|
طائفيون بلبوس ماركسية القسم الرابع
محمد صالح مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 11:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
طائفيون بلبوس ماركسية ـ القسم الرابع المناسبات الدينية الشيعية و ربط المواطن الشيعي بالمؤسسة الدينية في بداية منشأها و قبل أن يتم تسييسها كانت المواكب الحسينية أقرب إلى كرنفالات مفتوحة لكل العراقيين من مختلف الطوائف و الاديان ، و قد بدأ محتواها و تنوع جمهور المهتمين بها يتضاءل و ينحسر في تمثيل ابناء الطائفة فقط بسبب التسييس و تحميلها شعارات سياسية و استعمالها كوسيلة تحريضية . ثم ما لبث طابعها االسياسي أن اخذ بعدا اخر بعد الثورة الإسلامية في ايران و سعى منظمو هذه الفعالية الى ان تكون وسيلة تحريض و تحشيد من اجل اقامة دولة اسلامية على غرار ما حصل في ايران فلم تعد تحضى باهتمام العلمانيين الذين تعاملوا معها بتوازن حتى من ابناء الطائفة او اهتمام اولئك الذين لم يعتبروا النموذج الايراني جديرا بالإقتداء . إذا ما كان رجال الدين السنة موظفين لدى الحكومات فإن الدعم االمالي الذي يتلقاه رجال الدين الشيعة يتأتي من مصادر عديدة اهمها الخمس إضافة الى المصادر المالية الضخمة المتأتية من مواسم الزيارات . و الاكثار من المناسبات الدينية يديم هذه المصادر المالية ليس للقائمين على خدمة المراقد الدينية فحسب بل للطبقة التجارية التي يرتبط عملها بمواسم الزيارات و تزيد هذه المناسبات بشكل كبير من حركة الاقتصاد في المدن المقدسة مما يعني موارد هائلة لادارات المراقد الدينية إذ يتدفق على هذه المراقد مئات الالوف من الشيعة و من غير الشيعة في العديد من المناسبات . و هذه الموارد الكبيرة التي تحصل عليها مرافق الاقتصاد من مطاعم و فنادق و محلات بيع ..الخ تمول القيادات الدينية مرة اخرى في دورة لا تنتهي مما شكل نوعا من التحالف بين طبقة رجال الدين الشيعة و طبقة التجار هذه ( البازار في ايران مثلا ) يتضمن ضمان مصالح الطرفين على حساب جماهير واسعة من المؤمنين . و قد أديمت المناسبات و عُززت و تفنن منظموها في ابتكار اشكال الجذب للمواطن البسيط بشكل خاص و إزداد و تعمق بمرور الوقت الاتجاه الحزين و الذي يقوم على اغراق المواطن الشيعي بسيل من العاطفة المتدفقة و الحزن الازلي و استدرار دموعه للمحافظة على ارتباطه بالمؤسسة الدينية مما انتج ثقافة نوح و بكاء و طرازا من التفكير و نمطا من الفن يتمثل في البكائيات و التشاؤم و الاستسلام و القدرية و سهولة الانقياد . و تعدى تأثير مثل هذه المراسيم دائرة التأثير على المواطن البسيط و تجاوزه الى أوساط واسعة من المثقفين التي دافعت و بررت بل و شاركت في هذه المناسبات و ذرفت الدموع الساخنة . ساهم قيام السلطات القمعية و خصوصا سلطات النظام السابق بعمليات قمع ضد المشاركين في هذه المناسبات و قيامها بمنع ممارسة هذه الشعائر في تقوية التمسك بها. لم تكن عمليات القمع الصدامي سوى مقويات لمثل هذه الطقوس و المراسيم و منعت و حدت من النقد البناء الموجه اليها خوفا من اعتبار الناقد مصطفا مع الديكتاتورية بل و اكتسبت المراسيم هذه بعدا سياسيا نقديا كرس نتائج رجعوية . فقد شاركت احزاب يسارية علمانية فيها و كانت لها مواكبها الخاصة دون ان تفكر في انتقاد الممارسات التي تضمنتها و أغراضها الكامنة المستترة مما ساهم في تكوين الملامح الحالية لجيل اليوم المنقاد للمؤسسات الدينية بمختلف اشكالها ، و الذي أدى الى افلاس القوى السياسية اليسارية بشكل خاص و التي ساهمت في مثل هذه النشاطات و تحشيد القوى لصالح القوى الدينية ، و سنجد هذه الملامح واضحة لدى الجيل الحالي المغرب عن الواقع الحالي و المتعلق بشكل مرضي بما حدث قبل ما ينوف على الـ 14 قرنا في استعادات ماضوية رسخها ليس رجال الدين وحدهم بل اوساط واسعة من المثقفين فيما تخلت اقوى احزاب اليسار عن الراية بعد فقدت الجرأة على انتقاد الممارسات الظلامية . فما هو أصل مراسيم العزاء هذه و من أين اتت و هل لها اية صلة بالاسلام ؟
كتب وائل مهدي في دورية العراق :
" بدأت هذه العادة المسيحية في القرن الثالث عشر والرابع عشر وكانت طقسا دينيا أدين فيما بعد باعتباره وثنيا . وكان الطقس يتم علنيا امام الجمهور. والعادة لم تكن غريبة على كثير من الديانات السابقة للمسيحية مثل طقس آيزيس في مصر وديونيس في اليونان. وكذلك مارس اليهود جلد الذات بالسوط خلال الاحتفالات الدينية الكبرى . في باديء الامر كان جلد الذات نوعا من (التوبة) في الكنيسة المسيحية . والى جانب الجلد كانت المواكب تتضمن اناشيد دينية وحركات معينة وازياء. اول سابقة في القرون الوسطى كانت تلك التي حدثت في بيروجيا عام 1259. وانتشرت منها الى شمال ايطاليا ثم النمسا. وسجلت حوادث اخرى في 1296 و 1333-34 وخاصة في وقت انتشار الطاعون (الموت الاسود) عام 1349 و 1399. والسبب وراء ابتداء هذه الحركة في بيروجيا غير واضح ولكنها اعقبت انتشار الوباء وقد انتشرت مواكب الجلد مثل هوس شعبي خلال المدينة كلها . فقد خرج الوف الناس في مواكب منشدين الاغاني الدينية وحاملين الصلبان والرايات . وبلغ الهوس الى حد ان من لم يشترك كان يتهم بالتحالف مع الشيطان وقد قتلوا يهودا ورهبانا عارضوهم."
اما الدكتور فاضل السوداني فقد كان له رأي مختلف إذ كتب في شبكة العراق الثقافية ما يلي : " حاول الاستشراق الغربي كعادته ان يمنح كل اصول تراثنا الى الخارج(الايراني الاغريقي الهندي)!! ومن ضمن هذا التراث العراقي، التراث الحسيني، وبالذات(طقوس التعزية ـ التشابيه) في عاشوراء. ومن ضمن تقولاتهم انها تعود الى الاغريق والى الايرانيين، وانها ذات اصول مجوسية!! بينما هنالك دلائل عديدة، على انها قديمة في العراق، قدم التشيع العراقي، أي منذ مقتل الامام الحسين(ع) في كربلاء. انها نشأت مع(حركة التوابين) الذين خرجو الى شوارع الكوفة بعد شيوع خبر مقتل الحسين، وراحو يندبون ويبكون على الشهيد. ومن دلائل قدم هذه الطقوس في العراق، انه في زمن سيطرة البويهيين(الشيعة) على بغداد العباسية، سمحوا للعراقيين بعمل طقوس العزاء في شوارع بغداد، بعد ان كانت ممنوعة قبلهم. هنالك من يربط هذه الطقوس كأستمرارية طبيعية، لطقوس صلب السيد المسيح التي كان يقوم بها نساطرة العراق، وايضا كاستمرارية لطقوس موت(تموز)(اله الخصب والذكورة) التي كانت تقام في شهر تموز حيث يموت فيه هذا الاله بسبب الجفاف والقحط، والتي كانت ايضا تدوم عشرة ايام، أي بالضبط مثل احتفلات(عاشوراء)!! " و يشير الدكتور رشيد الخيون في دراسة منقولة عن الملف في 31 كانون الثاني 2007 " أشارت الحوادث إلى انطلاق مراسم عاشوراء من أرض العراق، من قبل نشرها ببغداد إبان العهد البويهي السنة 353هـ، وتطعيمها من قِبل الشعوب الأخرى بما لديها من مظاهر جلد الذات."
و قد أضيف طقس آخر جديد للمراسيم الحسينية في بعض دول الخليج لم يعمل به العراقيون حتى الآن و من الطريف أن نقرأ في نفس المصدر أي شبكة العراق الثقافية ما يلي " ينقل سماحته ـ أي سماحة العلامة الشيخ ابراهيم الانصاري البحراني ـ اني رأيت احد الشبيبة الباكستانيين قد وقف هناك و بيده علما من الاعلام الحسينية ثم اصطف و رائه جمع من الاطفال الباكستانيين . فقال أيها الناس هذه الساعة نريد أن نعلم اطفالنا كيف يتوكلون على الله في المشي على هذه الجمار الملتهبة و انهم لن يحترقوا ببركة الحسين عليه السلام . انظروا الى معجزة الولاية الحيدرية . فتلا قوله تعالى ( يانار كوني بردا و سلاما على ابراهيم ) " لنقرأ الآن ما ورد في الموقع الالكتروني للاذاعة البلغارية تحت عنوان راقصو و راقصات الجمر يكرسون وصلاتهم الفنية للقديسين كونستانتين و إلينا :
" ان الرقص على الجمر , ويسمى بالبلغارية " نيستينارستفو", هو الحدث الاكبر في فعاليات الاحتفال بعيد القديسين كونستانتين والينا يوم 21 الشهر الجاري. ان هذه الرقصة تعكس طريقة عبادة قديمة وتتمثل في احترام الدفء والحرارة والشمس : وينتشر في التقاليد الشعبية البلغارية اعتقاد بان نار الارض انعكاس للنور السماوية , وفي الربيع عندما تنبعث الشمس من جديد بعد فصل الشتاء , يجري تطبيق مختلف الطقوس المرتبطة بالنار . ومن المعتقد ان الناس يقومون بهذا الشكل بتشجيع الشمس ونورها وشعاعها لجلب الخصوبة و العافية. ويتمثل اهم هذه الطقوس في المشي السريع على جمرات النار وهناك من يعتقد بان الشخص الذي يقوم بذلك سيكون سليما معافى طيلة ايام السنة. بيد ان الراقصين والراقصات على الجمر يقومون باكثر من ذلك اذ انهم يدوسون وهم حفاة على الجمرات بل ويقومون باداء الرقصات عليها بشكل طقوس معينة, ومن المذهل ان اقدامهم لاتصاب بسوء." إن المشي على الجمر المتقد هو من الممارسات و الطقوس الهندوسية و التي يمارسها الهندوس منذ القدم ، بل و يمارسون أيضا الجلوس او الاضطجاع على المسامير بدون ان يصيبهم مكروه. المثير أن البلغار و الهندوس و ربما اقوام غيرهم يمارسون هذه الطقوس دون أن يلحق بهم أي أذى ودون الحاجة الى اية معجزة ! و قد استفادة بعض اوساط السنة من امثال هذه الممارسات و أعطوها تكيفا دينيا على نفس الطريقة التي سبق ذكرها مما صرح به سماحة العلامة الشيخ إبراهيم الانصاري حيث جعلها الدراويش ممن يتبعون مختلف الطرق وسيلة لإثبات قدرة الله و الدعوة الى دين الاسلام ، من الواضح ان هذه الممارسات لا علاقة لها بالدين لا من قريب و لا من بعيد و انما هي ممارسات و طقوس لاقوام مختلفة و دوافعها مختلفة كذلك و يساهم فيها اناس مؤمنون وغير مؤمنين بل و احيانا وثنيون . على أن من المناسب الاستشهاد بما كتبه الدكتور علي شريعتي و الذي يوصف بأنه معلم الثورة الايرانية في كتابه " التشيع العلوي و التشيع الصفوي " . ما كتبه الدكتور شريعتي مهم بشكل خاص لأنه لا يمكن ان يتهم بانه مستشرق غربي على حد تعبير الدكتور فاضل السوداني كما انه لا يمكن ان يوصف بأنه معادٍ للشيعة أو طائفي . يقول شريعتي : " ذهب وزير الشعائر الحسينية الى أوربا الشرقية و كانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض ـ و اجرى هناك تحقيقات و دراسات واسعة حول المراسيم الدينية و الطقوس المذهبية و المحافل الاجتماعية المسيحية و أساليب احياء ذكرى شهداء المسيحية و الوسائل المتبعة في ذلك حتى انماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات ، و اقتبس تلك المراسيم و الطقوس و جاء بها الى ايران حيث استعان ببعض الملالي لاجراء بعض التعديلات عليها لكي تصبح صالحة لاستخدامها في المناسبات الشيعية و بما ينسجم مع الاعراف و التقاليد الوطنية و المذهبية في ايران ، ما أدى بالتالي الى ظهور موجة جديدة من الطقوس و المراسم المذهبية لم يعهد لها سابقة في الفلكلور الشعبي الايراني و لا في الشعائر الدينية الاسلامية ، و من بين تلك المراسيم النعش الرمزي و الضرب بالزنجيل و الاقفال و التطبير و استخدام الآلات الموسيقية و اطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة و فرادى ، و هي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل انسان مطلع على تلك المراسيم أن يشخص ان هذه ليست سوى نسخة من تلك ! " ص 208 و يضيف شريعتي : " كل هذه المراسيم و الطقوس الاجتماعية و العرفية هي صيغ مقتبسة مما هو عند النصارى في اوربا ، و قد بلغت هذه الظاهرة حدا من السذاجة ان الاقتباس يتم بصورة حرفية دون ادنى تغيير ، حتى أن بعض المظاهر تنطوي على رفع علامة الصليب ....و لذلك نرى ان بعض الجوقات يتقدمها ما يسمى بـ ( الجريدة ) و هي شيء يشبه الصليب و كان بعينه يستخدم في جوقات العزاء المسيحية " المصدر ص 211
هل يمكن اعتبار مثل هذه المناسبات كرنفالات احتفالية ؟ لن نناقش اصل هذه الطقوس فهذا بالنسبة لنا غير مهم على الإطلاق بالنسبة لسياق الحديث عن المرتكزات الفكرية للفكر الشيعي لأن هذه الطقوس موجودة و يجب ان تؤخذ كأمر واقع ، و مما هو اكثر اهمية أن تؤخذ جميع هذه الممارسات و الشعائر و المبادئ في الفكر الديني الشيعي كحزمة واحدة مترابطة يخدم بعضها بعضا و أعني به : العصمة ، الولاية .. الخ و ارتباطها بالطقوس الحسينية و كيف ان هذه الاخيرة تخدم نفس الغرض الذي يسعى إليه رجال الدين عموما و رجال الدين الشيعة خصوصا في الابقاء على ارتباط الفرد بالمؤسسة الدينية مع اعادة التذكير بالماضي السحيق ما دام الحاضر و الحداثة و المعاصرة لا تقدم أي خدمة لتحقيق هذا الغرض ـ أي ربط الانسان بالماضي ـ بل العكس تماما تفعل هذه العوامل فعلها عكس هذا الاتجاه أي تعطيل التبعية المطلقة و تعرقل مسعى القيادات الدينية لوضع حجابٍ بين الرعية و الحاضر ، حجابٍ لحمته و سداه مستمدان من الماضي السحيق ، لمنعهم من التفكير بحل دنيوي لمشاكلهم و بذا فان مناقشة هذه الطقوس يجب أن تركز على الهدف من الابقاء على طابعها و تعزيز هذا الطابع ، أي الطابع الديني لهذا النشاط ، هذا سيكون اكثر جدوى من الانشغال بالمنشأ الذي لا يعني أي شيء. فبعض المثقفين وجد في اصل هذه الطقوس و ما هو منشؤه عراقي ، اسلامي ، ام مسيحي ..الخ وجعلها مادة تلهي عن تقييم دورها الاجتما ـ تاريخي و التهرب من تحديد موقفه منها . و من الطبيعي إن الموقف من هذه الاحداث سيأخذ منحا آخر لو ان الناس مارست هذا الطقس عفويا أو فيما اذا كانت التشابيه ذات طابع كرنفالي بحت . أما على الجانب الآخر فسيسعى رجل الدين الأصولي ـ وخصوصا السني ـ الى مناقشة منشأ هذه المراسيم و اصلها من محور آخر وسيكون المنشأ بالنسبة له ذا أهمية حاسمة و هي بالنسبة له ستكون بدعة طالما أن صدر الاسلام لم يتضمن هذه الطقوس و طالما إن منشأها غير إسلامي سواء كانت مستمدة من تقاليد بلاد وداي الرافدين او من الثقافات المسيحية فالامر بالنسبة له سيان و ستكون هذه الفعالية عندئذ تحت عنوان البدع و سيقول كل بدعة ظلال و كل ظلال في النار. إن البدع هي سلاح حدين يؤطر الاسلام و يمنع مرونته و يعرقل اندماجه بالحضارة و يجب النظر الى موضوع التقاليد الجديدة من منظور اكثر مرونة فقد افتي رجال الدين السعوديون على سبيل المثال بتحريم تقديم الزهور الى المريض الراقد في المستشفيات باعتبارها عادة مستمدة من بلاد الكفر و الاكتفاء بالدعاء له بالشفاء . و لو ان كل ما هو موجود في بلاد المسلمين اخذ من هذه الزاوية لكان من الضروري تحريم كل مظاهر الحضارة مثل السيارات و الاتصالات و الادوات المنزلية و وسائل الاتصال ..الخ مما يجعل حياة المواطن مستحيلة ، و تقديم الزهور عادة جميلة و لا ضير في ان تكون مقتبسة من هنا او من هناك ما دام جوهرها لا يتعارض مع حكم الاسلام . و بذا فان من الضروري النظر الى جوهر الفعل و محتواه و ليس شكله و مصدره . ما هو الموقف إذن ؟ أما نحن فلا يعنينا هذا الامر لاننا ، أو يفترض اننا ، سنناقشها من وجهة نظر نقدية ـ تاريخية وبذا لن تكون لدينا حساسية اذا ما كانت هذه الشعيرة مستمدة كليا او جزئيا من ثقافات اخرى . فالمسعى الى ثقافة وسلوك و طقوس و عبادات نقية هو مسعى مثالي و غير واقعي و الكثير من تقاليد العبادات التي اقرها الاسلام و حتى في صدر الدعوة كانت مستمدة من الديانات السابقة ، و كما قلنا سنركز بدلا عن ذلك على موضوع هل ان هذه الطقوس و الممارسات تخدم مصالح المجتمع و مصالح تطوره و ترفع من الوعي الاجتماعي ، ام انها على العكس تصب في عملية التجهيل و التبعية و ابقاء اوساط واسعة من الجماهير تحت سطوة الماضي و توفر لهم هروبا سلبيا يلهيهم عن الانخراط في الحياة اليومية الدنيوية الواقعية . و بذا نعود الى السؤال لماذا لا يتم اعتبار هذه المراسيم كرنفالات على غرار كرنفالات امريكا اللاتينية و اوربا التي كانت في معظمها اذا ما تتبعنا الجذور مناسباتٍ و مراسيمَ دينية تحولت بمرور الوقت الى كرنفالات تزين حياة الناس و تساهم في إغناء حياتهم الثقافية ؟ و لماذا لا نغير موقفنا منها استنادا الى ذلك ؟ لماذا لا نتعامل معها من منطلق الجانب الفني الذي تحتويه التشابيه كما يريد الدكتور فاضل السوداني مثلا ؟ لماذا لا ننظر الى هذه الفعالية باعتبارها فعالية انسانية تندد بالظلم و تنتصر لشخصية تاريخية ذات قيم كبيرة ضحت بنفسها في سبيل العدل و المبادئ مما لا يختلف عليه الشيعة و السنة على غرار احتفال الاكراد و اقوام اخرى بأعياد النوروز كمثال للتصدي للظلم و الدلالات الثورية و الجوانب الاحتفالية المرافقة لها ؟ فإذا ما استبعدنا من المراسيم الحسينية الجانب الذي يدفع بالناس الى تصعيد هستيري و الى التطبير و جلد الذات بـ ( الزنجيل ) و هو الحاق ضرر جسدي و نفسي بالذات لا يمكن تبريره تحت أي تبريرات ، نجد عدا ذلك إن هذه المراسيم لم تطرأ عليها التحولات التي طرأت عليها في المجتمع الغربي العلماني و المدني و لم يتم إخراجها عن طابعها التجهيلي الذي يهدف الى تكريس النفوذ لصالح رجال الدين و تغريب المواطن عن الواقع بإعاشته في الماضي و ليس في الحاضر و تعزيز ميله الى الحزن و ليس الى الفرح و تكريس تغريب المواطن الشيعي عن وطنه و مشاكله المشتركة مع أبناء وطنه و طبقته و جعله منشغلا بمشاكل الماضي و إشكالات سياسية تعود الى الماضي السحيق لا ناقة له فيها و لا جمل لإبقائه منتميا للطائفة بدلا من الانتماء للوطن ، و لا أدل من تكريس رجال الدين لمثل هذه المناسبات لمصالحهم من تصريح احد رجال الدين في أعقاب أحداث جسر الأئمة المأساوية التي راح ضحيتها العشرات من بسطاء الناس من الأبرياء و التي جاءت ردا على دعوة بعض الأطراف للتعقل في الظرف الحالي و عدم حشد المواطنين في الظرف الاستثنائي و عدم تسهيل مهمة الإرهابيين في إلحاق الأذى بأبناء الطائفة و المواطنين العراقيين حين صرح بأنهم مصممون على إدامة هذه المناسبات حتى لو دفعوا في سبيل ذلك المزيد و المزيد من الضحايا ( و لكنه لم يقل انه شخصيا و أبنائه لا ينبغي ان يكونوا بين الضحايا ). لم يكن هذا الجواب مثيرا للاستغراب أبدا . و الفرق الأساسي الآخر بين كرنفالات الأقوام الأخرى و الممارسات و الشعائر الحسينية هي ان جميع الأقوام الأخرى تكرس مثل هذه المناسبات للفرح بينما تكرس هذه المناسبة للحزن و مزيد من الحزن . إن بكاء المواطن الجنوبي هو تنفيس عن الحزن الدفين المتراكم بسبب سنوات متعاقبة من القهر السياسي و الاجتماعي و الأسري وخصوصا بالنسبة للنساء . أن هذه المناسبات التنفيسية تصرف المواطن عن التفكير في واقعه المزري و تمنعه من الانخراط في عمل فاعل لايجاد حل لمشاكله و دفع واقعة الاجتماعي نحو الاحسن نحو المعاصرة و التحديث أو على الاقل العيش في الحاضر و ليس في الماضي . ففي كل عام يجتمع الآلاف و الملايين من الناس و تجتمع النسوة بشكل خاص ليبكين مآسيهن و واقعهن الاجتماعي و الاقتصادي المزري و فقدان الاعزة من أبنائهن بإستسلام قدري ، مما يكرس لديهن ما يفيد بان الظلم ازلي ، لكي يعدن بعد ذلك الى البيوت ليقمن بالتحضير لدورة البكاء و النحيب القادمة في دورة لا تنتهي . ملاحظة ( حذفت العديد من الصور الضرورية بسبب نظام النشر في الحوار المتمدن )
#محمد_صالح_مصطفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طائفيون بلبوس ماركسية القسم الثالث
-
طائفيون بلبوس ماركسية القسم الثاني
-
طائفيون بلبوس ماركسية
-
مقدمات صعود الإسلام السياسي
-
القضية الكردية و التحولات الحاسمة
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|