|
الذاكرة لا تصنع وطناً!
عاصم بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2131 - 2007 / 12 / 16 - 11:24
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
فرحت حين قرأت مقالة الصديق العزيز محمد إبراهيم،حول "لبنان الذاكرة الجميلة والجغرافيا الساحرة"،فالذاكرة اللبنانية مليئة بالمجد والتألق والتعملق ولا ننكر هذا... ولكن،هل نسيّ الصديق العزيز الذاكرة الأخرى للبنان،أو لنقل الوجه الأخر لذاكرة لبنان؟ هل نسيّ حروب الطوائف الباردة والدائمة والمستمرة؟ هل نسيّ الموت والدمار الذي خلفته الصراعات المحلية والأقليمة؟ هل نسي أن بيروت أصبحت غرفة الدعارة والجنس العربية؟ هل نسيّ أن شعبنا ما يزال يعيش تحت وهج الزعيم الأوحد؟ ليس هجوماً على بيروت هذا،ولا رغبة في القضاء على تاريخها الذي نفخر به ونمجده،تاريخ من صنع الحرف ولاحقاً الكتاب،بيروت أم الشرائع ، فلا يجب أن ننسى في بيروت أسست أول جامعة حقوق في العالم عندما كان الرومان يحتلون بلادنا... فأين بيروت أو لبنان من العدالة والسماواة؟
ولا يجب أن ننسى أن بيروت الكتاب والشعر والرواية،هي المتنفس الأول والأخير لكل الأدباء والمثقفين العرب ، الهاربين من براثن أنظمتهم المتخلفة الديكتاتورية. ولكن بيروت أيضاً مدينة اللاعدالة،والموت والقتل والدمار،وأحزمة البؤس! الهدف من عرض النصف الأخر من الذاكرة الأليمة للبنان،هو العودة إلى الواقع،فالهروب من الواقع إلى الخلف (عبر التذكر) أو حتى إلى الإمام (عبر التخيّل) ، لن يجدي نفعاً في بلدٍ أصبح على شفير التقسيم،بل أصبح مقسماً بحكم العرف!
الذاكرة لا تصنع وطناً يا صديقي! حين قرأت مقالتك،تذكرت رواية "باب الشمس" للأديب الياس خوري،تذكرت سعي الدكتور خليل (بطل الرواية) الدائم إلى الحديث عن ذكريات الشعب الفلسطيني وأقاصيصه لأبو سالم المناضل الفلسطيني السابق الغائب عن الوجود بفعل الغوما،إستمر في سرد أحداث حصلت معه أو مع أخرين ، عله يستطيع إيقاظه من موته السريري،لكنه فشل،مات أخيراً أبو سالم،ومات الوطن والقضية الفلسطينية!؟ كان السرد والتذكر بمثابة مسكّن لا علاج وحين راح الدكتور خليل يبحث عن ملذاته مات الوطن/أبو سالم... فهل يموت لبنان أيضاً؟
العيش في الماضي،لا يبني وطناً للحاضر والمستقبل،نريد أن يكون لنا وطن ككل البلدان،حراً سيداً ومستقلاً ،نريده بلداً ديمقراطياً،لا طوائفياً توافقياً! ليس صحيح أن التوافق ميزة من ميزات الديمقراطية،هذه بدعة أخترعناها نحن،لنخفي عوارتنا أمام العالم،لم نكن نعلم بأننا نعري أنفسنا بها ، إلى حين وصولنا إلى هذه اللحظة الحرجة...
للذاكرة-برأي- دور واحد ، الإستفادة من تجاربها،قل لي،هل تعلم شيئاً اللبنانيين من تجاربهم السابقة؟ الجواب بالتأكيد لا ، ولكي لا نظلم أن قلة قليلة منهم أستفادت من الماضي،أما باقي ما تبقى منهم فشهوتهم إلى الموت والدمار والصراع والقتل الأسود ما زالت تحركهم وتدفع بهم نحو حرب جديدة،وشهدنا ما حصل في 23 و 25 كانون الثاني من السنة الفائتة...
لا أريد أن أرسم صورة للموت،إنما صورة للحقيقة.
التخفي وراء تزيف الواقع أو جمالية الماضي،لن يفيد بل سيضر،كأي مريض يعيش على المسكنات فقط ولا يسعى للعلاج الحقيقي أي إستئصال مرضه. مرضنا هو هذه الطائفية (وما يرتبط بها من أفكار،سبق وأن عرضناها كثيراً،حتى مللنا!) التي تلف كياننا الصغير،وتتلف عقول شبابنا... الأديان ليست عاراً بالطبع ، ولكن تحويل هذه الأديان إلى مجموعات سياسية وثقافية ، هو الخطير في الأمر.
بلدنا أو عاصمتنا (طالما أنك ذكرت بيروت) أصبحا مركزاً للدعارة السياسية والعسكرية العالمية،أصبحا ملتقاً لأشباح الموت القادمين من الغرب أو الشرق وحتى من أشباح الموت اللبنانيين(!!)،وأصبحا مسرحاً لصراعات الأخرين...بأجسادنا! هم يكتبون "السيناريو" ونحن نمثل دور المظلوم والظالم،القاتل والقتيل،الضحية والمجرم...وهم يضحكون ويرقصون -تخيل معي هذا- على جثث أطفالنا ويعقدون الصفقات بحبر دماء أبنائنا!!!
تحدثت عن الشهادة كأنها أمراً واقعاً وطبيعياً ويدعو إلى التفاخر! لقد أخطأت يا عزيزي،القتل هو الحالة اللاطبيعية،هو الشواذ في حد ذاته،لماذا علينا أن نخسر كل فترة مواطناً لبنانياً مهما عظم شأنه؟ هذه الشهادة ليست مفخرة في الدرجة الأولى (لربما لاحقاً) بل هي ظلم ولا عدالة!
نريد إنقاذ لبنان الآن،هذا صحيح،ولكن إنقاذه لا يكون في التذكر أو التخيل،بل في مواجهة الواقع وفي الإستفادة من الماضي،في تحديد المرض بطريقة علمية،مرضنا أصبح معروفاً ،و"الجميل" أننا نتغنى به ....يبقى تحديد ساعة القضاء عليه!
قلت أنني لا أريد رسم الموت في أعين القراء....ولكنني على ما يبدو فعلت! عذراً،فنحن نعيش في دائرة الموت...
مقالة محمد إيراهيم "لبنان.. الذاكرة الجميلة والجغرافيا الساحرة": http://tsaleb.com/web/index.php?option=com_content&task=view&id=435&Itemid=1
#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى جبران تويني ...
-
الشباب العربي
-
رسالة إلى فخامة الرئيس...في اللحظة الأخيرة
-
نقد محتشم لتدخلات رجال الدين في الإستحقاق الرئاسي..!
-
الحاكم و العصفور …
-
ألا يخجل؟!
-
العلمانية -سلة متكاملة-
-
قالها ولكنه لم يفهم اللعبة
-
العلمانية التركية ليست مثلا ...
-
لبنان ... بلد الألف هوية
-
في الممانعة والإعتدال العربيين
-
الأحزاب العلمانية اللبنانية وواقعها
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|