مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2142 - 2007 / 12 / 27 - 11:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة الطبعة اليونانية لكتاب : ما بعد الرأسمالية
بقلم نيكولاس رابيتس , 4 ديسمبر كانون الأول 2003
ز نت
إن كلمة "الباركون* - اقتصاديات المشاركة" في عنوان هذا الكتاب غير معروفة لكل اليونانيين تقريبا . بالمثل فمن غير المعروف لكل سكان الأرض كيف ستكون "الحياة بعد الرأسمالية" , الذي هو العنوان الثانوي للكتاب .
يحاول مايكل ألبرت أن يقدم تصورا عن هذه الحياة ما بعد الرأسمالية غير المعروفة .
بعد استعراض سريع لمعنى كلمة "تصور أو رؤية" في القواميس نكتشف أن معناها كسعي وراء التغيير الاجتماعي هو في الحقيقة معاصر أو حتى غير موجود كلية .
يضيف معجم أوكسفورد الشهير المؤلف من عدة مجلدات هذا المعنى فقط في عام 1987 في ملحق للمعجم و ذلك بإدخاله ما يلي : " الرؤية : القدرة على تصور ما قد تتم محاولته أو إنجازه , خاصة في مجال السياسة " . حتى أن معجم كامبريدج الدولي للغة الانكليزية لعام 1995 يبدو أكثر تقدما بالتفسير التالي : "القدرة على تخيل كيف ستتطور دولة أو مجتمع أو صناعة الخ في المستقبل و التخطيط بطريقة مناسبة " .
القواميس الأمريكية ( خاصة القاموس الهام لويبستر ميريام ) ليس فيها أي ذكر عن رؤية اجتماعية . يتوقف قاموس ويبستر عند ما يلي "بصيرة أو حصافة غير عادية" . لقد جرى ترديد هذا المعنى منذ عام 1945 و حتى 2003 ( الكتاب الجامعي 11 ) . و هي مفقودة حتى قبل عام 1945 .
لا يوجد أي ذكر مهما يكن عن التغيير الاجتماعي أيضا في القواميس الفرنسية . أما في الألمانية فهناك ببساطة المعنى الذي يتحدث عن "التخطيط للمستقبل " ( دودن , 2000 ) .
أخيرا , في معجم اللغة اليونانية المعاصر لبابيتويتيس هناك الحاشية التالية : "الاستخدام المجازي لكلمة أوراما كبديل عن الكلمة الانكليزية تصور أو رؤية دخل الخطاب السياسي في عقد الثمانينيات من قبل سياسيي حزب الباسوك ( ملاحظة : أسس أندرياس باباندريو القادم من أمريكا حزب الباسوك كحزب اشتراكي لكنه كان في الواقع حزبا يمينيا بشدة ) . كما هو متوقع استعار الاشتراكيون اليونانيون ليس فقط كلمة "رؤية" بل استعاروا أيضا المضمون ( غير الموجود ) للرؤية الغربية .
لدى كل إنسان القدرة ( و الحق ) بأن يملك رؤية اجتماعية , هذه هي الطريقة التي يمكن للمجتمع الإنساني أن يعمل بها في المستقبل . في الحقيقة يمتلك كل البشر رؤية اجتماعية بالغريزة . من المحتمل أن كل هذه الرؤى متماثلة تقريبا في عناصرها العامة . لكن ليقوم شخص ما بالتعبير علنا عن رؤيته فإن عليه أن يكون جريئا . يعتبر من الغرور أن يقترح شخص ما على الملايين من أمثاله كيف يمكنهم أو يجب عليهم أن يعيشوا .
و مع ذلك فإن الكثير من الناس يقبلون رؤى "حكماء" معينين من التاريخ أو لأسباب شخصية ( أكثر من الاهتمام الذاتي ) , إنهم يقبلون أنظمة اجتماعية أخرى تطورت عبر التاريخ على أنها صحيحة .
يجب على المرء أن يعترف أن ألبرت كان يمتلك الجرأة ليعلن رؤيته علنا .
لكن ما هي رؤية ألبرت ؟ إنه الباركون , أو اقتصاديات المشاركة .
من الطبيعي أن رؤية ألبرت تستند ليس فقط على المعرفة الفلسفية و السياسية و الاجتماعية المستمدة من التاريخ بل أيضا على تجربته الشخصية .
إن جوهر رؤية اقتصاديات المشاركة هي القيم التي توجه هذه الرؤية , إنها أساسه الأخلاقي . هذه القيم هي : المساواة , التضامن , التنوع و الإدارة الذاتية . يريد ألبرت التأكيد بأن يكرر هذه القيم مرات لا حصر لها . في البداية قد يبدو مستغربا إصرار ألبرت هذا على تكرارها . لكن مع استمرار القارئ يصبح واضحا لماذا كان هذا ضروريا .
عند هذه النقطة من المناسب أن أقدم ملاحظة عامة عن الطريقة التي يجب بها قراءة هذا الكتاب . في كثير من الأحيان تكفي قراءة أجزاء من كتاب ما لقبول أو رفض مضمون كتاب ما . أما كتاب ألبرت فينتمي إلى تلك النوعية من الكتب التي من الضروري أن تجري قراءة كامل الكتاب . إنني أحفز قارئ هذا الكتاب أن يتمتع بالصبر لكي يقرأه كاملا . القارئ الذي لن يقرأ الكتاب كله لن يكون منصفا لا مع نفسه و لا مع ألبرت .
إن رؤية ألبرت محددة بالمجال الاقتصادي من تنظيم المجتمع , و من هنا جاء اسم "الباركون" ( اقتصاديات المشاركة ) . إن تحليل ألبرت للمشكلة الاقتصادية , إلى جانب ما سبق ذكره من قيم أساسية , يرتكز على تفكير منطقي كلية ( و لذلك فهو تفكير مخلص ) . هذا النوع من التحليل يمكن تسميته ب"الباركوني" ( نسبة للباركون أي اقتصاديات المشاركة ) . و وفقا لألبرت فقد يكون بمقدور آخرين فيما بعد أن يقوموا بتحليل الجوانب السياسية و الثقافية و القرابة و غيرها من المجتمع بطريقة باركونية .
إن هذه الخصائص للتحليل الباركوني ( الأساس الأخلاقي , العقلانية و الإخلاص ) تدفع من قبل ألبرت إلى أقصاها . ربما تكمن هنا الفروق بين الباركون ( اقتصاديات المشاركة ) و سائر الرؤى التي تستند على أساس إنساني ( اشتراكي , أناركي , الخ ) .
على سبيل المثال يقدم ألبرت "مركبات العمل المتوازنة" balanced job complexes و المكافأة وفقا ل"الجهد و التضحية" .
إن مركبات العمل المتوازنة هي خليط من المهام الممتعة و المزعجة التي يجب أن يقوم بها كل عامل . على سبيل المثال يجب على الجراح أن يقوم إلى جانب الجراحة بالقيام بأعمال ليست ممتعة أو مريحة , لكن التي من الضروري أن يقوم بها شخص ما . أو أن يتضمن مركب العمل لعاملة التنظيف قسما "يرفع من شأنها" كما يقول ألبرت . أي أنه سيرفعها إلى مستوى أعلى من التعليم ( التدريب ) و المعرفة و الإمكانيات . إن الأساس الأخلاقي لهذا الاقتراح أكثر تقدما إلى حد كبير من أي شيء آخر تم اقتراحه حتى الآن .
بالمثل فإن مكافأة الناس بحسب جهدهم و تضحيتهم و ليس وفقا لمساهمتهم الشخصية في الإنتاج على سبيل المثال كما تقول الاشتراكية هو اقتراح أكثر تقدما بكثير من وجهة نظر أخلاقية .
إن اقتراح الطريقة الباركونية لاتخاذ القرارات , الذي يقوم على قاعدة أن مساهمة كل فرد في اتخاذ القرارات يجب أن تتناسب مع تأثير هذا القرار عليه , هو ذا صفة أخلاقية مشابهة .
ليختبر صلاحية هذه الرؤية يستخدم ألبرت طريقة فعالة ( و جريئة ) جدا . إنه يقوم بنفسه بطرح الأسئلة المتوقعة من النقاد المحتملين للباركون و يجيب عليها بطريقة صريحة بشكل ملفت للنظر . إننا نعتقد أنه لم يحاول التهرب من الإجابة على أي سؤال انتقادي يمكن أن يطرح بشكل منطقي .
لدى الباركون ( اقتصاديات المشاركة ) الآن تاريخا من عشرة سنين . لقد نفذت الترجمتان الإيطالية و الإسبانية الآن . أما الترجمات إلى اللغات الأخرى هي في طور التحضير .
أخيرا فإننا نقدم مثالا يوضح كيفية تطبيق الباركون . دعونا نفترض أنه من الضروري إشادة المباني في مدينة ما وفقا للطريقة آ التي هي صحيحة إنشائيا و اجتماعيا . لكن بوجود النظام الاجتماعي القائم في المدينة فإن مجموعة قليلة من الناس في المدينة يقررون أن يبنوا هذه المباني وفقا للطريقة ب التي هي خاطئة من الناحية الإنشائية لكنها مربحة .
إذا ما جرى تطبيق الباركون في المدينة بدلا عن النظام الاجتماعي القائم فإن قرار إنشاء هذه المباني سيتخذ بطريقة تشاركية و سيقع الاختيار على الطريقة آ التي هي الطريقة الصحيحة ( و ليست المربحة ) .
هذا المثال ليس افتراضيا . هذه المدينة هي مدينة فولفوس في وسط اليونان . بعد زلزال أواسط الخمسينيات بدأ المهندسون ببناء مباني من طابق أو طابقين بحسب الطريقة الصحيحة المقاومة للزلازل . بعد حوالي عشرة أشهر بدأ بناء مباني عديدة الطوابق ( أبنية الشقق ) التي لم تكن صحيحة من حيث مقاومة الزلازل لكنها كانت مربحة ( جدا ) .
إن الزلزال الكبير القادم في هذه المدينة سيبرهن ربما على قيمة المنطق الأخلاقي الأساسي التي هي في مركز الباركون ( اقتصاديات المشاركة ) .
* Parecon : participatory economics أو اقتصاديات المشاركة .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.zmag.org/parecon
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟