باهر محمود عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 2130 - 2007 / 12 / 15 - 12:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هاقد ظهرت أخيراً إلى النور وثيقة المراجعات الجهادية بعد طول إنتظار, وهاقد رأينا كيف تنازل أصحاب الأفكار الجهادية عن أيدولوجياتهم في سبيل مجتمع أفضل, ورغم كم التنازلات الرهيب في الأفكار والمواقف إلا أن بين السطور تتوارى الكثير من الألغام التي قد تنفجر في أي وقت مستقبلاً ما لم يسارع أصحاب الأقلام النقدية في إبطال مفعولها, وإذا كان الكثير من المفكرين والسياسيين قد تملكتهم الفرحة من صدور تلك المراجعات لما فيها من أفكار إيجابية فإن الكثير أيضاً تخوفوا مما جاء من بين السطور تخوفاً عظيماً, وهم لهم كل الحق فيه ودون أدنى شك, وفيما يلي نستعرض بعض الأفكار التي دُست في الوثيقة كالسم في العسل علنا ننتبه لها قبل أن تصبح نبراساً يسير عليه الجهاديين الجدد بعد تنازلهم عن الموروثات القديمة :
1 – يقول الدكتور سيد إمام في حديثه عن (مجهول الحال) :
وقديماً كان يحكم لمجهول الحال في دار الإسلام بالإسلام, ومن هنا قال النبي-ص- :"تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" رواه البخاري, لأنه لا يجوز إبتداء غير المسلم بالسلام, وانما كان يحكم لمجهول الحال بالإسلام لأسباب منها :
1) التمييز في الهدى الظاهر (المظهر) بين المسلمين وبين غيرهم, إذ كان يجرى إلزام أهل الذمة بلبس الغيار (الثياب المغايرة للبس المسلمين).
2) إقامة حد الردة على من ينقض إسلامه من المسلمين.
ومع غياب هذين الأمرين لا يمكن القطع بالإسلام لمجهول الحال الذي لم يظهر منه شيء من علامات الإسلام أو الكفر.
ينتهي كلام الدكتورسيد إمام, ولا ينتهي الحديث عن نظرة المتشددين لغير المسلمين أو المرتدين, فلازال الإرث القمعي لغير المسلمين موجوداً, ولازالت النظرة الدونية سائدة لم ولن تتغير, فقط الذي تغير (وعلى ما يبدو أنه يسبب الضيق للجماعات) أن الزمان لم يعد يسمح بتلك الممارسات كما كان يسمح به سابقاً, فأصبح أهل الذمة (للأسف) يلبسون كأهل الإسلام, والمرتد صار طليقاً حراً لا يقتل (مع الألم) كما كان يحدث سابقاً, ومن هنا صار التعرف على مجهولي الحال (غير معروف إيمانهم من عدمه) مستحيل, ولو كانت الأمور كما في الماضي الجميل لجروا من رقابهم إلى محاكم التفتيش لنعبث في قلوبهم وعقولهم ونقيس مدى شدة الإيمان وعلى أساس النتيجة سيصنف البشر مستويات, قوي الإيمان جداً, قوي فقط, جيد, ضعيف, معدوم, ولكلاً منهم ثوابه أو عقابه بالطبع, ومما يحار العقل في تفسيره إصرار الجماعة على عدم الإبتداء بالسلام على غير المسلمين, كأنهم ليسوا بشراً أو في مرتبة أقل من المسلمين في مملكة الكائنات الحية, ورغم عدم إنسانية هذا الطرح على الإطلاق إلا أننا نرى إصرار غير طبيعي عليه كأنه فرض على المسلم لا يستقيم إسلامه بدونه.
2 – يقول الدكتور سيد إمام :
في حال علو المسلمين وتمكنهم وقدرتهم على الحرب وغلبة الظن بالظفر لا يجوز مسالمة الأعداء لئلا يفضي هذا إلى ترك الجهاد وإستفحال خطر العدو, وهذا كله – وكما سبق – مع العلو والتمكين لا مع العجز والإستضعاف.
ويقول أيضاً في ذات السياق :
وحتى مع المرتدين يتصرف المسلمون معهم بحسب قدرتهم ومصلحتهم, فقد خرج مسيلمة في حياة النبي – ص – وقدم عليه بالمدينة ثم أرسل رسوله (ابن النواحة) إليه وسكت عنهم, ولم يقاتلهم المسلمون إلا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وإن كان قد قال : "إن كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي" في (مجموع الفتاوي ج28), وقال أيضاً : "إن المرتد لا يهادن ولا يقر على الردة بالجزية كالكافر الأصلي", إلا أن هذا كله عند قدرة المسلمين وعلوهم وتمكنهم من جهاد المرتدين.
ما يُفهم من كلام الدكتور سيد لا يحتاج إلى تفسير, فهو يؤكد وبصراحة يُحسد عليها أنه في حال تمكن جماعتة (أو أي جماعة ذات فكر إسلامي) من الحكم والإمساك بمقاليد قوة الدولة لن يتوانى عن الحرب, والحرب فقط, ولا سبيل لسلام أو محبة أو ود مع الجيران الكفرة, حتى لو في مقدورهم السلام فلن يقيموه, لأن الجهاد أهم, والقتال له الأولوية ومحو الآخر هو الغاية, وهذا الأمر لا يسري على الجيران الكفرة فقط, بل يمتد أيضاً لأي مسلم يرتد عن دينه في الداخل أو الخارج, ولم يذكر الدكتور سيد حكمه على غير المسلمين في أرض الإسلام, هل في حالة التمكين سيجاهدون ضدهم أيضاً ؟ أم سيتركونهم لحال سبيلهم لأن الجهاد الخارجي أولى ؟ في كل الأحوال نرى أن الفكر الجهادي لا يزال يطل برأسه من المراجعات (السلمية), فقط عند التمكين سيتحول لواقع عملي لا شك فيه ولا إبطاء في تنفيذه, فهل ننتظر تمكين الجماعات من الحكم حتى تتحول مصر لقاعدة جهادية (حكومية) تنطلق لتغزو أراضي الكفار من حولها ؟ وهل ستقام محاكم التفتيش مرة أخرى لتنقية المسلمون من المرتدون ومن ثْم تنفيذ حكم الردة عليهم ؟
3 – وفي معرض حديثه عن أوقات التمكين والإستضعاف يقول الدكتور سيد إمام :
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الصارم المسلول) ما حاصله :
"فمن كان متمنكاً في أرض أو وقت عمل بآيات قتال المشركين وأئمة الكفر, ومن كان مستضعفاً عمل بآيات العفو والصفح والإعراض عن المشركين", ولابن القيم مثله في كتابه (أحكام أهل الذمة).
ومما سبق نستنتج أن نظرة شيخ الإسلام ابن تيمية ومن بعده الدكتور سيد إمام للقرآن الكريم نظرة مزاجية بحته, فيقسمونه لأجزاء يستخدمون منها كل جزء على حدة في أوقات بعينها, فهم في حالة الضعف يصفحون ويتسامحون ويعرضون عن المختلفون معهم, وفي حالة القوة والتمكين لا يتوانون عن ذبح المخالف في أقرب فرصة طالما إمتلكوا القدرة على ذلك, وفي الحالتين يستندون للدليل القرآني على أفعالهم المتناقضة, فهل يوجد عبث أكثر من هذا ؟ هل يستوي ربط المطلق بالمحدود ؟ هل يدخل العقل أن نستخدم القرآن في حالتين متناقضتين لإصباغ الصبغة الشرعية على تناقض الأفعال ؟ مع الإصرار بالطبع على وصم المختلف بالمشرك أو الكافر, وهو ما نراه عبر الوثيقة من أول صفحة فيها لآخرها, فلا مجال لكلمة (الآخر) على الإطلاق, ويحار العقل كثيراً في جرأة الدكتور سيد إمام على الإستشهاد بكتابات ابن تيمية على طول الخط في وثيقة يفترض أنها سلمية وتدعو للتسامح, ومن المعروف عن كتابات ابن تيمية أنها مليئة بالفكر الجهادي السلفي الذي لا يملك في مواجهة الآخر سوى قتلة أو على الأقل إعتباره عدو أبدي إلى أن يعلن إسلامه مرغماً أو مقتنعاً, ومن المثير للعجب في الإقتباس أعلاه أن نجد شجاعة غير عادية في إستخدام الآيات القرآنية بتلك الصورة المخجلة, ويأتي السؤال الأساسي بناءاً على ما أورده الدكتور, هل القرآن يدعو (بالمطلق) للتسامح والصفح والعفو, أم يدعو (بالمطلق) لقتال الكفرة والمشركين ؟ أيهما نصدق ؟ آيات التسامح أم آيات القتال ؟ بأيهما نسترشد, الآيات التي تدعوا لإحتواء الآخر أم التي تدعو لقتاله ؟ بما فعله ابن تيمية ومن بعده الدكتور سيد إمام نقف على معضلة لا طاقة لنا بمواجهتها, هل إستمدت الجماعات الجهادية فكرها من القرآن في حالة جهادهم ضد المجتمع الكافر وإستمدت من نفس المصدر الفكر السلمي الآن ؟ كيف يستقيم أن تستمد من نفس المصدر (المطلق) فكرين متناقضين ؟ تلك هي المسألة.
4 – في موقع آخر للحديث عن الجهاد يقول الدكتور سيد إمام :
إن من له إمام أو أمير لا يجوز أن يفعل شيئاً من ذلك إلا بإذنه لقوله تعالى : (نما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه...) "النور : 62", وفي الصحيح أن النبي – ص- قال : "من أطاع الأمير فقد أطاعني, ومن عصى الأمير فقد عصاني" متفق عليه, ولهذا قال الفقهاء : (وأمر الجهاد موكول إلى الإمام) ذكره ابن قدامه الحنبلي في كتابه (المغني).
ثم يقول :
أن الغزو مع مع الأمير الفاجر القوي أفضل من لغزو مع الأمير الضعيف التقي, والقوة والضعف هنا هما بالنظر إلى خبرته بالحروب, وقال أحمد : "إنما فجوره على نفسه وقوته للمسلمين" وذلك لأن مقصود الجهاد إظهار الدين.
ويقول في موضع آخر :
وأعلم أن السمع والطاعة هما في الأصل لله وللرسول – ص – أي للدليل الشرعي من الكتاب والسنة لا لشخص الأمير, ولهذا أمر الله بالرجوع إلى الدليل عند التنازع مع ولاة الأمور وغيرهم قال تعالى : (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) "النساء :59), فلا تقبل أمراً يخالف الشريعة.
وإن كان أميرك أو مسؤولك فقيراً في العلم الشرعي فلا تقبل منه شيئاً تستريب فيه إلا بفتوى من مؤهل لذلك, وفي الحديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" حديث صحيح, لأن مثل هذا الأمير حكمه كالعامي يجب عليه أن يستفتي أهل العلم ويسألهم لا أن يفتي غيره.
وهنا نقع في ذات المشكلة, من نصدق ؟ الدكتور سيد إمام يحض في موضع على طاعة الأمير دون شروط مسبقة مستنداً إلى حديث شريف, ويعود في موضع آخر ليحث المسلمين على عدم الطاعة الأمير فيما يخالف الشريعة مستنداً إلى القرآن والسنة ! ومرة يقول أن طاعة الأمير الفاجر القوي أفضل من طاعة الأمير الضعيف التقي, ثم يعود فيقول أنه لا طاعة لأمير يخالف الشريعة ! فهل يوافق الأمير الفاجر الشريعة حتى نتبعه ؟ أين المعايير الثابتة التي سيسير عليها فيما بعد من يتبعون الوثيقة ؟ يطيعوا الأمير طبقا لحديث الرسول أم يرفضوا طاعته طبقاً للقرآن وحديث الرسول ؟ يتبعوا الفاجر القوي أم يعارضوا الأمير المخالف للشريعة الذي يحتمل أن يكون فاجر وقوي أيضاً ؟ وفي حالة الإلتزام بطاعة الأمير ولو كان فاجر, هل وقتها سيكون لزاماً على أتباعه تنفيذ أوامره بغض النظر عن نتائجها فقط لأنه يوجد حديث شريف يحض على طاعة الأمير والنهي عن معصيته لأن طاعته من طاعة الرسول, وفي حالة ما كان الأمير يخالف الشريعة, هل وقتها ستصح معارضته مع وجود الحديث سالف الذكر ؟ بالطبع إنها معضلة سيعاني منها من سيلتزمون بما جاء في الوثيقة, والتي بطبيعة الحال لن تصمد طويلاً أمام كم التناقضات التي أوردناها وستتسبب مستقبلاً في ظهور الإختلافات والإنشقاقات بين الجماعات الجهادية لتظهر من جديد جماعات تتبنى الفكر السلفي الجهادي التكفيري بناءاً على هجرتهم لما جاء في الوثيقة, ونعود من جديد لتكرار نفس التجربة الأليمة وكأن شيئاً لم يكن.
فهل تنتبه عقولنا لما بين السطور وما جاء متخفياً في عباءة المراجعات تحت ستار قبول الآخر ونبذ العنف وإلغاء التكفير ؟ هل نعير تلك الملاحظات الإنتباه ؟ هل نضع في حسباننا أنهم لا يزالون يطلقون على الآخر لفظ الكافر ولايزالون مصرون على عدم البدء بالسلام لغير المسلم وأنهم ينتظرون التمكين لإعلان الحروب وينتظرون القوة لفرض الأفكار بالإرغام مرة أخرى ؟ أرجو أن تنفتح أعيننا على السلبيات ولا ننخدع بالإيجابيات قبل فوات الآوان.
#باهر_محمود_عبد_العظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟