أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - منذر مصري - الحرب والشَّعب والسُّلطة والمعارضة في سوريا















المزيد.....


الحرب والشَّعب والسُّلطة والمعارضة في سوريا


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 661 - 2003 / 11 / 23 - 10:49
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


1- نعم ، هناك حرب سورية إسرائيلية
 يؤكد العنوان أعلاه ، أو يراد منه قصداً أن يؤكد ، أن هناك حرباً بين سوريا وإسرائيل . وذلك خلافاً مع من يقول إنه ليس هناك حرب بين سوريا وإسرائيل ، وإن كل شيء هادئ  على الجبهة السورية الإسرائيلية ، وإن حالة الحرب التي تتصرف سوريا وكأنها قائمة ليست سوى ذريعة ، لفرض حالة الطوارئ ، والحد من الحريات ، واستمرار الحكم في صورته العسكرية ، الاستبدادية الخ .. . وزيادة على تأكيد هذه الحرب فالعنوان يحدد وجود حرب بين طرفين اثنين سوريا وإسرائيل ، فسوريا ، كما هو معروف من قبل ، كانت طرفاً من مجموعة أطراف في ثلاثة حروب وقعت مع الدولة الإسرائيلية ، ( 1948و1967و1973 ) . وهذه الحرب رغم تأسيسها ، على القضية الفلسطينية ، حيث يمكن القول ، ليس بالبساطة التي يبدو عليها ، إنه لولا نشوء الدولة الإسرائيلية ، وسير الأحداث على النحو الذي سارت به ، لما كانت هذه الحروب الثلاثة . إلا أن الحرب السورية الإسرائيلية ، أخذت طابع الحرب المستقلة ، بالحد الذي تسمح به مجمل ظروف الصراع ، منذ زمن ليس بقريب ، فمنذ حرب 1967 التي قامت بها إسرائيل ، بغاية إلحاق هزيمة كبرى بما يحيطها من دول الطوق العربية ، واحتلال أراضٍ من بلادهم تفاوضهم على استرجاعها مقابل الاعتراف بوجودها إضافة لشروط أضافية أخرى . وما كان هناك ، كما يعلم الجميع ، أي احتمال أن تقوم سوريا ، المشغول طاقم حكامها آنذاك بلعبة الكراسي ، كراسي السلطة والمغانم السياسية ، ببدء تلك الحرب . رغم أن سوريا هي التي كانت ، في البداية على الأقل ، ذريعة إسرائيل لحشد قواتها على الحدود ومن ثم انجرار عبد الناصر ، لا أحد يستطيع أن يفهم بأيِّ سيناريو سياسي وعسكري في ذهنه ، لاستدعاء القوات المصرية من اليمن وسحب القوات الدولية من سيناء وإغلاق بوابة شرم الشيخ.. الخ . وقد نتج عن هذه الحرب احتلال النصف الباقي غير المحتل من فلسطين ، إضافة لاحتلال أراض عربية مصرية وسورية ، الأمر الذي كرس فعلياً ، دخول مسارات متعددة على القضية الأم ، منها المسار السوري الإسرائيلي ، المسار الذي حرصت سوريا بعكس إسرائيل ، منذ مؤتمر مدريد ، على ربطه ببقية المسارات العربية ، إلا أنها بعد ذلك لم تقم بأية خطوة فعلية في مشاركة بقية أصحاب المسارات جهودهم لإيجاد حلول نهائية للمشكلة . غير أن الآخرين ، جميعهم بدون استثناء ، لم يعيقهم هذا ، بل ربما أفادهم ، في المضي قدما في مساراتهم الخاصة ، ما عدا اللبنانيين الذين استطاعت سوريا إفشال محاولتهم ،  في اتفاق 17أيار 1984. الأمر الذي يعتبره البعض واحداً من أهم انتصاراتها . وقد ازداد بهذا ، فعلياً ، استقلالية هذا المسار ، كون المسار اللبناني المستجد ، ما عاد أكثر من ملحق تابع له . وخلال ما يزيد عن ربع قرن ، كان هناك حرب سورية إسرائيلية مستقلة بذاتها ، تجري ، لا على الحدود السورية بل على الأراضي اللبنانية ، حيث أن النظام السوري كما يبدو واضحاً ، يستطيع أن يقلل للحد الأدنى نتيجة أي خسارة ، إن لم نقل هزيمة عسكرية ، يمكن أن تحل به خارج أرضه ، كما يمكن له أن يستفيد من أي انتصار ، تحققه المقاومة اللبنانية ، مما يقدم له إمكانية أيجاد حل لمعادلة عدم التكافؤ الواضح والمعترف به ، حتى من قبل السوريين ولو بخجل ، في ميزان القوى ، كل أنواع القوى !
وهكذا ، ما دامت كل أطراف النزاع الأخرى قد مضت بمساراتها الخاصة ، إلى التخوم التي آلت إليها . فالمصريون قد أعادوا كل أراضيهم  في كامب دايفيد ، وعقدوا اتفاقية سلام أخرجتهم ، للمرة الأولى والأخيرة من دائرة الحرب لتاريخه ، والأردنيون كذلك ، أما الفلسطينيون ، فهم مازالوا ، كلما سمحت لهم الظروف ، ولو بركاكة لا يحسدون عليها ، يعزفون مقطوعة: ( يا وحدنا ) ، فإن تعبير الحرب السورية الإسرائيلية ، يعبر عن حقيقة لا يمكن بعد الآن إنكارها ، أو ربما بالنسبة للسوريين ادعاء سواها . 
2- لا بل الحرب الإسرائيلية السورية
 إذن ، وإسرائيل تحتل أرضاً سورية منذ 36سنة ، وتبني عليها المستوطنات السكانية ، مستغلة ماءها وترابها وسماءها ، وتصدر القوانين من أكبر مصدر تشريعي فيها ، بضمها واعتبارها أرضاً إسرائيلية ، خلافاً لكل الشرائع والقرارات الدولية ، وتقوم ، كلما يحلو لها ، بضرب قواعد الصواريخ والمواقع العسكرية السورية المتواجدة ولو على مبعدة من حدودها ، في لبنان ، فإنها في حالة حرب معلنة ، أو لأقل في حالة حرب مفتوحة مع سورية. ولا يمكن لهدنة ما ، ما هي إلا اتفاقية فك اشتباك وقعها الطرفان عام 1974 ، أن تنزع عنها هذه الصفة ، والدليل أن إسرائيل نفسها ، عندما سنحت لها الفرصة ، أو عندما قررت لغاية ما ، أن تشن هجوماً لم تردعها هذه الاتفاقية النائمة كل هذه السنوات . والتي كانت سوريا لأسبابها الخاصة ، رغم أنها الدولة التي يحتل جزء من أرضها ، الأحرص عليها . وهذا ، ما استدعى تطوير وتحديث العنوان ، باعتبار أن إسرائيل هي الطرف الذي في حالة حرب مع سوريا ، بينما سوريا ، في المقابل ، قد اعتمدت خيار السلام الاستراتيجي كرد لها على الحرب الإسرائيلية المتواصلة ، وشعار الأرض مقابل السلام ، مراهنة على العامل الخارجي ، الأمم المتحدة ، الدول الأوربية ، والولايات المتحدة ، التي يعود لها كل شيء في المنطقة في نهاية الأمر .  إلا أنه مرة أخرى ، ليس فقط الولايات المتحدة ، بل أغلب المتتبعين لمجريات المسار السوري ، لا يرون أن سوريا قد فعلت كل ما ينبغي فعله على هذا الطريق ، رغم ما أذيع عن مداولات كانت جارية بين النظام السوري وبين إسحاق رابين وحكومته وذلك قبل اتفاقية أوسلو التي عقدت مع الفلسطينيين ، ثم جاء نتنياهو وبعده شارون وفصائل المقاومة الإسلامية الفلسطينية لإفشال هذه الاتفاقية وتحويلها إلى هشيم  ، الأمر الذي اعتبره السوريون دليلاً على صواب رفضهم لها ، حين أبدوا ، منذ إعلانها ، انتقادات شديدة اتجاهها واعتبروها ما يشبه الخيانة . مثلها مثل بقية الاتفاقيات العربية الإسرائيلية ، كما لم يبدوا أي استعداد للخوض بما يماثلها ، لأنه حين قدمت لهم عروض مماثلة سنوات حكومة باراك ، آخرها ما حمله لهم إلى جنيف الرئيس الأمريكي كلينتون ، لم يعدموا الحجة لرفضها . ونستطيع أن نلاحظ هنا ذلك الثبات في الموقف السوري ، رغم كل المتغيرات ، وهو استمرار السوريين في ربط القضية السورية الإسرائيلية بالقضية الفلسطينية ، وكأنهم رافضون لأي حل منفرد خاص بهم ، حيث كانت تردد أقوال ، شبيهة بالشعارات ، مثل : القدس أولاً ثم الجولان .
3- الغارة الإسرائيلية على سورية :
 رغم كونها ، عملية لا سابق لها ، منذ 30 سنة ، فإنه لا يمكننا فهم الغارة الجوية الإسرائيلية في الساعة الثالثة صباحا من يوم الأحد الواقع في 5-10-2003 ،على مخيم عين الصاحب التي تبعد عن العاصمة السورية دمشق ما لا يزيد عن 20 كلم ، ألا بأنها قراءة إسرائيلية للوضع العسكري والسياسي السوري المستمر خلال هذه ال30 سنة للآن ، وهذه القراءة لم تكن بنت لحظتها ، أو قراءة يوم وليلة ، ، أي أنها ليست كما فهم البعض رداً سريعاً على العملية الانتحارية التي قامت بها حركة الجهاد الإسلامي في حيفا ، بل هي قراءة حاضرة في العقلية الإسرائيلية ، قراءة مستمرة ، لدرجة أنها ما عادت قراءة بل صارت كتابة . ولهذه الكتابة خلاصة واضحة أشبه بعنوان : عجز السوريين عن الرد . وقد ذكر الإسرائيليون هذا حرفياً عندما أكد الناطق باسم شارون المدعو رعنان غيسين أن المجلس الوزاري المصغر قرر في 19 /8/2003 أنه : لن تكون هناك حدود ، حتى جغرافية للوصول إلى القيادة أو البنى التحتية للمجموعات الإرهابية (...) إن السوريين لا يملكون خياراً (...) وعليهم إزالة قواعد المنظمات الإرهابية الموجودة في أراضيهم وتفكيكها و إلا واجهوا عواقب وجود هذه المنظمات والمجموعات في دمشق . وكان أول ردة فعل للنظام السوري على هذه الغارة شبيهاً بردود فعله على ما سبقها من الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع قواته في لبنان وهو أن سوريا تحتفظ بحقها في الرد في الزمان والمكان المناسبين ، وهو ما وجد فيه أغلب المتابعين مادة للتندر , وخاصة عندما راح بعض المسؤولين السوريين يتباهون بقدرة سوريا على ضبط النفس ، رغم معرفتهم أنه ليس لسوريا القدرة على أي رد عسكري مشابه ، إلا أن السوريين لم يستطيعوا ، نتيجة الضجة العالمية التي أثارتها الغارة في جميع وسائل الإعلام ، أن يتجاهلوها كلياً كما حدث في الماضي القريب ، منذ أشهر ، عندما تناقلت بعض وسائل الإعلام خبر تحليق عدة طائرات حربية فوق القصر الجمهوري في اللاذقية ، الحادثة التي أنكرتها سوريا لا لشيء سوى الحفاظ على هيبة الدولة العربية الوحيدة الباقية التي لم توقع معاهدة سلام مع إسرائيل ، والتي ما زالت تقول : لا ، لكل عروض السلام التي تقدم لها بشكل مباشر وغير مباشر . وهذه المرة ، بعد الغارة ، وعلى نحو غير مسبوق ، راح السوريون يطلقون التصريحات تلو التصريحات ، من أن إسرائيل تبغي بهذه الغارة جر سوريا إلى معركة ليس أوانها وليست في مصلحتها , وإلى أن شارون لا غاية له سوى أن يغطي بعدوانه على موقع غير ذي أهمية ، فشله من إخماد الانتفاضة الفلسطينية ، أو أنه ، يريد تصعيد التوتر في المنطقة للقضاء على أي فرصة باقية للسلام .. الخ . وفي النهاية آل الأمر بالسوريين ، لإيمانهم المطلق ، الذي راح يبدو وكأنه لا مثيل له بين دول العالم لا في الماضي ولا في الحاضر، بمنظمة الأمم المتحدة والهيئات الدولية ، بأن يتقدموا بمشروع قرار في مجلس الأمن لإدانة الهجوم الإسرائيلي . رغم علمهم بأن الولايات المتحدة الأمريكية ، العضو الدائم في هذا المجلس ، والتي ما فتئت ، منذ أكثر من 50 سنةً ، تستخدم حق الفيتو تجاه كل قرار يمس إسرائيل ، لن تسمح بتمرير قرار كهذا ، فعدا عن كونها هذه المرة لم تظهر امتعاضاً حقيقياً ، ولو دبلوماسياً ، من الغارة الإسرائيلية ، فقد بررتها بتصريحات من أعلى المستويات ، منها دفاع الرئيس بوش العلني عنها  بقوله ، إنه من حق إسرائيل اتخاذ ما تراه مناسباً ، لمكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن سكانها. كضرب مكاتب حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين والمنظمات الفلسطينية الأخرى ، والتي يقتصر نشاطها في سوريا على النشاط الإعلامي ، ذلك أن السلطات السورية لا تسمح لهاتين الحركتين ، ولا لبقية المنظمات الفلسطينية المناوئة لياسر عرفات ، بما يزيد عن ذلك ، كما يعلم الجميع ! وقد تداخل مع هذا ما كان يتم طبخه في الكونغرس الأمريكي ، على نارٍ تتوقد وتنطفئ حسب مجريات الأمور ، مما يسمى مشروع محاسبة سوريا ، الذي انتهى الأمر بإقراره بأغلبية عظمى من أعضاء الكونغرس ! رغم ما رافق مراحل هذا المشروع من تصريحات سورية تقلل من احتمال إقراره ومن أهميته وتأثيره على سوريا ،وكأن الرد على مثل هذه التصريحات ، كان ظهور تصريحات لاحقة من أعضاء الكونغرس ، الذين تركوا محاربة الشيطان ووضعوا سوريا نصب أعينهم ، بأن الولايات المتحدة لن تكتفي بهذا القانون ، حتى تقوم سوريا بتنفيذ كل ما يتوجب عليها. اتبعها وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز  بقوله لنظيره وزير دفاع الولايات المتحدة رامسفيلد، وفق صحيفة (هآرتس) بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إذا عمدت سوريا ثانية الى تأييد المنظمات الإرهابية التي تنفذ عمليات ضد إسرائيل .
4- كيف تلقى الشعب السوري كل هذا
 ترى هل من التشكك في وطنية السوريين ، كمواطنين في بلد وقع عليه اعتداء من قبل دولة عدوة ، القول إنه لا أحد يستطيع الادعاء بمعرفة حقيقة شعورهم تجاه هذا الاعتداء . الشعور العام أقصد . لا شعور قلة منهم ، لم تر في الغارة الإسرائيلية سوى مجرد هبة ريح قوية أطاحت بورقة التوت التي كان النظام السوري ، وربما ما يزال ، يحاول بها تغطية عورته العسكرية ، وخاصة أنه لم ينتج عنها خسائر بالأرواح ، كافية ، بالمقارنة مع أعداد القتلى الفلسطينيين والعراقيين هذه الأيام ، لتجعلهم يترددون في إظهار شماتتهم . كما لا أقصد شعور فئة أخرى بدت وكأنها تلقت إهانة في الصميم وراحت تنفث غضبها و نقمتها على إسرائيل وشارون وأمريكا ، وتوقع اللوم على دولتها سوريا أيضاً التي لم تقم بصد الهجوم في حينه باستخدام الدفاعات الجوية المتوفرة ، ومن ثم لم تستطع أن تقوم بأي رد عسكري من أي نوع . وراحت ، هذه الفئة ، تطالب برد مشابه ، كهدف الشرف في لعبة كرة القدم ، أو ربما طالب البعض بفتح حدود سوريا مع إسرائيل للمقاومة ، التي لا أحد يدري كيف ستنشأ أو من أين سيؤتى بها ، وذلك للقيام ببعض العمليات على طريقة المنظمات الفلسطينية وحزب الله في لبنان . أقول أن مشاعر كهذه خامرت ، دون شك ، بعض فئات الشعب السوري ، لكن غالبيته  بدت وكأنها على إطلاع بالحالة التي وصلت إليها السورية ، خاصة وإنه ، بطرق مباشرة وغير مباشرة ، قد تناهى إليها ، عدم استطاعة هذه  قوات العسكرية بكافة صنوفها ، الجوية والبرية والبحرية ، تحديث أسلحتها وعدتها الحربية ، وذلك نتيجة غياب الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي الذي كانت دوله تمدها بالسلاح خلال سنوات الحرب الباردة ، وتدخل الولايات المتحدة ، الصريح والعلني ، لمنع إتمام أي صفقة عسكرية هامة بين السوريين والروس أو الصينيين أو أي دولة أخرى . كما تشيع في هذه الغالبية فكرة ، لم يبذل النظام أي جهد في سبيل تبديدها ، وهي أن الجيش السوري اليوم ، ليس الجيش السوري عام 1973 ، وهو بدل أن يزداد منعة وقوة ، من نواحي الانضباط والكفاءة والاستعداد القتالي ، المادي والمعنوي  ، فقد حدث العكس . لذا لم تركز أغلبية الشعب على توجيه أي لوم حقيقي لدولتها أو لجيشها من هذه الناحية . لا بل ساعدت تصريحات المسؤولين المتناقضة والمتفاوتة الحدة ، والواعدة بالرد بالمثل بشرط أن تكرر إسرائيل هجومها ، وكأن اعتداءاً واحداً لا يكفي بعرف هؤلاء المسؤولين  للرد . ثم ما حدث من التنصل عن بعض هذه التصريحات أو التراجع عنها والتوضيح بأنها أخرجت من سياقها ، بدءأً من تصريح  سفير سوريا في أسبانيا ، إلى تصاريح السيد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع التي أعاد إلى الأذهان لهجة الخطاب السوري المعروف وهدد بضرب المستوطنات الإسرائيلية في الجولان . وذلك حين فرق على نحو لا سابقة له بين دمشق والسوريين ، في قوله إن العدوان الإسرائيلي الأخير على سورية سبّب غضباً عميقاً، وأنه بينما تريد دمشق السلام، يريد العديد من السوريين الرد )  كل هذا ، أقول ، أدى إلى نقل الشعور بفقدان الحيلة والرجاء ، الذي راح يشتم منها ، للناس عامة ، وربما الشعور بشعور النظام نفسه ، أي الخوف ، وبأنه لا مجال لسوريا للقيام بأي نوع مجد من الردود ، سوى ما قامت به . وإلا حدث ما يحمد عقباه من كارثة وطنية ، وما زاد الطين بلة هو تعميم فكرة ، هي حقيقة على نحو ما ، أن سوريا ، كما فلسطين ، كما العراق ، لوحدها في هذه المعمعة ، وأن البلاد العربية حتى وإن نددت بالاعتداء ، فأنها فعلياً غير قادرة سوى على مراقبة سوريا وهي تغوص حتى رأسها في رمال الولايات المتحركة الأمريكية الإسرائيلية .  
5- أزمة خطاب المعارضة السورية
 لا تقارن أزمة الخطاب الرسمي للسلطة السورية سوى بأزمة خطاب المعارضة السورية ذاتها ، والتي باعتراف قطب من أهم أقطابها ، الحزب لشيوعي السوري ، المكتب السياسي ، في مقدمة أحد أعداد نشرة الرأي 10-11-2003 على موقعه في الإنترنيت ، والتي تم تقديم ملخصا عنها في أخبار الشرق ، وهي أنه لا يجب على المعارضة السورية أن تقوم بالمزايدة على السلطة في قضية الغارة الإسرائيلية ! ذلك أن خطاب المعارضة السورية ، بمجمله ، مع وجود الاستثناءات بالتأكيد ، يطابق في هذا الخصوص خطاب السلطة بكل تفاصيله ، وإذا اختلف عنه ، في هذه النقطة أو تلك ، فليس سوى لأنه ، من موقع الذي لن يخسر شيئاً ، يتطرف بها . فالخطاب الذي تتطرحه المعارضة يقوم ، منذ البداية ، لا على خطاب بديل ، بل على الخطاب ذاته ، دون بذل أي جهد في تقليبه على مختلف وجوهه وتمحيصه ، أكان ذلك بما يخص القضية الفلسطينية المستمرة والمتفاقمة منذ خمسين سنةً ، أو ما طرأ أخيراً على المنطقة وهو الاحتلال الأمريكي للعراق حيث رافقت المعارضة كل مواقف السلطة ، أول بأول ، رغم ما أثبتت النتائج والأيام من خطالة هذه المواقف . كما يمكننا سحب ذلك على كل القضايا الخارجية ، وإن بدرجات متفاوتة فيما بين فصائل وأفراد هذه  المعارضة ، كالوجود السوري في لبنان ، أو قانون محاسبة سوريا ، أو حتى القضية الكردية ، إلا أن المعارضة كانت وما زالت تقوم أساساً على ادعاء مسبق أن هذا الخطاب المشترك هو خطابها هي بالذات ، وأن السلطة بقدر ما تصادر هذا الخطاب لنفسها ،  بقدر ما هي غير مخلصة وخائنة له .  وبدورها فإن السلطة السياسية في سوريا ترفع لمستوى الاتهام بالخيانة للوطن كل من يخالفها الرأي في هذا ، وقد خضعت كل أطراف المعارضة على نحو واضح لهذا الابتزاز الوطني ، حتى صار التصريح بالعداء للولايات المتحدة والصهيونية ، والدعوة لاستغلال فرصة ، الغارة و التهديدات الأمريكية ، لرص الصف للتصدي والنضال ضدهما ، والأخذ في الاعتبار مصالح النظام ومصالح الشعب على السواء ، الشرط الوافي وغير الكافي ، لإثبات وطنيتها . كما صار هذا فاتحة كل تعاطيها الخجول ، كتابياً وحوارياً ، في السياسة الخارجية السورية . هذه السياسة التي كانت رغم كل ما مرت سوريا به من نكوصات في السياسة الخارجية ، وما آل إليه وضعها في العالم ، من عداء سافر من قبل أعتا الدول إلى إسداء نصائح ومد يد العون من دول شقيقة وصديقة ، محط فخار النظام السوري من جهة ، ومن المحرمات على أي تناول سياسي أو فكري ، سوى بالمديح والتهليل ، من جهة ثانية . أما ما ذكرناه من وجود استثناءات في هذا الخطاب المشترك ، كخطاب الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي )  المعارض والمحظور الذي أشرنا إليه آنفاً في مقدمة هذه الفقرة ، والذي ذهب للتصريح بأن "المعركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل هي أكبر من النظام السوري ، وإن المطالبة بفتح الجبهة السورية الإسرائيلية لعمليات المقاومة طرح عاطفي غير واقعي ، و المواجهة العسكرية مع العدو الإسرائيلي ليست في صالحنا، لا كشعب ولا كدولة " الذي يبدو وكأنه مناقض لخطاب شريكه في التجمع الوطني الديموقراطي ، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي ( الديموقراطي ) الذي ظهر في نشرة الرأي ذاتها 1-11-2003 ، معرباً عن أسفه لعدم رد سوريا على الغارة العدوانية الصهيونية على موقع عين الصاحب قرب دمشق . مطالبا بالرد مهما كانت النتائج والتضحيات . داعيا في الوقت نفسه إلى فتح باب التطوع لمباشرة عمليات مقاومة شعبية لتحرير الجولان السوري المحتل ، معتبراً أن إيعاز رئيس الأركان إلى الجيش السوري بالرد على أي اعتداء جديد يلقي الارتياح في الأوساط الشعبية ! فإن الخطابين برأيي ، يعملان ، من حيث شاء أصحابهما أم لم يشاؤوا ، على إكمال الخطاب الرسمي للسلطة ، حيث أن ما ينص عليه خطاب حزب الاتحاد الاشتراكي هو خطاب السلطة العلني ، المعتاد والمعروف، والذي ظهر في تصريحات العسكريين السوريين الكبار كوزير الدفاع أو رئيس الأركان ، كما ساهم به وزير الخارجية ،كما ذكرنا ، وفيه تبقى سوريا على صورة الدولة العربية الصامدة وذات الوزن عسكري والسياسي الذي لا يمكن تغافله ، أما ما يتضمنه خطاب المكتب السياسي ، مع ما يبدو عليه من جرأة وصراحة ، فهو ما لا يعلنه الخطاب الرسمي السوري ،  ولكن يوحي به ، وهو ما أوحته التراجعات والانسحابات من التصاريح شبه الحادة للمسؤولين السوريين أعلاه وسواهم . والذي ساعد السلطة في تهيئة الناس لتفهم وقبول بما قامت به . وإنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ، أما ما سيكون فليس ، غير الله ، دافعاً له .
وهكذا يتبين أن المعارضة لا تشارك السلطة بذات الخطاب فحسب ، بل تقع فيه بذات المأزق ، مأزق التناقضات والمبالغات والتردد ، وهي في كل الأحوال لا تقدم أي نوعٍ من الخطاب السياسي البديل ، كما أنه لا توجد مظاهر واضحة ، رغم الجهد الفكري المتراكم للعديد من مثقفيها في ما لا يحصى من قضايا ، تدل على أنها تعمل لخلق مثل هذا الخطاب . وكأنه لا وجود لخطاب وطني آخر ، أو أن المعارضة ، تؤمن به عن حق ولا تقبل بسواه بديلاً ، وهكذا يصير أول وآخر ما تطمع به ، مستغلة على خجل الظرف المحلي والعالمي ، هو متابعة عرضها اللحوح للمصالحة الوطنية ، المشروطة بمطالب الإصلاح التي تكررت في البيانات والمقالات والمقابلات ، حتى صارت من المحفوظات ، والتي تبرر أحياناً بأنها تمثل حاجة النظام للبقاء والاستمرار قبل أي طرف آخر ، وكفرصة له ، يحلو للمعارضة وصفها بالذهبية ، للمصالحة مع الشعب . مع أنها كانت متاحة منذ البداية وفي ظروف أشد ملائمة للسلطة ، ولم تحرك السلطة طرفاً بشأنها. خاصة وإنها لا تجد في ثقل المعارضة ، وفي مستوى خطابها ، كما لا تجد في الضغوطات الخارجية الحالية سبباً لتنفتح على المعارضة وتبدأ صفحة جديدة معها، بل العكس تماماً، فهي لا ترى في هذه الفرصة وهذا الظرف إلا دعوة سوق كل مواطن للقيام بواجبه الوطني الأول وهو الالتفاف حول قيادتها ، دفاعاً عن الأرض والكرامة والوطن ، دون أدنى شرط ، وهل من الممكن أن يشترط المواطنون الصالحون أي شرط ليدافعوا عن أرضهم وكرامتهم وعزة وطنهم ؟ 

16-11-2003



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من المحتم أن يكون للعرب مستقبل ؟


المزيد.....




- هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي ...
- هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
- ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
- محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح ...
- إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
- سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
- الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
- تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف ...
- هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
- نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - منذر مصري - الحرب والشَّعب والسُّلطة والمعارضة في سوريا