أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد صالح مصطفى - طائفيون بلبوس ماركسية القسم الثالث















المزيد.....


طائفيون بلبوس ماركسية القسم الثالث


محمد صالح مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 2140 - 2007 / 12 / 25 - 10:07
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عصمة الأئمة

نكرس الفصل التالي لتحليل المنظومة الفكرية الاصولية الشيعية بشكل رئيسي الا اننا هنا و هناك سوف نعرج على مرتكزات الفكر الاصولي السني كما ذكرنا ، و لعل هذا القسم والقسم الذي يليه هو أهم الأقسام و يتضمن مراجعة تاريخية لهذا الفكر . فالفكر الشيعي قد اعتمد كليا على التاريخ لتبرير منظومته الفكرية و بالتالي سلوكه السياسي ـ الديني .
و نكرر هنا ما قلناه في القسم الأول من البحث من إننا نقف من الإسلام السياسي موقفا واحدا و نعتبر الفكر الديني ـ السياسي بكافة أشكاله ، شيعيا كان أم سنيا أم مسيحيا ...الخ غير قادر في وقتنا الحاضر على قيادة الأمور الدنيوية و أمور الدولة و مؤسساتها . و يكمن الحل إنما في فصل الدين عن الدولة ، أي اعتماد العلمانية التي تحترم الدين ، و العمل على جعل دور العبادة هي المكان الطبيعي لرجال الدين و جعل مهمتهم تقديم النصائح و الإرشادات للراغبين في المزيد من المعرفة في أمور الدين مع عدم التدخل في أمور الناس الشخصية من سلوك يومي و ملبس و مأكل و مشرب تحت واجهة " الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر " و ترك مثل هذه الأمور الشخصية للمشرعين و للسلطة التنفيذية و من خلال القانون و المخولين بتطبيقه .
ظهر الدور المتزايد للإسلام السياسي ـ الديني الشيعي بسبب موجة الأسلمة التي شهدتها المنطقة العربية و منطقة الشرق الأوسط و خصوصا بعد الثورة الإسلامية في إيران و كان من الملفت للنظر ـ على اثر ذلك ـ محاولة بعض " المثقفين " التعامل مع هذا الفكر ـ أي الفكر السياسي الديني الشيعي ـ باعتباره مختلفا عن نظيره في الإسلام السياسي السني ، و ذلك انطلاقا من مواقف طائفية مموهة و خصوصا في أوساط اليسار و الكثيرين من مدعي العلمانية .
شهدنا على إثر ذلك على صفحات الانترنت و الصحف العديد من المقالات لكتاب " يساريين و علمانيين " تحاول أن ترسم صورة مخالفة للواقع و تزين او تجمل هذا المذهب أو ذاك اعتمادا ليس على دراسة علمية محايدة معمقة و انما على معتقدات لا تقوم على اساس من العلم . و هذه الفورة في التصريحات تتصاحب في العادة مع صعود " المنتصرين " قبل أن تأخذ وقتها وتهدأ و تتم مراجعتها و العودة عن المغالاة الى العقلانية ، و لكن مما يؤسف له أن ذلك قد يستغرق وقتا ليس بالقليل مما يؤدي الى سقوط الآلاف من الضحايا نتيجة للمزيد من تحشيد قوى المجتمع و توتير قواه .
و الدراسة هذه ، عدا ذلك ، هي جزء من المساهمة في عمليات رفع النقاب عن الحقائق التي كانت مستترة تحت اقنعة مموهة .
و نبدأ بأهم المرتكزات و هو عصمة الائمة طارحين السؤال التالي :
ـ هل الائمة معصومون حقا ؟
عصمة الائمة هي الفكرة المركزية في الفكر الديني ـ السياسي الشيعي تقوم على أن الائمة الاثني عشر معصومون لا يرتكبون أي خطأ و أي فاحشة و قد استند منظروا الشيعة في ذلك الى الأية :". إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً " و بغض النظر عن الاختلاف في تفسير هذه الآية و أسباب النزول و فيما يراه بعض المفسرين استنادا الى سياقها انها نزلت في نساء النبي و ليس في نسل علي و فاطمة فقط ، الا اننا لن نسمح لأنفسنا أن ندخل في متاهات التفاسير و اسباب النزول و الدوافع السياسية التي تختفي وراءها مما لا طائل وراءه و انما نأخذ بمناقشة الموضوع على محاور ثلاثة :
أولا : المحور العلمي العقلي و هل يمكن تقبل عصمة البشر .
ثانيا : المحور الديني العقلاني الذي يرى أن الرسول استنادا الى نصوص مقدسة و حوادث ثابتة مرت في حياته لم يكن معصوما .
ثم نناقش ثالثا : الدوافع الكامنة وراء التركيز على عصمة الأئمة و ما هو الهدف من اعتبارها ركنا أساسيا من أركان التشيع .الدافع و الهدف مهمان لإماطة اللثام عن التكييف الذي تتعرض له النصوص المقدسة من أجل أغراض سياسية و من أجل توطيد النفوذ ، و قد تفرع عن مبدأ الإيمان بعصمة الأئمة و بحقهم المطلق هم و ذريتهم دون غيرهم في حكم المسلمين و بالتالي التبعية المطلقة لرجال الدين الشيعة والمجتهدين باعتبارهم ممثلين للإمام الغائب تفرع ما يعرف بمبدأ " الولاية " التي اعتبرها بعض مفكري الشيعة أهم من كل العبادات و إداء الفروض بل إن بعضهم ذهبت به المغالاة في تصريحات تلفزيونية مسجلة محفوظة لدينا الى اعتبار الولاية أهم من القواعد الإيمانية كالصلاة والصوم و أهم من القواعد الأخلاقية كالشرف والنبل والعدل .
و فيما يلي سنتناول هذه المحاور بالتفصيل
المحور الأول
المحور الأول هو من أوضح و ابسط المحاور و اقلها تعقيدا فهو يحتاج ، ببساطة ، الى تحكيم العقل و أخذ الأمور على طبيعتها و مراعاة سننها و بالرغم من أن هذا المحور يتداخل مع المحور الذي يليه فإنه ليس لدينا في هذا المجال الكثير لكي نقوله سوى : إن العقل لا يقبل بعصمة البشر أو بوجود بشر لا يخطئون و ذلك ببساطة لأن وجود أناس مثل هؤلاء هو أمر غير ممكن و إن ارتكاب الخطأ و الهفوات أمر حتمي بالنسبة لجميع البشر و هو ملازم لهم مع أهمية الإشارة الى الاختلاف الشديد بين فرد و آخر في فداحة الخطأ و تكراره و الدوافع و النوايا الكامنة و راءه ، و ما هي الآليات الكفيلة بتقليل احتمال الخطأ قدر المستطاع مثل العمل بالمشورة فيما سنعرض له في صفحات لاحقة.
و كما قلنا فإن هذا الأمر لا يحتاج الى الإطالة لأننا لن نستفيد عمليا من ذلك ، فالذي لا يؤمن بعصمة البشر إستنادا الى العقل سوف لن نزيده في البراهين ، و على الجانب الأخر فان الذي يؤمن بعصمة البشر لن تستطيع هذه المحاججة ان تزحزحه قيد انملة عن قناعته . لذا فان تناولا آخر ، تناولا على المستوى الديني ـ الإيماني أي الاعتماد على النصوص و الوقائع فيما سيلي ربما يكون اكثر نفعا . و بالرغم اننا سنحاول ان نسوق أمثلة على ان الرسول نفسه لم يكن معصوما في الامور الدنيوية الا عن الكبائر كما يرى مفكرون اسلاميون ، فان هذا لا يمنعنا من محاولة اخيرة نطرح فيها سؤالنا الى " المثقف " المؤمن بالعصمة : اذا كان الرسول محمد كنبي مرسل معصوما فعلا فهل تنتقل العصمة بواسطة العوامل الوراثية الى الجيل الآخر من نسله و ما هو التخريج العلمي لمثل هذا الانتقال ؟

ـ المحور الثاني :
هل كان الرسول محمد نفسه معصوما عن الخطأ عصمة مطلقة ؟
أليس الرسول معصوما بما أنزل عليه عن طريق الوحي و ليس معصوما في الأمور الدنيوية كما تشير أغلب الوقائع التاريخية ؟ الم يكن الرسول نفسه و أنبياء آخرين قد وقعوا حسب مصادر النص القرآني و حسب المصادر التاريخية بهفوات إن لم نقل بأخطاء ؟
سنناقش هذه الامور من منظور ديني و ليس من منظورعلماني مادي ، كما قلنا ، و حسب نصوص وردت في القرآن أو في وقائع تاريخية موثقة أي أن النقاش اللاحق سيكون ضمن الاطار الايماني نفسه .
و قبل الدخول باستشهادات نرى أن ننوه أن قوة فكر الاسلام في زمنه كانت قائمة على فكرة واقعية وهي : أن الرسول ما هو إلا بشر و أن الاسلام قد رفض بشكل قاطع الوهية الناس ، فقد أشير في أكثر من موقع في القرآن الكريم الى ان الرسول بشر : " إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " ( سورة فصلت الآية 6) . و هذه الآية عميقة الدلالة فالقرآن يشير على لسان الرسول إنه يمتاز عن البشر بالوحي فقط .
جاء في الحديث النبوي ان البشر كلهم عرضة للخطأ و انهم ليسوا معصومين " كل إبن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون " و استنكر الاسلام ألوهية المسيح و اعتبرها مدعاة و ذلك في سياق اعتباره جميع الرسل و الانبياء انما هم بشر مرسلون .
يقول معروف الرصافي في " كتاب الشخصية المحمدية " عن الرسول بعد ان يشير الى عظمته و قوة ارادته الى ما يلي :
" و هو ـ أي الرسول ـ مع ذلك بشرٌ يتعاوره من أحوال البشر ما يتعاور كل إنسان "
و يضيف الرصافي " و إذا ما دحضنا ما جاء به الرواة من الأخبار الملفقة بما يكذبها من المعقول و من آيات القرآن لم نرَ في حياته ما يخرق العادة و يخالف سنة الله " المصدر ص 17
و المثير أن الرصافي قد كتب هذه السطور في الفلوجة في العام 1933 أي قبل حوالي 80 عاما ! زمان و مكان ذو دلالة لبعض ماركسيي اليوم المتعلقين باذيال السادة و الشيوخ .
و نصوص القرآن التي تشير ضمنا الى ارتكاب الرسول أخطاء و هفوات تعرضت لإعادة تفسير لدى أصوليي السنة و الشيعة على حد سواء من أجل من جعلها ذات مغزىً آخر غير ما أشار اليه القرآن و أشارت اليه التفاسير غير المتحيزة سياسيا .

ـ " عبس و تولى أن جاءه الأعمى "

وردت الروايات من طرق أهل السنة أن الآيات نزلت في قصة ابن أم مكتوم الأعمى دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و عنده قوم من صناديد قريش يناجيهم في أمر الإسلام فعبس النبي عنه فعاتبه الله تعالى بهذه الآيات . و في بعض الأخبار من طرق الشيعة إشارة إلى ذلك.
و في بعض روايات الشيعة أن العابس المتولي رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل عليه ابن أم مكتوم فعبس الرجل و قبض وجهه فنزلت الآيات .
و قد أيد الدكتور علي شريعتي أن العابس المتولي هو الرسول نفسه و أيد ما ذهبت إليه الأغلبية . و ما ذكر من أن العابس المتولي هو رجل من بني أمية لا يعتد به لان من الواضح ان هذا التحريف للرواية و ضع لأسباب سياسية و من الواضح أن العابس المتولي هو الرسول نفسه و لولا ذلك ما نزلت الآية . كما إن من الأمور ذات الدلالة إن رواية أسباب النزول سالفة الذكر واردة في أخبار بعض الشيعة و ليس كلهم لأنها ستستعمل ، عندئذ ، ضد فكرة العصمة .
كما كان هناك الكثير من الوقائع التاريخية التي لا تخدم الإدعاء بعصمة الرسول المطلقة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
ـ اختيار مكان المعركة في بدر
جاء في سيرة ابن هشام :
«إنه عليه السلام حين نزل عند أدنى ماء من بدر لم يرض الحباب بن المنذر بهذا المنزل، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أرأيت هذه المنـزل أمنـزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه. أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال ( أي الرسول ) : بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنـزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننـزله، ثم نغوّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فغُوّرت، وبنى حوضاً على القليب الذي نزل عليه، فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية»، فالرسول صلى الله عليه وسلم استمع إلى مشورة الحباب وتبع رأيه.

ـ قصة تلقيح النخيل في المدينة
روى مسلم في صحيحه ، وابن ماجة في سننه ثلاث أحاديث تتضمن :
أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مر بقوم يلقحون النخيل فقال : لو لم تفعلوا لصلح . قال ثابت بن أنس : فخرج شيصا ، فمر ( صلى الله عليه وآله ) بهم . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما لنخلكم ؟ قالوا : قلت كذا وكذا . قال ( صلى الله عليه وآله ) : أنتم أعلم بأمور دنياكم .
يقول الآمدي : إن القائلين بجواز الاجتهاد للنبي ( صلى الله عليه وآله ) اختلفوا فيما هل يمكن أن يخطأ النبي في اجتهاده أم لا ؟ فذهب بعض أصحابنا إلى منع وقوع الخطأ في إجتهاداته ، وذهب أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث والجبائي وجماعة من المعتزلة إلى جواز ذلك ـ أي جواز وقوع الخطأ ـ
قال الشيخ محمد عبدة : وقد كان الإذن المعاتب عليه اجتهاد منه ( صلى الله عليه وآله ) فيما لا نص فيه من الوحي ، وهو جائز وواقع من الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وليسوا بمعصومين من الخطأ فيه ،
وإنما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحي ببيانه والعمل به . . . . ويؤيده حديث طلحة في تأبير النخل إذ رآهم يلقحونها.
الا ان الامر لم يتوقف عند النبي محمد بل الانبياء جميعا الذين اعتبرهم القرآن بشرا مرسلين و من ذلك ما جاء في قصة نوح .
جاء في القرآن الكريم ....
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} (هود: 42– 47). و بخ الله بهذه الآيات نوحا لانه تعاطف مع ابنه رغم انه لم يكن من المؤمنين به و نجى الله من آمن برسالة نوح حتى لو كان من غير أهله و لو تأملنا الآية لوجدنا أن نوحا يقول لربه داعيا مبتهلا بعد أن ادرك خطأه : " اني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و الا تغفر لي و ترحمني اكن من الخاسرين " و بهذا نجد أن نوحا قد دعى الله ان يغفر له زلته هذه على اثر عتاب الله له حين قال له : " فلا تسألني ما ليس لك به علم اني أعظك أن تكون من الجاهلين "
و من المفيد أن نورد ما ورد في دراسات قرآنية حيث نقرأ القصص القرآني القسم السابع ما كتبه رئيس المجلس الاعلى للمجمع السيد محمد باقر الحكيم ما هي المواعظ التي نستدل عليها مما ورد من حكاية نوح مع ابنه :
"يصرح القرآن الكريم بهذا المغزى عندما يضرب امرأة نوح وامرأة لوط مثلا للذين كفروا في سورة التحريم، ومنه يمكن أن نفهم المغزى من هلاك ابن نوح حيث لا توجد لأحد عند الله قرابة، وأن الكرامة عند الله تعالى هي للإيمان والعمل الصالح."
و بخصوص ما ورد في سورة يوسف من محاولة إمرأة العزيز جر يوسف الى المعصية و إغراءه بها :
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذلِكَ نَجْزي الْمُحْسِنِينَ* وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ* وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ*
يرى المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله في تفسير " و لقد همت به و هم بها " ما يلي :
أن من الطبيعي لأيّ شاب يعيش في أجواء الإثارة أن ينجذب إليها، تماماً، كمن تتحرك غريزة الجوع في نفسه بكل إفرازاتها الجسدية عندما يشمّ رائحة الطعام، وهذا أمر يلتقي فيه المؤمن بغير المؤمن، لأنه من شؤون الإحساسات الغريزية للجسد، ولكن القضية تتناول الموقف الذي يحدّد للإنسان شخصيته من مواقع الإيمان والالتزام، أو مواقع الكفر والانفلات. وهكذا نتصور موقف يوسف، فقد أحسّ بالانجذاب نحوها لا شعورياً، وهمّ بها استجابةً لذلك الإحساس، كما همّت به، ولكنه توقّف وتراجع، ورفض الحالة بحزم وتصميم، لأن موقفه ليس متعمداً، كما هو موقفها، ليندفع به نحو النهآية، كما اندفعت هي، ولكن انجذابه الجسدي كان يشبه التقلص الطبيعي، والاندفاع الغريزيّ.
ثم يتسائل هل في الآية ما ينافي العصمة ؟ فيقول
لقد تحدث المفسّرون كثيراً عن تأويل هذه الفقرة لما لها من علاقة بعصمة يوسف، معتبرين أنه قد لا يكون نبياً آنذاك، ولكن رأي الكثيرين، أن العصمة تسبق النبوّة، كما تلحقها أو ترافقها، ويرى بعض آخر أن النبي إذا لم يكن معصوماً قبل البعثة، فمن الطبيعيّ أن يكون ذا مناعة أخلاقية لا تسقط أمام آية حالة من حالات الإغراء .
ثم ما يلبث أن يجد حلا وسطا :
ولكننا في الوقت الذي نلتقي مع هؤلاء في جوّ الفكرة، مع بعض التحفظات في تفاصيلها، نعتقد أن العصمة، أو المناعة الروحية، أو القوة الأخلاقية، لا تتنافى مع الحالة الإنسانية التي تخضع لعوامل التأثر الطبيعيّ الإنساني بالرغبة والرهبة .
الشخصية السياسية و الشخصية الدينية للرسول
سيجد الدارس الموضوعي لشخصية الرسول ( ص ) و سيرة حياته أن الرسول يجمع في شخصه جانبين : النبوة كبشر موحى إليه من جهة ، و الشخصية السياسية الدنيوية الواقعية التي كانت ، إضافة الى الوحي ، تتمتع بالعبقرية السياسية و التقدير السليم لموازين القوى و التوقيتات المناسبة من جهة ثانية . ففي الواقعة التي مر ذكرها في التحضير لمعركة بدر ، و هي التي ربما قررت مصير الإسلام ، نجد فيها أن الرسول لجأ الى المشورة و الى التدابير الضرورية التي يقوم بها كل قائد يوفر مستلزمات النصر . و اذا ما استزدنا من تأمل و دراسة التجربة الكبيرة للرسول ـ تاريخ و ظروف عقد صلح الحديبية و بنودها مثلا ـ ، و خصوصا ما درج على تسميته في التعبير المعاصر القدرات التكتيكية و الستراتيجية ـ و هو الذي جمع في شخصه النبوة و قيادة الدولة و ما تتطلبه من عمل تنظيمي ، نجد أن ليس كل ما قام به الرسول كان ذا ارتباط مباشر بالوحي و انما إدراكا السنن الدنيوية التي هي في نهاية المطاف سنن إلهية و لذلك نجد ، كما سيرد علينا في ما يلي من هذه الدراسة ، ان الرسول كان أقل امتلاكا للمعجزات مقارنة " بالمعجزات " التي تنسب لأتباعه و الذين جاءوا بعده ، وذلك لان المعجزات كانت تنسب الى العديدين زورا و بهتانا و تحقيقا لمآرب خاصة أو تحزبا لهذا الطرف أو ذاك .
العصمة و المشورة
و اذا كان الرسول معصوما من الخطأ لماذا يلجأ الى المشورة ؟ بل انه كان مأمورا من الله بها " و شاورهم في الأمر" سورة آل عمران الآية 159 " و أمرهم شورى بينهم " ( سورة الشورى الآية 38 )و في الحديث عن أبي هريرة " ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ".
إن الخالق العظيم ، كما أشار الرصافي ، و كما يرى الفكر الديني العقلاني لا يلغي سننه و أنما يرشد الرسول الى اتباع هذه السنن و هي تحقق للارادة الألهية ليس عن طريق المعجزات و لكن عن طريق السنن
؟
ما هو الرجس
مع كل هذا لا يزال من الضروري الإجابة عن معنى الرجس في الآية " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا " . و هل أن المراد بإذهاب الرجس هو العصمة في العلم و عدم ارتكاب الأخطاء أم الطهارة و الترفع و الابتعاد عن الفواحش .
و الآية تفسر نفسها بنفسها و ذلك بذكر التطهير الذي هو عكس الرجس . و الطهارة هي النظافة و الابتعاد عن الفواحش و هي مما يتصل بالأخلاق و بالحصانة الأخلاقية و السلوكية و ليس للأمر علاقة بالجانب المعرفي ، فإذا كان أهل البيت بعيدين كل البعد عن الرجس و انهم بذلك طاهرون فإن هذا لا يجعل منهم منزهين عن الخطأ في الأمور المعرفية و العلوم و معرفة دوران الكواكب و قوانين الفيزياء و الكيمياء و السياسة ... الخ و من الواضح ان الآية لم ترم الى ذلك في كل الاحوال لان مثل هذه الصفات أي عدم الوقوع في الخطأ حتى في الصغائر هو من خصائص الخالق و ليس البشر . و الأئمة بشر لأن النبي نفسه بشر بدليل الآية ( انما انا بشر مثلكم يوحى إلي )
لماذا العصمة مهمة في الفكر الشيعي ؟
و بحث العصمة و تحليل جذورها مهم و أساسي ، فالعصمة تلغي العقل النقدي و ترفض إعادة تقييم السلوك السياسي و الشخصي للشخصيات المعصومة وكل التابعين لها و هي مسقطة على جميع نسل الرسول حتى وقتنا الحاضر ، أي أن لها تطبيقات معاصرة واقعية ، ففي الفكر الشيعي نجد ان السادة أي احفاد الرسول لا يخطئون وهم عمليا معصومون رغم إن أحدا لم يشر الى ذلك نصا و لكن لا يوجد أيضا من يشير الى انهم اخطأوا عمليا . و يعامل مراجع الشيعة كما لو كانوا معصومين ليس في الامور الدينية فقط و انما في الامور السياسية ايضا .
فالكثير من المعادين لديكتاتورية صدام حسين و من الداعين الى محاسبة القتلة من انصار الحكم الديكتاتوري السابق يرفضون أو يترددون في ادانه عمليات القتل التي قام بها مقتدى الصدر و انصاره بطريقة او باخرى بل انهم يحجمون حتى عن ادانته بقتل واحد من اتباعهم اقصد مقتل السيد عبد المجيد الخوئي و صحبه على يد انصار مقتدى الصدر و بامر منه .
العصمة تلغي التاريخ لانها ترى في قادة الفكر الديني ـ السياسي معصومين و تلغي النقدية التاريخية كمدرسة و تبحث عن حكمةٍ ما حتى في الاخفاقات فاذا ما فشل احد " المعصومين " أو احد من نوابهم أو اتباعهم في تحقيق هدف ما قالوا إن الله يريد بذلك اختبار صبر المسلمين . و اشتقاقا من العصمة نجد ان نقد السيد ( أي الشخص المتحدر من نسل الرسول ) يلحق الضرر بالقائم به .
مبدأ العصمة و اسقاطاته كما سنرى بالترابط الوثيق مع الخمس هو الذي يحكم قبضة القيادات الشيعية على الرعية و يكرس تجهيلهم و جني المليارات منهم سنويا .
يتبع ـ طائفيون بلبوس ماركسية ـ القسم الرابع : التعازي الحسينية ، جلد الذات



#محمد_صالح_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائفيون بلبوس ماركسية القسم الثاني
- طائفيون بلبوس ماركسية
- مقدمات صعود الإسلام السياسي
- القضية الكردية و التحولات الحاسمة


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد صالح مصطفى - طائفيون بلبوس ماركسية القسم الثالث