نسعى لتحويل التعددية الحزبية في تونس واقعاً ملموساً
April 7, 2002 حوار عمار ديوب
** نقدر دور الجبهة الديمقراطية في توحيد الشعب الفلسطيني والارتقاء بانتفاضته إلى تنظيم واستراتيجية سياسية موحدة
** في مواجهة العولمة لابد من سوق مغاربية مشتركة خطوة على طريق توحيد البلاد المغاربية
** العولمة السلمية هي القائمة على العدالة بين الدول وعلى الشرعية الدولية والمقاييس العادلة
** التقت «الحرية» الرفيق جنيدي عبد الجواد عضو المكتب السياسي لحزب «التجديد» التونسي (بزعامة أمينه العام محمد حرمل) وأجرت معه هذا الحوار تناول فيه قضايا تونس والاتحاد المغاربي والمسألة الفلسطينية وقضايا دولية أخرى.
*كيف تستطيعون تعريف حزبكم، وما هي التغييرات التي أجراها فيما يخص علاقته بالماركسية، وما الذي تبقى منها، ولا يزال صالحاً للاستفادة منها بـرأيكم؟
** تأسس حزب التجديد في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الذي قرر تأسيس حزب جديد يستوعب بالإضافة إلى الشيوعيين مناضلين تقدميين وديمقراطيين وذوي حساسيات مختلفة، لتكوين حركة تقدمية وديمقراطية تكون نواة أولى لقطب تقدمي ديمقراطي.
انعقد المؤتمر العاشر، في العام 1991 وحُضر له قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان الحزب الشيوعي دائماً يتبنى الماركسية اللينينية متجددة وليست عقائد جامدة، وكنا ننقد ممارسات الاتحاد السوفييتي، وكنا نثمن بعض المواقف الإيجابية. ونرفض بعض المقولات الإيديولوجية، والقوالب الجامدة، كقضية ديكتاتورية البـروليتاريا ولا نعتبـر الماركسية ديناً، إنها أسلوب علمي للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا أكثر ولا أقل وهي أسلوب يساعد على الاجتهاد والتطوير، وعلى هذا الأساس انعقد المؤتمر العاشر.
ولا نعد الماركسية الأساس، وليست المحدد للدخول إلى الحزب، وليست المبادئ التي على أساسها يدخلون إلى الحزب، ونحن ننحاز في نضالنا للطبقة العاملة، وبذات الوقت للمصلحة الوطنية والتي لا تنفصل عن مصالح الطبقة العاملة.
مستقبل النظام الديمقراطي
* كيف تقيمون ما اصطلح على تسميته بالنظام الديمقراطي خاصة وأن الأمين العام محمد حرمل متشائم من آفاق التعددية الحزبية، ويبدو أنه يريد قول أشياء تتعلق بأن النظام الليبـرالي آفاقه مسدودة، وبالتالي يجب التفكير مجدداً بمعركة اليسار الديمقراطية البـرلمانية.
** التشاؤم، واقع موضوعي، نابع من التخوف على مصير التعددية، المحاصرة، ولا يوجد ديمقراطية بدون تعددية، وحيث أن التعددية معطلة في الواقع، وهي ليست شكلاً، بل هي واقع، ونحن نطالب بفتح وسائل الإعلام، للتعددية.
الآن، في تونس لا سستخدم وسائل الاعلام إلا الحزب الحاكم، الواحد، ولا تعطي للتعددية الحزبية إلا في مناسبات شاذة، ونحن نسعى لجعلها واقعاً ملموساً، ومسؤولة مسؤولية كاملة، وأن تكون تعددية حرة، ما هو ممارس حالياً، يعطل تنمية التعددية وتنمية الأحزاب. وقد أكد حزبنا حزب التجديد في المؤتمر الأول المنعقد في 2001، على هويته التقدمية، الديمقراطية وهو حزب معارض ومسؤول، يسعى إلى إرجاع المصداقية للعمل السياسي، ونسعى للتحالف مع الأحزاب التقدمية الديمقراطية، وتشكيل مبادرات مشتركة من أجل بلورة البديل التقدمي. يكون اليسار التونسي أساسه، ولا تنمية في البلاد بدون ديمقراطية، ولا استقرار بدون دولة ديمقراطية، وتعددية سياسية فعلية، ولابد أن نذكر أن مشاكل التنمية معقدة، والنهج الليبـرالي المتوحش الذي غلب على العالم من خلال المؤسسات المالية، والعولمة الرأسمالية الأميركية، لا يشي بالخير، ولا بد من العولمة العادلة.
والليبـرالية؟
* ما هو مستقبل الليبـرالية، أو الديمقراطية في ظل العولمة، وتحويلها للدول التابعة أصلاً إلى حدود العمال المياومين.
** نحن في عصر أصبحت العولمة، واقعاً موضوعياً، لا مناص منه، وهي لا تعني سيطرة المؤسسات المالية والإمبـريالية على العالم فقط، بل لها أكثر من وجهة، ويهمنا وجهها الإيجابي والمتمثل في الثورات التكنولوجية، والاتصالات وغيرها من الثورات العلمية، ولا يمكن تجاهل أن العالم صار قرية صغيرة، ويجب التفاعل مع العولمة من هذا الباب.
والعالم فقد توازنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والسلطة العالمية محتكرة من أمريكا، وتفرض هيمنتها بالوسائل العسكرية، للقضاء على كل نفس ديمقراطي لفرض الإرهاب، وتعزز بذات الوقت إرهاب الدولة الصهيونية داخل الأرض المحتلة وعلى الدول العربية. إنهم يقفون وراء الإرهاب العالمي فعلاً. العولمة السلمية هي القائمة على العدالة بين الدول، وعلى الشرعية الدولية والمقاييس العادلة.
والتنمية في تونس
* ما هو مستقبل تونس بعد دخولها إلى الشراكة الأوروبية وما دقة نسبة النمو 8% في الاقتصاد التونسي في ظل وجود بطالة 15% من نسبة اليد العاملة، وما أثر ذلك على مستقبل الاتحاد المغاربي؟
** قضية التنمية معقدة وتستدعي التشاور الحر بين كل ألوان الطيف التونسي قبل كل شيء، ومقارعة مختلف المقاربات الاقتصادية وإيجاد السبل، الحلول للمشاكل، والبطالة قضية معقدة، خاصة إذا وضعت في إطار هيمنة الحزب الواحد، المهيمن على البلاد والتي يشوبها نوع من المحاباة، فمن في حزب السلطة لا يشكو من البطالة، بينما أفراد صفوف المعارضة يشكون من البطالة كثيراً، وهي وسيلة لتقوية حزب السلطة، وأشير بأنه ليس هناك من تمييز بين السلطة وهيمنة الحزب الواحد، وليس هناك مقاييس موضوعية، وعادلة وهذه تضعف نمو أحزاب المعارضة، والحلول الاقتصادية الجذرية في إطار العولمة: يمر مهما طال الزمن أو قصر عبـر سوق مغاربية مشتركة كخطوة أولى نحو توحيد المغاربة وهي لا تزال ضعيفة ولا يوجد مبادرة جدية. وهذا راجع لتقاعس الإرادة السياسية من قبل الأنظمة القائمة في المغرب ولابد من مبادرة جدية، باعتبار شعوب هذه البلدان كلها شعوب متقاربة ومتضامنة، ويمكن أن تخلق قوة في المنطقة، تساعدها على معالجة القضايا الاقتصادية المعقدة ومواجهة العولمة المتوحشة والدخول في العولمة السلمية، وبحظوظ جيدة، وإذ تم الاستجابة للواقع الموضوعي المغاربي، وتم تجميع المغاربة، يمكن أن يكون من أهم المحركات، للتطور ومن أهم أسباب القوة.
* حقوق الإنسان، مصطلح جديد نسبياً، كيف تقيمونه في ظل العولمة الأميركية وتبعية الأنظمة الحاكمة؟
** حقوق الإنسان والديمقراطية ليست تكتيكاً سياسياً، أو بضاعة، تباع وتشرى ويقع استعمالها للمغالطة، هي قيمة إنسانية عادلة، نحن متشبثون فيها لقطع الطريق أمام الأنظمة، وبغض النظر عن رؤية الأنظمة لها، وهذه الحقوق ككل لا تتجزأ، بمعنى أنه لا يمكن الدفاع عن حقوق الإنسان في بلد وغض النظر عنها في بلد آخر. والمصداقية تتطلب منا رؤية تشمل الإنسان في كل مكان بغض النظر عن دينه وعرقه ورأيه. وما يطبق اليوم، هو المقاييس المزدوجة. ونحن في تونس نناضل من أجل احترام حقوق الإنسان الفلسطيني المداسة بقيادة هذا الشارون السفاح، المدعوم من أميركا، التي تتشدق بحقوق الإنسان، ونناضل من أجل الديمقراطية في بلادنا وأن يستمتع كل تونسي بكامل حريته مهما كان رأيه، مخالفاً لرأي السلطة، ورأينا هذا لا يتماشى مع التوجهات الرسمية. ولابد من احترام الذات البشرية، وقد قاومنا في تاريخنا ضد ظاهرة التعذيب وسنناضل ضدها، وهي عملية إنسانية قبل كل شيء.
وأضيف أن حقوق الإنسان مبدأ إنساني ثابت لا يمكن اللعب عليه، ولا يمكن لأي ديمقراطي إنساني في العالم، ويحترم حرية الرأي والتعبير تجاهله. وعلى حركات التحرر في العالم أن تتعامل مع هذا الموضوع بمعالجة القضية داخل أحزابها، داخل تنظيماتها، حتى نفند، وتفشل مناورات العدو، الرأسمالية الأميركية.
وصحيح أن هناك تجاوزات في حقوق الإنسان من قبل الليبـرالية في بلادنا ولكن علينا نحن ـ اليساريين ـ معالجة هذه القضية داخل وطننا لأنها قضية إنسانية قبل كل شيء.
الاعتقال السياسي
* ما هي المكاسب التي تحققت في بلدكم، بالنسبة لحقوق السجناء، وما هي دلالة اعتقال الأستاذ حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال التونسي، وشكل اعتقاله بالنسبة للقضاء التونسي.
** نحن ندافع عن حقوق الإنسان، وعن من يخالفنا الرأي، ومن لا نشاطره الرأي ونطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين، السجون ليست للسياسيين، لأصحاب الرأي، السجون لمن تعدى على حقوق غيره، لمن تجاوز حدود حريته، من مس حرية غيره، لذلك طالبنا على أكثر من مستوى، لتسوية الأوضاع في تونس وإغلاق ملف السجناء السياسيين، وطالبنا بحرية الممارسة الديمقراطية، وفتح الأعلام أمام الجميع وحرية الصحافة وكافة الحريات العامة.
شكل اعتقال حمة الهمامي، شيئاً غريباً، ونعتقد بأن السلطة كانت قادرة على تجنب هذه الطريقة وهو كان محكوماً سابقاً وكان في حالة تخفي، والسلطة جعلت من اعتقاله زوبعة وكان يمكن تجنبها، ولابد من إطلاق سراحه وإطلاق سراح كل المعتقلين بسبب آرائهم وأفكارهم.
ـ نحن مع استقلالية القضاء، ومع قضية عثمان البحتاوي، الذي كان له الشجاعة أن يعبـر في رسالة مفتوحة لرئيس الدولة بضرورة احترام استقلالية القضاء ومعالجة المشاكل بصفة عقلانية. ولا بد من حوار حقيقي يشمل كل الأطراف وأن يكون هادئاً.
الانتفاضة وتجربة الجبهة الديمقراطية
* كيف ترون تجربة الجبهة الديمقراطية في ترشيد النضال الوطني، وما هي الإعاقات في مسار الانتفاضة بـرأيكم؟
** نحن مع الانتفاضة، ومع دعمها وهي أمل الشعب الفلسطيني، وكل فرد من أبناء تونس مع استمرار الانتفاضة، وقد امتزج الدم الفلسطيني بالتونسي في حمام الشط 1985 عندما هاجمت إسرائيل بلادنا وقتلت بعض القادة الفلسطينيين وسقط توانسة في تلك العملية. ونحن مع الثورة الفلسطينية لأنها ثورة عادلة ومشروعة ضد الاحتلال الغاشم. الشعب الفلسطيني يريد حقوقه المشروعة المشمولة بالقرارات الدولية، ونحن ضد السفاح شارون، المتعطش للدماء والذي تقف وراءه حكومة الولايات المتحدة الأميركية. والانتفاضة بحاجة لدعم عربي قوي، وصمت الحكومات صمت مخجل، مخجل، وغير مناسب للشعور العميق للشعوب العربية. على الأنظمة العربية أن تتحلى بالمسؤولية الكاملة، في وضع خطة موحدة لمواجهة الصلف الإمبـريالي الصهيوني الذي ازداد بعد 11/9/2001.
ونقدر كثيراً دور الجبهة الديمقراطية فيما يتعلق بتوحيد الشعب الفلسطيني حول الانتفاضة والارتقاء بها إلى تنظيم محكم، واستراتيجية سياسية موحدة، حتى توفر لهذه الانتفاضة كل أسباب النجاح والفوز، كل تونس منتفضة مع الانتفاضة، والجميع يريد أن يدلو بـرأيه في هذه المعركة التاريخية الحاسمة.
ونحيّ في هذه المناسبة أرواح الشهداء، الذي هم شهداء حركة التحرر العربية، وهدفنا هدف كل الفلسطينيين في بناء دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، تضمن حقوق الإنسان الفلسطيني وتضمن حقوق الإنسان للجميع بصفة متساوية، وحقوق الإنسان في المنطقة تمر عبـر الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ونلتقي هنا تماماً مع موقف الجبهة الديمقراطية في رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وعن الشعب الفلسطيني، وإبداء كل أشكال التضامن والوقفة الجازمة والتي تستدعي الحد الأدنى من الخيار والإرادة، ونرجو أن تكون القمة القادمة، للاستفاقة وأن تكون في مستوى متطلبات الشعب الفلسطيني