محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 2129 - 2007 / 12 / 14 - 10:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أزمة المراجعات الفقهية التي صدرت أخيراً من أمير الجهاديين في مصر والعالم , سيد إمام الشريف كانت ومازالت لها أصداء متباينة وواسعة في الأفق الثقافي والديني والسياسي علي مستوي مصر والعالم العربي بتخومه الإسلامية , بل وتعدي الأمر إلي المهتمين دولياً وعالمياً بالمنطقة العربية بتخومها الإسلامية علي خلفية أن هذه المنطقة تدين بالإسلام , وأن الجهاد هو ركن ركين من أركان الإسلام .
والعديد من المفكرين والمثقفين والسياسيين تناولوا هذه المراجعات , ليس من واقع الرؤي المحايدة التي تعيد الأمور المنقلبة إلي نصابها المعتدل , في حال أن هذه المراجعات الفقهية صدرت من جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية , تلك الجماعتين الإقصائيتين اللتين لاتختلفان عن باقي الجماعات الدينية سوي أنهما تختلفان عنهما في الدرجة , ولكنهما تتفقان معهم جميعاً في النوع بإعتبار أنهما جماعتين إسلاميتين تتدعيان فهمهما وفقههما للإسلام كدين , وكعقيدة , وكتشريع , وكجهاد معطل في جنبات الأمة الإسلامية , ينبغي تفعيل دوره في إطار المجتمعات , وسحب مفهومه علي الدول , ومن ثم إقامة الصراع العقيدي الديني بمفاهيم دينية مطلقة ومقدسة تم إستنباطها بواسطة أفهام بشرية نسبية وغير مقدسة في إحتمالات إصابتها للمفهوم المطلق , أو خطئها في تحصيله , ومن ثم تصبح المسائل في الإستباط محل شك , وريبة لأنها لم تصل لمفهوم المطلق المقدس في إستنباط مراده الذي هو مراد الله , ومن ثم وجب الكف عن الإستنباط والتأويل علي الإطلاق وترك دوره لتقوم به الدولة .
ولما كان دور الدولة كان قاصراً حسب مفهوم الجماعات الدينية , بل منعدماً من ناحية تفعيل الدور الجهادي للإسلام , ومن ثم كان لابد من تفعيل الدور ذاته من جانب الجماعات الدينية والتي أصبح من حقها الإفتئات علي دور الدولة , والقيام بالدور الجهادي المغيب فيما تم تسميته جهادياً بعودة الفريضة الغائبة , والتي هي الجهاد , وإذا كانت الدولة تقف حجر عثرة أمام تفعيل الإسلام الجهادي فلابد من مناجزتها بالقوة حتي يمكن إضعاف دورها , ومن ثم يتم الوثوب علي الحكم والسلطة , وتتهيأ الفرصة لقيام الجماعة الدينية للتمكين من الأمر والقيام بدور الدولة , ويتم علي إثر ذلك تطبيق الشريعة الإسلامية , وإقامة حدود الله حسب مفاهيم هذه الجماعة الدينية وحسب فهمها للدين الإسلامي كدين , وكعقيدة , وكشريعة , والأهم من ذلك كله حسب المفهوم الجهادي للإسلام !!
ومن هنا نخلص إلي أن جميع الجماعات الدينية تتفق كلها في النوع , وتختلف في الدرجة , وأن العنف لدي جميع هذه الجماعات مؤجل لحين إكتمال نضج الثمرة المأمول علي مدي درجات ضعف الأنظمة الإستبدادية الحاكمة , والمتصور في الخلفية الإجتماعية علي أزمات المجتمعات المتزايدة والرافضة لكل صور الظلم الإجتماعي , والفساد السياسي , وإنهيار منظومة القيم الإجتماعية المدنية !
وبالنسبة لهذه المراجعات الفقهية التي صدرت في الأساس ومدن بدايات بزوغها مأزومة بسبب إنفصالها عن الواقع المعاش حال كون العنف والإرهاب كان مبنياً علي رؤي فقهية مستمدة من كتب الفقه والتراث الإسلامي , وأن المراجعات ذاتها خرجت علي رؤي فقهية أيضاً مستمدة من ذات المصادر , وكأن كتب الفقه والتراث الإسلامي تحمل الشئ ونقيضه , أو تحمل أسباب الطهارة في يد , وموجبات النجاسة في يد أخري , وذلك حسب الألفاظ الموجودة في كتب الفقه والتراث الإسلامي , وعلي ذلك كانت هذه المراجعات مأزومة في بدايتها وستظل مأزومة حتي قيام الساعة , لأن المقياس الذي قيست عليه , وبه هذه المراجعات يحمل رؤي وتفسيرات عديدة خرجت من مدارس فقهية ملتبسة بالأزمة الحياتية وحاولت الخروج من هذه الأزمة ومن ثم تأسست جميع المذاهب الفقهية في رؤاها علي خلفيات أزمات حياتية معيشية حاولت الموائمة بين العقل وبين النص , وكانت كل مرة تجتهد أن تحدث الموائمة بين العقل والنص , وتبتدع القواعد الفقهية , أو القواعد الأصولية , أو حتي القواعد الشرعية , المؤسسة علي رؤي أصحاب المذاهب الفقهية ومؤسسيها بحثاً عن المصلحة , التي هي في نظر الغالبية الغالبة محرمة إلا إذا كانت علي هدي من النصوص الدينية المطلقة في مدلولها , ومنها الجهاد , ومن ثم تصبح المراجعات الفقهية باب من أبواب المصلحة ويثاب أصحابها بالرغم من كل جرائم القتل والإرهاب والتبديد والإتلاف التي إرتكبوها في حق المجتمع المصري والدولة المصرية , ولإستهدافهم لرأس النظام الحاكم في مصر في وقتها والذي تم إغتياله يوم 6 10 1981 بين جنود الجيش المصري وضباطه , في يوم عيد القوات المسلحة المصرية , بل وعيد المجتمع المصري والدولة المصرية علي المستوي الرسمي والشعبي !!
فهل يثاب أصحاب هذه المراجعات الفقهية علي تلك المراجعات المأزومة والتي جائت تحت مسمي مسئ للمجتمع المصري والدولة المصرية , بل ومسئ للإطار العام العام للدين الإسلامي بسماته التي تتفق مع المبادئ الإنسانية في سماتها العامة ؟!!
ولكن اللافت للنظر بالرغم من العديد من المآخذ علي هذه المراجعات حسب ما أظن , وإن الظن لايغني عن الحق شيئاً حسب تصور كل إنسان لمفاهيم الحق والعدل أيضاً , في أن هذه المراجعات تمت أمنية , وأنها لم تكن تراجعات عن مفهوم الجهاد والقتال والحرب المقدسة , وإنما جائت ترشيداً لهذه المفاهيم في ماجهة الأنظمة والحكومات , ولم تكن تراجعاً علي الإطلاق في إستخام الجهاد والقتال والحرب المقدسة ضد المجتمعات , حال تناولها الأمور التي تخص الدولة والنظام فقط !!
والغريب في الأمر أن يتم إرجاع المفاهيم الخاصة بتنامي تيارتنظيم الجهاد , وتنظيم الجماعة الإسلامية , إلي الفقر والظلم والإستبداد الممنهج , وغياب الديمقراطية والحريات العامة والممارسات السياسية التي تؤدي إلي تبادل الأدوار في الحكم والسلطة , بل وإلي اللخبطة الشديدة في المفاهيم الممترسة بها مفاهيم كتب التراث والفقه والمليئة بالأفكار والتصورات المحرضة علي رفض الآخر في الدين الواحد , والمبغضة للمخالفين في الدين من أصحاب الديانات الأخري ,حسب مفهوم عقيدة الولاء والبراء , وعقيدة الفرقة الناجية , واللتين من صناعة ومفاهيم بشرية إستمدت أصولهما من نصوص الدين الإسلامي بالمفهوم منها من كتب الفقه والتراث الإسلامي !!
ولكن أراد البعض لجماعة إسلامية في وسط زحام المفاهيم أن تنتصر بالمفاهيم علي تنظيم الجهاد , وتنظيم الجماعة الإسلامية مرجعاً سبب تنامي هذين التنظيمين في المجتمع المصري إلي غياب تيار الإخوان المسلمين بسبب وجوده في السجون والمعتقلات وتركه الساحة خالية لهذين التنظيمين , وهذا ما قال به فهمي هويدي في مقالة له نشرت بالعديد من الصحف المصرية والعربية بتاريخ 11 12 2007 , إذ قال بالحرف الواحد : هذا التحليل يستدعي بقوة سؤالاً لم نطرحه على أنفسنا هو : لماذا استسلم قادة الجماعات الجهادية لتعاليم الفكر السلفي وفكرة الفرقة الناجية طوال تلك السنين ، ولم يكتشفوا فقه الأمة إلا متأخراً جداً ؟
في تتبعي لمسار قادة التيار الجهادي لاحظت عدة أمور أحسب أنها تساعدنا في الإجابة عن السؤال . منها مثلاً أن هذه المجموعات بدأت تتوالد في أواخر الستينات ، في أعتاب الصدام الثاني بين ثورة يوليو وجماعة الإخوان المسلمين ، الذي ترتب عليه اعتقال أعداد كبيرة منهم ، الأمر الذي أخلى الساحة من أي وعاء يمكن أن يستوعب الشباب المتدين ، الذي اتسعت دوائره في المناخ الذي أعقب هزيمة 67 . وكانت تلك هي الأجواء التي تمدد فيها الفكر السلفي في أنحاء مصر ليملأ الفراغ المخيم على ساحتها ، ملبياً أشواق أجيال من الشباب المتدين التي كانت تبحث عمن يأخذ بيدها .
وكأن فهمي هويدي يريد لنا أن نستجير بالنار من الرمضاء , في مرجعية سبب تواجد التظيمات الجهادية علي الساحة المصرية بمستوييها الحكومي والمجتمعي !!
وكأنه يريد لتنظيم الإخوان المسلمين أن تنضم إليه باقي التيارات الدينية بداية من الجماعات الصوفية , حال كون الإخوان تحتوي أدبياتهم علي المنهج التصوفي , وأنهم جماعة صوفية , وجماعة رياضية , وهيئة سياسية , وبل وهم أيضاً التظيم السلفي الجهادي الذي لم يأتي ميعاد تفعيل دوره حسب المفهوم من فقه المرحلة , والمتأصل لديهم في فقه الأولويات , لأنهم مازالوا في إنتظار مرحلة التمكين التي لن تكون إلا بتفعيل أدوار تنظيم الجهاد وتنظيم الجماعة الإسلامية قبل إصدار أمرائهم للمراجعات الفقهية , ومن ثم نكون قد عجزنا عن مطالبة الإخوان بإصدار مراجعات فقهية , أو سياسية , لأن الدولة الدينية ذات المرجعية المدنية المتوهمة تكون قد أتت أكلها , حيث تكون الثمار جميعها قد نضجت وتنتظر فقوعها جميعاً في حجر المرشد العام للإخوان المسلمين !!
والسؤال للأستاذ فهمي هويدي , واريد منه الإجابة عليه :
ماهو الغرض من وجود الجماعات الدينية ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟