|
طبيعة المسئولية الجنائية في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
سامح خليل الوادية
الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 11:32
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
تتميز المحكمة الجنائية الدولية بطبيعة خاصة تميزها عن كافة المحاكم الدولية باعتبارها أول محكمة جنائية دولية دائمة ، وأيضًا لاقتصار اختصاصها على الأشخاص الطبيعيين ولتأكيدها على الأولوية القضائية للقضاء الوطني ، بحيث لا يثبت لها الولاية القضائية ابتداءً ، و إنما تكمل القضاء الوطني إذا لم تمارس الدولة ولايتها القضائيةبموجب الاختصاص الذي كفلته الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول ، فلم يترك النظام الأساسى للمحكمة الحق في فرض الولاية القضائية الشاملة، وإنما قيدها فيما يتعلق بأشد الجرائم خطورة التي يعتبر ارتكابها مساسًا بالمجتمع الدولي بأسره.
فمتى انعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية سواء بتوافر الشروط المسبقة التي حددتها (م/12) من النظام الأساسي بوقوع الجريمة موضوع التحقيق في إقليم دولة طرف ، أو من قبل أحد رعاياها أو لعدم قدرة الدولة أو لرفضها مقاضاة مرتكبي الجرائم أي وفق مبدأ التكامل القضائي ، تتدخل المحكمة لتكمل ما يعتري القضاء الوطني من قصور أو نقص.
وتثور المسئولية الجنائية الفردية بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لمرتكبي الجرائم الدولية التي لا تمس الدول والأفراد الذين يتعرضون لها وحدهم ، وإنما تمس المجتمع الدولي بأسره وتهدد السلم والأمن الدوليين وتهدد الروابط المشتركة التي توحد جميع الشعوب والتي تشكل تراثًا مشتركًا للإنسانية.
وقد قصر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية اختصاصها فيما يتعلق بالأشخاص الطبيعيين وليس الدول انطلاقًا من السوابق التاريخية التي أقرتها معاهدة فرساي ، والتي نصت على المسئولية الجنائية الفردية لمجرمي الحرب الألمان والإمبراطور غليوم الثاني ولم تنص على المسئولية الجنائية لألمانيا باعتبارها دولة. فالفرد الإنساني هو وحده المسئول جنائيًا وليس الدول باعتبارها شخصًا معنويا ليس من المتصور أن تقوم في حقها المسئولية الجنائية ، فعقاب الدولة فيه مساس خطير بالأبرياء ممن ليس لهم ذنب في ارتكاب الجرائم الدولية ، وقد يؤدي لاستمرار مجرمي الحرب في ارتكاب جرائمهم ، وقد يفتح المجال لعمليات ثأر وانتقام جديدة ويؤدي لتخريب وتدمير للبنية التحتية للدول ومقومات الحياة الاقتصادية والسياسية.
ولكن إقرار مبدأ المسئولية الجنائية الفردية فيه تأكيد لأهم أهداف المحكمة الجنائية بضمان الالتزام الدائم لتحقيق العدالة الدولية، بإثارة المسئولية الشخصية لمقترفي الجرائم وملاحقتهم وعقابهم على ما ارتكبته أيديهم من جرائم في حق البشرية.
والأكثر أهمية إقرارالنظام الأساسي للمحكمة بعدم الاعتداد بالصفة الرسمية لمرتكب الجرائم الدولية سواء كان رئيساً لدولة أو حكومةً أو عضوًا في حكومة أو برلمان أو موظفًا حكوميًا ، وكذلك عدم اعتبار الحصانة مانعًا من إثارة المسئولية والمحاكمة .
ولضمان فاعلية المنظومة القضائية الجنائية للمحكمة الجنائية الدولية لم تكتف المحكمة بمسئولية الأفراد مرتكبي الجرائم أثناء الحروب والمعارك من الجنود والضباط في القوات المسلحة ، بل أقرت المسئولية الجنائية للقادة العسكريين الذين تخضع لسلطتهم الفعلية القوات التي تمارس الجرائم الدولية التي تدخل في اختصاص المحكمة ، وامتدت المسئولية الجنائية بموجب النظام الأساسي للمحكمة لتشمل إلى جانب مرتكبي الجرائم كل من أعطى أمرًا أو أغرى أو حرض أو ساعد أو قدم العون أو ساهم في ارتكاب الجرائم الدولية لتكتمل بذلك منظومة قضائية جنائية دولية دائمة ومتكاملة مختصة بالأفراد
نطاق اختصاص المحكمة الجنائية
لا يعني مجرد انعقاد الاختصاص الحرية المطلقة للمحكمة الجنائية في إجراء المحاكمات دون حدود معينة لنطاق الاختصاص ، بل ينحصر اختصاص المحكمة في نطاق معين تلتزم به ولا تتعداه ، وهو ما يطلق عليه بالنطاق الموضوعي الذي تلتزم بموجبة بنظر جرائم معينة حددتها (م/5) من نظامها الأساسي وهي جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان متى اعتمد لها تعريف من قبل الدول الأطراف ، ونطاق زمني يبدأ بسريان النظام الأساسي ودخوله حيز النفاذ وهو الأول من يوليو 2002، بحيث لا تتم المساءلة عن الجرائم الواقعة قبل ذلك التاريخ ، ولكن لا يحول النظام الأساسي دون المحاكمة وفق آليات القانون الدولي الأخرى ، ونطاق شخصي يتعلق فقط بالأشخاص الطبيعيين ، ويستثنى الدول والأشخاص الاعتبارية ، فالأفراد مرتكبو الجرائم الدولية التي نص عليها النظام الأساسي هم وحدهم محل الملاحقة والمحاكمة ، ولا تحول اعتبارات الحصانة دون تحميل المسئولية الجنائية الفردية للأشخاص سواء كانوا قادة أو مسؤولين.
و لم يترك النظام الأساسي للمحكمة الحق في فرض الولاية القضائية الشاملة ، وإنما قيد ولايتها القضائية فيما يتعلق بأشد الجرائم خطورة التي يعتبر ارتكابها مساسًا بالمجتمع الدولي بأسره ، فليست كل جريمة محل ملاحقة ومعاقبة و إنما يجب أن ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق وبخصوص جرائم بعينها . النطاق الموضوعي
حدد النظام الأساسي الجرائم التي تدخل فى اختصاص المحكمة في المادة الخامسة ، بحيث يقتصر اختصاصها على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي ، فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب وجريمة العدوان.
ونتناول الجرائم التي تختص المحكمة النظر فيها دون تفصيل لاقتصار موضوع الدراسة على أحد اختصاصات المحكمة والمتعلق بجرائم الحرب ، والذي نتناوله بشيء من التفصيل في الفصل الثاني من الدراسة.
جريمة الإبادة الجماعية
عرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية في المادة السادسة "الإبادة الجماعية" بأنها أي فعل من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكًا كليًا أو جزئيًا ، وقد نصت المادة على بعض الأفعال على سبيل الحصر يشكل ارتكابها جريمة إبادة جماعية وهى:
أ . قتل أفراد الجماعة.
ب . إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ج . إخضاع الجماعة عمدًا لأحوال معيشية يقصد اهلاكها كليًا أو جزئيًا.
د .فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
هـ . نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
وقد أخذ النظام الأساسي بنفس التعريف الذي أخذت به اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرت وعرضت للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (260ألف د-3) المؤرخ في 9ديسمبر1948، وقد أعلنت الجمعية العامة أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن ، وتعترف بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت في جميع عصور التاريخ خسائر جسيمة بالإنسانية وإيمانًا منها بأن تحرير البشرية من قبل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي .
وقررت المادة الأولى من الاتفاقية أن الإبادة الجماعية سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها.
ولم تفلح اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في منع ارتكاب تلك الجريمة برغم التصديق عليها من قبل 123 دولة ، فقد عانت البشرية من ويلات العديد من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية منذ العام 1948 ابتداء بمذبحة دير ياسين ، ومرورًا بكفر قاسم ، و صبرا وشاتيلا ، حتى مجزرة مخيم جنين 2002 ، وكذلك مجزرة قانا التي ارتكبت في الجنوب اللبناني داخل ملجأ موقع قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة على أيدي الجيش الإسرائيلي ، والمجازر الجماعية التي استهدفت الأسرى المصريين خلال حربي 1956و1967، وكذلك ما ارتكب بحق المسلمين في يوغسلافيا السابقة بجمهوريات البوسنة والهرسك وكوسوفا على أيدي القوات الصربية ، وما يتعرض له المسلمون الشيشان على أيدي القوات الروسية .
وتضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا جريمة الإبادة الجماعية ، كأحد الجرائم التي تختص بها المحكمة المنشأة بقرار مجلس الأمن رقم (808) المؤرخ في 22فبراير1993 لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في يوغسلافيا .
وقد تضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا المشكلة بقرار مجلس الأمن رقم (955) المؤرخ في 8 نوفمبر 1994 جريمة الإبادة الجماعية كأحد الجرائم التي تثير المسئولية الشخصية للمسئولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي.
وتضمن النظام الأساسي لمحكمة سيراليون التي أنشأت بموجب اتفاق بين حكومة سيراليون والأمم المتحدم في 6 يناير2002 جريمة الإبادة الجماعية كأحد الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، بالاضافة إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
فجريمة الإبادة الجماعية تعتبر وفق النظام الأساسي لمحاكم يوغسلافيا ، ورواندا ، وسيراليون من ضمن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي تستوجب مسئولية مرتكبيها الدولية .
وقد نصت اتفاقيات جنيف الأربع والتي تعتبر أهم ركائز القانون الدولي الإنساني إلى جانب البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 في موادها المشتركةعلى فرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف المخالفات الجسيمة ، واعتبرت (م/147) من اتفاقية جنيف الرابعة القتل العمد ، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية ، وكذلك إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة والنفي أو النقل غير المشروع من قبيل المخالفات الجسيمة التي اعتبرها البروتوكول الأول من قبيل جرائم الحرب.
وتندرج الجرائم الواردة في المادة (147) ضمن جريمة الإبادة الجماعية التي نص عليها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية في المادة السادسة بحيث يعتبر القتل العمد انتهاكًا جسيمًا سواء ارتكب بشكل كلي أو جزئي وكذلك التعذيب والإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة وتشمل ما ورد في الفقرة (ب) و(ج) من المادة السادسة الخاصة بإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة وإخضاع الجماعة عنوةً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها كليًا أو جزئيًا.
ويشمل النفي غير المشروع كل حالات النفي والإبعاد سواء كانت للأطفال كما نصت الفقرة (هـ) من المادة السادسة أو لأية فئة سكانية داخل البلد أو خارجه.
فهي مخالفات جسيمة تستوجب مسئولية مرتكبيها الدولية باعتبارها جرائم حرب ، وفق آليات القانون الدولي إلى جانب تجريمها من قبل المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها من قبيل جريمة الإبادة الجماعية، مما يعني عدم سقوط الجرائم من ذلك القبيل والمرتكبة قبل دخول المحكمة حيز النفاذ، وإمكانية عقد محاكم دولية خاصة من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق على غرار محكمتي يوغسلافيا ، ورواندا ، أو وفق مبدأ الاختصاص العالمي الذي منحته اتفاقيات جنيف للدول الأطراف بملاحقة ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة أمام محاكمها بغض النظر عن جنسيتهم ، سواء كانوا يتبعون للدولة التي تمارس الاختصاص القضائي الجنائي أو لأية دولة أخرى ، وخاصةً فيما يتعلق بالجرائم الإسرائيلية التي تعد من قبيل الإبادة الجماعية ومنها مجازر
دير ياسين ، وصبرا وشاتيلا ، ومجزرة مخيم جنين التي ترتقي لمستوى الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني والتي استهدفت إهلاك جزء منه.
الفرع الثاني
الجرائم ضد الإنسانية
تشكل الجرائم الواردة في المادة السابقة من النظام الأساسي جرائم ضد الإنسانية متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق ، أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين ، وعن علم بالهجوم.
وأدرج النظام الأساسي بعض الأفعال التي يشكل ارتكابها جرائم ضد الإنسانية وهي تشمل القتل العمد ، الإباده ، الاسترقاق ، الإبعاد والنقل القسري ، السجن ، التعذيب ، الاغتصاب ، وكافة أشكال العنف الجنسي ، الاضطهاد ، الاختفاء القسري ، الفصل العنصري ، والأفعال اللاإنسانية المماثلة للجرائم السابقة.
وأكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عندما أدرج الجرائم ضد الإنسانية على موقف القانون الدولي باعتبارها من أخطر الجرائم الدولية ، فقد سبق إدراجها ضمن اختصاص المحاكم الجنائية الدولية الخاصة ابتداء من محكمة نورمبرج 1945، ومحاكم قانون مجلس الرقابة رقم (10) 1945، ومحكمة طوكيو 1946، وكذلك محكمتي يوغسلافيا 1993، ورواندا 1994، ونص عليها في المبدأ السادس من مبادئ نورمبرج التي صاغتها لجنة القانون الدولي 1950 ، والذي يعتبر من قبيل الجرائم ضد الإنسانية " اغتيال أي سكان مدنيين أو إبادتهم أو استرقاقهم أو نفيهم أو أي أعمال غير إنسانية أخرى ترتكب ضدهم ، أو ممارسات الاضطهاد على أسس سياسية أو عنصرية أو دينية ...".
وتعتبر الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية من أخطر الجرائم التي تهدد البشرية أكدت عليها العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية ، وخاصةً أنها ترتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي مما يكسبها صفة أشد الجرائم خطورة ضد الإنسانية ، الأمر الذي يثير مسئولية مرتكبيها الدولية أمام المحكمة الجنائية .
وقد اعتبر النظام الأساسي للمحكمة الهجوم "منهجًا سلوكيًا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة (1) ضد أية مجموعة من السكان المدنيين ، عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تقريرًا لهذه السياسة "، وأعادت المحكمة الجنائية التأكيد على تجريم الإبادة بإدراجها ضمن الأفعال المكونة للجرائم ضد الإنسانية بعد أن سبق النص عليها في مادة مستقلة لخطورة تلك الجريمة ، وقد طور تعريف (م/6) مفاهيم (م/6-ج) لتشمل مجرد الحرمان من الحصول على الطعام والدواء الذي يقصد إهلاك جزء من السكان للتأكيد على اعتبار جريمة الإبادة الجماعية أو إبادة الجنس البشري أخطر صور الجرائم ضد الإنسانية ، والتي تشكل تهديدًا خطيرًا للمجتمع الدولي بأسره ، الذي اعتمد الاتفاقية الدولية لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في1948، والتي عرفت الإبادة الجماعية ، بالأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه، وأدرجت عدة أفعال اعتبرت ارتكاب أيًا منها يشكل جريمة إبادة جماعية ، وهي نفس الأفعال المكونة لجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في (م/6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية.
الفرع الثالث
جرائم الحرب تختص المحكمة الجنائية بجرائم الحرب كما وردت في نص المادة الثامنة من النظام الأساسي لا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق.
وأدرج النظام الأساسي العديد من الأفعال التي تعتبر من قبيل جرائم الحرب والتي تشكل توسيًعا كبيرًا لتعريف جرائم الحرب ، والتي سبق إدراجها ضمن اختصاص المحاكم الدولية السابقة ، والتي نصت عليها (م/6-ب) من النظام الأساسي لمحكمتي نورمبرج 1945 وطوكيو 1946 ونص عليها المبدأ السادس من مبادئ نورمبرج 1945، و(م/3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا.
ويتمثل ذلك التوسيع في أنه يحتوي على التطور الحديث لفقه القضاء الدولي الذي يضفي الصفة الإجرامية على الجرائم المرتكبة أثناء النزاع المسلح غير الدولي.
وقد قسم النظام الأساسي جرائم الحرب إلي ستة أقسام يتعلق قسمين منها بالمنازعات المسلحة الدولية ، ويتعلق ماتبقى بالمنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ، ونص في كل قسم على بعض الأفعال التي اعتبر ارتكاب أيًا منها جريمة حرب تختص المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبة مركبيها. أولاً- الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12أغسطس 1949، ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم اتفاقيات جنيف الأربع.
أدرج النظام الأساسي بعض الأفعال التي اعتبرتها المواد المشتركة الخاصة بالمخالفات الجسيمة في الاتفاقيات الأربعة من قبيل المخالفات الجسيمة التي وصفها البروتوكول الأول من قبيل جرائم الحرب ، كالقتل العمد ، والتعذيب ، أو المعاملة اللاإنسانية وإجراء التجارب البيولوجية ، وتعمد إحداث معاناة شديدة ، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة ، أو تدمير واسع النطاق للممتلكات والاستيلاء عليها دون ضرورة عسكرية ، أو إرغام أسير حرب على الخدمة في صفوف قوات دولية معادية ، أو تعمد حرمان أسير حرب من الحق في المحاكمة العادلة ، والإبعاد ، وأخذ الرهائن. ثانيًا- الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة.
وباعتبار أن المحكمة الجنائية تختص على وجه التحديد بأشد الجرائم خطورة التي تتهدد المجتمع الدولي ، فقد أدخل النظام الأساسي كافة الانتهاكات الخطيرة المماثلة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة والتي من أهمها اتفاقية لاهاي الرابعة 1907، والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف ، والاتفاقيات المختلفة التي تحظر بعض الأسلحة ومنها إعلان سان بتروسبورغ لعام1868 بشأن حظر استعمال بعض المقذوفات في وقت الحرب ، واتفاقية حظر استعمال الرصاص القابل للانتشار أو التمدد في الجسم بسهولة في 1899، واتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر في 1980.
وأدرج النظام الأساسي بعض الأفعال التي يعتبر ارتكابها جرائم حرب ، والتي من أهمها تعمد توجيه هجمات ضد المدنيين والمواقع المدنية أو ضد الموظفين أو المنشآت الخاصة بمهام المساعدة الإنسانية وكذلك تعمد شن هجوم مع العلم بأنه سيسفر عن خسائر بشرية ومادية.
ومن أخطر الأفعال التي تضمنتها (م/8-ب) الاستيطان والإبعاد والاغتيالات التي تحظرها الاتفاقيات الدولية ، والتي من أهمها اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، وكذلك استخدام الرصاص المتمدد، والأسلحة والقذائف العشوائية ذات الضرر الزائد ، والمعاملة المهينة ، والاغتصاب ، وتوجيه هجمات ضد المنشآت الطبية والعاملين بها ، وكذلك تعمد تجويع المدنيين.
ثالثًا- الانتهاكات الجسيمة للمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف في حال وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي ، المرتكبة ضد غير المشتركين اشتراكًا فعليًا في الأعمال الحربية ، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سلاحهم ، وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو أي سبب آخر.
اعتبرت المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف ارتكابها بعض الأفعال من قبيل الانتهاكات الجسيمة فيما يتعلق بالنزاع المسلح غير الدولي كاستعمال العنف ، والقتل ، والتعذيب ، والمعاملة المهينة ، وأخذ الرهائن ، والإعدام خارج نطاق القانون، وقد صنف البروتوكول الأول الانتهاكات الجسيمة من قبيل جرائم الحرب ، وهو نفس التصنيف الذي أورده النظام الأساسي في المادة الثامنة.
رابعًا- الاعتداء على الكرامة والمعاملة المهينة في المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي.
لا يعتبر من قبيل جرائم الحرب الاعتداء على الكرامة والمعاملة المهينة في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب والعنف المنفردة أو المتقطعة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة.
خامسًا- الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي .
أدرج النظام الأساسي بعض الافعال معتبرًا ارتكابها من قبيل جرائم الحرب لانتهاكها القوانين والأعراف الدولية السارية على المنازعات المسلحة غير الدولية .
سادسًا- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والوحدات الطبية في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي.
لا يعتبر من قبيل جرائم الحرب توجيه تلك الهجمات في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية وأعمال الشغب والعنف المنفردة أو المتقطعة والمنازعات المسلحة بين الحكومة وجماعات مسلحة منظمة
الفرع الرابع جريمة العدوان لم يتم تحديد جريمة العدوان في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية كما تم تحديد جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب رغم دخولها اختصاص المحكمة وفق نص المادة الخامسة ، فقد أجلت ممارسة الاختصاص على تلك الجريمة إلي أن يتم اعتماد تعريف للعدوان وفقًا للمادتين (121) ، (123) ووضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقًا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.
ومن المعروف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في قرارها رقم (3314) الصادر في 14ديسمبر 1974 تعريفًا لجريمة العدوان ، وقد عرفت المادة الأولى العدوان " بأنه استخدام القوة المسلحة من جانب إحدى الدول ضد سيادة ووحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى ، أو بأية طريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة ".
ويعتبر قمع العدوان من أهم مقاصد الأمم المتحدة التي نص عليها الميثاق في مادته الأولى الخاصة بحفظ السلم والأمن الدوليين ، وألزمت المادة الثانية الدول الأعضاء بحل منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل الأمن والعدل الدولي عرضةً للخطر، والامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة.
وأكدت أحكام محكمتي نورمبرج ، وطوكيو أن الحرب العدوانية أو التي تقع مخالفة للالتزامات الدولية هي أعمال تؤدي إلى مسئولية الأفراد الذين يقومون بارتكابها، وقد اقتصر تعريف العدوان وفق قرار الجمعية العامة على استخدام القوة المسلحة.
ويعتبر غالبية الفقه استعمال القوة المسلحة خلافًا لأحكام الميثاق وفي غير المصلحة المشتركة أو حالة الدفاع عن النفس عدوانًا.
ويؤخذ على تعريف الأمم المتحدة بأنه جاء قاصرًا ، حيث نص على فعل واحد فقط تنشأ بارتكابه جريمة العدوان وهو استخدام القوة المسلحة، وبالرغم من وجود حالات كثيرة يترتب على ارتكابها أضرار جسيمة تفوق ما ينتج عن استخدام القوة المسلحة كالضغوطات والحصار الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية بحق بعض الدول دون وجه حق ، ودون أي اعتبار لمؤسسات الشرعية الدولية ، كالحصار الجائر الذي كان مفروضًا على العراق وما سبقه على ليبيا والسودان وكوبا وكوريا الشمالية كوسيلة سياسية.
ولم يتعرض كذلك تعريف العدوان للمسئولية الجنائية الفردية عن الأفعال المكونة لجريمة العدوان التي نصت عليها المادة الثالثة كالغزو وشن هجوم على أراضي دولة أخرى ولو بصورة مؤقتة ، وكذلك أعمال القصف وحصار الموانئ والسواحل ، والسماح باستخدام الأراضي من قبل دولة أخرى لارتكاب أعمال العدوان ، وإرسال قوات غير نظامية أو مرتزقة لارتكاب أعمال القوة، وأعطى قرار الجمعية العامة بموجب المادة الرابعة لمجلس الأمن صلاحية وصف أعمال أخرى غير الواردة في المادة الثالثة من قبيل الأفعال المكونة لجريمة العدوان وفقًا لأحكام الميثاق. المطلب الثاني
النطاق الزمني
شكلت المحكمة الجنائية الدولية بمنظومتها القضائية الجنائية الدولية ، الآلية الرئيسية لتنفيذ وإقرار قواعد القانون الدولي وهى تحظى بأهمية قصوى في فقه القانون الدولي باعتبارها أول محكمة جنائية دولية دائمة ، إلا أن النظام الأساسي قيد نطاق اختصاصها الزماني بتاريخ محدد يبدأ بسريان النظام الأساسي ودخوله حيز النفاذ وهو الأول من يوليو 2002.
وقد نصت المادة الحادية عشرة أن اختصاص المحكمة يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام الأساسي ، بانقضاء ستين يومًا من تاريخ تصديق آخر الدول الستين التي يشترط تصديقها على النظام الأساسي ليدخل حيز النفاذ ، بإبداء القبول أو الموافقة على الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ولا تنطبق الأنظمة العقابية للمحكمة إلا على الجرائم التي ترتكب بعد دخول نظامها الأساسي حيز النفاذ والتي تقضي بعدم جواز تطبيق العقوبات الجنائية بأثر رجعي.
وقد نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز إدانة أي فرد بأية جريمة بسبب فعل أو امتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني والدولي مما يؤكد مبدأ عدم الاعتداد بالأثر الرجعي للنصوص الجنائية على صعيد القانون الدولي كما هو الحال في القوانين الوطنية التي تعتد بالأثر الفوري للقوانين الجنائية وهو المبدأ العام الساري في قوانين العقوبات الوطنية ، بحيث يسري النص الجنائي وقت نفاذه ، الأمر الذي يفيد عدم رجعية النصوص الجنائية باستثناء القانون الأصلح للمتهم.
وقد نص القانون الأساسي الفلسطيني والذي تم إقراره في 7يوليو 2002 في المادة (108) على عدم سريان أحكام القوانين الجزائية إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ، وأكد الدستور المصري على مبدأ الأثر الفوري للنصوص الجنائية ، ونص على أنه " لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون " ونصت كذلك المادة الخامسة من قانون العقوبات المصري على أنه "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكاب الفعل ".
وفيما يتعلق بالدول التي تنضم بعد سريان النظام الأساسي للمحكمة فإن التاريخ الفعلي للسريان بالنسبة لتلك الدول بانقضاء ستين يومًا من تاريخ إيداع تلك الدولة صك تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها، ولا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام الأساسي بالنسبة لتلك الدولة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلانًا بقبول ممارسة المحكمة اختصاصها.
وأجاز النظام الأساسي للدول غير الأطراف قبول اختصاص المحكمة إذا كان قبولها لازمًا بإيداع إعلان لدى مسجل المحكمة فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث وتتعاون مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء وفقًا للباب التاسع المتعلق بالتعاون الدولي والمساعدة القضائية ، والذي رتب التزاماَ على الدول الأعضاء بالتعاون وفقًا لأحكام النظام الأساسي تعاونًا تامًا مع المحكمة فيما تجريه في إطار اختصاصها من تحقيقات في الجرائم ، والمقاضاة عليها ويشمل الالتزام بالتعاون الدول غير الأعضاء بموجب اتفاق مع تلك الدول ، وفي حال الامتناع عن التعاون للمحكمة إخطار جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان هو جهة إحالة الدعوى.
وأقر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية عدم سريانه بأثر رجعي بحق الدول التي لم تنضم للمعاهدة المنشأة للمحكمة إلا بعد نفاذ نظامها الأساسي بحق تلك الدول ، وذلك لتشجيع الدول على الانضمام إليه وعدم الخوف من مساءلتها عن الجرائم التي وقعت من مواطنيها والتي تدخل في اختصاص المحكمة قبل نفاذ النظام الأساسي .
فاختصاص المحكمة الجنائية مستقبلي فقط ولا يسري على الماضي ، ولا يمنع ذلك من المساءلة وفق آليات القانون الدولي عن الجرائم التي لا تدخل في نطاق اختصاص المحكمة ، أو التي قد وقعت قبل دخول النظام الأساسي حيز النفاذ والتي من أهمها مبدأ الاختصاص العالمي الذي منحته العديد من الاتفاقيات للدول الأعضاء كاتفاقيات جنيف ، واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، فكل دولة من حقها إجراء المحاكمات الدولي عن كافة الجرائم سواء كانت واقعة في اختصاص المحكمة أو غير واقعة ، أو فيما يتعلق بالجرائم الواقعة قبل دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ أو بعد ذلك باعتبار أن الأصل انعقاد الاختصاص القضائي الجنائي للدول وأن القضاء الدولي مكملاً له وليس بديلاً عنه.
المطلب الثالث
النطاق الشخصي سادت فكرة مسئولية الدولة فقه القانون الدولي قديمًا ، حتى تم توقيع اتفاقية فرساي لعام 1919 في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، والتي أقرت لأول مرة نظام المسئولية الجنائية الفردية ، بحيث أصبح من المستقر عدم جدوى مسئولية الدولة الجنائية عن الأعمال التي يرتكبها مواطنيها ، فعقاب الدولة لا يحقق الردع العام المقصود من القضاء الجنائي ، وإنما يسهم في إفلات الأشخاص مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب ، وتبقى مسئولية الدولة محصورة في النطاق المدني ، بحيث تلتزم بجبر الضرر الناجم عن الأفعال غير المشروعة التي يرتكبها الأفراد ، سواءً كانوا من أفراد قواتها المسلحة أو الأفراد العاديين.
وأقرت محكمتا نورمبرج 1945، ، وطوكيو 1946 في المادة السابعة مبدأ المسئولية الجنائية الفردية للأشخاص مرتكبي الجرائم الدولية خلال الحرب العالمية الثانية التي شكلت كارثة إنسانية لما نجم عنها من أهوال وفظائع أجبرت المجتمع الدولي على التطبيق الأول لمبدأ المسئولية الجنائية الفردية ومحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية ، سواءً ارتكبوها بأنفسهم أو أعطوا التعليمات لارتكابها.
فليس للمنصب الرسمي وما يواكبه من حصانة للقادة والمسئولين أي اعتبار في إثارة المسئولية الجنائية الفردية سواءً كان مرتكب الجريمة الدولية رئيسًا أو قائدًا أو مسئولاً حكوميًا أو جنديًا في القوات المسلحة أو مواطنًا عاديًا.
ويعتبر الرئيس مسئولاً عن الأفعال غير المشروعة لمرءوسيه إذا ثبت أنه كان على علم بقصدهم أو باتجاه نيتهم لارتكابها ، وبإمكانه في حالة تدخله الحيلولة دون وقوع تلك الأفعال ، وهو ما أكده المبدأ الثالث من مبادئ نورمبرج التي صاغتها لجنة القانون الدولي في أعقاب محكمتي نورمبرج وطوكيو في العام 1950 والذي نص على "عدم إعفاء الشخص الذي ارتكب الفعل بناءً على أوامر من حكومته أو رئيسه الأعلى من المسئولية وفقًا للقانون الدولي بشرط وجود خيار معنوي كان متاحًا له " أي لم يكن مسلوب الإرادة بصورة تجعله مجبرًا على ارتكاب الجريمة.
وأحدث إقرار اتفاقيات جنيف لمبدأ المسئولية الجنائية للأفراد عن الانتهاكات الجسيمة لأحكامها نقلةً نوعيةً في اتجاه تجاوز الدولة بعض الشيء والاتجاه نحو الفرد المستفيد النهائي من القانون الدولي والتي صيغت بشكل يحول المصلحة الفردية إلى مصلحة دولية ، فالحقوق التي كفلتها اتفاقيات جنيف ليست مرتبة للدولة وإنما للفرد ، بحيث لا يستطيع التنازل عنها ، وكذلك نصت اتفاقية جنيف الرابعة على أنه " لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل بأي حال من الأحوال جزئيًا أو كليًا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية ".
وقد جاءت معالجة اتفاقيات جنيف للحروب الداخلية أي حالات النزاع المسلح الذي ليس له طابع دولي في المادة الثالثة المشتركة تأكيدًا لمبدأ المسئولية الجنائية الفردية ، بحيث لا يعتبر أحد الأطراف المشتركة فيها دولة وإنما أفراد.
كذلك نصت اتفاقيات جنيف على تعهد الدول الأطراف باتخاذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة، وتلتزم كذلك بملاحقة المتهمين باقتراف تلك المخالفات الجسيمة.
وأكد النظام الأساسي لمحكمتي يوغسلافيا 1993 في مادته السادسة ، ورواندا في مادتيه الخامسة والسادسة على مبدأ المسئولية الشخصية الجنائية الفردية دون الاعتداد بالصفة الرسمية التي لا تعفي من المسئولية الجنائية وتثور بموجبها المسئولية لكل من يخطط أو يحرض أو يأمر أو يرتكب أو يساعد على ارتكاب الجرائم الدولية .
فالنظام الأساسي لتلك المحاكم الدولية يعد دعامة جديدة في نظام المسئولية الجنائية الدولية للأفراد.
وقد جاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تتويجًا لنظام المسئولية الجنائية الفردية ، بحيث نصت المادة (25) على اقتصار اختصاص المحكمة على الأشخاص الطبيعيين في اتجاه معاكس لمحكمة العدل الدولية التي تختص بنظر المنازعات بين الدول حول انتهاك أحكام القانون الدولي لتحديد المسئولية ، والتي على أثرها يتم تقرير الجزاء القانوني بحق الدولة المنتهكة لقواعد القانون الدولي ، فمحكمة العدل الدولية هى الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ، والتي عهد إليها بتسوية النزاعات القضائية بين الدول دون أية صفة جنائية للأحكام الصادرة عنها والتي تقتصر –غالبًا-على التعويض ، بخلاف المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالأفراد فيما يتعلق بمسئوليتهم الشخصية عن الجرائم التي تدخل اختصاص المحكمة وتتسم منظومتها القضائية بصبغة جنائية.
وقد نص النظام الأساسي في المادة (25-2) على أن " الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسئولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب "، فالنطاق الشخصي لاختصاص المحكمة الجنائية يتعلق بالأفراد بصفتهم الشخصية.
#سامح_خليل_الوادية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسئولية الدولية عن جرائم الحرب الاسرائيلية - الجزء الأول .
المزيد.....
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|