نشرة جريدة الحياة في عددها الصادر في 15-11-2003 ( مانيفستو أصدرته شخصيات بغدادية ...بمثابة إعلان انطلاق حركة سياسية ترفض الوضع القائم) وقد وقع المانيفستو خمسة وستون شخصية تصدرها اسم السيد صبحي عبد الحميد وهو أحد الشخصيات البارزة في الحركة القومية العربية داخل العراق ولعب دور واضح في الحركة السياسية العراقية وخاصة في مرحلة الستينات سواء داخل الحكم آنذاك أو خارجه. والقارئ للبيان واسماء موقعيه يصل لانطباع بان هذه الحركة السياسية تمثل أو يقع في مركزها أطراف من التيار القومي العربي في العراق والذي هو كما معروف موزع على تنظيمات عديدة.هذا التيار الذي استبعد من المشاركة في مجلس الحكم المحلي الذي إنشاءته قوات الاحتلال في العراق رغم رغبة هذا التيار في المشاركة ضمن إطار المجلس. وتستثمر الحركة السياسية الجديدة – القديمة قضية حساسة وهامة تهم حاضر ومستقبل العراق وهي قضية الاستثمار الأجنبي في العراق لاعلان عن انطلاقها. وكما هو معروف فان هذه المسألة وغيرها من المسائل الاخرى تشهد نقاشا حادا بين مخلتف القوى السياسية العراقية سواء كانت داخل مجلس الحكم أو خارجه. أنا شخصيا لا يسعني عند قراءة البيان الا أن أتضامن مع مضمونه االاساسي. هذا المضمون الذي يتطابق مع أراء شريحة واسعة وعريضة من العراقين اللذين تهمهم وبصدق قضية ومصالح العراق كوطن وكشعب، الا أن البيان يثير جملة من الملاحظات الواجب التوقف عندها وهي :.
1- كان الأفضل لهذه الحركة الجديدة أن تنشر بيان يوضح برنامجها وأهدافها بشكل كامل وما هو تكتيكها وإستراتيجيتها لتحقيق هذا البرنامج وماهي القوى السياسية والشخصيات التي التي تشارك في هذه الحركة وغيرها من الجوانب الأساسية والمختصرة والتي تمكن القراء من التعرف عليها وبشكل أوضح وعدم الاقتصار على التوقيع بأسماء قد تكون غير معروفة لقطاع واسع من العراقين، ثم هل هذه الأسماء تمثل أشخاص أم إنها تعبير عن حركات سياسية؟
2-أن الموقف المطروح في البيان والذي شكل أحد الأسس ان لم الأساس للإعلان عن انطلاق حركة سياسية ترفض الوضع القائم هو في واقعه ليس جديد وخاص بالحركة الجديدة وانما هذا الموقف وكما هو معروف هو يشكل الاساس في وجهة نظر قسم الاحزاب والشخصيات الموجودة داخل المجلس وبالذات اليسارية والديمقراطية والتي تعارض هذه المسالة وسبق لها أن عرضت وجهات نظرها سواء في افتتاحيات أو مقالات صحفها الرسمية الصادرة في العراق أو في لقاءات مع بعض ممثليها في الفضائيات العربية والتي من خلالها أكدت أيضا الأوليات التي يحتاجها الشعب العراقي.
المعروف أن تركيبة المجلس العريضة والواسعة نسبيا والتي تمتد من قوى لها تواجد واسع وتاريخ طويل في الشارع والى قوى أو شخصيات لها تأثير معين في الشارع العراقي أو هناك من يتواجد داخل المجلس غير معروف بشكل جيد الا للأمريكان، ورغم الاتفاق السياسي على بعض الخطوط العامة للعمل في هذا المجلس ألا انه وكما هو معروف هناك اختلافات وتناقضات واسعة في مواقف هذه القوى اتجاه الكثير من القضايا المطروحة والتي تسعى من خلال توسيع النقاشات واللجوء لعمليات التصويت وغيرها من الوسائل لحصرها ولحلها في إطار سياسي.
والشخصيات التي أصدرت هذا البيان بدل من تأخذ الحقيقة المذكورة أعلاه والتي هي بالتأكيد معروفة لديها، سارعت في محاولة لرمي الكرة في ملعب مجلس الحكم ومحاولة خلط الأوراق وكان هذا الموقف مقصور بها وأشارت ( نستغرب الصمت الذي تصرف به الكثير من القوى اليسارية والوطنية والإسلامية من قيادات الحكم الحالي ونحثهم على الا تعميهم ( مباهج) الحكم عن ضرورات الوطن ومستقبله- المانيفستو).
ولكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن مباشرة ماهو التكتيك الذي سوف تتبعه هذه الحركة السياسية اتجاه القوى التي تتواجد داخل المجلس والتي يتطابق موقفها وخاصة في مسالة الاستثمار والخصخصة او في قضايا اخرى مع هذه أراء الحركة، هل ستلجئ لدعم هذه القوى والسعي ربما لاحقا لعقد تحالف واسع لقوي التيار الوطني والديمقراطي من قوى داخل المجلس أو خارجه من أجل التاثير في موازين القوى سواء داخل المجلس او خارجه لابطال أو شل القرارات التي يمكن لها أن تلحق الضرر بحاضر ومستقبل الشعب العراقي ومن اجل تعزيز مصداقية ما تطرحه هذه الحركة، ام أن الرفض للوضع القائم الذي تتبناه الحركة والذي ربما سيقودها الى موقف عديمي وبما يساعد قوات الاحتلال والقوى المتأمركة ودعاة الليبرالية الجدد وبحرية اكبر في اتخاذ القرارات.
3- أشار البيان الى أن السيد بريمر استدعى في الوقت ذاته ( وقت أصدار القرار) رئيس وزراء روسيا الاتحادية ايام يلتسين، وللاسف لم يذكر البيان من هو. صحيح أن اسماء رؤساء الوزراء قد لا تعني الكثير في فترة رئاسة يلتسين فالكل كان يسعى بكل السبل وبأسرعها لبيع مؤسسات الدولة وبأرخص الأثمان وقد برز في فترة رئاسة يلتسن الأولى رئيس وزرائه كايدارا والذي كان متحمس لهذه السياسية بشكل غير طبيعي وبتقديري ان البيان يقصد هذا الشخص وهو عمليا لا يملك كفاءة تذكر كاختصاصي في الاقتصاد وانما تكمن كفاءته بصلاته الوثيقة والمعروفة بالرأسمال والقوى الصهونيه وقوى المافيا الروسية والتي سلمها كل مفاتيح ومفاصل الاقتصاد والدولة الروسية، ويمكن ان يكون استدعي لهذا الغرض للاستفادة من تجربته في هذا المجال وكما هو معروف وسبق أن نشر بان جايدارا كان له موعد ثابت للغداء كل يوم جمعة أو سبت كما أتذكر مع السفير الأمريكي في موسكو لاستلام التعليمات في هذا المجال وللتأكد من هذا الأمر يمكن الاستعانة بأحد المسؤولين الأمنيين في السفارة العراقية آنذاك والذي يحتل اليوم مرتبة وزير في أحد الوزارات المفصلية.
4- كما هو معروف فان قوانين الاستثمار والخصخصة شرعت في زمن النظام الساقط ومعروف أيضا ان النظام المقبور كرس كل ما يتعلق بهذه السياسية لمصالحة الأمنية والإرهابية ووفقا لواءات عائلية وعشائرية وحزبية قربيه منه وعلى عكس ما تتطلبه مصلحة ووطننا وشعبنا العراقي، ولكن الغريب أن البيان لم يشر الى هذه القضية رغم ارتباطها بالموضوع المطروح وما يثير الغرابة أكثر أن البيان لم يتطرق نهائيا وحتى ولو بحرف واحد الى أي موقف يمس النظام الساقط، ويزيد البيان في محاولة اخرى لخلط الأوراق حين يوكد جازما ( باستحالة تحقيق هذه الأهداف المصيرية من حركة وطنية مبعثرة تحتل عناصرها الخنادق نفسها التي فرقتهم في الماضي وتسببت في كل الانتكاسات والهزائم التي تعرضت اليه مسيرة شعبنا). أن المسؤول الأساسي لكل الانتكاسات والهزائم التي تعرضت اليه مسيرة شعبنا وخاصة الخمسة والثلاثين السنة الأخيرة أن لم نقل ما قبلها يتحملها بصورة مباشرة وغير مباشرة النظام الديكتاتوري الساقط والذي تفنن بأساليبه الإجرامية لسحق الطموحات المشروعة للعراقين سواء كشعب أو كحركة وطنية، صحيح ان تفكك الحركة الوطنية وتبعثرها كان يسير في صالح النظام ويوفر له فرصة أكبر لاطالة عمره وما هو معروف أيضا إن للنظام السابق كانت له يدا في هذا التبعثر مع عدم التناسي للكثير من العوامل السلبية الأخرى بما فيها العامل الامريكي وقد سبق الحديث عن هذا الأمر من داخل المعارضة أو خارجها ولكن في كل الأحوال لم تكن المعارضة العراقية هي المسؤولة عن الحرب العراقية الإيرانية ولا التي بددت ثروات العراق واحتياطه النقدي نتيجة الساسة العبثية ولا هي التي احتلت الكويت أو قامت بتهجير مئات الآلاف من العراقين بحجة التبعية الإيرانية أو هي التي استخدمت الأسلحة الكيماوية اتجاه أبناء شعبنا أو أقامت المقابر الجماعية وغيرها من القائمة الطويلة من المسلسل ا لاجرامي المعروف للنظام الساقط.
5- من ضمن الموقعين علي البيان والذي حمل الرقم 31 (محمد جاسم دبدب، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق سابقا- كما ورد في البيان) هذا الدبدب الذي ارتبط اسمه واسم المنظمة الطلابية والتي يظهر مازال يفخر بها سلسلة غير منتهية من الجرائم بحق الطلبة العراقين وحركتهم الديمقراطية تمتد من المطاردة والاعتقال والتعذيب والإسقاط السياسي الى القتل والمساهمة بعمليات التهجير وزج الطلبة في جبهات الحرب. من من العناصر الشريفة والوطنية سواء كانت مستقلة أو من مختلف الاتجاهات السياسية من الطلبة والأساتذة والكفاءات العلمية العليا لم يتعرض لآذى هذه المنظمة الفاشية التي كانت أحد الأدوات الأساسية للنظام المقبور في نشر الرعب والإرهاب ومحاولة تثبيت دعائم النظام في أوساط الطلبة والشباب، دبدب والمنظمة التي يضعها امام أسمه للتعريف بنفسه ربما خوفا أن نساه العراقين أو نسوا أسم منظمته المشؤومة أو طريقة أخري للتهديد, جديروا أن يحالوا الى المحاكم العراقية المختصة والتي نأمل أن تشكل في القريب العاجل. وتواجد أسماء كهذه في قسم من البيانات أو غيرها يضعف ويثير الشكوك حول مصداقية هذه البيانات والمواقف المعلنة فيها. هذا لا يعني انه لا يجري التميز بين هولاء المجرمين وبين من لم يرتكب جريمة أو من جرى تبعيثه وما على شاكلته.
يبقى هناك سؤال عالق في الذهن لماذا يصر البعض على البحث المستمر في جثة البعث المتفسخة لاعادة تلميع بعض الأجزاء. هل هي أزمة علاقة بين هذه الاوساط وجماهير الشعب العراقي لما اقترفته هذه الاوساط بحق الشعب والوطن سواء في الماضي البعيد أو القريب أم ( قحط ناس) كما يقال باللهجة العراقية.