة وأقرب بالوصف إلى المجزرة في حق إنسانيتنا...) فهناك أسماء وعائلات تتشارك فيها جميع الطوائف (على سبيل المثال :مريم،نادين،هادي) ومعرفة إنتماء الأخر-إن لم يصرح هو-يصبح في هذه الحالة من المستحيلات..وهذا أفضل على أية حال.
أعترف بالخطأ الذي يرتكبه اللاوعي العقلي لدي/لدينا،وأكرر على ضرورة لجمه وقمعه. لكن،هل فعلاً نحن قادرين على القضاء عليه نهائياً؟ هل سيأتي يوم وننزع فيه هذه الأسئلة الجرثومية من عقولنا؟ أردد هذا القول بشكل دائم:"الزمن هو العامل الأكثر فضحاً في هذا العالم"...لنترك مهمة كشف أجوبة هذه الأسئلة للزمن.. وقد أكتب مقالاً بعد أربعين سنة من الآن (حين أصبح في الخمسينات) أعبر فيه عن غبطتي وسعادتي بتخلصي من هذا الداء السرطاني عن طريق النبذ والرفض والمعارضة الدائمة والتنبه له...أو ربما عن طريق الإنتحار!!
لا أستبعد ذلك!
----------------------------------- مقالة الأستاذ أمين قمورية المنشورة في جريدة النهار بتاريخ 02/10/2007 تحت عنوان "المهارات طائفية":
في جلسة سمر سياسي ضمت لبنانيين وعراقيين في احد مقاهي عمّان، سألني صحافي عراقي عن اسمي. فقلت له: امين. ثم طرحت عليه السؤال نفسه، فأجاب: طارق. طبعاً، غايته من معرفة الاسم ليست التعارف فقط بل ايضاً محاولة مبطنة لمعرفة هويتي المذهبية علّه يقدّر اتجاهي السياسي حتى يعرف كيف يوجّه حديثه معي في الشؤون اللبنانية والعراقية التي كانت محور الجلسة، وبما ان اسمي لا يدل على لون مذهبي معين، فقد واصل محاولة فك اللغز بطرح المزيد من الاسئلة التي تأخذ طابعاً عادياً: "انت من اي منطقة في لبنان؟" قلت: "من بيروت. فازدادت حيرته كما ازدادت حيرتي انا عندما قال لي انه من بغداد. فبغداد مثل بيروت، وهما مدينتان يفترض انهما تجمعان كل الالوان الطائفية والمذهبية في لبنان والعراق. استمر الحديث بيننا منمقاً حذراً يتحاشى المنزلقات والمنحدرات واتخاذ المواقف. هو يحدثني عن الاوضاع السياسية والامنية في العراق مثله مثل اي مراقب اجنبي ينظر الى الامور من الخارج. يتمادى حيناً في الهجوم على النظام القديم ويتذكر فجأة المآسي التي خلفها الاحتلال واخطاؤه القاتلة، فيلعن العصابات والمجموعات المتمردة الحاملة للسلاح وينتقد في الوقت عينه ارتكابات الحكومة الحالية وفرق الموت التابعة لبعض احزابها، متحاشياً لفظ كلمة سني او شيعي. بدور كنت احدثه بالاسلوب نفسه عن الوضع اللبناني، ضربة على حافر 14 آذار وضربة على مسمار 8 آذار، ليس لانني اصلاً ضد سياسة الموالاة واعترض على بعض اساليب المعارضة ونهجها، بل محاولاً تركه في حيرته لعلمي ان موقفي الواضح من اي فريق من فريقي النزاع في لبنان، وخصوصاً بين السنة والشيعة، هو بالنسبة اليه ضوء اخضر ليشرح لي الوضع في العراق من الزاوية التي يريدها، فنحن اللبنانيين اكثر مهارة في الالعاب الطائفية من الطارئين الجدد عليها. ولما ضاق ذرعاً برتابة الحديث سألني عن اسم ابني لعله ينفذ الى غايته، فقلت له: كريم. فازداد حيرة وواصل الاسئلة: "هل لديك اولاد غيره؟" فأجبت ايمن وسارة. فازداد التباسه مثلما زاد الالتباس عندي عندما اخبرني ان اسم ابنه هو رغد. عندها، وللخروج من الحديث البارد الذي لا حياة فيه، كون الحياة عندما لا تغلي ولا تتحرك الا بالتعصب الطائفي، حولنا حديثنا عن لبنان والعراق الى عمان التي تشهد فورة اقتصادية وعمرانية تجعل منها اهم عواصم المنطقة على حساب بيروت وبغداد خصوصاً، ورحنا نتحسر. على الطرف الآخر من الطاولة كان الحديث حيوياً وزاخراً بالمودة والاخذ والرد بين علي اللبناني وعبد الحسين العراقي. وان الاتفاق كاملاً بين الاثنين في وجهات النظر والرؤية المستقبلية للمنطقة ولبنان والعراق وفلسطين. اما على الطرف الثاني من الطاولة فكان النقاش حاداً والاختلاف في وجهات النظر واضحاً بين عدنان البغدادي وعمر البيروتي بعدما اخطأ العراقي سريعاً في تحديد هوية محادثه اللبناني، ذلك ان عمر مسيحي وخياره علماني ويكره الطائفية والطائفيين. وقد سماه والده عمر اثباتاً لعدم طائفيته. العراقيون الذين حرموا طويلاً "الملذات" الطائفية بدأوا سريعاً اكتساب العادات اللبنانية المتأصلة بفعل اشعاع النظام الطائفي اللبناني الذي صار يحتذى لكثير من الدول بينها العراق الذي جعله نموذجاً لنظام حكمه. لا بل ان "التلامذة" العراقيين اظهروا، في فترة قياسية، "مهارات" طائفية عالية المستوى وتفوّقوا على "اساتذتهم" اللبنانيين في فهم "ملذاتها" الدموية. والخوف الآن من الا يسلّم الطائفيون اللبنانيون بأن قصب السباق الطائفي قد سحب منهم، وان يعملوا على تعديل النتيجة لاستعادة مكانتهم في الطليعة. (عمان)
#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول مقولة: الدين لله والوطن للجميع
-
خواطر على هامش العام الجديد
-
أنشكر العاهل السعودي على الحق؟! (نعتذر من فتاة القطيف)
-
بيروت تبعث من جديد!
-
الذاكرة لا تصنع وطناً!
-
إلى جبران تويني ...
-
الشباب العربي
-
رسالة إلى فخامة الرئيس...في اللحظة الأخيرة
-
نقد محتشم لتدخلات رجال الدين في الإستحقاق الرئاسي..!
-
الحاكم و العصفور …
-
ألا يخجل؟!
-
العلمانية -سلة متكاملة-
-
قالها ولكنه لم يفهم اللعبة
-
العلمانية التركية ليست مثلا ...
-
لبنان ... بلد الألف هوية
-
في الممانعة والإعتدال العربيين
-
الأحزاب العلمانية اللبنانية وواقعها
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|