|
التغيير في الإسلام ...2...؟
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 2139 - 2007 / 12 / 24 - 11:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أما أسماء القبائل والبطون والأفخاذ...فقد كان محمد لا يغيرها حتى إن دلّت على عبودية لغير الله ، مثل عبد (مناف) وعبد (شمس) وعبد (الأشهل) وهو صنم ورد ذكره في (جمهرة اللغة) ولم يورده الكلبي في (الأصنام) وعبد (الزى) جاء ذكره في سورة النجم وأورده الكلبي في (الأصنام) ، وتيم (اللات) : ذكر أيضاً في سورة النجم وذكره الكلبي في الأصنام ، وكانت هناك عدة تجمعات ( ربما قبائل أو أفخاذ أو بطون) تسمى بـ(تيم اللات) و(زيد اللات)، وزيد(مناة) : جاء اسمه في سورة النجم وذكره الكلبي في الأصنام وعبد(وُدّ) ورد في سورة نوح وذكره الكلبي في الأصنام . إن إحجام محمد عن المساس بها يرجع إلى معرفته العميقة بحساسية النسب لدى العرب ، فالعربي أو الأعرابي قد يقبل – عن طيب خاطر- تغيير اسمه المباشر ولكنه يرفض تماماً تغيير اسم قبيلته أو رهطه لأنه يعتز بنسبه اعتزازاً لا حدود له ربما يفوق اعتزاز المواطن المعاصر بوطنه وجنسيته . ويدل من ناحية أخرى على أن عملية التغيير هذه تتم من قِبَل محمد بميزان دقيق وان السياسة لها ضلع فيها أي أنها ليست فريضة دينية بحت لأن المسائل الدينية كان محمد يطبقها بحزم ولا يتهاون فيها، فقد قرأنا في سيرته أن بعض القبائل طلب منه أن يخفف عنه شطراً من فرائض الإسلام أو يسمح له بالاستمرار في ارتكاب عدد من المحارم مثل الزنى وشرب الخمر ولعب الميسر ..إلخ باعتبار أنهم ألفوه واعتادوا عليه ولا يطيقون فراقه فكان جوابه الرفض البات: ( وقد كانوا سألوه- ثقيف- مع ترك الطاغية- صنمهم – أن يعفيهم من الصلاة وان لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله – ص - : أما كسركم بأيديكم فسنعفيكم منه وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه )(17) ؛ ولكن إذا وقفت قبيلة أو بطن أو فخذ أو رهط .. منها يناويء محمداً ويعارضه في إتمام خطة التغيير التي رسمها بدقة وشرع في تنفيذها خطوة بخطوة ولكن بتصميم وصرامة ، فلا يجد مناصاً من استئصال شأفة مقاومته مهما كان الثمن الذي سوف يدفعه الخصم المناويء أو بمعنى أدق العدو المقاوم ( فلما فتح رسول الله – ص – مكة وأسلمت العرب ووفدت عليه وفودها ، قدم عليه جرير بن عبد الله البجلي مسلماً ، فقال له يا جرير ألا تكفيني (ذا الخلصة) (= صنم بين مكة واليمن كانت تعظمه بجيلة وخثعم وأزدالسراة وبطون من هوازن)فقال: بلى ، فوجهه إليه فخرج حتى أتى أحمس من بجيلة فسار بهم إليه فقاتله خثعم وباهلة دونه ، فقتل من سدنته من باهلة يومئذ مائة رجل وأكثر القتل في خثعم وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر من خثعم فظفر بهم وهزمهم وهدم بنيان (ذي الخلصة) وأضرم فيه النار)(18)و(19) . إن قتل أكثر من ثلثمائة رجل في سبيل هدم صنم مسألة ليست ذات بال لأنهم كانوا حجر عثرة أمام التغيير وهيمنة ديانة محمد على أنحاء الجزيرة كافة والتي هي في الوقت نفسه بمثابة الهوية أو البطاقة التي يتعين حملها إعلاناً على التابعية القرشية أي الولاء لدولتها التي أقيمت في يثرب/المدينة، فما حاول القيام به بنو قحافة وخثعم وباهلة من الاحتفاظ بديانتهم والدفاع عن الصنم الذي كانوا يتعبدون له (ذي الخلصة) له بُعدان : أ- ديني : وهو إعلان الانفصام عن الديانة التي جاء بها محمد وأذاعها في الجزيرة العربية وأنه لا شأن لهم بها ولا يدينون بها ويتجاهلونها . ب- سياسي: هو إنكار الدولة القرشية وعدم الاعتراف بها أو الانضواء تحت رايتها وما يستتبع ذلك من نتائج وآثار . أي أنها مقاومة مسلحة للتنغيير الذي يقوم به محمد في وجهيه الديني والسياسي ...... لهذا قابلها بحزم وصلابة وندب لها أحد رجاله الأشداء وهو جرير البجلي ممن لهم دراية بالمنطقة وأهلها وأحوالها ، فضلاً عما كان يمتاز به من قسوة وضراوة ولذلك كان يقال عن جرير أنه(الذي أدخل المذلة على نساء خثعم)(20) لأنه قتل رجالهم قتلاً ذريعاً . ومن ثم فلم تكن مصادفة أن يستعين به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في غزو العراق بعد أن سمع بما فعله في وقعة هدم(ذي الخلصة) (وأمَّر جريراً على بجيلة فسار بهم من مكانه العراق) (21) وكعادته لم يقصّر جرير فظهرت نزعته القتالية الشرسة وفعل الأفاعيل في أهالي العراق الذين كانوا يدافعون عن وطنهم ومقدساتهم وذراريهم ضد الذين اقتحموها عليهم عنوة بمقولة إنهم يريدون أن يخرجوهم من عبادة العباد إلى عبادة الله مع أنهم لم يشتكوا إليهم من ذلك ولم يستعينوا بهم، ولذلك امتدح المؤرخون ممارسة جرير الجبارة وما أوقعه بالعراقيين المنكودين البؤساء وهذا ما عبّر عنه ابن الأثير الجزري( وكان له في حروب العراق : القادسية وغيرها أثر عظيم)(22) وعبارة (أثر عظيم) لا تحتاج إلى شرح . ولم تكن حادثة هدم (ذي الخلصة) هي الوحيدة فقد تكررت عند هدم عدد من الأصنام في شتى بقاع الجزيرة ولكنها الأشد إبانة عن المصير الذي تلقاه مقاومة التغيير المسلحة والأكثر في عدد القتلى فعند هدم صنم (وُدّ) (كان بوادي القرى تعبده بطون من قضاعة وتعظّمه وتسمي بعض بنيها ( عبد ودّ) وقد جاء ذكره في الآية الواحدة والسبعين من سورة نوح وأورده الكلبي في كتابه (الأصنام) ولكن يبدو ان قبائل أخرى كانت تعبده أو تعظمه) ندب محمد واحداً من أمهر قواده وأكثرهم بصراً بأمور الحرب والمعارك وهو خالد بن الوليد المخزومي القرشي لهدمه وقمع مقاومة من يحول دونه( وكان رسول الله-ص –بعث خالد بن الوليد من (غزوة تبوك) لهدمه(= وُدّ) فحالت بينه وبين هدمه بنو عبد وُدّ وبنو عامر الأجدار فقاتلهم وكان فيمن قتلهم يومئذ رجل من بني عبد وُدّ يقال له: قطن بن شريح .. وقتل أيضاً حسّان بن مصادر ابن عم الأكيدر صاحب (دومة الجندل) وهدمه خالد)(23) ويبدو أن قطن بن شريح كان حبيباً أثيراً لدى أمه ، فلما رأته مقتولاً ( أكبت عليه فشهّقت شهقة فماتت)(24) . ولكن الظاهر أن المقتلة التي حدثت عند (ود) على يد خالد بن الوليد كانت أهون من مقتلة البجلي عند ( ذي الخلصة) . وهاتان الواقعتان أوردناهما كمثلين على أن محمداً كان لا يتردد البتة في اللجوء إلى القوة المسلحة إذا لزمت لإنفاذ خطة التغيير خاصة فيما يتعلق بدينه . (17)السيرة النبوية ج/4- ص185(18) الأصنام للكلبي –ص 5150(19) الاستيعاب ج/1 –ص 438 (20) الأصنام للكلبي – نفس الصفحة (21) أسد الغابة مج/1 ص 333 (22)المصدر نفسه والمجلد والصفحة (23) الأصنام – ص 67) (24) المصدر نفسه والصفحة نفسها .. - من كتاب شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة مؤلفه خليل عبد الكريم
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا مرة أخرى في متاهات جبال كردستان ...؟
-
التغيير في الإسلام ....1...؟
-
برغم حجم المأساة انه نصر لأنثى القطيف وللمرأة عموماً ..؟
-
العلمانية والديمقراطية والإسلام..؟
-
التلقيب في الإسلام ...7...؟
-
ما هو البديل لرفضنا الأنا بولس وأخواتها السابقات واللاحقات .
...
-
التلقيب في الإسلام...6...؟
-
فتوى تجيز للزوجة رد عنف الزوج بعنف مماثل ..؟
-
التلقيب في الإسلام ...5...؟
-
العلمانية هوية إنسانية ...؟
-
التلقيب في الإسلام ....4...؟
-
الحوار المتمدن ثورة ثقافية إعلامية علمانية تواكب العصرنة ...
...
-
إجازة المستثمرين في سورية بتملك العقارات بدون سقف يثير احتجا
...
-
التلقيب في الإسلام ...3...؟
-
التلقيب في الإسلام ..2...؟
-
التلقيب في الإسلام -1-..؟
-
مباديء الساي بابا : الحقيقة،السلام، اللاعنف، الاستقامة ...ول
...
-
العلمانية بين المادية والروجية ...؟
-
رش الأسيد على الفتيات هل هو صحوة أم جنون سلفي أم أشياء أخرى
...
-
متى يتطور التوكل القدري إلى توكل عقلاني...؟
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|