|
إعلان دمشق والأصابع الأمريكية
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2141 - 2007 / 12 / 26 - 10:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ما بين التكويعة الكبرى، والاستدارة الحادة التي قام بها مؤسسو ما يسمى بإعلان دمشق من التعويل سابقاً على الإخوان كقوة أساسية لـ "التغيير الديمقراطي"، وهذا حسب خطابهم، إلى التعويل على الشريك الأمريكاني، ثمة مفارقات سلوكية وإيديولوجية حادة وخطرة تتبدى بين هذه وتلك مكرسة في المحصلة تلك الأحكام القطعية القيمية عن لا مبدئية ولا أخلاقية السياسة على الإطلاق، وتضع أكثر من علامة استفهام حول جدوى وغايات هذه الإعلانات. فالعداء المطلق والمزمن للنظام بناء على مدركات ملموسة تماماً، هو ما يدفع بالإعلانيين للبحث الحثيث عن تحالفات ناجعة تكشف عن تخبط أكثر مما توحي بالثقة، علـّها تعيد توازن مفقود مع كل متحول إقليمي بعد أن استعاد النظام زمام المبادرة مجدداً على الصعيد السياسي إقليمياً، وبعدما أصبحت ورقة الإخوان خاسرة وساقطة من الحسبان، على الصعيد التنظيمي، والتي كرست وكشفت انتهازية سياسية أكثر من كونهم محتمل تغييري وذلك عبر تحالفهم (الإخوان) المريب مع خدام، ضاربين بعرض الحائط بالتزامهم السابق مع جماعة الإعلان الذين غامروا بدورهم مغامرة سياسية كبرى عندما صاغوا مسودة البيان التأسيسية الأولى لتبدو وكأنها مشروع لإعلان دولة الخلافة الإسلامية إرضاء للإخوان وإمعاناً في تحدي النظام. غير أن هذه الخدمة الجليلة من قبل الإعلانيين لم تنفع البتة عندما سال لعاب الإخوانيين لخفق "الوعود المغرية" البراقة والعاجلة التي أطلقها خدام ولم يتحقق شيء منها، حتى اللحظة الراهنة، على الأقل، رغم انتهاء صلاحية جواز سفره والتي كانت حسب تقديراته علامة فاصلة وآخر موعد لبقاء النظام في سدة الحكم.
بداية، لا بد من التذكير بأن حملة الاعتقالات لم تكن اعتباطية ولا ارتجالية، طالما أنه كان قد مرّ، قرابة الأيام العشر، ما بين التئام الاجتماع في بداية هذا الشهر، وحملة الاعتقالات التالية، وكان هذا، ربما، وبحد ذاته كفيلاً لتجميع معطيات لدى الأجهزة الأمنية لا يمكننا الجزم بماهيتها تماماً، إلا أنه يمكن بناء أو بلورة تصور كاف حولها، لجهة وجود العامل الأمريكي وراء كواليس الإعلان، ولن نذهب إلى حد القول بأنه هو ربما كان من أعطى إشارة البدء بعقد الاجتماع، ولاسيما بعد تلك التصريحات البارزة والنفي المتكرر عن روائح أمريكية نفاذة تحت السطح وخلف ركام الخطابات التهليلية، وتمثلت بترحيب أمريكي بالاجتماع، ناهيكم عن لقاء غير عادي أو مسبوق لجورج بوش مع أعضاء لا يخرجون أنفسهم عن دوائر الإعلان، ولسنا هنا أيضاً بصدد تقييم أولئك الأشخاص أو هذا اللقاء، وفيما إذا كان الاستقواء بالخارج الأمريكي مشروعاً بأي حال وفي أية مرحلة من مراحل "التغيير الديمقراطي" المزعوم.
وواهم من يعتقد أن العين الأمنية كانت غافلة عن موعد ومكان التئام الاجتماع. ومن هنا لا يصح الادعاء البتة، بأن الإعلانيين قد حققوا خبطة أو اختراقاً أمنياً ما، كما حاول البعض الإيهام أو الإيحاء. فما السر الذي يجعل الأجهزة الأمنية "تتريث" عشرة أيام بلياليها قبل أن تقوم بحملة الاعتقالات الشهيرة ضد رموز الإعلان سوى تلك "المعطيات" الجديدة التي أثارت حفيظة جنرالات الأمن الكبار؟ وقرار أمني كهذا لا يستأهل بالعادة كل ذلك التطويل و"المط"، والإبطاء والإمهال ولا ينطوي، وحاشا، على أي نوع من التردد والمجاملة والاستحياء؟ فما عدا مما بدا؟ وهل أفسد الأمريكيون، وكعادتهم، فرحة الإعلانيين لتذوق نكهة أي انتصار، ومن أي نوع كان؟ ومن الجدير ذكره، في هذا الصدد، بأن الأخبار والتسريبات، كانت تتواتر وراء الكواليس، ومن هنا وهناك، وبين جموع المهتمين والنشطاء داخل سوريا وخارجها، وكلها تدور حول "النية" والاستعداد لعقد هذا الاجتماع في أمد غير بعيد. ولا يعقل أن يمر كل هذا الهمز واللمز والهمس دون أن يعرج بطريقة ما على المكاتب الأمنية. وبغض النظر عن الموقف من المعالجة الأمنية للمشروع والتي تبقى في نهاية المطاف معالجة أمنية، فإن الإعلانيين لم يوفقوا البتة في توقيت عقد هذا المؤتمر لعدم توفر نفس الظروف الإقليمية التي رافقت الإشهار الأول للإعلان.
وأتت تصريحات رياض الترك أحد صقور الإعلان والذي قامر بتاريخه الشخصي عبر ضبابية مواقفه، حسب هيثم المناع، ولا يجب أن تصدر عن رجل مثله قافزاً على حقائق وبدهيات بسيطة،لتصب في طاحونة الاستقواء بالخارج، ولتؤكد وتتناغم مع الاتجاه العام بوجود أصابع أمريكية خفية وراء "طبخة" الإعلان الجديدة وتزيد من الادعاءات الذاهبة في هذا الاتجاه الأمر الذي حدا اليوم بثلاثة أعضاء فاعلين، حسب قدس برس التي أورت النبأ، بتجميد عضويتهم في التجمع احتجاجاً على المواقف السياسية لأمانة إعلان دمشق الحالية، وهم السادة هيثم المناع، وناصر الغزالي وماجد حبو، الذين اعتبروا أن المؤتمر الأخير للتجمع الذي احتضنته دمشق وتم فيه انتخاب أمانة عامة جديدة للتجمع، هو الخنجر الثاني الذي يوجه للمعارضة الديمقراطية بعد الخنجر الأول الذي مثله تحالف الإخوان المسلمين والنائب السابق لرئيس الجمهورية عبد الحليم خدام. وقد انتقد المناع في الوقت نفسه تصريحات الترك الأخيرة، ومواقفه "الضبابية" من الولايات المتحدة الأمريكية، قائلاً وبالحرف الواحد ما يؤكد بشكل قطعي صدق الروايات المتواترة عن البصمات الأمريكية في موجة الإعلانات الشامية: "..... وكان هنالك طرف آخر كان يرى بأن أيام النظام كانت معدودة بسبب اغتيال رفيق الحريري والمحكمة الدولية، لكن عندما لم يتم شيئا من هذا بدأ هذا الفريق يمد يده للخارج صراحة ولأمريكا تحديدا دون استشارة أحد". وأضاف: "من أسباب تجميدنا لعضويتنا في تجمع إعلان دمشق تصريحات رياض الترك لـ"قدس برس"، وهي تصريحات كان يقولها في الشارع قبل أن تنقلها عنه "قدس برس"، حيث أصبحت مواقفه من الولايات المتحدة الأمريكية ضبابية تماما مثل موقفه من جبهة الخلاص". وجوابا على سؤال وجهته له "قدس برس" عن سبب تجميد العضوية وليس الاستقالة، قال مناع: "نحن نعتقد أننا نعبر عن تيار عريض داخل تجمع إعلان دمشق وليس عن رأي ثلاثة أشخاص فقط، لهذا جمدنا عضويتنا ولم نستقل". وخلص إلى القول:" نحن من الأساس أول من طالب بعلاقات ممتازة مع الإخوان، وقد كنت أول من أعلن معهم تحالفا في لندن، لكنهم ارتكبوا خطأ كبيرا بالتعويل على عبد الحليم خدام ووجهوا خنجرا للجميع يوم تحالفوا معه، لأنه هو الذي صاغ مسودة القرار 49 الذي يقضي بإعدام كل منتسب لجماعة الإخوان، ولهذا نحن نعتقد أن المعارضة لا يمكنها أن تتحمل جبهة الخلاص".
انتهت تصريحات المناع المثيرة، التي أتت برداً وسلاماً على الإعلانيين ورموزهم، فهل ثمة من داع لأولئك الصادحين بالحق لمطالبة نشطاء سورية بكافة أطيافهم وتلاوينهم بالوقوف مع إعلان مشبوه من بابه لمحرابه، ومن تاريخ ميلاده إلى يوم وفاته؟ وهل بعد الكفر من ذنب؟
لقد شكل اعتقال رموز الإعلان، ومن وجهة نظر أخرى، وإذا سلمنا بالبعد الأمريكي في الموضوع، رسالة تحد من نوع خاص، إلى الإدارة الأمريكية بالذات ما انفكت السياسة السورية عن مناكفتها في غير مكان، والتي احتفت، وبطريقة غير معهودة ومألوفة بالإعلان الجديد، ما يضع عشرات علامات الاستفهام حوله. ولا بد هنا من الإشارة والتذكير إلى الحكم القاسي الذي صدر بحق الدكتور كمال اللبواني، وفي ظل ظروف إقليمية لم يكن النظام وقتها يحسد عليها، والذي كان قد أطلق تصريحات نارية عنيفة ضد النظام خلال جولته الأمريكية متهدداً إياه بالويل والثبور وعظائم الأمور ما انتهى به إلى زنزانة انفرادية في صيدنايا، في رسالة لا تخطؤها البصيرة عن مدى الحساسية المفرطة التي يكنها النظام ضد أي نوع من ارتباط الفعل المعارض مع الخارج أو التعامل معه والاستقواء به بأي شكل من الأشكال. فما بالكم وحالة الاسترخاء الواضحة التي ينعم بها النظام؟
بعيداً عن ذاك التطنيب والافتنان المفرط، أوألحان الغرام الأحادية، ومواويل الرثاء الحزينة التي تنطلق من هنا وهناك، فقد كرس هذا الاجتماع اللاحق لقوى الإعلان، أزمة بنيوية ومعرفية ورؤيوية حادة بدأت مع الإعلان السابق، أكثر مما قدم حلاً مقنعاً لسيل الإشكاليات الرابضة في الساحة عبر صبيانية سياسية لا ترتقي البتة إلى خصوصية الحالة السورية المتميزة والمتفردة إقليمياً ودولياً، وتعامل معها بنفس تلك الأدوات التقليدية من الشللية والحزبوية والاصطفافية والغوغائية والارتجالية الكيدية التي لا تصلح حالاً أبداً والتي أفضت لمستنقع الأزمات المزمن هذا. وهي بمجموعها، تجعل من غير الممكن ومن المبكر جداً إحداث أي إجماع عليه من قبل جميع شرفاء سوريا وأبنائها المدركين تماماً لما وراء أكمات هكذا إعلانات حتى وإن تسترت بلبوسات الديمقراطية والتغيير والإصلاح، والتي لن تخرج عن كونها تمهيداً لإشعال فتيل الفتن وتوطئة للاحتلالات.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وإذا المغتصبة سُئِلَت بأية شريعة جلدت؟
-
مأزق الإخوان المسلمين
-
آل البيوت السياسية
-
حوار ساخن عن الأصولية وأم الدنيا
-
الحوار المتمدن: شمعة جديدة تقهر ظلام الفكر
-
أنابوليس خليجية: زمن التوافقات
-
في حوار مع نضال نعيسة IPS:عقوبة الإعدام تعزز مصالح أنظمة الا
...
-
الدكتور: دكاترة لا عالبال ولا عالخاطر
-
فالج الفواليج: في الرد على النقاش
-
نُذر الشؤم
-
الكافيار السوري
-
لا لإرهاب الفكر، ومسخ العقل
-
هل كان السلف صلحاً فعلاً؟
-
باب الحارة: جذور الاستبداد
-
موائد الرحمن
-
نحو مؤسسة أكثر تجدداً للحوار المتمدن
-
نور الدين بدران: وداعاً
-
زمن الحارات
-
إستراتيجية الغزو السلفي
-
الأميّة بين الجاهلية والإسلام
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|