أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - بشير الحامدي - دفاعا عن الحرية النقابية من أجل نقابة مناضلة















المزيد.....



دفاعا عن الحرية النقابية من أجل نقابة مناضلة


بشير الحامدي

الحوار المتمدن-العدد: 2134 - 2007 / 12 / 19 - 11:36
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    



تقديم
مثل الإتحاد العام التونسي للشغل في فترات عديدة من تاريخه مكسبا للشغيلة التونسيين في مواجهة القوة الاقتصادية والسياسية لأرباب العمل- رأسماليين ودولة - إلا أنه كذلك وفي فترات عديدة أخرى تحوّل إلى منظمة للتعاون الطبقي تبنّت سياسة السلم الاجتماعي والمشاركة وانجرت تحت نفوذ بيروقراطيتها إلى التحول من أداة بيد الشغيلة للدفاع عن مصالحهم إلى أداة مساهمة ومشاركة في تنفيذ سياسات الاستغلال المفرط والتفقير المفروضة من المؤجرين ضد هؤلاء الشغيلة أنفسهم. إن تلك الفترات المضيئة من تاريخ هذه المنظمة كانت نتيجة عمل معارضة نقابية ناضلت من أجل أن تكون النقابة أداة للدفاع عن مصالح منخرطيها وعن مصالح عموم الشغيلة لا أداة بيد السلطة ومن أجل ديمقراطية واستقلالية العمل النقابي عن نفوذ الدولة ونفوذ البيروقراطية وهو ما مكن الإتحاد العام التونسي للشغل من التغلب على عديد الأزمات التي مر بها وتقوى نفوذه في منعرجات عديدة من صراع الحركة العمالية مع سلطة رأس المال وسياسات الدولة التابعة [ الإضراب العام 26 جانفي 1978ـ معركة التنصيب 1985].إلا أنّ ما يجب الإقرار به هو أن هذه المعارضة ورغم تاريخها النضالي الكبير ضد السلطة وضد البيروقراطية النقابية لم تقدر على التجذر داخل الإتحاد وعجزت عن التطور إلى معارضة موحدة ومستقلة وذات نفوذ فهي لم تكن تعمل بانسجام وكثيرا ما ظهرت في شكل خطوط وتيارات متناحرة وفي محطات كثيرة وخاصة أثناء المؤتمرات النقابية كانت تسبّق الصراع فيما بينها على الصراع ضد البيروقراطية وهو ما حال تاريخيا دونها والتشكل كمعارضة قادرة على قلب موازين القوى لصالحها.وسنحاول في هذا النص المساهمة في مزيد فهم بعض أوجه النضال النقابي و سياسة البيروقراطية فضلا عن تحديات ومهام المرحلة.
1 ـ الإتحاد العام التونسي للشغل نقابة مشاركة تحت نفوذ بيروقراطية مندمجة في الدولة
في بداية التسعينات انخرطت بلادنا في اتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية والتي أخضع بموجبها اقتصادنا للتوجهات النيوليبرالية فوقع التفويت في القطاعات العمومية لصالح الخواص وفتحت الحدود لتدفق السلع والرساميل الأجنبية وأنطلق تطبيق برامج التأهيل والتي كانت نتائجها كارثية على الشغيلة وعلى عموم فئات الشعب الفقيرة. فسرّح عشرات الآلاف من العمال ووقع تغيير تشريعات الشغل لصالح المشغلين وضيق على الحق النقابي وانتشرت ظاهرة العمل غير القار والعمل بالمناولة وعمّمت عقود العمل محددة المدة وعقود العمل الوقتي في جميع الأنشطة [ السياحةـ النسيج الصناعات الغذائية التعليم...] وحصل انحدار رهيب في الطاقة الشرائية للأجراء والفئات الشعبية بفعل الزيادات الجنونية للأسعار وتهاوى مستوى الخدمات الاجتماعية إلى أسوء مستوى منذ عقود. ولأسباب عديدة عالمية ومحلية نجح الأعراف في فرض هذه التوجهات في منشآتهم ومصانعهم بدون مقاومة من طرف العمال عدا بعض الإعتصامات التي وقعت هنا وهناك ضد التسريح. لقد بقيت تلك الاحتجاجات و الإعتصامات محدودة نتيجة تصدي البيروقراطية النقابية لهذا الشكل النضالي الذي التجأ إليه العمال والذي كان سيؤدي في صورة تطوره ونجاحه لتجاوزها وكذلك نتيجة لامبالاة المعارضة النقابية الضعيفة والفئوية بهذا الشكل الأصيل من النضال والآفاق التي كان يمكن أن يفتحها للشغيلة.
أما في القطاع العمومي فإن الدولة بدورها قد عملت من جانبها على فرض نفس التوجهات في قطاعات الوظيفة العمومية [الاتصالات التعليم ـ الصحة الضمان الاجتماعي...] ولئن نجحت وإلى حدّ كبير في تفكيك بعض القطاعات وبيعها للخواص على غرار قطاع المواصلات فإنها وإلى حدّ الآن تواجه بعض المشاكل في قطاعات أخرى وخصوصا قطاعي التعليم والصحة وهو ما يفسر حالة الاحتقان المتواصلة في هذين القطاعين والمستمرة لسنوات عديدة والمرشحة لمزيد الاحتداد رغم الاتفاقيات الهزيلة الأخيرة الممضاة والتي لم تحقق حتى الحد الأدنى من المطالب التي ناضل الموظفون من أجل تحقيقها والتي فرضتها السلطة بمساعدة المكتب التنفيذي للإتحاد على قيادات قطاعي التعليم والصحة الضعيفة والمترددة والتي رضخت للمساومات والضغط والتخويف فسلمت بسياسة الأمر الواقع. ومثلما تبنت السلطة في بلادنا إملاءات البنوك ومراكز النفوذ المالي العالمية لإعادة هيكلة الاقتصاد المحلي في بداية التسعينات بما يستجيب لمصالح هذه الدوائر فإنها كذلك طبقت استراتيجيا هذه المراكز والمتمثلة في تمرير هذه السياسات بشكل ناعم كلما كان ذلك ممكنا وذلك بالهيمنة على النقابات وتحويلها إلى أدوات مساهمة ومشاركة.
ونظرا لضعف المعارضة النقابية لم تجد السلطة في بلادنا عناء في جعل بيروقراطية الإتحاد العام التونسي للشغل تتبنى هذا المفهوم الجديد للعمل النقابي وانبرت البيروقراطية النقابية والتي التزمت بدورها المشارك تنظّر للمساهمة والمشاركة ونشر محمد الطرابلسي عضو المكتب التنفيذي للإتحاد مقالات عديدة في جريدة الشعب تسوّق لهذا الدور. كذلك انساق قسم التكوين والتثقيف في الإتحاد إلى إقامة ندوات للتكوين النقابي تكوّن وتثقف المسؤولين النقابيين في الهياكل الوسطى والأساسية على مفهوم النقابة المشاركة وآليات عملها وفق هذا المنظور وانخرطت المنظمة النقابية في شراكة وتعاون مع هيئات لا تخدم في الأخير غير مصلحة رأس المال مثل منظمة فريدريك إيبارت والتي لا يخفى تاريخها وتوجهاتها المعادية للعمال والشغيلة عموما وللقضايا العربية [فلسطين ـ العراق] .
أ ـ معارضة نقابية هشة
لم تقدر المعارضة النقابية المنقسمة على نفسها على الإنغراس في صلب الشغالين لتجذير التحركات والاحتجاجات التي ضلت محدودة وسرعان ما تلاشت في وقت كانت فيه مرشحة إلى الانتشار والتوسع والتحول إلى حركة رفض ودفاع ذاتي عن الحق في الشغل وعن تحسين الأجور وظروف العمل وقادرة على تجاوز أسوار المعامل والمصانع لتلامس الأحياء وترتقي إلى مستوى معارك دفاع حقيقية عن العمال وحقهم في الشغل والكرامة لهم ولأسرهم. لقد ارتبطت أغلب مكونات هذه المعارضة بألف خيط وخيط مع البيروقراطية ولم تقدر على تنظيم مواجهة مشروع تحالف السلطة والبيروقراطية لما تبني الإتحاد العام التونسي للشغل في بداية التسعينات مفهوم النقابة المساهمة وعجزت عن المواجهة الواعية بمواقف معارضة جذرية وحازمة لا بل يمكن القول أن بعض مواقفها الفعلية كانت غير رافضة في الجوهر لهذا التوجه وهو ما مهّد لاندماج أغلب مكونات هذه المعارضة فيما بعد بالتيار البيروقراطي لتتحول إلى شريكة فعلية له وحصرت وجودها في الصراع على مراكز المسؤولية داخل هياكل الإتحاد ولم تتمسك بغير الشعارات وطلقت كل ما له صلة بالنضال الحقيقي باستثناء بعض المحطات والتي وجدت نفسها فيها مجبرة على مسايرة التحركات القاعدية كي لا تعزل. وهو وضع جعل هذه المعارضة تتهرّأ شيئا فشيئا وتدخل مرحلة من الشلل والعجز مازالت مستمرة إلى اليوم. لقد أدّى هذا الواقع لتسيطر على سلطات القرار في الإتحاد العام التونسي للشغل بيروقراطية مندمجة في الدولة موكول لها مهمة كبح وتخريب النضالات ومصادرة الديمقراطية النقابية وخنق استقلالية القرار القطاعي ونسف كل مدّ نضالي قد يحصل داخل المنظمة النقابية.
بـ ـ بيروقراطية فاسدة
لقد أصبح الإتحاد العام التونسي للشغل ومنذ أن تبنى هذا التوجه شريكا معلنا للدولة والأعراف ومساهما في سياسات الخوصصة والتأهيل وانحدرت بيروقراطيته المتنفذة إلى مستوى اللصوصية والاختلاس ولعل خير دليل على ما نقول ما أتاه إسماعيل السحباني الذي اختلس مليارات من أموال الإتحاد [حوكم ولم يقض غير مدة قصيرة من حكمه وأعفي عنه بطريقة مشبوهة] والذي أزيح لتصعيد جراد و مجموعته والذين لم تكن أياديهم هم أيضا نظيفة من ملف الفساد المالي.وتحت شعار" تصحيح المسار النقابي " أوكلت لهذه المجموعة مهمة إعادة تشكيل التوازنات داخل فريق القيادة البيروقراطية لمزيد ربط المنظمة النقابية بالسلطة والأعراف وبمسار المشاركة هذا التوجه الذي بدأ مع السحباني في التسعينات واستكمله جراد في مؤتمر جربة وفي مؤتمر المنستير الأخير. لقد سقطت اليوم كل أقنعة البيروقراطية ولم يعد خافيا على النقابيين وعلى الرأي العام الديمقراطي معارضة مركزية الإتحاد العام التونسي للشغل لكل النضالات العمالية المطلبية وسعيها الدائم لإرباكها وتفتيتها وجرّ قيادات القطاعات تحت التهديد بالانقلاب عليها وبسيف لجنة النظام إلى إمضاء الإتفافقيات المفرغة من أي محتوى والتي لا تستجيب لمطالب القواعد النقابية والاصطفاف علنا وراء السلطة فيما يخص قضايا المطالبة بالحريات والديمقراطية. لقد انكشفت كل أوراق هذا الجهاز المرتزق من عائدات أملاك الإتحاد ومن انخراطات العمال والموظفين والتي تبلغ المليارات سنويا!! والذي أصبح يتصرف فيها كما يشاء بلا أدنى رقابة بوصفه المتحكم الوحيد في آليات التصرف المالي حسب " قوانين " المنظمة وهو وضع يحتم اليوم ضرورة مراجعة هذه المركزة المالية وفتح الملف المالي للإتحاد ورفع شعار محاسبة أعضاء الجهاز البيروقراطي الماسكين به. هكذا إذن وتحت نفوذ هذه البيروقراطية المشاركة تحول الإتحاد إلى أداة بيد الأعراف والسلطة تتبنى آليات عمل وتوظف قوانين معادية للعمل النقابي الحقيقي ومناهضة لمصالح منخرطيها.
2 ـ الإتحاد العام التونسي للشغل نقابة آليات عملها و قوانينها ضد مصالح منخرطيها
أ ـ اتفاقيات السلم الاجتماعي طويلة المدى
لم يشهد الإتحاد العام التونسي للشغل ومنذ انبعاثه وضعا مماثلا للوضع القائم الآن والمستمر منذ أكثر من 18 سنة والمتمثل في التقييد المتزايد لحق النقابيين والقطاعات داخله في تقرير حر لمواقفهم ومواقف نقاباتهم من كل مستجد بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي والسياسي بفعل اتفاقيات السلم الاجتماعي التي انخرطت فيها البيروقراطية النقابية والتي تمثل أحد أهم آليات مشاركتها للدولة ولرجال الأعمال والتي بموجبها أجبر الشغيلة على الرضاء بزيادات هزيلة في الأجور يقع التفاوض فيها كل ثلاث سنوات سرعان ما تمتص بفعل الزيادات المهولة في الأسعار وهو ما انجر عنه تدهور كبير في القدرة الشرائية للأجراء وللطبقات الفقيرة في المجتمع وهو وضع لم يعد محتملا. لقد سعى الرأسماليون والدولة وبمشاركة البيروقراطية ومنذ البدء في تنفيذ برنامج تأهيل الاقتصاد التونسي ولمزيد مراكمة أرباح المؤسسات والدولة إلى فرض اتفاقيات سلم اجتماعي طويلة المدى تجبر النقابات على الامتناع عن كل نشاط مطلبي خلال مدد الاتفاقيات. إن هكذا اتفاقيات هي مخالفة لطبيعة العمل النقابي نفسه بوصفه لا يكون إلاّ حرا وديمقراطيا ومستقلا. إن انخراط البيروقراطية في اتفاقيات السلم الاجتماعي وتبنيها لها لا يعني في الحقيقة وهو ما يجب أن يعيه كل نقابي غير التزام هذه البيروقراطية بوصفها أداة بيد الرأسماليين والدولة على إجبار الحركة النقابية على خنق مبرر وجودها. إن المكتب التنفيذي الذي يماطل في الموافقة على عقد هيئات القرار في القطاعات ويعارض الإضرابات ويلغيها ويتبرأ من الإعتصامات ويفككها على حساب العمال التزاما بهذه الاتفاقيات ليس معاديا للديمقراطية والاستقلالية وحرية العمل النقابي فحسب إنه مساهم وشريك فعلي في تمرير سياسات التفقير والاستغلال. إن واجب النقابيين المتشبثين بحرية وديمقراطية واستقلالية نقاباتهم يحتم عليهم محاربة هذا التوجه وإسقاطه والتصدي لكل ميل إلى تطويل مدد الاتفاقيات ورفض تضمين الاتفاقات أي بند حول احترام السلم الاجتماعي أو حول تقييد حق الإضراب وممارسة الحق النقابي.
بـ ـ المركزة البيروقراطية
لقد بات ملموسا اليوم لأوسع النقابيين أن المركزة البيروقراطية المطلقة التي عليها الإتحاد العام التونسي للشغل بما خلقته من أوضاع قد أتاحت للبيروقراطية النقابية وسهلت لها المحافظة على دور المشاركة والمساهمة الذي تلعبه في هذه الحقبة. ويمثل تحكم المكتب التنفيذي في كل القرارات النقابية ــ ومن أهمها وجوب موافقته على كل دعوة لاجتماع الهيئات الإدارية القطاعية ووجوب إشراف أحد أعضائه على هذه الاجتماعات ووجوب موافقة هذا المكتب التنفيذي على كل قرار يصدر عن هذه الهيئات أو عن المكاتب التنفيذية القطاعية أو الجامعات النقابية ــ من أبرز القوانين المعادية لحرية العمل النقابي وبندا من البنود التي وظّفتها البيروقراطية النقابية لمصادرة كل موقف أو توجه معارض لسياسة المشاركة التي تنتهجها وقد مكن هذا الوضع البيروقراطية من التحكم في الديناميكية النضالية للقطاعات بدعوى علوية سلطته على سلطة المكاتب التنفيذية للقطاعات.
إضافة إلى ما تقدم يمكن الإشارة أيضا إلى هيئتين بيروقراطيتين تعاضدان عمل المكتب التنفيذي وهما ما يسمى بالهيئة الإدارية الوطنية وبالمكتب التنفيذي الموسع والذين تعكس تركيبتهما حالة صارخة من اللاديموقراطية حيث تتساوى في هاتين الهيئتين حقوق أعضائهما في أخذ القرار برغم الفرق الشاسع في التمثيلية القاعدية لكل عضو إضافة إلى الغياب التام لأي ضبط لمهام أعضاء كل من الهيئتين فلا وجود لما يلزمهم بعدم تجاوز توصيات أو قرارات هياكلهم أو جهاتهم عند اتخاذ المواقف والقرارات والأسوأ هو أن البيروقراطية أصبحت تلتجئ لهاتين الهيئتين كبديل لهيئات القرار الفعلية في الإتحاد مثل المجالس الوطنية أو الهيئات الإدارية القطاعية في كل مرة تعزم فيها على التراجع في قرارات أو قوانين وقع إقرارها في مؤتمرات الإتحاد أوعندما تريد تمرير قوانين بيروقراطية جديدة أو للزج بالإتحاد في سياسات تعرف أنها محل معارضة أغلب منخرطيه ناهيك عن الدور الذي أصبحت تلعبه هاتان الهيئتان البيروقراطيان مع المكتب التنفيذي عمليا بصورة سرية أو علنية في التحكم في تاريخ انعقاد المؤتمر العام والمؤتمرات الجهوية وفي تاريخ تجديد الهياكل وفي كل عملية انتخابات لهياكل المنظمة لمزيد التحكم في تركيبة هذه الهياكل ولتمهيد الطريق للقائمات التي ترضى عنها لضمان مدد نيابية أخرى لأنصار المشاركة.
إن وضعا كهذا جعل البيروقراطية النقابية وجهازها المكتب التنفيذي متحكما مطلقا في كل القرارات النقابية وسحب البساط من القطاعات والجهات وهو وضع خرب النضالات وتسبب في تراجع الوعي بأهمية النقابة والنضال النقابي لدى المنخرطين ولجم الهياكل الأساسية و الوسطى والقطاعية عن تفعيل قراراتها وحاد بالإتحاد عن الدور الذي كان من المفروض أن يلعبه.
ج ـ الانخراط بالاقتطاع الآلي من المرتب
لم يعد خافيا اليوم على النقابيين أن الانخراط في الإتحاد العام التونسي للشغل والذي يتم عن طريق الاقتطاع من المرتب قد ساهم في تقوية نفوذ البيروقراطية النقابية وأمّن لها أكثر ما يمكن من أسباب الهيمنة. فالإنخراط بهذا الشكل وفي الواقع الحالي للإتحاد العام التونسي للشغل ليس تقنية تنظيمية وعملا تقوم به المصالح الإدارية والمالية للدولة لصالح هذه المنظمة النقابية هكذا وبلا هدف إن له مدلولا وأبعادا سياسية باتت مكشوفة: لقد وسّع من نفوذ الرأسماليين والدولة داخل الإتحاد ومسّ باستقلاليته كمنظمة نقابية للشغيلة وقوّى من تسلط قيادتها البيروقراطية. هذه هي بالضبط الأبعاد التي يكثفها هذا الشكل من الانخراط. إنه كذلك اتفاق ضمني بين الدولة وأرباب العمل من جهة والبيروقراطية النقابية من جهة أخرى على التعاون. لقد اعتبر المشغلون والدولة دائما هذا الشكل من الانخراط سلاحا فعالا بأيديهم يمكن رفعه حين تحيد البيروقراطية النقابية عن التزاماتها تجاههم أو عندما يحتم الوضع من وجهة نظرهم ضرب النقابات وتكسيرها ولأن البيروقراطية النقابية تعي ذلك جيدا فقد كانت دوما حريصة على المحافظة على هذا الاتفاق الذي تعتبره امتيازا يدر عليها المليارات سنويا فلم تتوان يوما عن مصادرة النضالات واستقلالية القرار القطاعي ونسف الديمقراطية النقابية وضرب الحق النقابي وإقصاء وتكميم أفواه النقابيين المعارضين لتوجه المشاركة وفرض الاتفاقيات المغشوشة وإغماض العين عن الزيادات الملتهبة للأسعار والتدهور المتزايد للمقدرة الشرائية للشغالين ناهيك عن مساندتها لسياسة القمع المسلط اليوم على المجتمع.
إن الانخراط بالإتحاد العم التونسي للشغل بواسطة الاقتطاع الآلي من المرتب يمثل إحدى الآليات التي حالت دون تطور جماهيرية هذه المنظمة على قاعدة الاقتناع والتطوع والالتزام والنضالية و سهلت للفئة البيروقراطية إفساد الحركة النقابية ووسعت نفوذ الدولة والأعراف داخلها.إن البيروقراطية النقابية المهيمنة على سلطات القرار اليوم هي نتاج موضوعي للجماهيرية المغشوشة لهذه المنظمة ولعل الإطاحة بها تمر بضربها في امتيازها الأكبر العائدات المالية وبالتالي جعل الانخراط بالنقابات يقوم على أساس الانخراط المباشر عن طريق النقابات الأساسية وهي عملية ستكرس بالفعل التزام المنخرط من جهة بسياسة نقابته وتعهدا بممارسة قراراتها والدفاع عنها وستكون أيضا تعبيرا عن حيوية وفعالية هذه النقابة والتنظيم النقابي الذي تنتمي إليه ككل. إن الانخراط وبهذه الطريقة سيكون عملية شفافة ونضالية وسيمتن العلاقة بين الهياكل والقواعد وسيحفز الهياكل للعمل والنشاط الهادف وسيلزم التنظيم النقابي بالدفاع عن مطالب منخرطيه والالتزام بمقررات المؤتمرات القطاعية وسيتيح شفافية التصرف في العائدات المالية وإمكانية آلية للمحاسبة وسيرشد الأنشطة النقابية.
لا شك أن هذا الأسلوب في الانخراط ترفضه البيروقراطية ويصيبها الذعر حتى من مجرد الحديث عنه لأنه وببساطة سيجردها من امتيازها الأكبر" العائدات المالية " وبالتالي سيحرم أعضاء المكتب التنفيذي من السفرات إلى الخارج والتي لا فائدة ولا نفع منها للحركة النقابية ومن الجرايات الكبيرة التي يتقاضونها باسم أنهم أعضاء في هذا الجهاز ومن السيارات الفارهة التي يركبونها ومن الندوات التي تنظم في أفخر النزل والتي تعودوا على إقامتها بمناسبة وبدون مناسبة ومن الارتشاء والسرقة... وسينسف أهم قاعدة للبيروقراطية النقابية ولهذه الزعامات التي عمرت في الإتحاد سواء في مكتبه التنفيذي المركزي أو في المكاتب التنفيذية الجهوية هذه الزعامات التي تستميت في كل مؤتمر عام أو جهوي للحصول على عضوية هذه المكاتب هذه العضوية التي أصبحت امتيازا ماليا بالدرجة الأولى.
إن طريقة الانخراط بالحجز على المرتب هذه الآلية التي تراكم كل شهر أكثر من 500 مليون دينار تونسي تحت تصرف المكتب التنفيذي ولا تحصل منها النقابات العامة والنقابات الجهوية والأساسية إلا على قسط زهيد لا يغطي أبسط نشاطاتها وهو أسلوب تتعمده البيروقراطية لمزيد الهيمنة على هذه الهياكل وتكبيلها وإبقائها مرتهنة بها. إن مسألة الانخراط في الإتحاد العام التونسي للشغل أصبحت اليوم إحدى المسائل الملحة والتي على النقابين أن يطرحوها من أجل فرض طريقة الانخراط المباشر والتي ستحول دون إطلاق اليد في مالية الإتحاد وتضع حدا لكل تلاعب أو إهدار لأموال المنخرطين.
د ـ لجنة النظام أداة إقصاء بيد البيروقراطية
ينضاف إلى ما تقدم من آليات بيد البيروقراطية النقابية آلية أخرى متمثلة في نفوذ اللجان المسماة بلجان النظام والتي لم تكن عبر تاريخ الإتحاد غير أداة بيد الجهاز البيروقراطي لإزاحة النقابيين المعارضين لسياسته من ساحة الفعل النقابي. لقد دأبت البيروقراطية وفي كل مرة تستشعر فيها باهتزاز موقعها وبافتضاح الأدوار التي تقوم بها على تفعيل هذه اللجان لتحجيم أي إمكانية لتجذير محتمل لسياسة نقابية مناضلة والتصدي لها قبل أن يتوسع نشاطها. هذا هو الدور الذي لعبته هذه اللجان تاريخيا إن سجلاتها سوداء مليئة بالتلفيق والتجاوزات في حق أجيال النقابيين المناضلين وخصوصا مناضلي اليسار النقابي الذين كانوا الأكثر استهدافا من قبلها.
إن حملة التجريد الحالية لا تختلف عن حملات التجريد السابقة: إنها حملة على عناصر اليسار النقابي و بالتحديد على أنصار النقابة المناضلة الذين تصدوا في قطاعاتهم أثناء موجة النضالات المطلبية التي عرفتها الساحة النقابية في السنتين الأخيرتين وبالتحديد في قطاعي التعليم الابتدائي والثانوي لمخطط السلطة والبيروقراطية والرامي إلى إيقاف موجة هذه النضالات حتى لا تنتقل عدواها إلى القطاعات الأخرى والزج بهذه القطاعات في حالة من الفراغ النقابي وخلق حالة من عدم المصداقية بين المكاتب التنفيذية القطاعية وقواعدها بدفع هذه المكاتب وبكل الطرق إلى إمضاء اتفاقيات جوفاء مهينة تعوّم المطالب المرفوعة وتفرغها من محتواها وهو ما حصل بالفعل في القطاعات الثلاث [التعليم الابتدائي والثانوي وقطاع الصحة].إن الاتفاقيات الممضاة من قيادات هذه القطاعات قد ضمنت وبامتياز استمرار سياسة السلم الاجتماعية وما استهداف المعارضة النقابية الواقفة اليوم على أرضية إسقاط هذه السياسة وربط النضال ضد الأعراف والسلطة بالنضال ضد البيروقراطية والعمل ميدانيا على تحقيق استقلالية قرار القطاعات ورفض وصاية المكتب التنفيذي على الحركة النقابية إلاّ استكمال لهذا المخطط. إن تفعيل لجنة النظام الآن والانطلاق في حملة التجريد الحالية لا يجب حصر دوافعها فقط كما يردّد بعض النقابيين في بدء البيروقراطية بتمهيد الطريق لتمرير مشروع التوريث بإزاحة معارضيه أو في انطلاق شق على بن رمضان في تصفيه خصومه في مؤتمر المنستير إن ذلك ليس إلاّ جزءا من خطة أكبر وقع إعدادها من طرف البيروقراطية النقابية والسلطة وترمي إلى :
• ضرب ما تبقى من مناضلي اليسار النقابي المعارضين للبيروقراطية النقابية لإزاحتهم من الساحة النقابية بعد أن نجحت هذه البيروقراطية في تحويل القطاع الأوسع من هذا اليسار إلى حليف معلن لها وما واقع اللامبالاة الذي تعاملت به الهياكل النقابية في كل القطاعات وخصوصا التي تحسب نفسها على اليسار مع هذه الحملة إلا دليل على ذلك.
• إحداث وضع من الفراغ في القطاعات التي أبدت استعدادا أكبر للدفاع عن مطالبها وخصوصا منها قطاع التعليم الابتدائي لنسف أي تجذر ممكن ولا يكون ذلك إلاّ بإزاحة العناصر الأكثر نضالية وتشبثا باستقلالية قرار القطاع ورفع وصاية المكتب التنفيذي عنه ولذلك كان مناضلو هذا القطاع هم الأكثر استهدافا.
• قطع الطريق أمام أي محاولة لإسقاط سياسة السلم الاجتماعية خصوصا والبيروقراطية النقابية والسلطة يستعدان لجولة جديدة من المفاوضات حول الزيادة في الأجور يجب أن تدور من منظورهما في وضع متسم بالهدوء وقد مهدت له عمليا الإتفافقيات التي وقع إمضاؤها في قطاعي التعليم وفي قطاع الصحة.
• إسكات أصوات النقابيين الرافضين لسياسة القمع والتفقير ومصادرة الحريات وهو الدور الذي على البيروقراطية أن تلعبه من داخل الإتحاد وقد انطلقت فيه بعد [حملة التجريد] لتأكيد موالاتها للسلطة واصطفافها وراءها وموافقتها على ما تخططه للاستحقاقات السياسية لسنة 2009 وما زيارة جراد للأمين العام للتجمع الدستوري في المدة الأخيرة والتي لم يعلن عن فحواها وإعلان الإطارات النقابية لإتحاد سليانة المجتمعين يوم 24 سبتمبر2007 وموقفهم المساند لبرنامج التجمع حول انتخابات 2009 [أنظر جريدة الشروق بتاريخ 29/09/2007] إلاّ بداية لدفع الإتحاد في اتجاه هذا المنزلق.
بقي أن نشير في الأخير إلى أن المعركة ضد التجريد في واقع الإتحاد اليوم ما هي إلا بداية لمعركة أكبر مع البيروقراطية والسلطة ألا وهي معركة فرض الحريات النقابية واستقلالية القطاعات وعليه فالمهمة تقتضي من كل النقابيين أنصار النقابة المناضلة وعي ذلك والبدء فورا في بلورة خطة نضالية من أجل فرض عمل نقابي مستقل وديمقراطي فعلا يلبي حاجة الشغيلة التونسيين اليوم لمنظمة نقابية تكون أداة بأيديهم للدفاع عن مصالحهم لا أداة بيد البيروقراطية والأعراف الرأسماليين والدولة.
3 ـ الإتحاد العام التونسي للشغل نقابة تقمع نضالات منخرطيها
أ ـ الوزارة و المكتب التنفيذي معا لقمع نضالات التعليم الإبتدائي
لئن مثلت موجة النضالات التي قادها قطاعا التعليم الإبتدائي والثانوي[ 2006 2007] قطيعة مع الركود الذي ساد منذ سنوات في الإتحاد العام التونسي للشغل إلاّ أن هذه الموجة من النضالات انتهت في الأخير إلى طريق مسدود لأسباب عدة متداخلها منها ما هو عام متعلق بالسياسة المنتهجة في بلادنا والمكرسة لنهج القمع في التعاطي مع المطالب الشعبية عموما هذا النهج الذي التزمت به وزارة التربية والتكوين من جانبها وكرسته في تعاطيها مع مطالب رجال التعليم وفي تعاملها مع هياكلهم النقابية المنتخبة وعوامل أخري خاصة متعلقة بخيانة المكتب التنفيذي للإتحاد لنضالات هذين القطاعين من جهة وبطريقة تعاطي قيادتي القطاعين مع القواعد ومع مخطط السلطة والبيروقراطية من جهة أخرى .
يمثل التزام البيروقراطية النقابية بنهج المشاركة وباتفاقيات السلم الاجتماعية وبموافقتها على السياسة التعليمية المنتهجة قاعدة المخطط الذي أطاح بموجة النضالات الأخيرة لقطاعي التعليم ورمى بهما في حالة من الفراغ والشلل ولأن عناصر هذا المخطط كانت بارزة أكثر وجلية في مواجهة قطاع التعليم الإبتدائي سنركّز تحليلنا لفهم ما وقع على هذا القطاع .
يمكن القول أن بداية المؤامرة على النضالات المطلبية للمعلمين كانت بذلك الاتفاق الممضى في7 سبتمبر2006 و الذي مهد لاتفاقية 1 نوفمبر 2006 التي كانت في صالح سلطة الإشراف ولم تحقق شيئا من مطالب القطاع والتي أمضتها نقابتهم العامة بدفع من كاتبها العام في ذلك الوقت منصف الزاهي كصفقة ليبرهن بها عن ولائه للوزارة وليعبّد بها الطريق لرضاء جراد عنه وانتخابه لعضوية المكتب التنفيذي المركزي وهو ما حصل بالفعل بعد شهر في مؤتمر المنستير حيث انتخب هذا الزاهي لهذا المكتب وتولى فيه مسؤولية الإشراف على قطاع الوظيفة العمومية وقد كانت له صولات وجولات وهو في خطته الجديدة في التآمر وبالذات على القطاع الذي ساهم وبدرجة كبيرة في وصوله إلى تلك الخطة وعلى حلفاء الأمس من أعضاء النقابة العامة.
المحطة الثانية للمؤامرة كانت في ترك القطاع في وضع من الشلل عدة أشهر حيث كان المكتب التنفيذي يعارض وجود بعض الوجوه بدعوى أنها ذات ميول يسارية في خطة كاتب عام للنقابة ويسعى لفرض وجه موالي له وقد عمل المكتب التنفيذي كل ما في وسعه لفرض موقفه هذا ملوحا حتى بمؤتمر استثنائي لقلب الأوضاع لكن وبضغط من القطاع إضافة لملابسات عديدة أخرى وقع انتخاب الكاتب العام الحالي للنقابة. لم يكن هذا "الانجاز" في الحقيقة إلاّ انتصارا عابرا على المكتب التنفيذي الذي خير التنازل مرجئا المعركة واستكمال المؤامرة على القطاع وعلى الأغلبية في هذا المكتب إلى الوقت المناسب و لم ينتظر طويلا فما أن انطلقت نضالات المعلمين في ربيع سنة 2007 حتى انطلق في استكمال المؤامرة وذلك بـ:
• إرباك عمل النقابة العامة بالمماطلة في الموافقة على عقد الهيئات الإدارية القطاعية لشل تعبئة القطاع ولتمكين الوزارة من ربح الوقت والمناورة وفرض سياسة الأمر الواقع وهو ما حققته في آخر المطاف.
• استغلال الإشراف على الهيئات الإدارية لعرقلة كل قرار لا يرضى عليه وحبك المناورات والضغط على أعضائها للقبول بسياسة المهادنة.
• التفاوض باسم القطاع وفرض الصفقات عليه دون الرجوع إلى النقابة العامة والهيئة الإدارية بتعلة علوية سلطة المكتب التنفيذي على سلطتها.
أما المنعرج الأخير من هذه المؤامرة فقد بدأ مع إضراب 29 ماي 2007 وتمثل في إصرار المكتب التنفيذي على عدم الموافقة على عقد هيئة إدارية لتقييم الإضراب والتخطيط للنضالات القادمة وهو موقف كان بتنسيق مع وزارة التربية والتكوين والتي واصلت من ناحيتها تعنتها ولامبالاتها بما يقع من احتجاجات ورفضت التحاور حول المطالب المرفوعة مع هياكل القطاع. لقد أدّى هذا الوضع من الإرباك إلى قطع الطريق أمام أي مبادرة للضغط على الوزارة للتراجع في قراراتها وتحديدا الخاصة بحركتي المديرين والمعلمين نقطة الخلاف الكبرى وقدم المكتب التنفيذي للإتحاد للسلطة ما كانت تنتظره منه ألا وهو وضع القطاع في حالة شلل ومنعه من أي تحرك منظم وقانوني فيما تبقى من السنة الدراسية تمهيدا للإجهاز عليه في مرحلة لاحقة لذلك وقف المكتب التنفيذي وطيلة شهر جوان ضد كل التحركات التي وقعت في جهة تونس وفي الجهات الداخلية وأغمض العين على اقتحام جهاز البوليس لدار الإتحاد الجهوي بالقصرين وسكت عن كل ما حصل من اعتداءات على المعلمين أثناء الإعتصامات التي قاموا بها أمام الوزارة أو أمام الإدارات الجهوية لا بل حمّل المعلمين مسؤولية ما يمكن أن ينجر عن ذلك في إشارة واضحة للبوليس كي يستمرّ في القمع لفك أي تعبئة للقطاع وللوزارة كي تستكمل مخططها وتتصرف بانفراد. كل ذلك لم يكن ليكفي هذا الجهاز البيروقراطي الذي مرّ آخر المطاف إلى إعلان عدائه المكشوف للقطاع ولقيادته فبدأ أولا بمساءلة النقابة العامة عن مدي مسؤوليتها عما حصل في تونس وفي قفصة من احتجاجات ولوح باستدعاء عضوين منها للجنة النظام تمهيدا للانطلاق في حملة تجريد أكثر العناصر نشاطا وتحركا وأعد سيناريو للانقلاب وتنصيب قيادة للقطاع موالية له [ندوة نابل] لتنتهي المؤامرة في الأخير بتركيع النقابة العامة وابتزازها للموافقة على الاتفاقية المهزلة التي وقع إمضاؤها مع وزارة الإشراف بتاريخ 08 أوت 2007 وبذلك اكتملت عناصر هذا المخطط ليجد القطاع نفسه يتخبط في حالة من الفراغ بعد عامين من التعبئة.
بـ ـ كيف تعاملت قيادة القطاع مع مخطط السلطة والبيروقراطية؟
لا يمكن أن ننكر أن أسلوب التسلط والإرباك والمناورة الذي مارسه المكتب التنفيذي وتصلب وزارة التربية والتكوين وتعنتها وإصرارها على تنفيذ مخططها كانا أهم الأسباب التي أطاحت بتعبئة نضالات قطاع التعليم الإبتدائي وأوصلته إلى الحالة التي هو عليها الآن إلاّ أن ذلك لا يجب أن يحجب عنا مسؤولية قيادة القطاع في ما حصل أيضا . ولئن كانت مسؤولية ومهمة تقييم أداء هذه القيادة ومحاسبتها ترجع بالأساس إلى منخرطيها من داخل هياكلهم فإن ذلك لا يمنعنا من توضيح الكيفية التي تعاملت بها هذه القيادة مع ما وقع من مجريات والإشارة إلى الأخطاء التي حصلت في أدائها. وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى العناصر التالية:
• المكتب التنفيذي للقطاع غلب على أدائه طابع المسايرة والرضوخ لسياسة الأمر الواقع التي فرضها المكتب التنفيذي للإتحاد وخصوصا أثناء رفضه الموافقة على انعقاد الهيئات الإدارية ولم يستطع مواصلة تعبئة المعلمين و فرط في المبادرة وتحديدا بعد إضراب 29 ماي 2007 حيث اتسمت مواقفه بالتناقض والتردد والرضوخ لتهديدات البيروقراطية والوزارة.
• مكتب النقابة العامة اتسم أداؤه بعدم الفعالية في التحضيرلإجتماعات الهيئات الإدارية بحيث بدت هذه الهيئات في كل اجتماع وكأنها تبدأ من الصفر وقد استغل المكتب التنفيذي للإتحاد ذلك لبث البلبلة وتفريق الصفوف بحيث كان كل إجتماع تقريبا لا يصل إلى الاتفاق خصوصا حول الإضراب إلاّ بعد جهد جهيد وقد حال ذلك عمليا دون توصل الهيئات الإدارية العديدة إلى بلورة خطة نضالية واضحة يقع العمل على تنفيذها دون الرجوع كل مرة للاجتماع للحد من مناورات المكتب التنفيذي.
• انزلق المكتب التنفيذي للقطاع إلى ترديد الشعارات ولم يعمل على تعبئة القطاع على خطة نضالية واضحة سواء في الهيئات الإدارية أو أثناء الاجتماعات العامة مما أدى إلى بروز حالة من الفراغ والترقب خصوصا إثر كل إضراب وهو وضع أدّى إلى حصول مخاوف في صفوف المعلمين حول جدوى الإضرابات انجر عنها تفكيك للتعبئة وهو ما حصل بالفعل بعد إضراب 29 ماي 2007 .
• القطاع لم يتمكن من الخروج من وضع المأزق الذي جرته إلية الوزارة لما أصدرت الحركة من جانب واحد فعجز عن الرد بالإضراب وباعتباره لا يملك خطة نضالية للمواجهة لم تؤد الإعتصامات والاحتجاجات الكثيرة التي قام بها المعلمون إلى افتكاك أي مكسب.
• في أواخر شهر جوان خيرت النقابة العامة نهج التسوية وكان اجتماع 08 جويلية والبيان الصادر عن تجمع الـ 200 مسؤول نقابي من التعليم الإبتدائي في بطحاء محمد علي ضد حملة التجريد ودفاعا عن النقابة العامة المستهدفة بمخطط انقلابي وعن استقلالية قرار القطاع آخر خيط ربط هذه القيادة بنهج التمسك بالنضال كطريق لتحقيق المطالب.
• النقابة العامة سلمت في 08 أوت 2007 بالأمر الواقع ونفذت عمليا تسوية لا حاجة للقطاع بها مع البيروقراطية والوزارة بإمضائها لتلك الاتفاقية المهينة وهكذا تكرّست المؤامرة عمليا وأوقفت النضالات ودخل القطاع في وضع من الفراغ.
4 ـ واقع وآفاق المعارضة النقابية المناضلة اليوم
في البداية لابد من تحديد ماذا نعني بالمعارضة النقابية. المعارضة النقابية التي نعنيها اليوم هي مجموع النقابيين في كل الجهات وفي كل القطاعات قواعد وهياكل المعارضين لسياسة البيروقراطية النقابية[سياسة المشاركة والمساهمة] والرافضين لسيطرة المكتب التنفيذي على الحركة النقابية والمنادين بضرورة استقلال القرار القطاعي عن كل سلطة غير سلطة هياكل ذلك القطاع المنتخبة ديمقراطيا وبضرورة تحقيق الاستقلالية التنظيمية والمالية لكل قطاع والرافضين لعقلية الركون للبيروقراطية والصراع على المواقع والمؤمنين بضرورة أن يلعب الإتحاد العام التونسي للشغل دوره في الدفاع عن الحريات والتصدي لسياسة القمع والتفقير.إن هؤلاء النقابيين الخارجين عن دائرة تأثير البيروقراطية والمستقلين في مواقفهم سواء كانوا أفرادا أو مجموعات والذين لا ينشطون اليوم كاتجاه موحد داخل الإتحاد العام التونسي للشغل ولكنّ مواقفهم وممارساتهم تلتقي أثناء النضالات هم الذين يشكلون هذا التوجه المعارض اليوم: إنه واقع جديد نشأ على أنقاض عجز يسار نقابي انصهرت أغلب مكوناته بالبيروقراطية النقابية ولم يقدر تاريخيا على التشكل كاتجاه مستقل داخل الإتحاد العام التونسي للشغل.
إن هذه المعارضة ولئن كانت اليوم مشتتة ولا تنشط داخل الإتحاد كاتجاه معلن ومنظم فإنه بمقدورها أن تتحول إلى قوة نقابية كبيرة فاعلة من أجل نقابة في خدمة منخرطيها لو تبدأ العمل فورا على تجميع مكوناتها من أجل التوحد حول مشروع نضالي يكون قاعدة لكل مواقفها و نضالاتها لأنه توضح بالملموس أن النضال من أجل عمل نقابي مستقل ديمقراطي ومناضل فعلا يمر حتما عبر القطع مع سياسة الخضوع للأمر الواقع والمسايرة والركون للبيروقراطية. إنها الإمكانية الوحيدة القائمة اليوم للنضال ضد البيروقراطية النقابية أدة هيمنة السلطة على الإتحاد العام التونسي للشغل وضد سياسة السلم الاجتماعية وقمع الحريات والتفقير والخطوة الأولى في اتجاه إرساء استقلالية القطاعات الحل الوحيد لإعادة الاعتبار للعمل النقابي في بلادنا. إن مهمة تجميع شتات هذه المعارضة النقابية المناضلة اليوم مهمة يفرضها الواقع وعلى النقابين الطليعيين والمناضلين العمل على إنجاز هذه الخطوة لتجاوز حالة الاستسلام السائدة الآن وتحديدا في مواجهة حملة التجريد حيث لم تتمكن هذه المعارضة من تنظيم صفوفها والمرور فعليا للنضال لإجبار البيروقراطية على التراجع في حملتها. إن تجاوز حالة الضعف والتذبذب و الاستسلام السائدة اليوم هو الحد الأدنى الذي يجب إنجازه إذا ما رامت هذه المعارضة الانخراط في فعل نضالي حقيقي يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة ويعيد لما بقي من اليسار النقابي المناضل مجموعات أو أفراد مصداقيتهم في النضال على قاعدة موقف طبقي منحاز للعمال والأجراء ولعموم فئات وطبقات الشعب المضطهدة والمفقرة من أجل وضع حدّ للاستغلال والدكتاتورية والتبعية. إن الرد على حملة التجريد لم يتجاوز إلى الآن حدود التنديد بالعرائض وبالكتابات ولم يتطور إلى ممارسة نضالية ميدانية تفرض على البيروقراطية التراجع وتكون منطلقا للتقدم في النضال من أجل تحقيق مهام أكبر والتي على رأسها مهمة الاستقلالية التنظيمية والمالية للقطاعات والتي يتوقف عليها مجمل تطور الحركة النقابية والنضال النقابي المستقل والديمقراطي في الوقت الحالي. إن على المعارضة النقابية المناضلة اليوم أن لا تتوقف في أول الطريق. إن عليها أن تخوض معركتها إلى الآخر ضد تحالف السلطة والبيروقراطية و أن تبدأ فورا في مواجهة حملة التجريد والتوريث وذلك بتنظيم اعتصام في دار الإتحاد بنهج محمد علي يكون متزامنا مع اجتماعات احتجاجية في الجهات وفي مقرات النقابات العامة في العاصمة ولا ينفك هذا الاعتصام إلا بإعلان البيروقراطية التراجع. إنها الخطوة العملية الأولى التي على المعارضة النقابية إنجازها للتقدم من أجل تحقيق بقية المهام التي تطرحها و التي لابد أن يقترن النضال من أجل تحقيقها بتعبئة واسعة للشغيلة لإسقاط سياسة السلم الاجتماعية وكنس البيروقراطية وأداتها المشاركة واسترجاع النقابة كأداة للنضال بيد الشغيلة.
بشير الحامدي
تونس في 04 نوفمبر 2007
ــــــــــــــــــــ




#بشير_الحامدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “سجل هُنـــا minha.anem.dz“ كيفية التسجيل في منحة البطالة 20 ...
- البطالة بالمغرب تصل 21.3% والهرم السكاني يتجه للشيخوخة
- تجدد الاشتباكات في جنين وإضراب تجاري للمطالبة بوقف الاقتتال ...
- “أهم التعديلات”.. زيادة رواتب المتقاعدين في العراق وحقيقة رف ...
- إضراب لـ -الدفاع المدني السوري- بدمشق بسبب -الخوذ البيضاء-
- الحكومة توضح.. رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار فى الأرد ...
- 100 ألف دينار عراقي في حســابك!!.. وزارة المالية عن زيادة رو ...
- موعـد صرف رواتب المتقاعدين شهر يناير.. وزارة المالية توضح هل ...
- “200.000 زيــادة وزارة المالية“!! زيادة رواتب المتقاعدين 202 ...
- وزارة المالية توضح/ موعد زيادة أجور المتقاعدين في المغرب 202 ...


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - بشير الحامدي - دفاعا عن الحرية النقابية من أجل نقابة مناضلة