سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2140 - 2007 / 12 / 25 - 09:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن تاريخ صدر الإسلام ، ابتداءا من النبي محمد و مرورا بالخلفاء الأوائل ، مثلت ـ قياسا إلى ذلك الزمن ـ حكومة شعبية أو سلطة تحاول أن تعكس رضا الغالبية من المحكومين ، فتجد محمدا و هو النبي يجلس بين الفقراء و ينظر في مشاكلهم بل و كان يتعرض لانتقادات لاذعة من العامّة دون أن يرد عليهم بأوامر الإعتقال أو التّعسُّف ، و كان الآخرون ، أبو بكر و عمر و علي ـ استثنينا عثمان لقيامه بتصرفات هي أقرب للحاكم المطلق ، يسيرون على هذا النهج ، ملاحظة أن عليا هو الوحيد الذي أظهر الجانب الأكثر إنسانية من الإسلام و كان حريصا على عدم التفرقة الدينية أو العنصرية تجاه مواطنيه ، مما ألّب عليه العرب لمساواته بينهم و بين الموالي "أي غير العرب" و ألّب عليه قريشا لمساواته بينهم و بين سائر العرب ( أنظر: وعاظ السلاطين ـ للدكتور المرحوم علي الوردي) ، كما أن النزعة الاستعلائية العربية كانت في طريقها للذوبان و الانصهار لو لا أن عمر "الخليفة الثاني" أنشأ ديوان "الأنساب" فراح العرب يبحثون و يدققون في أنسابهم (أنظر: تأريخ العرب قبل الإسلام ج 1 ـ تأليف الدكتور جواد علي) لربما كانت النزعة القومية تكاد أن تكون شيئا من الماضي في العالم الإسلامي.
إن النصوص الإسلامية المقدسة "القرآن تحديدا" شبه صامتة عن إيجاد نموذج واضح للحكم ، و حتى الشيعة الذين يقولون بأن النبي عيّن عليا خليفة و حاكما و إماما من بعده ، يستعينون بأحاديث نبوية لأن القرآن ها هنا ـ كما يصفه علي بن أبي طالب ـ هو "حمّـال أوجُه"!! بمعنى أن يحتمل أكثر من تأويل و معنى و تفسير explanation .
و لهذا السبب نجد أن التاريخ الإسلامي ـ السني تحديدا ـ شرع الانقلابات الدموية و أن الحاكم الشرعي هو من غلب ، و في الوقت الذي حكم في الفقهاء بعدم جواز التمرد على الحاكم الظالم ، إلا أنه من الواجب إطاعة المتغلب "أنظر : شرح العقيدة الطحاوية لإبن أبي العز و أيضا العواصم من القواصم لابن العربي الفقيه المالكي" ، و أعتقد أن هناك أملا ضئيلا في نشوء إصلاح فكري و عقائدي في داخل هذه المدرسة "السنية" ، خصوصا و أن النماذج السائدة من الحركات الإسلامية "الإخوان المسلمون ـ في مصر" ، علينا أن لا ننسى أن حركات التطرف الإسلامي كتنظيم القاعدة و الهجرة و التكفير وجدت لنفسها دعما و تأييدا من قبل قاعدة الإخوان و المصريين منهم على وجه الخصوص ، و "حماس ـ الأراضي الفلسطينية" و "جبهة العمل الإسلامي ـ الأردن".
............................................................
آفاق الإصــلاح في الإسلام السياسي
يعاني الإسلام السياسي ، حاله حال كل حركة سياسية قائمة على أساس آيديولوجي ، من ضيق آفاق الإصلاح السياسي ، و نتيجة لانغلاق العالم الإسلامي منذ القرن الخامس و بعد هيمنة "الإسلام الأرثوذكسي ـ التقليدي" من تفاسير ضيقة و غير متسامحة مع الآخر ، و الملاحظ أن الحركات الإسلامية ، "الإخوان المسلمون ـ تأسسوا في مصر 1928 على يد حسن البنا" ، "الإخوان في سوريا" ، "جبهة الإنقاذ في الجزائر" ، كلها أحزاب قائمة على فكرة "الصراع مع الآخر" ـ رغم أن الثقافة الشيعية و حركات الإسلام السياسي الشيعي ها هنا لها اختلافاتها الجذرية مع الحركات الإسلامية في الوسط السني و أظن أن هناك كثيرا من المساحات اللا مكتشفة في الفكر السياسي الشيعي ، إلا أن الحركات الإسلامية الشيعية لم تنجو من هذه النمطية الرجعية في التفكير.
و لأن العالم الإسلامي قد وأد "مدرسة العقل" في فترة مبكرة من تاريخ الإسلام ، فإن التراث الإسلامي لا يحفل بالكثير من التوازن في التسامح مع الإيمان و غير الإيمان ، و رغم أن الوسط الشيعي كان أكثر تجاوبا مع تنوع و تعدد الأفكار ، لكن نظرية "ولاية الفقيه" أدخلت الفكر الشيعي في عمق الأزمة السائدة و بدلا من خلق تجربة جديدة أو مختلفة في "إيران" ـ و هي دولة ذات أغلبية شيعية إلى جانب العراق و البحرين ـ إلا أن ثورة إيران 1979 خلقت تجربة تطرف مماثلة لحالة الحركات الإسلامية السنية ، و لا ننسى تأثير فترة ما يسمى بحركات التحرر من الإستعمار الغربي ، القرن 19 و 20 و ما تلاها من قيام أنظمة قومية هي خليط من الآيدولوجيات "الإسلامية ـ القومية ـ الوطنية ـ الشيوعية".
إن تراث الفكر الإسلامي مليء بفكرة رفض الآخر ، فعندما جاء الغزالي توفي 505 هـ 1111 م و أنكر قيمة العقل و أحكامه من جهة ربط ما يورده البحث المنطقي في كتابه "تهافت الفلسفة" ، جاء إبن رشد توفي 595 هـ ليفند الفكرة الغزالية و باتجاه معاكس تماما إذ جعل "العقل" أحد المقدسات في كتابه "تهافت التهافت" ، و رغم تطرف كلا الطرفين في رأيه ، إلا أن المنطق الرشدي "نسبة إلى ابن رشد" كان ليتطور لو قدّر له البقاء ، بينما كانت نتيجة منهج الغزالي هو الدخول في عصر هيمنة "الدولة" على الدين و العقل في الوقت نفسه ، و هكذا كان الغزالي بحق هو فيلسوف عصر الظلمات و الانحطاط الثقافي.
و لنعد إلى الحركات الإسلامية و الفكر الإسلامي ، الذي اختلط للأسف بالنظرية القومية و لم يعد فكُّ الارتباط بينهما ممكنا ، فنجد الإسلام إلى جانب النظريات القومية "العربية" ، "التركية ـ إلى حين ظهور مصطفى كمال و فصله بين الدين و الدولة" .. إلخ.
و حتى عندما ظهر جمال الدين الأفغاني الذي ظهر بشخصيته البراغماتية كداعية للإصلاح ، إلا أن الرجل لم يكن مصلحا حقيقيا بسبب ضبابية آرائه و مواقفه المتناقضة مع الحكام ، تماما كما فعل مع السلطان عبد الحميد الثاني حيث لم يكن موقفه واضحا أو لنقل على نسق واحد تجاه المشروطة "الدستور العثماني" و مكافحة الدكتاتورية ، و كان "عبد الرحمن الكواكبي ـ مؤلف طباع الاستبداد" ينشد الحرية بمعنى أن لا يحكم "تركي أو عجمي" على "العرب" مما يعني أن السلطان العثماني التركي لو كان "عربيا" لكان مقبولا.
إن تلبُّس ما يُسمّى بحركات التحرر في "العراق" ، "مصر" ، "سوريا" ، "ليبيا" ، "المغرب" ، "السودان" ، "إيران" ، إندونيسيا ، بلباس الدين و استخدام الدين كسلاح بوجه من أسماهم أهل هذه البلاد بـ"المستعمرين الكفار" ، هذا الأمر جعل البنية الأساسية لهذه الدول التي حصلت على استقلالها أو سيادتها الواحدة تلو الأُخرى ، بنيانا هشّا و على أساس غير واضح ، فلا هي مبنية على أي نظرية إسلامية "دينية" واضحة ، بمعنى أن الهوية الدينية للبلد ضبابية و مطاطة قابلة لتفسير الحاكم المهيمن على البلد ، و يستفد أهل هذه البلاد من اؤلئك الذين استعمروهم أو انتدبوهم أو لنقــُـل أداروا هذه البلاد ، كالبريطانيين و الفرنسيين في بلدان الشرق الأوسط ، فالعراق مثلا كان أفضل حالا من حيث الحريات و تنظيم شؤون الدولة في فترة الهيمنة البريطانية ، بينما تدهور العراق حينما تقوى الحكم المحلي.
يقول الدكتور جمال البنا في محاضرة ألقاها في منتدى "الإسلام و الإصلاح 2005" و الذي أقامه مركز ابن خلدون:
"وقد جربت هذه البلاد الديمقراطية خلال المرحلة الليبرالية من تاريخ مصر التى بدأت بدستور 1923 حتى قيام الانقلاب العسكرى سنة 52. وكانت هذه الفترة هى أفضل فترة فى تاريخ مصر الحديث وحققت مصر فيها معظم إنجازاتها، وتقبلها ولم تعترض عليها المؤسسة الدينية " الأزهر " كما أن الإمام حسن البنا المرشد المؤسس للإخوان المسلمين أثنى على دستور 23 وقال : إنه لا يعارض الإسلام. وليس أدل على ذلك من أنه فى ظل هذا الدستور أقام الإخوان المسلمين دون أى معارضة أو مضايقة" ـ الإسلام و الإصلاح ج 2 ص 64
كذلك الحال بالنسبة للحركات الإسلامية التي غايتها "تحكيم الشريعة" ، دون أن تجعل غايتها تحرير المواطن و الإنسان من كل استغلال ، حتى من ذلك الذي يتم تحت ستار الدين أو الشعارات الوطنية ، كما أن تركيز الإسلاميين على النماذج التاريخية الضبابية و إغراق المثقفين في جدال بيزنطي فارغ حول التراث و النصوص ، أغرق المجتمع في أزمة تعريف العلاقة بين الدين و الدولة و المواطن.
و من هذا الرجوع المتشدد إلى الماضي النابع أصلا من فلسفة ماضوية ، فإن الحركات الإسلامية و تنظيماتهم الحزبية و الاجتماعية و الاقتصادية لا تمتلك ممارسات ديمقراطية حقيقية ، باستثناء مظاهر محدودة مما اصطلحوا عليه بـ"الشورى" ـ و هي عملية ليس لها أسس و آليات واضحة و لا تتعدى أن تكون إلا صورة أُخرى لمجالس شيوخ عشائر و قبائل في الجزيرة العربية ـ و من المستغرب أن يتّخذ الإسلاميون الشيعة هذا النمط من الشورى خصوصا و أنهم عقائديا يرفضون النظام أو هرمية النظام المطبق منذ 1400 عام ، باستثناء فترة حكم علي بن أبي طالب "الإمام المعصوم الأول حسب العقيدة الشيعية" ، و ما دام الإمام المعصوم ـ حسب النظرية الشيعية ـ غائبا و الفقهاء و المراجع غير معصومين و عرضة للغلط ، فإن الأولى هو تطوير مفهوم "الشورى" نحو الديمقراطية الشاملة.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟