محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 2137 - 2007 / 12 / 22 - 12:05
المحور:
المجتمع المدني
غزوة إسنا لن تكون الغزوة الأخيرة !!
غزوة إسنا لن تكون إلا شاهداً علي غياب حق المواطنة !!
غزوة إسنا لن تكون إلا شاهداً علي أن هناك فتن يتم صناعتها بأيدي مهرة , ويظنون بأنفسهم أنهم الكرام السَفَرَة , إنهم يلتحفون بدف نار العنصرية الدينية البغيضة , ويشربون بنخب دماء تسيل غدراً وقهراً وذلاً من المخالفين في الدين والأغيار في المعتقد , وهم من يسهرون يتسامرون بعدد صولاتهم وجولاتهم في القتل والجرح والتخريب والإتلاف والتبديد , إنها نشوة المهزومين نفسياً , والمهمشين إجتماعياً , والباحثين عن أدوار يظنون أنها ترضي الرب , أو هم يعتقدون بذلك بديلاً عن الظن , لأن الظن لا يغني عن الحق شيئاً !!
إن غزوة إسنا لن تكون الغزوة الأخيرة من غزوات الجهل والتطرف والعنصرية والإرهاب , بل هي حلقة من حلقات من الغزوات المتتالية والمتتابعة , مادام المسيحيين حالهم ذلك , ومادام المسلمين نهجهم كذلك , ومادامت السلطة تتباهي بين مساحة ذلك وموقع كذلك , إنها الصراعات التي يكون للأمن دور في إزكائها وإشعال جذوتها , أو المسارعة في إخمادها وإطفاء جذوتها !!
فأين الأمن الوطني المصري ؟
أم أن الأمن الوطني المصري تحول من مصريته الوطنية الوظيفية إلي إسلاميته الدينية العبادية , ليقف بجانب المتأسلمين بالكذب والزور والبهتان في جريمة قتل وجرح المسيحيين وترهيبهم وإرعابهم وتبديد وإتلاف ممتلكاتهم , خاصة وأن للأمن المصري دور خطير في مسألة المراجعات الفقهية للتنظيمات الجهادية , فأين دوره الخطير من هذه الإعتداءات علي المواطنين المسيحيين , أم أن طابع الذمية غالب حتي في نظرة الأمن المصري للمسيحيين المصريين شأنهم في ذلك شأن الجماعات الدينية الأصولية الراديكالية المتطرفة ذات الإتجاهات التعصبية في نظرتها لغير المسلمين حال كونهم ذميين , من أهل الذمة , ومن ثم لاتثبت لهم حقوق المواطنة , حال كونهم كفار , وإلا لو كان الأمر علي غير ذلك فما معني أن يحدث للمسيحيين المصرين تلك الأحداث المشينة لوجه الإنسانية في القرن الواحد والعشرين !!
إن أحداث إسنا لو سألنا في جنباتها المليئة بالأحزان والدماء والدمار , عن مكان للوطن فلن نجده وإنما الذي سنجده العنصرية المشبعة بالدماء , والتعصب المشبع بالحقد والكراهية , والتطرف المقصي للآخر في أركان بعيدة كل البعد عن حدود الوطن , فلا وكن مع تعصب لدين , ولا وطن مع عنصرية دينية بغيضة , ولاوطن مع تطرف وإقصاء للآخر في الدين .
إن مفهوم الوطن غائب من معاني حياتية معاشة بصفة يومية مستمرة في مصر , ومفهوم الوطن غائب عن المعاني الوظيفية والتعيينات في الوظائف العامة في مصر , ومفهوم الوطن غائب عن بناء دور العبادة في مصر بالنسبة للمسيحيين , ومفهوم الوطن غائب في الدستور المصري , ومفهوم الوطن غائب في المقررات الدراسية في التعليم المصري , ومفهوم الوطن غائب مع وجود الجامعات الدينية في مصر , ومفهوم الوطن غائب في الدراسات العليا الخاصة بمقارنة الأديان , ومفهوم الوطن غائب في العزل بين التلاميذ والطلاب لحصص الدين , ومفهوم الوطن غائب المواصلات العامة والخاصة , ومفهوم الوطن غائب داخل الدووايين الحكومية , ومفهوم الوطن غائب حين المقارنة بين نصير والسادات وساويرس , ومفهوم الوطن غائب حتي عن دور العبادة وتعديها علي الطريق العام إذ يسمح للمسلمين بذلك بالرغم من أن هذه مخالفات ولايقدر المسيحيين علي ذلك , ومفهوم الوطن غائب بين جنبات المحاكم والنيابة العامة والإدارية , وأقسام الشرطة ومراكزها , ومفهوم الوطن غائب في كل مكان في أرض مصر !!
فمصر لم تعد أماً لنا , ولكنها أصبحت هي الضرة للأم الحقيقية , وصارت زوجة أب فقط !!
إن مصرالأم الحقيقية لاتفرق بين أبنائها بأي حال من الأحوال , ومصر الحقيقية لاتعترف بالعنصرية , وتكره الإرهاب , وتبغض التطرف , إن مصر الحقيقية لاتفرق بين أبنائها بسبب الدين والمعتقد , ولابسبب اللون أو الجنس أو المعتقد , إن مصرالأم الرؤم الحنون تفتح قلبها وزراعيها لجميع أبنائها الأوفياء المخلصين لها !!
أطلب منكم إخواني المسيحيين وأخواتي المسيحيات أن لاتحزنوا من النظرة إليكم علي أنكم أقلية , فنحن المصريين في غالبيتنا والخارجين عن إطار أهل الثروة والسلطة في الحكومة والحزب يتم التعامل معنا علي أننا أقلية مثلكم , فالأقلية في نظر الحكومة والحزب هم من ليسوا علي منهج السلب والنهب المنظم للوطن المحروم منا , والمحرومين منه , فالفساد والظلم والإستبداد لايفرق بين أصحاب دين وأصحاب دين آخر , ولكن تفرقته بين من يقف أمام طريق فساداته وظلمه وإستبداداته المتعددة واللامتناهية , فغالبيتنا لسنا مواطنين في نظر الفساد العام , وأقليتنا هي التي ترتمي في أحضان اصحاب السطوة والحظوة من لصوص الوطن وناهبي خيراته وثرواته , وكل من يقول لهم لا , ويرفض سرقاتهم , ويفضح سلبهم ونهبهم العام والمنظم , فلاشك يصبح هو الأقلية !!
ولكن إذا كان من أهم وأخطر الأأسباب للإعداد لغزوة إسنا اللامباركة , يكمن في أن إمرأة مسلمة قامت بإرتكاب جريمة السرقة لجهاز تليفون محمول من المسيحي , الذي هرع وراءها محاولاً إسترداد ماسُرِقَ منه , وكان الحائل بينه وبين السارقة وبين التعرف عليها هو النقاب الذي تسترت به المسلمة وقامت بإرتكاب جريمة السرقة , وما كان منه إلا أن كشف عن وجهها , فكانت أن ترتبت نتائج خطيرة علي سبب خطير في وجهة نظر ورأي المسلمين وهو كشف وجه السارقة , وكان أن تم التهديد والوعيد الذي تحول لحقيقة واقعية من تعدي بالضرب وإحداث الجروح والإتلافات والحرق لأموال وممتلكات المسيحيين في إسنا المباركة , صاحبة الغزوة اللامباركة من المسلمين !!
ومالذي كان يتوقع من المسيحي المصري أن يفعل وقد علم أن من سرقت منه ماله هي هذه المرأة المنقبة ؟
وماذا كنا ننتظر منه أن يفعل معها لكي يتعرف عليها وهي سارقة إحتمت بالدين الذي أحد مظاهره لدي البعض هو النقاب , حتي لو إحتمت به سارقة ؟
فما بالنا ولو إحتمت به زانية أو داعرة , نحترفة للفجر والدعارة ؟
وما بالنا ولو إحتمي به زاني ,أو داعر محترف للفجر والفسق والدعارة ليستكمل أركان جريمته محتمياً بالنقاب دون أن يعرفه أحد ؟
وما بالنا ولو إحتمي به حامل حزام ناسف , أو حامل قنبلة ؟
ومابالنا لو أن إمرأة منقبة وقفت في محل تجاري تبيع للجمهور , وباعت سلعة مغشوشة , وأراد مشتري السلعة المغشوشة أو الفاسدة أن يحرر محضراً في الشرطة أو النيابة , فماذا يقول في محضره , ومن هو المشكو في حقه ؟
هل سيقول الشاكي أن المشكو في حقه إمرأة منقبة , دون أن يذكر الإسم أو يذكر الأوصاف والملامح؟!!
وماذا لو كان هناك بما تم التعارف عليه قضائياً عرض المتهمين علي المجني عليهم للتعرف عليهم في بعض الجرائم , بإعتباره إجراءاً قانونياً لازماً للإثبات الجنائي والتعرف علي شخصيات المتهمين , أو ماتم التعرف عليه بتحقيقات النيابة العامة بالمواجهة بين المتهمين والمجني عليهم أو الشهود , فهل سيتم هذا الإجراء لو كانت المطلوبه لهذا الإجراء منقبة ؟
أم أن أصحاب هذا الإتجاه يؤمنون إيماناً أكيداً بأن المنقبة لاترتكب جنايات ولاجنح , ولاحتي مخالفات قانونية , لأنها معصومة من الخطأ والذلل ؟
هذا الكلام وكأنه يعتبر ردة إنسانية علي جميع الأعراف والقوانين حال كونه يري أن يتم تقسيم المجتمع المصري إلي تقسيمات طائفية وعنصرية في إطار مجتمع متخلف ورجعي بلغت فيه البطالة والفقر والمرض وإنتهاك حريته وآدميته مبلغها الخطير , ومن ثم يتشبس بالنقاب والخمار والحجاب واللحية والجلباب , دون التمسك بالأصول الإنسانية الحياتية المطلوبة لمعيشته أمام طوفان الفساد اللامتناهي , وإن تكلم وأراد أن يعبر عما في داخله ماتراه إلا ماسكاً سكيناً ليقتل من خالفه في الرأي , أو غايره في الدين والمعتقد !!
إن التكريس لتقسيم المجتمع المصري ورسم مخطط الفتنة الطائفية المكتملة أركانها يبدأ من التمييز بين المواطنين بسبب من الدين أو اللون أو الجنس أو النوع أو المعتقد , وهذا ماظهر في الأيام الأخيرة علي خلفية غزوة إسنا اللامباركة , ومن قبلها ماتم إثارته من جانب مقهي صبايا كافيه لصاحبته الفنانة المعتزلة حنان ترك , والتي وضعت شروطاً طائفية وعنصرية لمن ترتاد هذا المقهي , ومنعت من إرتياده النساء والبنات المسيحيات , وكأن مصر قد تحولت بقدرة قادر إلي بريتوريا قاعدة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا !!
ولقد رأت الأستاذة فريدة الشوباشي فيما تنقله من رؤي أنه : يبدو أن مخطط الفتنة الطائفية قد انتقل من مرحلة الإعداد إلي مرحلة التنفيذ، وهو ما يظهر واضحاً في أمور كثيرة، أبرزها ما نشر مؤخراً حول مقهي تمتلكه السيدة حنان ترك الممثلة السابقة، مشاركة مع زوجة الفنان الشهير أحمد السقا.. وقد فصّل الكاتب المعروف جمال فهمي موضوع المقهي العنصري في مقال له بجريدة «العربي الناصري» منذ حوالي أسبوعين وأيضاً تصريحات الدكتور زغلول النجار، التي «أكدّ» فيها وجود شبكات لتنصير الشباب المسلمين واحتجازهم، تمهيداً لتسفيرهم إلي دول أجنبية، كما تفضل سيادته ووصف الإنجيل والتوراة بألفاظ لا توصف بأقل من كونها ازدراء فاضحاً للأديان..
وفي الحالتين فإن ما أعلنه مروجو مقهي حنان ترك وشريكتها وتصريحات النجار يعتبر انتهاكاً لا لبس فيه للدستور المصري، الذي ينص علي عدم التمييز بين أبناء الوطن الواحد، بسبب اختلاف الدين أو العقائد أو الجنس.. فالسيدة حنان ترك وشريكتها أعلنتا دون أي حرج أو خجل أن مقهاهما يفتح أبوابه الشريفة للمحجبات والمنتقبات فقط ويحظر دخوله علي غير المحجبات من الفتيات والنساء المسلمات وكذلك علي الفتيات والنساء المسيحيات!!
وتري أنه :
قد تعدي الأمر أي « حرية شخصية » وانتقل إلي مرحلة الفرز الطائفي ، الذي يهدد بلدنا بالدمار، بأدوات داخلية، بعد فشل الغزاة الأجانب ، إبان الاحتلال البريطاني أو غيره ، في إشعال النيران وبحيث تقضي هذه النيران علي الأخضر واليابس دون أن تكلف أعداء الوطن ثمن طلقة رصاص واحدة، وقبل أن أفيق من هول هذه الكارثة التي قابلتها الأحزاب السياسية والدولة بصمت مريب قرأت مقالاً للأستاذ محمود نافع في جريدة « نهضة مصر » ، علق فيه علي تصريحات الدكتور زغلول النجار، وناشده عدم إشعال نيران الفتنة الطائفية، وكذلك كتبت الأستاذة سحر الجعارة في «المصري اليوم» منذ بضعة أيام مقالاً تستجير فيه بالنائب العام لمساءلة الدكتور النجار بصدد ما قاله ..
وقد أدهشني أن الرجل أطلق تصريحات مرسلة لا تتفق مع أي منطق، فهو يدعي أن «شبكات التنصير» تقوم بتسفير الشباب، الذي وقع ضحيتها إلي دول أجنبية، وكأنه لم يقرأ أو لم يسمع بمئات الشباب ، الذين يغرقون في البحار سعياً إلي هجرة غير شرعية، دون تنصير لا سمح الله، كما لم يوضح لنا مدي حاجة الدول الأجنبية إلي بضعة فتيان وفتيات، وإذا ما كانوا علماء في تخصصات نادرة من شأنها إنقاذ الغرب المتخلف من كبوته.
ولكن ليت الأمر يقف عند هذا الحد فالإحتراب الديني قائم علي أشده بين زكريا بطرس , وأبو إسلام أحمد عبدالله , وكلاهما يكرس لجميع أنواع العداءات والصراعات الدينية والطائفية , ولا يستطيع أحد أن يقول لكلاهما قف حيث كنت , وكفي ماكان منكما من تشهير بدين الآخر , وتوزيع للإتهامات المذدرية للأديان , وتشويه للمنتسبين إليها , فهذا لايحدث حتي من عباد البقر في الهند , أو من عباد زرادشت , أو كونفوشيوس , أو بوذا الذي تعدي المؤمنون به مايزيد عن المليار ونصف مليار بوذي في الصين وحدها , فأين انتم من الإنسان وحريته وكرامته وحقوقه المسلوبة ؟
وأين أنتم من الإنسان في إطار إنسانيته العليا داخل وطنه , أو خارجه ؟
فهل من حل لإيجاد أركان وقوائم دولة المواطنة الغائبة عن الواقع المرير ؟!!
أعتقد أن العديد من الغزوات الأخري يتم الإعداد لها علي غرار غزوة إسنا !!
محمود الزهيري
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟