|
باسم الهيجاوي حين تبكي فاطمة .. من كان يبكي
سعاد جباره
الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 08:59
المحور:
الادب والفن
تحملك لغة الشعر عادة إلى فضاءات تراودك في كل لحظات عمرك دون أن تكترث لها ، تتجاوزها كمن يتجاوز إشارة مرورية غير مبال للنداءات حولك ، تسلبك موسيقى الشعر شيئاً من ذاتك ، فكأنك تراقب صورتك في المرآة ، في وطن البعد وفي زمن أكثر ما نكون فيه بعيدين غرباء عن ذواتنا ، تلقي بعض الكلمات فيك روحاً جديدة ، فكأنك تتقمص دور البطولة ، وكأن الشعر يرد صدى صوتك ، فتراك تلبس الألم وجهاً لا قناعاً ، أما هو ـ في صومعته الشعرية ـ فلن يكون غريباً بعد اللحظة في سجن الكلمات التي كبَّلَت روحك ، لن تكون غريباً منعزلاً في ثنايا تجربة ، فلك اليوم أن تطلق عنان روحك ، وأن تخفيها خلف بريق العناوين المموهة . حين تبكي الروح ، يبكي العمر ، تبكي تفاصيلنا الصغيرة ، طقوسنا التي اعتادتنا أكثر مما اعتدناها " حين تبكي فاطمة " :
" ـ أعددتَ شاياً للصباح ؟ ـ أعددتني . ـ كوبين ؟ ـ لا ، كوباً ، وينكسر النظرْ "
وحين تبكي صورته ، الرجل الذي اقتلع زهرة فاطمة ، هدم جدار روحها ، باع أفراحها بلا ثمن ، وعاد يبكي عليها بصورتها :
" إني كسرتُ زجاج روحك بالصدف "
يتكئ على جفنيها الدامعين ، ربما ، لكنه يدمع قبلها ، تراه رآها مكبلة بالدموع ؟ أما هو فقد بكى شعراً ، ذكريات ، وطناً صار عنه غريباً ، ولا عزاء له في ذلك ، فهو الطفل متنكراً بزي الطفولة ، وأي رجل هذا الذي لا يكون طفلاً في حرم امرأة ؟ طفلاً يدمر قلعته بذاتها ، هي أجمل من أحب ، وأجمل من عشق ، ومن عرف ، وأول من يضعه بين يديه معيده طفلاً ، وكم يغدو صعباً كسر الروح بعد أن تصل تلك اللحمة وذلك الانصهار :
" عبثاً أفتّشُ عن بلادٍ لستِ فيها ، عن فضاءٍ لستِ فيهْ عبثاً أفتشُ عن شبيهْ "
لستُ أدري إن كان يبحثُ عن روحه ، عن نفسه في ثنايا روحها ، في ملح دموعها ، لستُ أدري إن كان يفتش لنفسه عن ميناء يرسو فيه وقد هجره المرفأ مبتعداً ، وهجر المرفأ مبتعداً ، ابتعد راضياً ببعده ، لكني أكاد أجزم أن تلك التي جعلت رجلاً مثله يتدثر بخصلات شعرها ، يرسم شعراً يحرك سكون الصخر ، يستتر متفجعاً لعبراتها المتناثرة أرضاً ، تلك التي لها أن تفاخر نساء الكون ، فهي وهي وحدها من حركت قلمه بهذه الحميمية ، وذلك الحنين المتأرجح ، وهي من لا ترضى ولا أرضى أن تكون خيالاً ، وأراها أكبر من الحقائق .
كنتُ أتكهن مأخوذة بذلك الجو الشعري الذي تثيره كلماته ، لكني وجدته يلقي لي طوق نجاة يلغي حيرتي ، فهي لن تكون حروفاً ، ولن تكون امرأة نسجها خيال شاعر ، لن تكون إلا حقيقة ، وهذا ما أسرّت لي به صفحاته ، قلبه الصغير في قريته النائمة بين الجبال ، هي إذن من تلغي أي قادم سواها ، وهي من تحفر اسمها في ذاته ، في أمسه وغده ، في تفاصيل حياته المنسية ، وهي من توجِد أبجدية شعرية خاصة بها في دواوينه ، هي بذكراها من تحيله صامتاً أمام صورتها ، هي من تكبله ، وهو من يشد وثاقها فلا انفكاك للروح عن الروح ، ولا أراه يخلدها شعراً طارقاً باباً للنسيان .
الغريب في الأمر أنني لا أستطيع نسيان وجهي ، صورتي ، صوت حنجرتي ، وأنا أنظر إلى صفحات القصيدة ، هي إذن بهذا الطول ، قلت : طويلة ! واستحضرت كل ذلك الموروث الأدبي والشعري أيام المعلقات والأسواق الشعرية ، وتساءلت بصوتٍ مذبوح : أيعقل أن تستقيم الحالة الشعرية والأدبية لشاعر فتعطيه هذا النفس الشعري والذخيرة الحية ، فيسترسل في تياره الشعري ؟ أيمكن له أن يحافظ على سطوة العاطفة وعذوبة الكلمات وسلاسة الأسلوب حتى الرمق الأخير ؟ وتساءلتُ ، فوجدتُ كل هذه التساؤلات تتكسر أمام الدفق الشعري ، لم أعد أكترث إذا ما كان قد كتبها في جلسة واحدة أم في عدة جلسات ، في لحظة واحدة أم في عدة لحظات ، لكنه جو شعري فرض نفسه بقوة ، وانتزع مكانته انتزاعاً .
#سعاد_جباره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحيل
-
صدى الذاكرة
-
سنابل تحترق بصمت
المزيد.....
-
ثبت الآن”.. تردد قناة ناشونال جيوغرافيك National Geographic
...
-
المزيد من الـ -Minions- قادمون في فيلم جديد
-
موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الص
...
-
شائعة حول اختطاف فنانة مصرية شهيرة تثير جدلا (صور)
-
اللغة العربية ضيفة الشرف في مهرجان أفينيون الفرنسي العام الم
...
-
تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
-
الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين
...
-
رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا
...
-
الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف-
...
-
الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب
...
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|