|
نقد العقل المسلم الحلقة الثامنة
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2129 - 2007 / 12 / 14 - 10:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حول ولاية الفقيه إن التظاهر بالدين ، هو أحد أسوأ أمراض "الدولة الدينية" حيث يسعى الناس جاهدين إلى إظهار "الخشوع" و "التفقه" و "الورع" في سبيل الوصول إلى "منصب" أو "وظيفة" أو "وزارة" ، و هنا و لأن النظام السياسي القائم أقر مقاييسه "الفقهية التقوية" فهو نفسه سيحدد من هو "التقي" و من هو "الشقي"!! مع أن القرآن يقول في أوضح آياته { لا تزكوا أنفسكم بل الله يزكيكم } أو قوله { إلى الله مرجعكم فينبأكم بما كنتم تعملون } ، يقول "الخامنئي" : إننا نسعى لتكون قوانيننا إلهية، فمجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور، اللذان يمثلان معاً السلطة المقنّنة لدينا، يسعيان لتكون القوانين التي يصادقان عليها قوانين متطابقة مع الكتاب والسنّة ومع النصوص لانتخاب أشخاص يديرون البلاد عبر اختيارهم من بين الأفراد المؤمنين بالعقيدة الدينية، وهذا هو الدرس الذي يعلمنا إياه الاعتقاد بالتوحيد والإيمان بالله. المصدر السابق ص 5 فالملاحظ هنا أنه تحدث هنا عن "انتخاب أشخاص" ، لكنه عاد ليقيد الانتخاب بالقول "عبر اختيارهم من بين الأفراد المؤمنين بالعقيدة الدينية" ، إنه فعلا تلاعب بالانتخاب إلى حد أنه انتخاب بلا جدوى أو معنى ، و الشخص "المؤمن" فعلا قد يصبح "ملحدا" بمقاييس السلطة و "الولي الفقيه" ، و ما حصل مع "آية الله منتظري" و حجبه عن الولاية لمصلحة "الخامنئي" خير مثال على ما قلناه. و يضيف في ص 7 من كتابه: إن هذه الفرصة الثمينة، فرصة قيام الحكومة الإسلامية ونشوء النظام الإسلامي، وفرصة تبلور لطف الله بعباده في هذه البقعة من الأرض، علينا أن نعرف قيمتها ونقدر أهميتها، فقد كان شعبنا يُساق نحو الفساد والآثام، ويُحَث على المعاصي والذنوب، بينما يمكنه اليوم أن يتمتع بنعمة العيش مسلماً مؤمناً بالله، يمارس العمل الصالح وقد مهد للجميع سبيل المجاهدة في مقابل الشياطين والنفس الأمارة بالسوء وفي مقابل الأعداء، وفُتح أمام أبناء هذا الشعب طريق التضحية والفداء والصلاح والرشاد. إن هذا الحديث "الوعظي" ينافي الواقع و الحقيقة ، فمنذ قيام "الثورة الإسلامية" تضاعف عدد المدمنين على الكحول و المخدرات و راجت الانحرافات الجنسية "كالمثلية" و يعيش أغلبية الإيرانيين "و قد تسنى لي الاطلاع على الأوضاع هناك في زيارة قصيرة" حالة مزرية من الفقر و البطالة و تصاعد حالات الطلاق و الفساد الإداري ، بل إن الإيرانيين يتندرون على سبيل "النكتة" بالقول : إذا قال لك المسئول بس فردا ـ بعد الغد بالفارسية ـ فهو يكذب..". و الملاحظ أن "ولاية الفقيه" هي أقرب إلى أن تكون نظرية "سنية" أكثر منها "شيعية" ، بمعنى أنها تشبه "نظرية الخلافة" التي يروّج لها "بن لادن" و "القاعدة" ، و الواضح أن "الخامنئي" ـ و هو يختلف في ذلك قليلا عن السيد الخميني ـ يسعى إلى أن يجعل من نفسه هذا "الخليفة" و لذلك نراه و تياره "حزب الله" يتبنى القضايا "الإسلامية ـ القومية العربية" بل و حتى التضحية بشيعة العراق للوصول إلى هذا الهدف. إن محاولة تعميم نظرية "شيعية" في عالم "سني" معروف بطائفيته ، هو أشبه بزراعة أي نبات في "القطب الشمالي" ، بل إن "نظرية ولاية الفقيه" ليس لها مؤيدون بين "الشيعة" فضلا عن غيرهم ، مع ذلك نجد "الخامنئي" يقول: فنظام ولاية الفقيه هو الطابع المميز لدستور الجمهورية الإسلامية والصفة الغالبة على الشكل العام لمجتمعنا، أي أن "ولاية الفقيه" تُلحظ بوضوح في كل شأن من الشؤون المهمة والأساسية لهذا المجتمع، وآثارها مشهودة في أعطاف المجتمع وحناياه.." المصدر ص 8 . و الواضح هنا أن هذا الأمر لا يعدو كونه مجرد زعم لا أساس له ، و مشكلة إيران مع "ولاية الفقيه" هو أن أي دولة شهدت نهوض "ثورة" و إحلال نظام مكان آخر ، لا بد و أن تتخطى زمن الثورة و قوانينها إلى "المجتمع المدني" القائم على المواطنة ، لكن الواضح لحد الآن أن إيران لا زالت في حالة طواريء ، و من خلال متابعة أطروحات "المرشد" نجد أنه هو نفسه غير متأكد من شرعية "ولايته الفقهية" حتى بالأدلة الشرعية فهو يقول: وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى دليل نقلي (روائي) للبرهنة على "ولاية الفقيه"، على الرغم من أن الأدلة النقلية الروائية متوفرة في القرآن والحديث، وكلها تدلل على حكومة الفقهاء والعلماء الربانيين. بيد أننا لو لم يكن لدينا أي دليل نقلي على حكومة الخبراء بالدين في المجتمع الإسلامي، فإن العقل والأدلة المنطقية تشير إلى حقيقة أنه من أجل تطبيق الأحكام الإلهية، وتنفيذ القوانين الدينية في المجتمع ينبغي أن يتصدى لذلك أشخاص يمتلكون الأهلية، والكفاءة والصلاحية اللازمة، في هذا المضمار ممن لديهم إطلاع ومعرفة بالشؤون الدينية. المصدر ص 8. و من هنا نرى أن الاستدلال يبقى "ذاتيا" ، بمعنى أن "المرشد" يشرع شرعيته بنفسه ، بل و إن الرجل ليؤكد شرعية دكتاتوريته بالقول: إن إشراف الولي الفقيه على جميع المراكز الأساسية والمرافق الحساسة في المجتمع الإسلامي، أمر ضروري، وقد استجاب دستورنا لهذه الضرورة ولبّاها ... فإن الولي الفقيه يمارس بالفعل إشرافه ـ كما ورد في دستور الجمهورية الإسلامية ـ على جميع المراكز الحيوية والحساسة في هذا المجتمع، وله حضور فاعل ومؤثر فيها، وهذا أمر ليس بحاجة إلى دليل وبرهان، بل العجيب هو ما قد يطرحه بعض الأشخاص مما يعدّونه دليلاً على رفض ولاية الفقيه ودحضها. المصدر ص 8 و 9 . و هو فعلا سبب وجيه لرفض "دكتاتورية المُعمّم" و ليس هناك من دليل شرعي أو عقلي يقبل بحكم شمولي من أي نوع كان ، من هذا المنطلق كان لزاما على الإيرانيين ، إما تطوير النظرية ـ بحيث يصبح الفقيه عرضة للمحاسبة ـ أو إلغاء هذا النظام بنظام آخر بسيط يقوم على حكم الشعب و رقابته على الحكومة. و المصيبة أن الخامنئي وضع نفسه موضع "الأنبياء و الائمة المعصومين" فهو يقول: أما المجتمع الملتزم بالقيم الإلهية، والقائم على اعتناق عقيدة التوحيد، والنبوة والشريعة الإلهية، فإنه لا يرى بداً من القبول بأن يكون على رأسه شخص عالم بالشريعة الإسلامية والتعاليم الإلهية، وتتجسد فيه الأخلاق الفاضلة، وتتجلى فيه الخصال الحميدة، ولا يقترف الذنوب ولا يرتكب المعاصي، ولا يقع عمداً في الخطأ والاشتباه، غير جائر ولا ظالم ولا طامع في شيء من الحطام لنفسه، بل يتحرق للآخرين ويفضل إقرار القيم الإلهية على القضايا الشخصية والأمور الذاتية والمصالح الفئوية. المصدر ص 9 . إنه مجرد حديث "مثالي" خيالي ، ليس له أسس أخلاقية أو دينية أو إنسانية ، بالحقيقة فإن "ولاية الفقيه" هو انقلاب على التشيع و مذهب أهل البيت ، لأنه انتقل من كونه "عقيدة شعب" إلى عقيدة أخرى يستحوذ بها "طبقة من الملالي" على قرار الشعب و ثرواته ، و رغم محاولات "المرشد علي الخامنئي" في كتابه الذي نحن بصدده ، في إقناع القاريء الإيراني خصوصا و المسلم الشيعي و السني بشكل أعم ، بأن النظام الإيراني "جمهوري مستمد من الشعب" ، إلا أنه وضح بما لا يقبل الشك أن هذا النظام هو "دكتاتورية" مائة بالمائة ، حيث يقول الخامنئي تحت عنوان "تنفيذ رأي الشعب": ولهذا فإن هذا الأمر قد تمت معالجته في مجتمعنا وفي نظامنا الجمهوري الإسلامي، إذ أن على رأس السلطة التنفيذية في البلاد يقف رئيس الجمهورية الإسلامية، وقد تم انتخابه من خلال آراء الشعب وعيّن في منصبه عبر تنفيذ الإمام لرأي الشعب وإمضائه، أي أنه ـ في الحقيقة ـ معيّن، وبالتالي، من قبل الإمام. فالشعب ينتخب شخصاً من بين الأشخاص اللائقين لرئاسة الجمهورية، ثم يقوم الإمام بتنفيذ رأي الشعب بتعيينه رئيساً، أي أنه إن لم يصادق الإمام على انتخابه لن يصبح رئيساً للجمهوريـة. فالإمـام ـ وهو الفقيه العادل وولي أمر المسلمين ـ يمسك زمام الأمور بشأن تعيين أعلى مسؤول تنفيذي في البلد. و يضيف: وهكذا الأمر على صعيد السلطة التشريعية "المقنّنة"، حيث يعيّن الإمام ستة من الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، وهذا يعني حضور الإمام ـ معنوياً ـ في مجال التشريع القانوني في البلاد، فبدون تسجيل الإمام حضوره في هذا المضمار لا تكون عملية التقنين قد تمت تحت نظر الولي الفقيه وإشراف. وهكذا الأمر في مجال السلطة القضائية، حيث يسجل الإمام حضوره "المعنوي" من خلال تعيينه رئيس ديوان القضاء الأعلى، والمدعي العام في البلاد، وهذان المسؤولان تنتهي إليهما جميع الشؤون القضائية في البلاد، وهما ـ في الحقيقة ـ نائبا الإمام وممثلاه في هذا المجال، ومن خلالهما يتم تأمين إشراف الإمام على هذا الصعيد. إذاً، فالولي الفقيه له حضور فعال ودور أساسي في المجتمع الإسلامي، سواء على صعيد السلطة التنفيذية أو السلطتين المقنّنة والقضائية. وطبعاً فإن صلاحيات الولي الفقيه لا تنحصر في هذا الإطار، وتتجاوز ذلك بكثير؛ ففي الجيش والقضايا العسكرية، وفي إعلان الحرب وبدئها، وفي ختامها وإعلان السلم، وفي تعبئة القوى وحشدها، وفي كل الشؤون التي تعدّ من القضايا الأساسية والمهمة في المجتمع الإسلامي، نرى للولي الفقيه سلطة ودوراً وحضوراً فاعلاً طبقاً للدستور، ووفقاً للمقاييس العقلية، التي يجب أن تجري الأمور بموجبها في المجتمع الذي يتوجب قيام الحكومة الإسلامية فيه. المصدر ص 9 و 10 . من هنا تتوضح الحقيقة و على لسان أعلى سلطة في النظام الديني في إيران و أنه لا يستند إلى أي قاعدة شعبية ، اللهم إلا في قطاعات ضيّقة جدا ، إنها دكتاتورية مغلفة "بالوعظ" و "الخشوع الكاذب" ، بالتالي فإن تحرير المذهب الشيعي من خاطفيه يجب أن يكون هدف الحوزات الشيعية نفسها ، و على الإصلاحيين التحرك قبل تحول الأمر إلى كارثة لا خروج منها.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد العقل المسلم الحلقة السابعة
-
نقد العقل المسلم الحلقة السادسة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثانية
-
نقد العقل المسلم الحلقة الأولى
-
حول برنامج -المصالحة- أو -التوافق العراقي-
-
الدين سلاح ذو حدّين!!
-
العراق و -جاره الصالح-
-
الولايات المتحدة و -المالكي- و -المؤامرة الأخيرة-
-
زيارة الرئيس -بوش-.. تقوية المركز العراقي.
-
من الشيعة من هو عالة على -التشيُّع-!!
-
-كردستان العراق-.. شريعة السراديب و الكهوف
-
حماس: الزرقاوي شهيد الأُمّة!!
-
-اجتثاث البعث- بين الفرد و المجتمع
-
-علي الوردي- و المجتمع الكردي
-
السلطات العراقية و مصطلحات -البعث-
-
-البعث الكردي- .. و أقبح دكتاتورية في التاريخ !!.
-
العراق .. ليس دولة عربية .. بل إنسانية
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|