الاعتداءات الدموية الاجرامية التي شنتها قوى ظلامية على مواطنين اتراك أبرياء، على مقربة من وفي داخل كنيسين، صباح امس السبت في اسطنبول، تستحق تنديدًا واضحًا لا يقبل التأويل. فهذه الجرائم بحقّ مدنيين عُزّل في بيوتهم وبينهم مُصلون في مصلّياتهم، لا يمكن وضعها سوى في باب الجرائم الجماعية ضد العُزّل، ومن هنا الرفض القاطع لها، ولمنفّذيها مهما كانت دوافعهم.
والى جانب هذا كله، فلا يمكن فصل الأفعال عن سياقاتها، السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهذه الاعتداءات، الى جانب اعتداءات عدة شبيهة تشهدها المنطقة والعالم، هي النتاج المباشر لدفيئة الارهاب والارهاب المضاد، التي تخلقها سياسة الاستعلاء والحرب الامريكية وهي سياسة تشكّل الوسيلة والغطاء لنهج الاستغلال الامبريالي الذي تسعى واشنطن الرسمية الى تكريسه، بغية مواصلة نهب خيرات الشعوب، وفرض ارادة الرأسمالية المعولمة عليها. والمؤسف والخطير، انه في داخل هذه الدفيئة الارهابية تدفع الشعوب الثمن مرتين. مرة إزاء آلة الاستغلال الامبريالية، ومرة اخرى بفعل ظهور قوى ظلامية تسعى باسم مقولاتها المتعصبة والغيبية الى المساس بالأبرياء، أينما كانوا.
لقد أكدنا في مختلف تحليلاتنا ولا نزال، ان ما يسمى "الارهاب" هو بمثابة سلعة ينتجها العنف الامبريالي ضد الشعوب، عبر سياسات الحرب ونهب الثروات الوطنية، ونرى انعكاسها في قيام غيبيات خطيرة تلعب على مشاعر الاحباط وفقدان الامل لدى المستضعَفين من ابناء الشعوب المنكوبة. وفي هذا الاطار يأتي نهج الاحتلال الاسرائيلي الاجرامي، ليساهم بدوره المركزي في تأجيج مشاعر الكراهية والاحباط وانعدام الامل، وليوسّع من هامش اللعب بدماء الأبرياء.
ان السبيل للخروج من دوائر الدماء المسفوكة هذه، لا يمكن الا ان يمر من بوابة الخروج من واقع الاستغلال والنهب والحرب والاحتلال وفرض الامر الواقع على الشعوب بلغة القوة وقبضة الاستعلاء الى واقع من الاستقرار والعدالة الاجتماعية والسياسية. فالدماء المسفوكة في اسطنبول وغيرها، لا تتحمل مسؤوليتها القوى الغيبية وحدها، فهي احدى الأذرع فحسب، اما المسؤولية الشاملة والأساسية فهي تقع على عاتق من يفرض واقعًا استغلاليًا بشعًا يتحول الى ملعب بالدماء وبسلامة ومصالح الافراد والشعوب.
("الاتحــاد")