كلام الجنرال كولين باول عن غياب الزعيم في العراق في هذه المرحلة، وعلى نحو خاص، الزعيم على النموذج الافغاني، يعكس كل أهداف الحرب الأخيرة.
فهؤلاء ما زلوا يتحدثون عن الرجل القوي، وصاحب القبضة الحديدية، والذي يختصر الوطن بالثكنة وقد جربوا هذا النموذج في شيلي والفلبين واندونيسيا وكوريا وفيتنام وفي دول أخرى بما في ذلك دول العالم العربي، بل وحتى في العراق، ونجح هذا النموذج في إلغاء الدولة والناس والقانون.
إن غياب الزعيم العراقي في هذه الحقبة الصعبة هو بالضبط علامة العافية الوحيدة في هذا الدخان والفوضى والموت، فالعراق لم يعد يحتاج إلى( الرجل القوي) بل يحتاج إلى حكم المؤسسة والشورى والبرلمان والأحزاب والقانون.
وغياب هذا الزعيم بعد مرحلة طويلة من حكم( الرجال الأقوياء) وبعد مرحلة حكم الوحش على صورة خاصة، هو ظاهرة سياسية صحية إذا لم تنتج هذه الأحزاب اليوم جنرالات جدد في السياسة يمارسون داخل أحزابهم( موظفيهم أو رعاياهم) نفس دور رجل السلطة القوي.
إن الرجل القوي مفهوم بائد ومتخلف وينتمي إلى عصور الخلاص الفردي والظلم والاستحواذ وغياب القانون وموت الحكم الجماعي وسيطرة الزعيم الواحد.
ليس في هذا العصر من ينتظر الزعيم المنقذ، لا في العالم العربي، ولا في العالم الثالث، ولا في مكان آخر، بل أن الجميع في حالة انتظار حكم المؤسسة.
وحكاية الزعيم القوي لم تعد مسلية حتى للأطفال قبل النوم، لكنها قد تكون مسلية لجنرال عجوز وجد في نهاية خدمة طويلة في صناعة الدمى وأوراق اللعب أن صورة واحدة غائبة لزعيم مفقود في وطن دمره زعماء أقوياء وجبناء!