تجربة الاسلام السياسي في الجزائر كانت رهيبة بلا ادنى شك. الكارثة الانسانية التي خلّفتها المجازر المروّعة لم تكن نتيجة لحوادث عشوائية، بل كان وراءها نهج مدروس سار عليه الجيش الجزائري من جهة والجماعات الاسلامية الاصولية من جهة اخرى.
ان المجازر بحق الشعوب ليست بامر غريب عن عالمنا العربي، فما ارتكبه النظام الاردني في ايلول الاسود عام 1970 ضد المقاومة الفلسطينية، والنظام السوري في حماة عام 1981 ضد الاخوان المسلمين، والنظام العراقي في خلبجة ضد الاكراد، علامة على طبيعة هذه الانظمة التي لا تتوانى عن استخدام ابشع الاساليب لضمان وجودها والحفاظ على مصالحها. ولكن المجازر في الجزائر لم تكن نتيجة اشتباك مباشر بين قوات مسلحة وقع على اثرها ضحايا من المدنيين، بل كان المدنيون المستهدفين الرئيسيين في حروب الحكومة والجماعات الاسلامية المسلحة.
وما يثير الاستغراب ان قتل المدنيين من المسلمين لم يكن احتكارا للجيش، بل ادخله امراء الجماعات الاسلامية المسلحة الى فتاواهم، وأوجدوا له ايضا مرجعية في الشريعة. ان ما يدفعنا لمراجعة التجربة الجزائرية هو سعينا لكشف كذب ادعاء زعماء تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم اسامة بن لادن وايمن الظواهري، الذين روّجوا الى ان هدفهم هم المواطنون الامريكيون واليهود، كما جاء في فتواهم الشهيرة التي سبقت تشكيل "الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين" في شباط 1988.
ان العدد الهائل لضحايا الاعتداء الارهابي على برجي التجارة العالمية في نيويورك، لا يعادل الواحد بالمئة من عدد المسلمين الذي ذبحوا في الحرب الجزائرية. فالفتوى التي أهدرت دماءهم سبقت فتوى قتل اليهود والصليبيين. بل ان الفتوى ضد اليهود والصليبيين جاءت بعد الفشل الذريع الذي انتهت اليه فتوى قتل المسلمين الابرياء. وكما سنبين من خلال هذه السلسلة من المقالات، فان فتوى بن لادن والظواهري ضد اليهود والصليبيين جاءت بعد ان عُزلت جماعاتهم في الدول العربية، وفقدت مصداقيتها وسمعتها لدى اتضاح الحجم الرهيب للكارثة الانسانية التي سبّبها نهجها المتطرف.
"ترهيب الارهابيين"
الحرب بين الجبهة الاسلامية للانقاذ وبين الحكومة الجزائرية نشبت على اثر الغاء الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية التي أُجريت في كانون اول (ديسمبر) 1991 والتي بشرت بتولي جبهة الانقاذ حكم الجزائر. وكان واضحا للجميع ان هدف جبهة الانقاذ هو إحلال الشريعة محل الدستور الجزائري، الذي بموجبه شاركت في الانتخابات وفازت باغلبية الاصوات في الدورة الاولى. بمعنى آخر، كانت الحركة الاسلامية تستغل انجازات الثورة الجزائرية التي أتاحت بناء الدولة وتطبيق الدستور فيها، لتقوم بعدها بشطب هذه الانجازات التي حققها الشعب الجزائري في حربه ضد الاستعمار الفرنسي.
ويبقى السؤال لماذا صوّتت اغلبية الجزائريين لبرنامج "الاسلام هو الحل"؟ الجواب بسيط جدا، ويكمن في عجز الحكومة الجزائرية عن توفير مصدر الرزق للملايين من ابناء الشعب، وفي اعتمادها نهج الفساد والمحسوبيات مثل بقية الانظمة العربية، مما افقدها مصداقيتها امام الشعب. ان وضع الشعب الجزائري لا يختلف عن وضع بقية الشعوب العربية، فهو واقع بين نظام استبدادي فاسد يستخدم الموارد الطبيعية مثل البترول لادامة حكمه، وبين معارضة اسلامية تسعى لبسط نظام عقائدي ضيق الافق لا صلة له بتطوير الوطن وحل المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الشعب، كما تبين في تجربة السودان وافغانستان.
الحرب الاهلية التي اندلعت بعد الغاء الانتخابات كانت نابعة من اعتقاد جبهة الانقاذ برئاسة عباسي مدني وعلي بن الحاج، بان اللجوء للعصيان المسلح سيؤدي حتما لسقوط نظام الجنرالات. وساد الاعتقاد عام 1995 بان النظام على وشك السقوط بسبب الضربات التي سددتها له المنظمات المسلحة. غير ان النظام العسكري خيّب هذه الآمال، عندما هبّ للدفاع عن نفسه امام الخطر الداهم، وأعلن الحرب الشاملة على الجماعات المسلحة. واستند الجيش في حربه على امرين اساسيين: الاول تشكيل لجان دفاعية في الريف وتوزيع السلاح على المواطنين؛ والثاني، ارتكاب المجازر ضد من اعتبروا مناصرين للجماعات الاسلامية، وذلك تبعا لخطة مدروسة حظيت باسم "ترهيب الارهابيين".
باعتماده هذه السياسة كان الجيش هو الاول الذي أقحم المدنيين في حربه ضد الاسلاميين. وأدت هذه الخطوة الى رد فعل مماثل من الجماعات الاسلامية المسلحة مما ادخل البلاد الى حمام الدم الذي راح ضحيته اكثر من مئة الف جزائري. ومع احتدام الصراع بدأ يتكوّن رأي عام ضد كل من الطرفين، مما ضرب سمعة الجبهة الاسلامية والجيش الاسلامي للانقاذ التابع لها الذي كان العنصر الرئيسي في القتال ضد الجيش، واضطره في ايلول 1997 لاعلان الاستسلام خشية فقدان ما تبقى من شعبيته.
وقد وصل تراجع جبهة الانقاذ عن خطها الى درجة انها دعمت عبد العزيز بوتفليقة الذي تولى حكم البلاد بالتزكية في نيسان (ابريل) 1999. ومقابل الدعم الذي قدمه كل من عباسي مدني ورابح كبير، الممثلان عن جبهة الانقاذ التي حلت نفسها، ومدني مزراق امير الجيش الاسلامي للانقاذ حينذاك، وعد بوتفليقة بالوصول لاتفاق مع التيار الاسلامي على اساس العفو العام. ولكن شيئا من هذا لم يتحقق بسبب معارضة الجيش الذي لم يقبل سوى بالهزيمة الماحقة للطرف الثاني ومواصلة احتكاره المطلق للحكم.
جماعات الجهاد السلفية
"رحلة الافغان الجزائريين من القاعدة الى الجماعة" هو عنوان لمقال نشرته ضمن سلسلة من المقالات صحيفة "الحياة" الصادرة في لندن في 23/11/2001. في هذا المقال سرد لكيفية تحول الازمة في الجزائر من امر مقصور على الحكومة والمعارضة الاسلامية، الى مواجهة مسلحة فتحت المجال واسعا لنشاط الافغان الجزائريين، الذين عادوا لتوّهم الى بلادهم بعد مشاركتهم في الحرب الافغانية ضد السوفييت، وذلك لمواصلة ما اعتبروه جهادا ضد الحكومة الجزائرية الكافرة.
وتختلف الروايات حول تأسيس الجماعة المسلحة، وتفيد "الحياة" في المقال المذكور، انه في تشرين ثان (نوفمبر) 1992 "بادر منصوري الملياني الى تأسيس تنظيمه المسلح. كما بادر محمد علال الملقب ب"موح ليفيي" الى تأسيس تنظيمه المسلح في الفترة نفسها على انقاض تنظيمات صغيرة عدة، لتتوج هذه التنظيمات بالاعلان الرسمي عن تنظيم الجماعة الاسلامية المسلحة التي عرفت في ما بعد بكونها المرجعية الاساسية للعمل المسلح في الجزائر".
رواية اخرى في نفس المقال تؤكد صلة العرب الافغان في تكوين الجماعة: "يؤكد عضو سابق في مجلس شورى الجماعة المسلحة، مستدلاً كما يذكر بكتابات احد قدامى الجزائريين الافغان قادة بن شيحة (امير الجماعة السابق في منطقة غرب الجزائر) ان تأسيس الجماعة الاسلامية المسلحة كان في مدينة بيشاور من جانب كل من سعيد القاري واحمد الود وابو ليث المسيلي (من ولاية المسيلة) بعد سلسلة من الاجتماعات. لكن ليس هناك مخطوط واحد صدر عن الجماعة يؤكد هذه الرواية، وإن كان معلوماً ان هؤلاء الثلاثة الذين شاركوا في الحرب الافغانية وردت اسماؤهم لاحقاً ضمن النواة الاولى التي اسست الجماعة المسلحة".
هذا الاختلاف في الروايات يشير الى خلافات حادة بين اعضاء التنظيم على قيادته. وقد تمت تصفية هذه الخلافات من خلال التصفيات الجسدية بتهمة الردة عن الاسلام، ما يشير الى الشكل العنيف وغير الديمقراطي للتنظيم. وكانت الخلافات تدور بين الجزائريين العائدين من افغانستان وبين العناصر الاسلامية المتشددة المحلية التي رفضت التوجه لافغانستان وبقيت لمواجهة الحكومة. وكان آخر قياديي التنظيم عنتر الزوابري الذي تولى القيادة في تموز (يوليو) 1996 ولقي مصرعه في اشتباك مسلح مع الجيش في شباط (فبراير) 2002 الاخير.
وأفادت الحياة في مقالها ان "ايمن الظواهري اوضح في حديث مطول مع الصحافي كميل الطويل ان تأييده للجماعة الاسلامية المسلحة نابع من قناعته بان الحرب في الجزائر هي حرب بين المجاهدين الذين يهدفون الى اقامة الدولة المسلمة وبين الدولة العلمانية الطاغية ومن ورائها فرنسا والغرب وتريد ان تفرض العلمانية وقوانين الكفار على مسلمي الجزائر. وهو لذلك يعتقد بان الجماعة الاسلامية المسلحة هي اقرب الجماعات للحق في الجزائر، وتأييدنا هذا هو تأييد لمنهجها السلفي الجهادي الذي يسعى الى اقامة دولة الاسلام بالطرق الشرعية، ويرفض الاساليب الملتوية مثل طريق الانتخابات الباطلة شرعاً والفاشلة عملياً".
الا ان هذا الدعم لم يدم طويلا، فالخلافات بين الجزائريين المحليين والجزائريين الافغان ادت ببن لادن والظواهري للانشقاق واقامة تنظيم جديد باسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" تزعّمه حسان حطاب. وتنقل الحياة افادة "التائب" براشد محمد خلال جلسة المحاكمة الخاصة باعضاء سرية الفرقان التي كان احد ابرز اعضائها (قبل ان يسلم نفسه لقوات الامن)، "انه استمع الى اتصالات هاتفية عدة مع مسؤول تنظيم القاعدة الذي كان يعطي الاوامر لحسان حطاب. وكان تغيير اسم الجماعة الاسلامية المسلحة (المنطقة الثانية) الى اسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال في نهاية آب (اغسطس) 1998 بامر من اسامة بن لادن، بعد ان اصبحت صورة الجماعة الاسلامية المسلحة سيئة لدي الرأي العام.
"وبحسب المتحدث فان المجازر المروّعة التي راح ضحيتها المئات من الابرياء كانت كافية لتثير الشكوك في اصحاب الدعم الخارجي للجماعة الاسلامية المسلحة، سواء بقيادة جمال زيتوني او اميرها الحالي عنتر الزوابري، ليحولوا دعمهم الى حسان حطاب الذي نصب نفسه اميراً وطنياً على التنظيم الجديد".
فتوى ابو قتادة
ما يهمنا في هذا المجال التوضيح والاثبات بان ما قامت به الجماعة الاسلامية المسلحة من مجازر، لم يكن تجاوزات عشوائية بل ممارسات أٌُوجدت لها اسس في الشريعة، ولاقت دعم ابرز قياديي التيار الاسلامي السلفي، وعلى رأسهم عمر ابو عمر الملقب بابي قتادة الفلسطيني، والذي تمتع بمكانة ثابتة في برامج محطة "الجزيرة" القطرية كمحلل قريب من تحركات بن لادن وجماعته، كما حظي بحماية الحكومة البريطانية التي منحته اللجوء السياسي بعد ان حُكم غيابيا في الاردن بتهمة ارتكاب اعمال ارهابية.
ولكن قبل الدخول في فتوى ابي قتادة، لا بد من التطرق الى فتوى مماثلة كشفت عنها صحيفة "ليموند ديبلوماتيك" باللغة الانكليزية في آذار (مارس) 1999. تفيد الصحيفة ان زعيم الجماعة عنتر الزوابري اصدر فتوى في نشرة سرية ("الجماعة" عدد 10 ايلول 1996) عنوانها "المفصلة الكبرى"، وفيها هاجم لجان الدفاع التي شكلتها الحكومة في الريف، واطلق عليها اسم "كلاب زروال" نسبة لليمين زروال الذي كان رئيسا للجمهورية آنذاك (وتجدر الاشارة الى ان هذه الميليشيات التي شكلت في الريف شملت عام 1995 مئة الف عنصر، حسب صحيفة ليموند دبلوماتيك، اكتوبر 1997). وحسب هذه الفتوى اعتُبر اعضاء الميليشيات وعائلاتهم ايضا عناصر تستحق القتل، كما اعتبرت ممتلكاتهم غنائم.
اما فتوى ابي قتادة فنشرتها صحيفة "الحياة" في المقال المذكور اعلاه حيث جاء ان: "ابو قتادة اصدر فتوى قتل نساء المرتدين، نُشرت في العدد 90 من نشرة الانصار التي تصدرها الجماعة الاسلامية المسلحة، وضمنها تغطية دينية لقتل عناصر الجماعة، نساء اعوان الامن والمسؤولين في الدولة، (مفادها) ان ما فعلته الجماعة الاسلامية المسلحة من تهديد ذرية ونساء المرتدين بالقتل من اجل تخفيف وطأتهم على النساء والمساجين والاخوان هو عمل شرعي لا شبهة فيه".
ولم تكتف الصحيفة بهذا الاقتباس بل نشرت فتوى اخرى بكاملها، وبسبب خطورتها ننقلها بالكامل لتوضيح الى اين يقود الاسلام المتطرف الذي يخاطب عواطف الناس بادعائه الجهاد ضد اليهود والصليبيين.
"هناك فتوى تبيح قتل النساء والاطفال، وهي الفتوى التي بررت المجازر الجماعية التي قامت بها الجماعة الاسلامية المسلحة، ويُعتقد انها صادرة عن عمر ابو عمر الملقب بابي قتادة الفلسطيني، وعثر عليها في تشرين الاول 1997 في مخبأ في قرية اولاد علال في سيدي موسى (جنوب العاصمة) حين قامت قوات الجيش بتدمير معاقل الجماعة الاسلامية المسلحة. وهنا بعض ما ورد فيها:
"المسألة الثالثة عشرة (13) في حكم قتل النساء والصبيان وكذا الشيوخ والرهبان واتلاف الاشجار والحيوان ان الله لا يصلح عمل المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون، ولا ضرر ولا ضرار، ولعن الله الرجل يقتل دابة عبثاً... هذا حق ولكن يوم ان تكون الغاية اقامة العدل والدين ومحق الكافرين لازالة الفساد العظيم والضرر البهيم، فان للمسألة وجهاً آخر. فكل من قاتل ليصدّ عن سبيل الله او اعان على قتال او كانت منه فتنة او ضرر على الاسلام والمسلمين وجب ازالته كائناً من كان... وكل ما حظر قتله او اتلافه من هؤلاء اذ تعذر عند القتال تمييزه عن غيره ممن وجب قتاله او اتلافه كأن يختلطوا بهم اختلاطاً يصعب معه التمييز، او في حال القصف الشامل او الغارة عليهم ليلاً، فآنذاك لا يرى الشرع بأساً باستمرار القتال مهما اصيب من هؤلاء، فهُم منهم، بعضهم اولياء بعض. وإن قدّر ان منهم معذوراً او مكرها او يخفي ايمانه، فان الله يبعثهم على نياتهم، ولكن لا بد من محق الفتنة وازالة الشرك ايا كانت الخسائر، فيما هم المؤمنون يغامرون بنفوسهم الغالية عند الله واموالهم النافعة الصالحة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
"وعامة الفقهاء يرون انه لو تمترس المشركون ببعض الاطفال المسلمين ونسائهم واحتموا بهم، فلا بأس ان يقاتلهم إن لم يكن هناك بد، ولو تعرض ذراري (ابناء) المسلمين للضرر، فأيّما عمل اوجع الكافرين واوقع بهم الهزيمة وكسر شوكتهم فهو مندوب شرعاً مرصود به الاجر. ‘ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه، ذلك بانهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين‘: سورة التوبة آية 12".
يأتي استخدام "الحياة" لكلمة "يُعتقد"، في اشارتها الى مصدر الفتوى وعلاقتها بابي قتادة، من باب الحذر. ولكننا من باب الدقة نتطرق فيما يلي الى مقابلتين اجريتا مع ابي قتادة الاولى في قناة "الجزيرة" والثانية في محطة سي. ان. ان.
في برنامج "اكثر من رأي" في "الجزيرة" (30/11/2000) سئل ابو قتادة: "قبل بضع سنوات اصدرت في نشرة او مجلة الانصار التي تصدر باسم الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر، وكنت رئيس تحريرها، اصدرت فتوى بتحليل قتل النساء والاطفال في معارك الجزائر، هل هذا الدين الله الذي تدعو اليه يا ابو قتادة؟". وقبل ان يجيب على جوهر السؤال اكد: "انا لست رئيس تحرير لجريدة الانصار او نشرة الانصار، انا كنت فيها.. كنت اكتب، واكتب فيها بما يعبر عن وجهة نظري". ثم اجاب: "لا يمكن ان يوقف هذا الاجرام المتمثل بهؤلاء العسكر وهؤلاء الجند الا بان نهددهم بقتل اطفالهم وقتل نسائهم. اذا لم يكن الا هذه الوسيلة فهي وسيلة.. مازلت اقول الى يومي هذا، ما زلت اقول انها وسيلة مشروعة تحت باب درء المصيبة الواقعة على المجاهدين وعلى الامة".
بعد عام بالضبط في محطة سي. ان. ان. اجريت المقابلة مع ابي قتادة في لندن (11/2001)، اي بعد تنفيذ الهجوم الارهابي على برجي التجارة العالمية. فبعد تلك الاحداث فقط بدأ الغرب يهتم بهذه العناصر التي لم تجلب اهتماما يذكر عندما وجهت هجومها على المسلمين فقط. في المقابلة كرر ابو قتادة نفس الموقف مشيرا الى انه "مسموح حسب الشريعة الرد بالمثل. نحن لا نقتل النساء والاطفال، ولكن الاعتداء على ممتلكاتهم يصبح مشروعا اذا كان هدفه وقف الاعمال المشينة التي يرتكبها هؤلاء الناس".
لا شك ان الجيش والميليشيات ارتكبت مجازر رهيبة بحق انصار الجماعات الاسلامية، وهذا ما برر فتوى ابي قتادة وجماعته السلفية. ان الشكل الخارجي لهذه الحركات هو محاربة اليهود والصليبيين، ولكن مضمونها ابعد واخطر بكثير، والنتيجة كانت ان هذا التنظيم لم يتبق منه في الجزائر سوى افراد معدودين بعد ان فشلوا في "اقناع" الشعب الجزائري بالتخلي عن كفاحه الحقيقي من اجل مجتمع ديموقراطي ومتقدم، يوفر لكل انسان مصدر رزق كريم ويضمن له الحق في القرار السياسي بما يتعلق بمصير الوطن.
الصبار 151 نيسان 2002