جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2134 - 2007 / 12 / 19 - 11:27
المحور:
المجتمع المدني
تتناسب تناسبا عكسيا نسبة إنتشار الأبنية في الوطن العربي بين كثافتها وضمورها ففي الوقت الذي تزداد به أبنية المعابد الدينية تضمر وتقل نسبة إنتشار الأبنية والعقارات الثقافية والصالونات الأدبية وبدل أن يقوم بعض البرجوازيين ببناء مساجد عليهم أولا أن يقوموا ببناء مرافق وعقارات صحية ومؤسسات مجتمع مدني تخدم المواطن وتقدم له مستويات رفيعة من الخدمات الصحية والثقافية ..وكله أجر .
وكل ذلك عليه أجر لقول نبي الإسلام :
(إزاحتك الشوك والعظم وما تطأ عن الطريق صدقة , وتبسمك في وجه أخيك صدقة ...إلخ ).
فلو كانوا يبحثون عن الأجر لقاموا ببناء مرافق صحية فمن بنى اليوم مرفقا صحيا فله مثله عند خالقه ومن بنى مركزا ثقافيا فله أيضا مثل أجره وهذا ليس حديثا ولكنه إجتهاد عقلاني فمن المؤكد أن يكون عليه أجر ومن المؤكد أن المواطن سينعم به وسيشعر براحته وطمأنينته وهو يدخل مركزا صحيا أو ناديا أدبيا .
بناء المساجد والمدارس والمراكز الصحية والمستشفيات ظاهرة عكسية في العالم العربي و ظاهرة غير مقنعة من حيث توجه الحكومات العربية نحو التنمية الشاملة فنوايا الحكومات العربية تفعل غير ماتقول .
فنمو المساجد بكثرة في كل ميل مربع وتلاشي المراكز الصحية والمرافق الصحية تكشف النقاب عن نية الأنظمة العربية البقاء على الوضع الإجتماعي القديم وعدم الإنجراف من جهتها نحو نمو مراكز مؤسسات المجتمع المدني .
ونمو المساجد ظاهرة في حقيقتها جد غير صحية فهي تقمع محاولات الآلة والمصانع الحديثة تحويل العرب من إسلوب الحياة القديمة إلى الحياة المدنية المعاصرة وقد كان الهدف الأسمى من بناء المساجد في عهد بداية الدولة الإسلامية كي يزيد إقبال الناس على نمط الحياة الإسلامية الجديد ولأن المجالس النيابية كانت غائبة ودور النقابات ومؤسسات المجتمع المدني كان غائبا هو أيضا فقد كانت المساجد لهذا السبب هي المؤسسة الوحيدة التي يجتمع بها المجتمع الإسلامي العربي وكان المسجد عبارة عن دار الندوة وكان أيضا مجلس حرب تخرج منه أخطر القرارات الحربية والإجتماعية وتعقد به راية الحرب والإتفاقيات السلمية بين القبائل العربية .
أما اليوم فإن الموضوع مختلف تماما فقد حل مجلس البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة محل مؤسسات الحكم القديمة وهذه المؤسسات القديمة تتمثل بالمساجد ومجالس المخاتير وحكام الصلح التقليديين وحلت أيضا محل الحكم الديكتاتوري والإستبدادي العادل وقامت دور الرعاية الإجتماعية الحديثة محل المساجد ولم يعد الإنسان اليوم ينتظر رحمة الصدقة والزكاة كي تنزل عليه بالقطارة لأن مؤسسات الدفاع الإجتماعي تعمل اليوم على أكمل وجه ولم يعد الأدباء يمدحون السلاطين والحكام لكي ينالوا دعمهم المادي والمعنوي , فالمثقف اليوم يكسب تأييده العلمي والثقافي من خلال قدرته على طرح الأفكار ويكسب أيضا دعمه المعنوي من خلال قوة تأثيره في الشارع الثقافي والسياسي .
وكذلك المؤسسات التعليمية اليوم حلت محل التعليم في المساجد من خلال بناء المدارس والمكتبات ويتلقى اليوم طلاب العلم علمهم من المختبرات العلمية والبحث العلمي المجرب وكذلك إنتهى إسلوب التعليم - ببيضه ورغيف -وبدأ العلم ينحى منحنى أكثر جاذبية من إسلوب التعليم القهري , فلماذا تبنى المساجد ولأي هدف ؟
تنتشر المساجد والمعابد بنفس الوقت الذي يقل به إنتشار المؤسسات الثقافية والتعليمية فالخدمات الصحية في كافة أرجاء الوطن العربي هزيلة جدا ومتواضعة في إمكانياتها فليس من المعقول أن يكشف طبيب عام في مركز صحي عام على أكثر من 250 حاله , وهذا يعني من خلال ضغوطات العمل على الطبيب أنه لم يقدم خدماته بالمستوى الفني المرموق لذلك يخرج المرضى وهم مازالول يعانون من أمراضهم , وبذلك تتدنى صحة الإنسان العربي وتقل لديه مستويات الذكاء بسبب إنخفاظ مستوى الرعاية الصحية .
ولا بد انه إسلوب قمعي من أجل إبقائنا في حالة تردي إجتماعي لأن بعض رجال الدين ينشرون من خلال المساجد ثقافاتهم القديمة المتعفنة و المناهظة للمجتمع المدني الحدبث ومن أجل إجهاظ العملية السلمية في الوطن العربي ومن أجل أن نبقى تحت رحمة الطبيعة بدل تحديها من الداخل والخارج .
ليس للمساجد اليوم شاغر يمكن توظيفها لان الحياة اليوم إختلف إسلوبها عن العهد القديم لقد كانت المساجد شاغرة لعدة وظائف أيام كانت المجتمعات العربية تعيش حياتها الإقتصادية على الحظ والصدفة فقبل تحسين ادوات الإنتاج كانت الحياة الزراعية تعتمد على إسلوب التوكل على الله وعلى الطبيعة وكانت شح الموارد تلعب دورا كبيرا في اللعب بمشاعر الإنسان الدينية وكان الإنسان نتيجة لهذا الضعف يشعر بتفاهته العقلية وإنه غير قادر على تحسين موارد الطبيعة والغذاء ولهذا كان في حالة ضعف يرتجي من الطبيعة ما لا ترتجيه هي منه ولهذا كانت المعابد الدينية أهم مؤسسة إجتماعية يتلقى منها الإنسان الرحمة والشفاعة .
أما اليوم فإن الموضوع مختلف تماما عن سابق عهده فقد كسر الإنسان حاجز الرهبة بينه وبين أمه الطبيعة وخالقته وإنتصر عليها بفعل تقدم الوسائل العلمية وتحسين ظروف الإنتاج وقد رافق كل ذلك التغيير في أنماط الحياة الثقافية والسياسية وحصلت الشعوب المقهورة دينيا وسياسيا على حقوق مدنية ودستورية جديدة لم يكن معترف بها من قبل وأحس الإنسان العادي من أن قيمته تزداد بمقدار زيادة علمه ومعرفته ولذلك قيمة الإنسان كفلتها الحقوق المدنية الجديدة ولم يعد الإنسان يشعر كسابق عهده من أنه عديم الفائدة بل أصبحت له فائدة بفضل تقدم الديمقراطية وحقوق الإنسان على مستوى نشر ثقافة حقوق الإنسان وممارستها .
لذلك نرى اليوم أن رغبة الإنسان تتناقص تدريجيا من ناحية الإقبال على المعابد الدينية سواء أكان ذلك في الشرق أو الغرب والمساجد التي أشاهدها اليوم تنتشر بنسبة مسجد واحد لكل أقل من ميل مربع واحد في الوطن العربي لا يدخلها أحد غير أيام الجمعة والأيام الرسمية والمناسبات الرسمية أما في باقي الأيام فإن الإقبال ضعيف جدا ونادر.
*******************************************************************************************
إن الدين له أهمية غير عادية في المجتمعات المسالمة عقليا وعاطفيا والتي لا ترغب بتغيير أجنداتها الثقافية والسياسية وأنا هنا أتحدث عن وجهة نظري فقط لا غير وأتمنى أن أكون مخطىء.... وأتمنى على الديمقراطية أن تتقدم خالصة صافية وافية من الشوائب وإن إسلوب التربية الدينية يعيق تقدم المجتمع المدني والمساجد لم تعد مجلسا للشيوخ كي تصدر منها قرارات الحرب والسلام لأن إسلوب الحياة قد تغير وتبدل وحلت محلها أنماط جديدة من التفكير الحر والسليم وإن الأنماط الإقتصادية قد تغيرت فلم يعد بذر البذور وحرث الأرض بالصدفة بل بالوسائل العلمية ولم تعد الرقيا الدينية تخرج الشياطين والأرواح الشريرة من داخل الجسد بعد أ، تقدمت العلوم الطبية والقاقير وكذلك لم تعد المرأة العاقر عاقرا من الله بل من القدرة البيولوجية وتم من خلال تحسين الطب تحسين النسل وتقوية الضعفاء.
وإن بناء المساجد له تكلفة مرهقة للشعوب العربية وبدلا من ذلك يجب مساعدة الفقراء وتحويل الأموال من بناء المساجد إلى بناء المصانع ودعم الكتّاب العرب والكتاب العربي .
وجاء في القرآن :
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر .
أي أن هنالك ما هو أولى من خدمة المساجد وهو الإنسان والعمل الصالح وبناء المؤسسات الثقافية والجمعيات الخيرية والأندية الليلية للترفيه عن الناس والشباب , وبناء المصانع والشركات وعلى الشركات أيضا أن تقوم بواجبها من أجل دعم الكتب الثقافية من أجل نشرها ونشر الوعي الثقافي على حساب ضريبة الدخل , وهنا فقط على الحكومات العربية أن تتدخل بخصم قيمة الدعم الثقافي من القيمة الإجمالية لدعم الكتب والمنشورات والمطبوعات .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟