هناك نوعان من المحتلين : النوع الاول يأخذ منكم اكثر مما يعطيكم والثاني يعطيكم أقل مما يأخذ منكم..غاندي
يكشف لنا وليم اركين الخبير في الشؤون العسكرية والذى يكتب بصورة دورية في صحيفة لوس انجلوس تايمز عن شخصية عسكرية اخرى تدعى فيكتور رينوارت الذى ادار (من خلف الكواليس) القوات المسلحة في حربها اليومية ضد الارهاب منذ هجمات سبتمبر وقبل ذلك التاريخ كان في الصحراء يوجه عملية (سوذرن وتش) التي شاركت فيها طائرات اميركية وبريطانية وفرنسية وسعودية لفرض حظر الطيران على منطقة جنوب العراق . وانتقل الى العمل في هيئة الاركان المشتركة مع الجنرال تومي فرانكس قبل اربعة اشهر من قيام تنظيم القاعدة بشن هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت وجه العالم . ومع توليه دائرة العمليات في القيادة الوسطى انشغل رينوارت بالحرب في افغانستان ومتابعة فلول طالبان واسامة بن لادن بعد تلك الحرب .وشارك في وضع خطة الحرب ضد العراق والتعبئة العسكرية وجميع القرارات المرتبطة بتلك الحرب.
يبين وليم اركين من حديث جرى مع فيكتور رينوار عن عقلية التفكير العسكرية الاميركية فيقول اركين : أن رينوارت يحاول ان يكون موضوعياً وان يعترف بالاخطاء التي ارتكبت في العمليات العسكرية .لكن الحديث مع رينوارت مهم جدا لانه يلقي بالضوء على الكيفية التي ينظر بها الجيش الى الفشل . يقول رينوارت ان جميع القرارات تضع في حساباتها المخاطر وهذه المخاطر تؤدي الى خسائر وهذا يعني ان العمليات العسكرية التي تفشل في تحقيق اهدافها لاتعني بالضرورة فشل بعض الاشخاص .
ويعتقد رينوار انه عندما تحين الفرصة يجب استغلالها فورا حتى لو كانت فرص نجاحها محدودة جدا . على سبيل المثال إتخاذ قرار تقديم موعد الحرب ضد العراق واستهلالها بهجوم جوي استهدف حياة صدام حسين ونجليه في مزرعة قريبة من بغداد .
قبل ذلك قامت المصادر الاستخبارية بتحديد ثمانية وخمسين منزلا لها علاقتها بصدام حسين وجرى مراقبة تلك المنازل . في التاسع عشر من مارس جرى استراق محادثة هاتفية تفيد بأن صدام حسين سيكون موجودا في مزارع الدورة الواقعة على نهر دجلة والتي تعود ملكيتها الى زوجة صدام حسين , وحددت عمليات الاستطلاع التي جرت بعد ذلك وجود عدد كبير من السيارات وبعد توفر هذه المعطيات ناقش رينوارت الخيارات المطروحة مع الجنرال فرانكس وبقية القادة .
وبعد موافقة الجنرال فرانكس والرئيس بوش على شن الضربة ارسلت الاهداف الى الجيش والبحرية كان يجب على الجيش والبحرية القيام بعمليات استطلاع اضافية من خلال ارسال وحدة قوات خاصة او طائرات استطلاع بدون طيار . الا ان ذلك لم يحدث نظرا لعدم توفر الظروف المناسبة وقوة الدفاعات الجوية العراقية فوق بغداد.
ويضيف رينوارت أنه كان واثقا بالمعلومات الاستخبارية . وبالرغم من المخاطر وبعض الشكوك الا ان واضعي الخطط العسكرية اوضحوا بأن توفر الفرصة لقطع رأس الثعبان (النظام) سيكون امرا يستحق المخاطرة . يعتقد رينوارت بأن مسئولا بارزا في النظام العراقي قد تعرض الى جروح خطيرة او قتل في الهجوم الجوي الذي طال مزارع الدورة . الا ان الشئ الاهم ان الجيش الاميركي او الادارة الاميركية لم يصابا بالاضطراب نتيجة الى عدم تحقيق الضربة لأهدافها.
ان الانتقادات التي تقول بأن قوات الحلفاء قد بالغت في الاعتماد على لوردات الحرب الافغان وكان على قوات الحلفاء استخدام المزيد من الوحدات في ذلك الهجوم كانت (اي الانتقادات) صحيحة . لكن تلك الانتقادات قد فاتها امرا هاما جدا وهو ان المخططين عندما يبدأون وضع خطة معينة امامهم فرصة ويجب عليهم استغلالها.
يضيف رينوارت قائلا: لن الوم رجال الاستخبارات لقد فشلت الاقمار الاصطناعية وطائرات الاستطلاع في العثور على ابن لادن . ذلك درس بليغ يجب ان تستفيد منه الولايات المتحدة وهي تحث الخطى في طريق محاربة الارهاب ومسانديه فحرية الحركة الكاملة ليست متوفرة دوما كما ان الولايات المتحدة ليست عالمة بكل ما يجري وهي وبالرغم من قدرتها العسكرية الكبيرة ما تزال عاجزة . وحتى القوات الخاصة والعملاء السريين لهم قدرات محدودة.
يرى رينوارت وهو مفكر حربي , ان استخدام العقل في الحرب اكثر اهمية من استخدام القوة منذ هجمات سبتمبر (والحديث لرينوارت): مازلنا نعاني من عثرة كبيرة امام تحقيق الفعالية العسكرية وتتمثل هذه العثرة في الافتقار الى اشخاص قادرين على فهم البيانات التي يجري تجميعها لذلك فأن خبراء الاستخبارات يصبحون عملة نادرة .
لقد تحقق تقدم في القدرة على الوصول الى المعلومات وجمعها الا ان اجهزة الاستخبارات الاميركية ما زالت غير قادرة على تحويل الانظمة المحكمة التي جرى تطويرها خلال فترة الحرب الباردة الى انظمة قادرة على اجراء تحليلات سريعة وموثوقة للمعلومات التي يجري تجميعها عن العدو . تحتاج الاجهزة الاستخبارية الاميركية الى مزيد من الفهم للثقافة والدين وبقية الموضوعات الحساسة .
ان هذه الثغرات تعني ان الفشل او النجاح الناقص سيتواصل وكذلك ستتواصل الخسائر . ان الجندي المحترف يعتبر الحرب سلسلة من التجارب التي تكلف بعض الخسائر . ان الغموض شئ اساسي خاصة عند مواجهة عدو لايقاتلك وجها لوجه . ان القيادة العسكرية تتوقع دائما الفشل والخسائر وهي تحاول دائما الاستفادة من التجارب السابقة لتحسين ادائها المستقبلي .
نتوقف هنا قليلا لكى ندقق حقيقة معينة ان الاميركيين اعتمدوا في خططهم العسكرية على لوردات الحرب الافغانية في افغانستان وتم انتقادهم اذ كان الاصح استخدام المزيد من الوحدات العسكرية وبالمقابل اعتمدوا على لوردات المعارضة العراقية في خططهم السياسية في العراق لكنهم الان يجلبون المزيد من القوات ويناشدون دولا اخري لأرسال وحدات اضافية من قواتهم الوطنية ليس الغاية الا تقليل الخسائر التى تقع في قوات التحالف وذلك بأعادة نشر القوات القادمة وفق خريطة جديدة ، النتيجة انهم مع كل مافعلته الاقمار الفضائية التجسسية وعمليات الدعاية الرامبوية الا انهم فشلوا في كلا الحالتين بالظفر براسي الثعبانيين ابن لادن وصدام حسين.
رينوارت احد اركان الماكنة العسكرية الاميركية يعترف بثغرات الخطط العسكرية كما شرع بول بريمر باللقاء اللوم على اركان مجلس الحكم كما شرعت النخبة المثقفة العراقية والعربية الى توجيه اللوم كذلك حالما لاح الضوء الاخضر في الافق.
لماذا لا يلام لوردات متلهفين للظهور بمظهر القادة في العراق بعد سنوات من العزلة والقمع والابعاد ، وهاهم يريدون أداء ادوارهم السياسية التى لا يتقنونها فقد يكون هناك ثمة خلل في الاعداد فهم غردوا خارج السرب احيانا وحاولوا اشباع تلك الرغبة الداخلية بالسفر وبناء خطوطهم اللوجستية لاتمام مصالحهم الفردية والشخصية او ترتيب قواعدهم الحزبية ثم الم يكن مخجلاً ان لا يبتدوا الا بعد ان اعطتهم الادارة الامركية اول قرصة أذن؟؟ كما يفعل الاباء والامهات في تربية ابناءهم وحثهم على الدراسة ؟؟الم تكن الرسالة معناها اننا نستطيع سحب البساط من تحت اقدامكم ونعيدكم من حيث اتينا بكم او لناتى بقوم غيركم؟؟ وكان المفروض ان يعملوا لاجل العراق واعادة بنائه مثل خلية نحل لا تتوقف لحظة واحدة اما المهمات الاخرى فكان الاولى تكليف الوزراء بها ليكونوا اداة التنفيذ فيظهر الجميع وحدة متماسكة في التخطيط والتنفيذ.
اغرب مافي حديث رينوار عندما نعلم ان رجلا مثله يعتقد بأن النصر على الارهاب يرتبط بجانب غير عسكري . يعتقد رينوارت ان ذلك النصر يرتبط بتحقيق التطور الثقافي والاقتصادي في البلدان التي تنمو فيها بذور الارهاب .
يقول رينوارت: ان ذلك امر لايرتبط بالجانب العسكري ان الارهابيين ينشطون في الاماكن التي تشيع فيها الفوضى وفي البلدان التي تعاني من البطالة وعدم وجود مستقبل واضح للشعوب فيها يجب على الولايات المتحدة ان تستثمر هناك.
هنا يجب ان نتوقف مرة ثانية لكي يكون السؤال : اذا كان رينوار يفقه ذلك جيداً الا يبدو لنا ان اثارة الفوضى والانهيار في بغداد عقب دخول قوات التحالف يكون مطلوبا من وجهة النظر الاميركية ليكن مبررا مشروعاً للبقاء والمقاتلة.. فهو لايحتاج الى كبير عناء أكثر من : غض النظر .اليس هو اعترافأ ضمنيا بان مايحصل من اعمال عنف مضادة مهما كان مصدرها هو نتاج الاحساس بان قوات الاحتلال ومجلسها لم تمنح الشعب العراقي اى ملامح واضحة لمستقبله؟؟ ولم تباشر بتحقيق أى تطور ثقافي أواقتصادي ولم تشرع باى خطوة عملاقة تستقطب فيها طاقات الشباب العاطل والواقع في فراغ فكري وثقافي خطير.. لقد فكروا بتنظيف العاصمة بغداد بعد ستة اشهر من الصيف الساخن والمناسب لتنظيفها وليس البدء بذلك مع موسم الشتاء كما كانت تفعل اجهزة النظام السابق الخدمية.. بل ان مجرد شعور ذلك الشباب بان ايدي عاملة اجنبية يتم استقدامها للعمل في بلده تنافس رزقاً هو بحاجة له انما تولد لديه ردة فعل عنيفة تشعره بوجود محاولة من يسعى لركنه جانبا او تحويله الى حامل سلاح معادي.
لكن رينوارت وللاسف ينظر للمسالة نظرة اخرى: اذا لم تنجح في زحزحة الشباب الغاضب من طريقك فعليك مقاتلتهم !!!.