|
تكنيك و منهجية الإفتاء
عماد الدين الدباغ
الحوار المتمدن-العدد: 2131 - 2007 / 12 / 16 - 11:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالنظر إلى الكثير من الفتاوى الصادرة من (علماء) المسلمين في العقود الأربعة الماضية يمكننا أن نتوقف عند مجموعة محطات نستفسر منها عن مشكلات تقنية الإفتاء . وقد يكون تعبير “تقنية أو تكنيك الإفتاء” تعبيرًا غريبًا - كون الفتاوى تصدر إعتباطا - و يحتاج لتحرير دلالته قبل التصدي عبره للإفتاء في قضايا الأمة ، لكنه تعبير بسيط جدًّا يتعلق بكيفية الإفتاء ، فهل تستوي عملية الإفتاء في قضايا الوضوء و الحيض و النفاس بعملية الإفتاء في قضية تتعلق بحياة مسلم واحد أو موته؟ كلا ، فهناك فارق نوعي بين القضيتين وهل تستوي عملية الإفتاء في قضايا الوضوء و الحيض و النفاس بعملية الإفتاء في قضية تتعلق بحياة مسلمي بلد واحد أو موتهم وإبادتهم؟ كلا ، هناك بون شاسع بين المجالين يستدعي دراسة قوية . فهل إذن تستوي عملية الإفتاء في قضايا الوضوء و الحيض و النفاس بعملية الإفتاء في قضية تتعلق بحياة ومستقبل أمة الإسلام و الإسلام نفسه كمنهج ودين؟
وهنا يجب ان نتوقف - متأملين - عند ثلاثة نماذج لهذه الفتاوى.
* النموذج الاول هو فتوى (بن باز) ابان الاحتلال العراقي للكويت ، تلك الفتوى التي أجازت للدول الإسلآمية الاستعانة بالقوات الامريكية لتحرير الكويت. * النموذج الثاني هو فتوى (بن جبرين) والتي تحرم الدعاء لحزب الله ومناصرته - خلال حرب حزب الله الاخيرة مع إسرائيل - * النموذج الثالث هو فتوى (حسن الترابي) بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة و تولى منصب رئاسة الدولة أو الجمهورية (منصب الخليفة)
ولست هنا بصدد تفنيد هذه الفتاوى او مناقشتها ، ولكن تم إيرادها كنماذج للفتاوى المتعلقة بحياة ومستقبل أمة الأسلآم و يمكننا القول و بمستقبل الإسلآم كدين
وهنا يلح علينا السؤال: من هو المخول بالفتوى؟
سيقولون لك العلماء.
فيأتي سؤال آخر: ومن هم العلماء؟ وما هي المعايير التي تحدد لك بأن هذا عالم وذاك جاهل؟
سيقولون لك الفقهاء ، فالعلماء هم : العارفون بشرع الله , المتفقهون في دينه , العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة , الذين وهبهم الله الحكمة
فيطرح سؤال آخر نفسه وبقوة: ما هي مواصفات الفقيه؟ ومن هي الجهة التي تحدد بأن هذا فقيها وبأن ذاك «متفيقه» لا يفقه من الفقه شيئا؟
ويستمر هذا المسلسل لنخلص في النهاية الى (غير ) تعريف دقيق يمكن الإحتكام له ،،،، ونعود الان للنموذج الاول الذي أوردناه ففي الحرب الأولى على العراق أفتى العلماء “تنطبق عليهم الشروط أعلاه” بعضهم شرّع و أجاز !!!!!!!
وبعضهم حرم و أفتى بعدم الجواز
فمن منهم المصيب ؟؟؟ ،،، ومن المخطئ ؟؟؟ ، وفي فتاوى بهذا الحجم (مات بسببها آلاف البشر) ما هو الإجراء الواجب بحق المخطئ الذي ترتب على (خطأه) موت ومعاناة و عذاب وشقاء مئات الوف البشر ؟ ،،،، فيأتيك الجواب بمنتهى البرود والسماجة ، اذا افتى العالم فأصاب فله أجران (جميل جدا فهذا حقه) و إذا افتى العالم واخطأ فله أجر واحد ….. وهنا نعود للتساؤل الذي طرحناه اولا وهو هل تستوي عملية الإفتاء في قضايا الوضوء و الحيض و النفاس بعملية الإفتاء في قضية تتعلق بحياة مئات الوف (ان لم يكن ملايين) البشر وهل يجب ان يستمر هذا (الهراء) ففي اي دولة محكومة بالقانون يتم محاسبة (المخطئ) إذا ترتب على خطأه ضرر على فرد واحد من المجتمع - بغض النظر عما إذا كان هذا المخطئ وزيرا او موظفا حكوميا او فردا عاديا - ولنا أمثلة معاصرة على العديد من الحكومات التي إستقالت أو أقيلت بسبب أخطاء تضرر منها عشرات المواطنين ، ونحن في مثال الفتوى التي نتحدث عنها كان الضرر على مئات الالوف ان لم نقل الملايين من البشر.
في إستطلاع الرأي الذي قامت به قناة العربية قبل عامين تقريبا والذي جاء في نتيجته أن نحو 42% من المشاركين في ذلك الاستطلاع قد عبروا عن عدم اعتدادهم بالفتاوى التي تصدر عن إدارات الإفتاء والمجامع الفقهية !!!!
وهذة النسبة يجب التوقف عندها طويلا و النظر في مدلولاتها و خلفياتها ، فهي في نظري تمثل إنقلابا “نسبيا” على المسار الذي قامت “المؤسسة الدينية” عليه منذ نشأتها فيما بعد الخلافة الراشدة ، وفي تقديري إذا لم تأخذ “المؤسسة الدينية” مثل هذه النتائج على محمل الجد فستجد نفسها - قريبا - في مزبلة التاريخ بعد ما يزيد عن الثلاثة عشر قرنا عاشتها في شرنقة من القداسة - التي أوهمت الناس بها - و إدعتها لنفسها (زورا وبهتانا)
* لحوم العلماء ، لحوم الانعام و اللحوم المعلبة …. في الاصل ، هي ليست مسمومة
قبل أيام كنت في مجلس مع بعض الاخوة والاصدقاء (إسلاميين واسلامويون وغيرهم) وأخذنا الحديث للكلام عن الإتباع و الانتقاء أو عدم إتباع (علماء) المسلمين ، فذكرت للاخوان خطأ ما ذهب اليه (بن باز) في قوله المتعلق بكروية الارض ، وإصداره كتابا يقول بعدم كروية الارض في القرن الحادي والعشرين - كمثال - وكنت عند قولي هذا اراقب صديقي ؟؟؟؟؟؟ لعلمي بتعصبه (الشديد) للوهابية و شيوخاها ، وصدق ظني فأحمرت عينا الرجل وإنتفخت عروقه - حتى خيل لي بأنه سيقوم بتنفيذ حد الردة على شخصي الضعيف ، واستشاط غضبا وقال : يا عماد والله اني لأراك في خطر عظيم ، الا تعلم بأن لحوم العلماء مسمومة؟ ، فقلت له نعم سمعت هذا القول ، فأستطرد قائلا: إذن كيف تقول ان الشيخ (رحمه الله) قد أخطأ ؟ ، فقلت له وهل شيخك (رحمه الله) بشر أم انه ملك مرسل ، وهل جاء في القرآن والسنة التي هي منهجك انه منزه عن الخطأ أم ان خطأه وارد - شرعا - بما ان الله لم يذكر بانه قد نزهه عن الخطأ ؟ ، فسكت هذا الصديق مستجمعا قواه العقلية للرد ، وقبل ان يأتيني رده بادرته بالقول: فيما يتعلق بمقولة لحوم العلماء مسمومة فالتعلم يا أخي ان ما كان يصنف (أمراضا) و (سموما) عندما قال إبن عساكر هذه المقولة في القرن الخامس الهجري، قد أوجد له العلم اليوم الادوية و الامصال ، فما كان ساما عام 450 هـ وفضل علوم اليوم فيمكنك اليوم أخذ (المصل) المضاد للسم ثم أكل و شرب (ما كان يصنف سما) هنيئا مريئا . فستشاط الرجل غضبا و أخذ يقول وهو مغادرا للمجلس: عماد الدباغ أنت زنديق …. زنديق … زنديق ، ذلك وسط ضحكات بعض الحاضرين و إستهجان البعض الاخر ، وفي اليوم التالي إتصل بي أحد الاخوة الذين كانوا بالمجلس ضاحكا ليخبرني بأن هذا (الوهابي) أعلن لهم عدم رغبته في ان يشاركهم مجلسا أكون انا حاضرا به لأنه وبحسب تبريراته فأنا أشوش عليه أفكاره.
أوردت الحادثة السابقة للتدليل على (إعتقاد) نسبة الـ 58.98% المشار إليهم في الإستطلاع المشار إليه سابقا - إعتقادهم - بقدسية وهمية للعلماء ، وتقبلهم - بسبب إعتقادهم بهذه القدسية الوهمية - لأخطاء العلماء حتى وإن ترتب على تلك الأخطاء معاناة و موت و تخلف ملايين البشر.
وما لم تتمكن الحركات الاصلاحية من قلب هذا الاعتقاد وبيان بطلانه فإن التغيير سيستغرق وقتا أطول
* فأخطاء العلماء واردة و(العلماء) بشرا وليسوا معصومين * لحوم العلماء (غير) مسمومة * قد تكون بعض (علوم) العلماء مسمومة ، لذلك يتوجب النقاش و المحاورة و تفنيد أفكارهم ومرئياتهم وأخذ الصالح منها وترك (الطالح)
#عماد_الدين_الدباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|