أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سناء عبد الاحد ايشوع - حكاية رجل أسمه كونار















المزيد.....

حكاية رجل أسمه كونار


سناء عبد الاحد ايشوع

الحوار المتمدن-العدد: 2136 - 2007 / 12 / 21 - 02:40
المحور: سيرة ذاتية
    



هنا, على صدرهذه الأراضي الجميلة والقاسية, الأرض الممتلئة بالماء والشجروالثلج والبرد والخوف, ولد الطفل كوناركارلسون. ولد على تخوم الوجع, متنفساً رئة الحياة في حضن أبوين, أسرة صغيرة مثل أغلب الأسر السويدية, أب وأم وطفل.
لقد جاء هذا الوليد إلى هذا العالم القاسي.. إلى هذه الحياة في العام 1934/.
كانت السويد بلداً فقيراً, متخلفاً وعاجزاً على كل الصعد.
ولد كونارفي زمن الأزمة الأقتصادية الطاحنة التي أجتاحت العالم في تلك الأوقات
كان أغلب الناس يعيشون في الأرياف, يفلحون, يزرعون ويحصدون, يقطعون الأخشاب ويجروها على البغال وعلى الزحافت فوق مجاري الأنهار. الفقروالعوز والحاجة جزء من سيمفونية الحياة بالإضافة إلى التخلف الأجتماعي. الفقريمتد إلى أغلب الشرائح الأجتماعية, مما دفع الكثير من الناس إلى الهروب من البلاد, واللجوء إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل كسب الرزق والعمل فيه.
الطفل كونارالذي نتحدث عنه, يختلف عن بقية الأطفال الأسوياء بكل المقاييس والظروف. لقد بخلت الطبيعة عليه.. لم تمنحه من زادها إلا القليل. لقد ولد قاصراً في مدركاته العقلية.
لقد نما وترعرع في كنف والديه, بقي في عهدتهم, و سكن مع والديه إلى حين ان بلغ الرابعة عشرة من العمر. لكن الأسرة الصغيرة والبسيطة, لأحظت أن الفتى.. أبنهم ليس طبيعياً, مثل أترابه من اليافعين, وأن تصرفاته وسلوكه تشير إلى عجز ونقص في مدركاته العقلية.
عرضت الأسرة هذا الشاب الصغيرعلى الطبيب, طبيب لا يمتد إلى الطب والإنسانية بأية صلة. شخص المرض بأسم /Cobilbare/.
أي عدم قدرة العقل على التطوروالنمو.
لقد كانت تلك البلاد, السويد, في تلك الأوقات, شبيهة إلى حد كبيرببلادنا, البلاد العربية. خجل الأهل من مرض أبنهم, أحسوا بالعاروالعيب, هذا الأمرالمخزي حسب رأيهم ورأي زمنهم دفعهم للتخلي عنه.
لقد سلموا كونار لأقرب مصح وارتاحوا من همه وتعبه. وضع الشاب اليافع في مصح للعجزة أصحاب العاهات المستديمة, بناء على شهادة هذا الطبيب.
لقد وضع هذا المسكين, في مكان معزول عن العالم, مع عدد كبيرمن الشباب المجايلة له, في غرفة صغيرة. لقد عزلوهم عن المجتمع.
كانوا ينامون على أسرة حديدة, أسرة صغيرة, ولا يسمح لهم بالخروج منها. كانت اطلالتهم على الحياة, تتم عبر نافذة صغيرة مطلة على حديقة المصح. كانوا يتعرشون على الأسرة, يجلسوا فوقها من أجل رؤية العالم الخارجي, والتعرف إلى العالم الأخر, والناس الآخرون.
لم يكن كونارمتخلفاً عقلياً للدرجة التي وصفه بها طبيبه.
لقد كانت قدراته جيدة, ومقدرته على الأستيعاب مقبولة, تأهله على القيام بعدة أشياء, مثله مثل أغلب الناس العاديون. لقد أكتشف المشرفون على هذا الدار, أن كونارلديه أمكانيات كبيرة, تؤهله للخروج من هذا المكان, وتحويله إلى مكان آخر يتناسب مع قدراته العقلية المختلفة عن الذين حوله.
كان لدى كونارالرغبة في أثباته وجوده, والأنتقال من هذا المكان إلى الحرية. كان يحب العمل كثيراً مثل أغلب الناس السويديين الأسوياء. لكن تقرير الطبيب الأول, أضربه, وأفشل كل محاولاته. بعد جهد جهيد, تم نقله من هذا المركزالذي يقيم فيه إلى مكان أخر, وذلك بعد عدة ملاحظات متشعبة وكثيرة عنه, التي تشيركلها على أن هذا الشاب, ظلم ظلماً فظيعاً.
بأنتقاله إلى مدرسة آخرى.. مدرسة جديدة, وناس جدد, لكن بشروط وظروف مختلفة, على الصعيد النفسي والحياتي. هذا الشروط شبيهة إلى حد ما تلك التي كانت تسري على المركز القديم. تلك الشروط القاسية تسري على هذا المركز نفسه, من حيث الأنظمة والقوانين الصارمة والقاسية. النوم يبدأ مثل السجناء, في توقيت دقيق, ومنضبط. يبدأ النوم من الساعة السابعة مساءاً وإلى الساعة السادسة صباحاً, صيفاً شتاءً. لم يكن لهؤلاء المرضى المعزولون عن العالم, الحق في الأعتراض والرفض. لقد غضبت عليهم الطبيعة, كما غضب عليهم أبناء وطنهم, ولم يبق من حياتهم, إلا جسد متحرك لا حياة فيها. القسوة التي كانت تفرضها أنظمة المركز, تجعل كل واحد من هؤلاء, يلعن الساعة التي ولد فيها, والساعة التي جاء بها إلى هذه الدنيا. أوقات الطعام صارم. أي تأخير عن الطعام يحرم الفتى من وجبته, ويترك جائعاً إلى اليوم التالي, إلى حين الموعد التالي. لم يكن هناك, في المركزأي رأفة أوشفقة على هؤلاء العجزة والمرضى, المبتلين بأنظمة, تغض مضجع أقوى أنسان في هذا العالم على الصعيد النفسي والجسدي.
اما الحمامات والمراحيض, فحدث ولا حرج, بنيت على أسس مكشوفة, تجعل الأنسان, يعامل كأنه حيوان, لا حس له ولا شعور. الحمامات مفتوحة على بعضها, المراحيض مكشوفة, وكل فرد وفتى مكشوف أمام الآخرين.. أمام رفاقه. كل فرد يكشف عورته بالرغم عنه أمام رفاقه في أوقات تبرزه وتبوله.
كانت الإدارة, تعاملهم, مثلما يفعل الجلادون, بالمعتقلين المحكوم عليهم بالاشغال الشاقة المؤبدة. الفتيات, يرزحن تحت ثقل التنظيف اليومي, للمراحيض, ودورات المياه والحمامات, بالإضافة إلى مسح الممرات, والغسيل, والطبخ والجلي, وما أشبه ذلك من الأعمال المنزلية اليومية في ذلك المصح, كما دفعوا الشباب, إلى العمل في الحدائق, كقص الأشجار, وتقليمها وتنظيف الباحات والحدائق, وقطع الأشجاروقص الأعشاب, وترتيبها. لقد أجبر المركز, هؤلاء اليافعين, على العمل, في توزيع البريد, في أعمار تتحدد ما بين ال15 وال16 من العمر. كان المصح أو المركز, يعاملوا هؤلاء الفتية, مثلما يعامل الحيوانات, كما كانوا يستثمروا جهدهم بأبشع أنواع الأستثمار, كالعمل في السخرة, والقيام بأعمال لا يستطيع القيام بها إلا الناس الاصحاء.
مع هذا, لم يقبل كوناروضعه, بل تمرد عليه, لقد أراد من خلال هذا التمرد, على أثبات جدارته في الحياة, والعيش فيها مثل بقية البشرالعاديون الموجودين خارج هذا المصح القاسي بشروطه, وعيشه القاسي الذي لا تليق بالإنسان في هذه الحياة.
عند أنتقال كونارإلى منطقة آخرى, عمل في الإسطبل, مع الخيول والحيوانات الآخرى. ينظف روثها, يسقيها الماء, يقدم لها العلف, يحاول أن يفسحها في الهواء الطلق في الغابات القريبة من حديقة المصح.
لم يسكت كونار على وضعه. ناشد كل الجهات المسؤولة أن تتفهم وضعه, أن تساعده, أن تعمل على أطلاق سراحه من هذا المصح, من أجل أن يبدأ حياته, ككأن طبيعي يعمل ويكدح ويعيش من عرق جبينه. لكن لا مجيب.
لقد نام في الإسطبل مع الحيونات, أكل معها, نظف روثها, غسلها وجلس بجانبها. نام في الأسطبل, لأنه لا يوجد مكان أخريقبله, بعد أن تخلى عنه أبوه وأمه. حتى الشوارع لا تقبله إلا بشهادة من المركزأو المصح الموجود فيه, كالمعتقل. عمل كساعي البريد. كان كوناريستيقظ في الصباح الباكر, في حدود الساعة الرابعة فجراً, يحمل الرسائل, ويبدأ بتوزيعها.
لقد درس هذا الشاب وتعلم القراءة والكتابة. طرق أبواب كثيرة.. دار من حي إلى حي, تعرف على ظروفه, وظروف الناس الآخرين في المجتمع, مع هذا, لم تقبل غدارة المركز, أن تمنحه شهادة تؤهلها أن يخرج من هذا المكان الكريه, أن يعيش مثل بقية الناس.
بناء على توصية, وتقرير الطبيب الأول, الذي شخص مرض كونار, وقيمه كأنسان متخلف تخلفه عقلياً.
سطوة القراروقسوته ترك ظلاله الشاحبة على حياة هذا الإنسان المكافح وعطل طموحه في الخروج إلى الحرية.
لكن, مع هذا لم ييأس كونار..
ناضل وكافح من اجل أثبات قدراته على أنه جديربالعمل مع بقية الناس.
ناشد المركزمرة بعد آخرى..
في أخرمرة, رفع تقريراً إلى مدير المصح, شارحاً فيها قدراته العقلية, من القراءة والكتابة, والقيام بالعمل مثله مثل بقية الناس, وإنه, أي كونار, لديه القدرة على مزاولة العمل الذي تليق به ككائن أنساني قادر على القيام بكل المهام المطلوبة منه.
درست الأدارة أضبارته, ووصلت إلى قناعة كاملة, أن كونار شخص طبيعي, ويستطيع أن يستقل عن المصح, ويعيش حياة طبيعية, دون أن يؤذي أي كائن آخر.
بعد أطلاق سراحه.
راح كونار, يبحث عن العمل لوحده, عن عمل يتناسب مع قدراته. عمل في الأقبية.. في محل تكديس الجرائد, في مطابع الصحف, ثم أنتقل إلى العمل في أحد المصانع. عمل بتفانٍ وصدق, مما خوله جهده, أن يتبوء مكانة أعلى, بحيث أصبح رئيساً لإحدى ورش العمال في إحدى المعامل. بالجهد والمثابرة, بالصدق والرغبة في شق طريقه, أثبت هذا الرجل, أن الإنسان يستطيع أن يفعل المعجزات, إذا أراد ورغب, وكان لديه القدرة والتصميم في شق طريقه في الحياة.
لم ينس كونار ماضيه على الاطلاق. بين الفينة والآخرى, يعود إلى المصح, يغلبه الحنين والبكاء لهذا المكان. تعود ذاكرته في التآلق, في رسم صورالماضي, كيف عاش وأكل ونما بين جدران هذا المكان القاسي والصعب.
مرات كثيرة, يتذكرهؤلاء الصبية, الذين هم في سنه. أين ذهبوا, وماذا حدث لهم. أمامه في اللوحة أجيال آخرى من المعاقين, مما غضبت الطبيعة عليهم, ورمتهم في عزلة عن العالم والبشر, وتركتهم مهمشين ومرميين في مكان بعيد. تذكر أبويه القاسيين, الذين تخلوا عنه في ظروف, كان بأمس الحاجة لمساعدتهم له, من أجل التخلص من إعاقته الطبيعية.
لقد أحب كونار البشروخاصة المعاقين كان يقول:
ـ أيها الناس. أرحموا بعضكم. عندما تشاهدون معاقاً في طريقكم, لا تتعاملوا معه بأزدراء, تعاملوا معه, على أنه أنسان طبيعي. في تصرفك الإنساني مع المعاق, تدخل البهجة والسرورفي قلبه وروحه. عندما تعامله بشكل جيد, تحسسه, أنه كائن وأنسان, ووجوده في الحياة لها معنى. لا تتعامل مع المعاق, على أنه إنسان مشوه, أو مشبوه., أنما عامله مثلما تعامل صديقك أوأخيك, أو أي إنسان طبيعي.
لقد أطلق سراح كونار في العام 1977.
عمل بجد, نجح في حياته مثل أي إنسان طبيعي.
أقدم لكم هذه الصورة لتكون أمامكم أيها الناس, من أجل أن تعرفوا ماذا يعني المعاق, من أجل أن تعاملوا المعاقين, من موقع انساني, شريك معنا في الحياة, وعلى قدم المساواة.



#سناء_عبد_الاحد_ايشوع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيود الزمن الاسر
- هل اصبح حبنا زكرى
- ابحث عن صوت يضمني ويعانق وجعي
- يا حلمي الخمري البديع
- ما لم احلم به
- مرحبا بالثلج
- ليس لعصافير من موسم تحط الرحال على بابه
- ندائي لك ان نطير مع رفوف اقطا والدرج
- الغزال الشارد


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - سناء عبد الاحد ايشوع - حكاية رجل أسمه كونار