|
ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2136 - 2007 / 12 / 21 - 12:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الاعتقالات الأخيرة في سورية لناشطين في أوساط "إعلان دمشق" مناسبة مفيدة لتقصي ملامح صورة المعارضة في عين السلطات السورية في عهد الرئيس بشار الأسد الذي يوافق السنوات المنقضية من هذا القرن. ثمة في هذا الشأن ثلاثة مدركات متناقضة فيما بينها منطقيا، غير أنها متوافقة من حيث تلبيتها حاجات سياسية للنظام في سياقات مختلفة وأوقات مختلفة وأمام مخاطبين مختلفين. في المقاوم الأول توصف المعارضة عادة بأنها ضعيفة، تعد بعشرات أو مئات من الكهول، وقد يذكر في السياق نفسه أن هناك مليوني بعثي. وفي تصريح شهير قبل ثلاثة أعوام استطاع فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري السابق ونائب رئيس الجمهورية اليوم، أن يقول إن المعارضة السورية غير قادرة على إدارة مدرسة ابتدائية. ولن نسمع كلمة واحدة عن ما تتعرض له المعارضة من تضييق نشط اليوم أو ما نالها من قمع كاسر للظهر في أوقات سابقة، وسيبدو ضعفها وقوة النظام إزاءها جزاءان وفاقان لتنافسهما الشريف ولفرصهما المتكافئة في النشاط السياسي. في المقام الثاني يحصل أن توصف المعارضة بأنها خائنة أو ما يقارب ذلك. إنها تنسق مع جهات خارجية أو تراهن عليها، وهي ترفع صوتها حين يمر "الوطن" (أي النظام) بـ"ظروف حرجة" و"مراحل دقيقة"، وحين تعصف به "المؤامرات" ويتربص به المتربصون. وبالطبع القمع الذي كان بريئا من ضعف المعارضة سائغ حيال المعارضة الخائنة. وقد يطال التخوين المعارضة ككل أو أطراف منها (الموقعين على "إعلان دمشق بيروت" مثلا، ومنهم ميشيل كيلو ومحمود عيسى وأنور البني، والثلاثة في السجن منذ أكثر من عام ونصف). ومن تنويعات هذا الاستراتيجية إلحاق المعارضة ككل بمغامرين هامشيين ولا وزن لهم مثل فريد الغادري. ففي نهاية الشهر العاشر من عام 2005، أي بعد أسبوعين من قيام ائتلاف "إعلان دمشق"، استطاعت صحيفة "تشرين" الرسمية السورية أن تقول إن معارضين سوريين التقوا بإسرائيليين في واشنطن. والخبر ذاته يكشف أن "المعارضين" هما فريد الغادري، وهو مغامر سوري الأب تخلّق من عدم سياسي في الولايات المتحدة في عام 2003، ولا وزن له في سورية؛ والآخر كاتب مقرب من الأجهزة الأمنية، اسمه نبيل فياض، كان أعلن عن رغبته في الخروج من سورية إلى أي بلد يستقبله، وسرعان ما أقام في أميركا بانتساب معلن لحزب الغادري، وبصحبة معلنة مع إسرائيليين، ثم بعد أسابيع قليلة بعودة معلنة إلى سورية دون أن يمسسه ضُر. وجليٌّ أن المقصود بالتخوين هو المعارضة وقضيتها، وليس أدوات سياسية محدودة الاستعمال للنظام أو لخصومه الدوليين. ولكانت المعارضة برئت من التخوين بلا ريب لو ارتضت أن تكون أداة سياسية، بدل أن تعمل على أن تكون طرفا فاعلا في المعادلة السياسية المحلية. والاستراتيجية الثالثة تقرر أن المعارضة غير موجودة. في عهد الرئيس حافظ الأسد لم يكن يسمح لكلمة معارضة بأن تدخل التداول العام. كان تجاهلها المطلق إعلاميا وسحقها أمنيا وجها السياسة المعتمدة آنذاك. في العهد الحالي لا تزال السياسة هذه هي الميل الغريزي الأساسي للنظام، بيد أن الإمعان فيه يبدو متعذرا اليوم لأسباب تقنية (الانترنت والفضائيات) واقتصادية (الحاجة لمناخ سياسي وقانوني وأمني أكثر انضباطا وتلاؤما مع مقتضيات لبرلة الاقتصاد). يحصل كذلك أن يأخذ إنكار وجود المعارضة شكلا مخادعا و"سينيكيا": القول إن المعارضة لا تعارض، وتاليا ليس ثمة قضية معارضة في سورية. وقد يتمثل هذا التوجه في وصف أهل النظام للمعارضة بأنها "وطنية"، أي تؤيد النظام وتقف إلى جانبه. وكان اللواء بهجت سليمان، أحد كبار رجال الأمن السوريين، كتب مقالة في جريدة "السفير" البيروتية عام 2004 تقرر وطنية المعارضة السورية، قبل أن يعود في مقال آخر قبل أسابيع إلى تخوين بعض المعارضين، رياض الترك بصورة خاصة. ولا يختلف السياق السياسي للتخوين عن سياق إنكار وجود المعارضة، بيد أن المخاطب بالتخوين هو الداخل السوري والمعارضون بخاصة. حين أخذت أطراف عربية على الرئيس بشار الأسد وصفه زعماء عربا بأنهم أنصاف رجال بعد حرب تموز في لبنان عام 2006، تقدم وزير الإعلام السوري بتأويل للكلام يفيد أن المقصود به هو سوريون في الداخل. أما الكلام على ضعف المعارضة فيجري تداوله في الأوضاع العادية، وحين يصدر عن مقربين من النظام، لا من ناطقين مباشرين باسمه، يكاد يوحي بأنه يصدر من الغيرة عليها. والحال إن المعارضة ضعيفة فعلا. شيء واحد يوحي بأنها قوية هو التضييق المستمر عليها من قبل النظام. سواء اتخذ شكل حرمانها من أي منبر للتعبير عن نفسها داخل البلد، أو منع ناشطيها من التجمع ولو في بيوت خاصة، أو فصل بعضهم من أعمالهم في المؤسسات الحكومية كما جرى لستة عشر ناشطا وناشطة وقعوا على "إعلان دمشق بيروت" في ربيع 2006، أو بالطبع اعتقال بعضهم على غرار ما جرى في مطلع الثلث الثاني من هذا الشهر، حيث اعتقل العشرات لوقت قصير لكن لا يزال ثلاثة منهم قيد التوقيف منهم الكاتب أكرم البني. ورغم أن ضعف المعارضة السورية لا يرتد فقط إلى القمع الحكومي الذي تتعرض له، فإن نموها غير ممكن دون ارتفاع سيف القمع المسلط دائما على عنقها. أما وصفها بالخيانة فيقول عن نمط ممارسة السلطة في البلاد أشياء دون أن يقول أي شيء عن المعارضة ذاتها. يقول بخاصة أن النظام يطابق نفسه بالوطن، ما يشرع استئصال المعارضة وإبادتها. ويبقى أن أحدا لا يشغل نفسه بنفي متكرر لوجود شيء، ما لو كان هذا الشيء غير موجود فعلا.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-إعلان دمشق-، إلى أين؟
-
تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟
-
هل العربي الموريتاني أقرب إلى العربي السوري من الكردي السوري
...
-
الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية
-
تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري
...
-
في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
-
النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
-
حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
-
الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
-
إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
-
نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
-
وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
-
في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
-
العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
-
في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
-
في نقد الردح والردح الذاتي
-
حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق
...
-
في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
-
نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
-
خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|