مهند حبيب السماوي
الحوار المتمدن-العدد: 2132 - 2007 / 12 / 17 - 01:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طالبني بعض الأصدقاء من الكتّاب العرب بعد قراءة مقالي " التيارات السياسية السنية في العراق" أن أمارس عين الأمر بالنسبة للتيارات السياسية الشيعية في العراق, خصوصاً أن المقال الأول _ كما أزعم _ قد القى بصيصاً من النور بصورة مجملة على خارطة التيارات السنية في العراق في الفترة الحالية, فحفزني البعض من هؤلاء الأخوة على أن أقوم بتصنيف التيارات الشيعية السياسية طبقاً للمنهجية العلمية المعروفة في البحث الأكاديمي وبعيداً عن المحاباة والمجاملة واللاموضوعية التي قد يقع فيها بعض الكتّاب وهم يتناولون بالتحليل موضوع ما من الموضوعات السياسية أو الدينية أو الاجتماعية.
وقبل أن أقوم بذلك ...لابد لي أن أمر على موضوع التصنيف والتقسيم الذي قد لايعرفه الكثير من الكتّاب والقراء على حد سواء وذلك لأنه مبحث خاص يُدرس في علم المنطق الذي يعرفه القليل بتشعباته وتفصيلاته المعقدة نوعاً ما, حيث يمكن لنا أن نعرّف التيارات السياسية في العراق اليوم بعدة طرق بحسب أنواع التعريف, فالأول التعريف المنطقي الذي ينحصر بنوعين هما التعريف بالحد والتعريف بالرسم , والثاني التعريف اللامنطقي وهو يشمل عدة انواع كالتعريف بالإشارة والمثال والتصنيف والمرادف والمجازي والسلبي والغامض والتعريف بالتضايف وللقارئ الراغب بمعرفة تفصيلاتها الرجوع لكتب المنطق حيث يجد هنالك المزيد من الشرح .
فالتصنيف منهج _ وان يكن غير منطقي _ نقوم بواسطته تقسيم أي شيء يحتاج لتصنيف من خلال تجزئته الى عدة انواع واقسام نستطيع من خلالها معرفة الشيء الأصلي المُصنف , والتصنيف كمنهج للتعريف يرجع في أصوله وجذوره الى الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون.
وفي هذا المنهج وفي مقالتنا هذه سوف نقسم ونجزأ التيارات السياسية الشيعية إلى أنواع مختلفة وأصناف متنوعة مع الأخذ بنظر الاعتبار الشروط التالية التي يجب أن تتحقق في كل تصنيف بشكل عام:
الأول/ أن تكون القسمة أو التصنيف جامع , أي يشمل كل التيارات السياسية الشيعية _وهو موضوع مقالي _ولا يفلت من التصنيف احد , بحيث يكون مجموع الأصناف التي تنقسم أليها التيارات مساوية لها تماماً.
الثاني/أن تكون القسمة أو التصنيف مانع, أي يستبعد دخول ما هو غريب عن أصناف التيارات السياسية الشيعية اليها.
الثالث/ أن يكون أساس التصنيف واحد , بمعنى أن اقسم وأصنف التيارات السياسية الشيعية طبقاً لأساس واحد كأن يكون مرجعيتها الفكرية أي علمانية التيار أو اسلاميته , أو موقفها من العملية السياسية في العراق , أو التصنيف يكون طبقاً لخبرتها السياسية أوتاريخية الحركة أو التيار أو حتى أماكن تواجدهم في المرحلة التي سبقت سقوط حكم النظام السابق.
وطبقا لذلك فيمكن تصنيف التيارات السياسية الشيعية في العراق إلى عدة أصناف استناداً إلى معايير مختلفة ومقاييس متنوعة , وقد رأيت أن اقوم بعملية التصنيف أستنااداً الى المقاييس والمعايير أدناه التي تلزمني دون غيري _ وهو تصنيف أجرائي كما هو معروف أكاديمياً _ وهي كما يلي:
1. أماكن توجدها أبّان حكم النظام السابق.
2. عمرها الزمني والفكري.
3. مرجعيتها وايديلوجيتها الفكرية.
4. موقفها من العملية السياسية.
5. قواعدها الشعبية.
6. الموقف من الفيدرالية وقانون النفط والغاز .
وفيما يلي شرح مبسط لأصناف التيارات السياسية الشيعية بالنسبة للمعايير الستة أعلاه , حيث نلاحظ _ بالنسبة للمعيار الأول _ أن هنالك تسمية نكاد نسمعها على لسان البعض من السياسيين وهي تحمل في مضمونها تصنيف وتقسيم حاد وأن لم يشعر به المتكلم وهذه التسمية هي مناضلو الخارج ومناضلو الداخل !!!
والمقصود بمناضلو الخارج هم من عارضوا النظام وهم خارج العراق سواء كانوا في امريكا او لندن او ايران او سوريا أو غيرها , اما مناضلو الداخل فهم الذين قارعو النظام وبقوا في داخل العراق ولم يتسنى لهم الخروج الى خارج حدوده ولاريب ان الذين يطلقون هذه التسمية انما يقصدون بالنسبة لمناضلو الخارج حزب الدعوة بشقيه المعروفين والمجلس الاعلى ومنظمة بدر وحركة الوفاق _وأن تكن علمانية التوجه ولاتزعم انها شيعية_ والتيار الأسلامي الديمقراطي وبعض السياسيين الشيعة المستقلين , اما مناضلو الداخل فالمقصود بهم التيار الصدري وحزب الفضيلة, كما يمكن أن يشمل بعض المستقلين من السياسيين الشيعة الجدد , الا ان هذه التسمية صحيحة من جانب وغير صحيحة من جانب أخر ! صحيحة من جانب لانه هنالك فعلاً من عارض النظام السابق في الخارج وبعض أخر عارضوه في الداخل, وهي غير صحيحة لأن المعارضة التي في الداخل لايمكن ان نفهمها كمعارضة حقيقية تقيم مؤتمرات وندوات وتنشر كتب وتُصدر صحف وتنتقد علناً النظام الحاكم .. لانه لايوجد معارضة في زمن النظام السابق تستطيع أن تأتي الأن وتقول أنها عارضت النظام السابق ووقفت بوجهه على النحو الذي ذكرته وهي في أرض العراق اللهم الا اذا كان المقصود أنها كانت موجودة في داخل العراق ولم تخرج خارجه ولم تعارض نظام صدام بالمعنى التقليدي وأنما هي معارضة اقرب ان تكون الى معارضة في القلب فقط او المعارضة اللسنانية على نحو محدود ! أو أن المقصود بالمعارضة الداخلية هم من عارضوا نظام صدم ودخلوا بسببه السجن ولم يُعدموا !!!
أما تصنيف التيارات الشيعية بالنسبة لعمرها الزمني فيمكن تقسيمه الى تياريين احدهما تيار سياسي شيعي قديم وتيار سياسي شيعي حديث الولادة , والاول يشمل حزب الدعوة والمجلس والثاني يضم التيار الصدري والفضيلة والذي تأسس كل منهما بعد سقوط النظام السابق اي لايزيد عمر احدهما عن 3 او 4 سنوات في حين عمر كل من التيارات الاخرى اكثر من 20 سنة .
ثم نأتي لتصنيف التيارات بالنسبة لمرجعيتها الفكرية فنلاحظ أن هنالك تيارات لها مرجعية دينية أو بمعنى أخر أسلامية التوجه كما جاء في أطروحاتها المبثوثة في أدبياتها , وهي المجلس الاعلى والدعوة ووالفضيلة والتيار الصدري وهذه التيارات ايضاً تنقسم الى عدة فئات أستناداً الى شخصية المرجعية الدينية التي يحتكمون اليها من الناحية الروحية لا التفصيلية المتعلقة بالأمور السياسية الدقيقة ومجرياتها المخنلفة وما تحتويه في بعض الأحايين من براغماتية تحتاج الى سياسي لا الى رجل دين , فمن الخطأ الجسيم أن نُرجع _مثلاً_ أفكار وسلوكيات حزب ما الى مرجع ديني معين مهما زعم حزب ما أنه يقدره او يحترم أفكاره , لأن الواقع شيء والمرجعية الروحية شيء أخر , فحزب الدعوة يحتكم _ روحياً وأكرر ذلك منعاً للالتباس _ الى السيد المفكر الأسلامي الشهيد محمد باقر الصدر بينما يحتكم المجلس الأسلامي الى السيد علي السيسستاني والسيد محمد سعيد الحكيم , أما التيار الصدري فيعود الى السيد الشهيد محمد صادق الصدر بينما نجد أخيراً أن حزب الفضيلة يرجع الى المرجعية الروحيه للشيخ المهندس محمد اليعقوبي .
اما التيارات الشيعية الاخرى المقابلة لهذه التيارات الدينية , فهي التيارات الشيعية علمانية التوجه كحركة الوفاق التي يتزعمها أياد علاوي والتيار الأسلامي الديمقراطي بالاضافة الى بعض السياسيين الشيعة المستقلين مع تذكير القارئ بتحفظين , الأول أن أعتبار اياد علاوي وحركة الوفاق حركة شيعية خالصة هو أمر غير دقيق لأن الشخص اصلاً لايطرح نفسه كشيعي , الثاني أن أعتبار تيار شيعي بأنه علماني هو وصف غير دقيق لأن العلمانية أن أتخذها حزب أو تيار ما قاعدة او منهج له فأن وصفها بالتشيع او التسنن او حتى الكثلكة يبدو من قبيل التناقض .
أما بالنسبة لمعيار الموقف من العملية السياسية فقد كان هنالك في رايي ثلاثة مواقف مختلفة للتيارات السياسية الشيعية وهي كما يلي:
1. موقف أيجابي من العملية السياسية والحكومة ويتمثل في حزب الدعوة والمجلس .
2. موقف سلبي من العملية السياسية يتمثل في رفض قيامها أثناء وجود القوات الأمريكية في العراق كمؤتمر التاسيس للشيخ جواد الخالصي ,وان كان الأخير لايمتلك شعبية واسعة على الصعية الافقي والعمودي.
3. موقف نقدي من العملية السياسية ويتمثل في القبول والمشاركة في الانتخابات البرلمانية الا انه اعقب ذلك انسحاب كامل من التكتل الشيعي المسمى بالأئتلاف العراقي الموحد الذي دخلوا فيه الأنتخابات سوية فضلاً عن أنسحابهم من الحكومة العراقية. وهؤلاء هم التيار الصدري ويمكن الى حد ما نستطيع أدخال حزب الفضيلة ولو أنهم أصلاً لم يتسلموا حقائب وزارية بسبب الخلافات المعروفة بينهم وبين بعض الاحزاب الشيعية على تولي بعض الوزارات السيادية .
أما معيار القواعد الشعبية والأتباع الذين يمكن أعتبارهم أنصار تيار سياسي شيعي معين , فيمكن أن نصفها الى صنفين, الأول تيار سياسي تتحرك قواعده الشعبية_ غالباً _ بين عامة الشعب اي مُنتشر أجتماعياً على الصعيد الأفقي وهو التيار الصدري وحزب الفضيلة والثاني تيار يغلب على فئاته الصفة النخبوية أي منتشر على الصعيد العمودي في المجتمع كحزب الدعوة و المجلس الاعلى وان ضم الاخير في أنصاره الفئات الشعبية .
وهنالك معيار أخر وأخير يمكن من خلاله أن نضع برزخاً وهوة كبيرة بين التيارات السياسية الشيعية الا وهو الموقف من بعض القضايا المثيرة للجدل كالفيدرالية وقانون النفط والغاز والمسائلة والعدالة , حيث نلاحظ أن هنالك تيارات سياسية شيعية ترفض بصورة قاطعة هذه المسائل والقضايا ولاترى أنه بالأمكان تطبيقها في الفترة الحالية وعلى شكلها المطروح كالتيار الصدري وحزب الفضيلة ومؤتمر التاسيس , بينما نجد في المقابل هنالك تيارات أخرى في الوسط الشيعي تؤيد هذه المشاريع والأفكار المتعلقة بتطبيق الفيدرالية وقانون النفط والغاز وهي الدعوة والمجلس .
ويبدو لزاماً علي أن أوضح أخيراً _ وأرجو أن لايكون الملل قد نال من قارئي العزيز _ بأن هذه التقسيمات والتصنيفات للتيارات السياسية الشيعية في خارطة العراق السياسية ليست نهائية ولاحاسمة ولم تضم جميع الاحزاب والتيارات السياسية الشيعية في العراق كمنظمة العمل الأسلامي, الا أنني _على الرغم من ذلك_ أزعم وادعي وفقاً للمعطيات الواقعية على ارض العراق أن من ذكرتكهم أعلاهم هم الأقطاب الذي لهم النفوذ الأكبر في الساحة الشيعية , وهم أصلاً أصحاب القرار الشيعي في الفترة الحالية وأن أختلفوا في الأراء والأفكار ونضج التجربة والخبرة السياسية في التعامل مع الواقع وقراءة الحدث السياسي واستشراف المستقبل القريب والبعيد في العراق.
#مهند_حبيب_السماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟