|
نقد العقل المسلم الحلقة السابعة
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12 - 11:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حول ولاية الفقــــــــيه يستشهد السيد الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" بحديث منقول عن الكافي في باب "(.. جميع ما يحتاج الناس اليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة..)" للاستدلال على "وجوب" إقامة حكومة إسلامية" !! مع أني لا أرى هنا أي علاقة "استدلالية" بين هذه الأحاديث و النظام الديني كما أنه استدل بالآية "{ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} و لكن الآية تخص "الرسل فقط و لا تسري حتى على الأنبياء ممن لا يحملون الرسالة" كما أن هذه الآية تصلح لهدم "نظرية ولاية الفقيه" لا لإثباتها ، بمعنى أن الرُّسل و المعصومون وحدهم يستطيعون الاطلاع على الحقيقة المطلقة و السيد الخميني يستمر "ربّما لا شعوريا" بالحديث عن الأمر الموجه من الله للرسول و كأنه هو نفسه فهم ما فهمناه ، و لنفترض أن الأمر كذلك ، فإين الأحاديث التي تحدد مدة انتخاب رئيس الجمهورية بأربعة سنوات ؟! كما أن "أصول الكافي" لا يقوم بين الشيعة الجعفريين مقام "صحيح البخاري و مسلم" بين السنة ، فالشيعي لا يعتبر كل ما ورد في "الكافي" واجب الاتباع ، بل إنه بمجرد أن يناقض القرآن يكون قابلا للرفض. أعتقد أن المجتمع الإيراني و النظام الديني الإيراني ، لم يقوما لحد الآن بنقد حقيقي و واقعي لمنهج "الخميني" و تطبيقاته الكارثية على الشيعة و المذهب الشيعي و الإيرانيين عموما ، كما أن احتجاجه على اؤلئك الذين قالوا أنه لا يمكم تطبيق الأحكام الإسلامية إلا بظهور "المهدي المنتظر" ، بالقول: أن الصلاة واجبة فهل تتركونها إلى حين ظهور المهدي.."!! , الواضح أن لا مجال للمقارنة بين سياسة دولة و عبادات خاصة بالفرد و إيمانه الشخصي ، فرُبّ مصلّ يصلّي ليقال "ما أتقاه" ، و آخر يصلي على سبيل "الرياضة" و الحصول على قبول "المجتمع التقليدي". كما أن محاولة الطبقة "المعممة ـ الملاية" في إيران ، إخفاء حقيقة "دكتاتورية الفقيه" و جعله وكيل لله في الأرض ، باءت بالفشل ، فالولي الفقيه صامد على كرسي الحكم و حتى آخر لحظة من حياته ، صحيح أنه لا يورث الكرسي ، حيث أن الخميني منع تولي أي من عائلته هذا المنصب ، لكن الممسك بهذه السلطة ، و الذي لا ينتخب بشكل مباشر و لا يعاد انتخابه أو محاسبته ، إذ هو القرآن الناطق ؟!! يشبه الملوك المستبدّين أو الدكتاتور في الدولة الشيوعية الماركسية ، و هو "كونه وكيل المعصوم الغائب" يستبد على أصحاب الملك "الشعب" عبر هذه الوكالة ، بمعنى أن على الشيعة في إيران تخليص مذهبهم و شعبهم من "دكتاتورية" قائمة على وكالة مزورة و غير حقيقية ، و كان من الممكن الحصول على نتائج أفضل في ظل دولة يكون الولي الفقيه فيها محدود الصلاحيات و معرضا للمحاسبة إذا لم ترق سياسته للشعب ، و بالتالي انتخاب آخر مكانه ، لكن طبقة الملاية أرادت عبر هذا النظام ، فرض دكتاتورية تتذرع بالانتخاب ، مع أن المرشحين للحكومة و البرلمان يُختارون مسبقا من قبل "مجلس تشخيص مصلحة النظام" و الذي يشبه "مجلس قيادة الثورة" في ظل دكتاتورية البعث و صدام. يقول السيد الخميني : فكما كان الرسول الأكرم (ص) مسؤولاً عن تطبيق الأحكام، واقامة أنظمة الإسلام، وقد جعله الله تعالى رئيساً وحاكماً للمسلمين، وأوجب عليهم طاعته، فالفقهاء العدول أيضاً يجب أن يكونوا رؤساء وحكاماً، ومسؤولين عن تنفيذ الأحكام وإقرار النظام الاجتماعي للإسلام. و لكن نعود للسؤال: من يُقرر من هو الفقيه العادل و الموثوق ؟!! و إذا كانت "الحوزة" أو "الطبقة" المعممة هي من ستقرر ذلك ، نكون عدنا إلى أصل المشكلة ، إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن يمثل هؤلاء مصالح غالبية الشعب ، خصوصا و أن السلك الدراسي "الحوزة" مليئة بالعيوب و النظم القديمة ، فهل يجوز مثلا انتقاد "الإمام الأب القائد الفقيه"؟!! أو رسم صورة كاريكاتورية عنه و نشرها ؟!! طبعا هذا غير مسموح به في "ديمقراطيتنا الإسلامية". من هنا فمهما روّج الملاية و المعممون من نظريات و مثاليات ، تبقى المسألة الدينية ، كأي موضوع بشري آخر ، قابلا للاختلاف في الشرح و التفسير بل و حتى حرية الاختيار في القبول أو الرفض "فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" ، من هنا كان نظام ولاية الفقيه نوعا آخر من الدكتاتورية ، و لربما يكون أخطر من غيره كونه قائما على أساس "ثيوقراطي" يضفي القدسية و الشرعية الإلهية على نفسه ، لذلك نجد "علي الخامنئي ـ المرشد الروحي الذي خلف الخميني في الحكم" يؤكد في كتابه "الحكومة في الإسلام" على أن النظام "الإسلامي" الإيراني قائم على الإيمان بالله ، يقول: الإيمان بالله يؤثر على البنية السياسية للمجتمع، أي في نمط الحكومات والتشكيلات القائمة على إدارة هذا المجتمع المنبثق على أساس الاعتقاد بالله وبالاستناد إلى المدرسة الإلهية، فالبنية السياسية والتشكيلات الإدارية والجهاز التشريعي تتميز باختلافات أساسية عن نظيراتها في المجتمع غير القائم على أساس توحيد الله والإيمان به. وإلى هذا يرشدنا القرآن الكريم فيقول {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} (القصص:5). الحكومة في الإسلام ص 3 و الواضح أن الآية التي استشهد بها لا علاقة لها بالموضوع و "القرآن حمّال أوجه" كما يقول الإمام علي ، و لا دليل شرعي على أن استبداد "فقيه"!! ما بالسلطة هو "النظام المقصود" شرعا ، خصوصا و أنه واحد من سائر الناس ، هذا الإصرار على ربط "النظام" بالله أو المشيئة الإلهية ، هو نوع من "بابوية" القرون الوسطى ، حين كان "البابا" باعتباره وكيل اللــــه و المسيـح ، يشن الحروب و يحرم الناس أو يهبهم أو يعذبهم و يقتلهم. و يقول أيضا: فالحكومة تعود لأولئك الناس الذين يمثلون الأكثرية الساحقة في المجتمع، وهي من صلاحيات الأشخاص الذين ينتخبهم الناس ويجعلونهم على رأس هرم السلطة. ولذلك وجدنا الإمام الخميني يخاطب المسؤولين الحكوميين قائلاً: "إن الناس هم الذين أخرجوكم من السجون وأجلسوكم على كراسي الحكم في الدولة". المصدر السابق ص 4. فالملاحظ أن الولي الفقيه "و الذي يُنظّر لنفسه هنا ، ينتقل من الحق الإلهي و الشرعي ، إلى "حكم الأكثرية" المزعومة ، و لا ندري هنا ما هو المقصود بالأكثرية ، فإذا كان يتكلم باسم "الشيعة" فإن الشيعة فعلا هم الأكثرية في إيران ، لكن هل كلهم يؤمنون بولاية "الفقيه" ، هذا فضلا عن الدولة "الإسلامية"؟!! ، لا أظن ذلك ، خصوصا و أنه بات معروفا حجم المعارضة المعطّلة و تيار الإصلاح المضطهد. و يضيف "الخامنئي" : هذه أول ثمرة من ثمار الإيمان بالتوحيد في المجتمع، حيث يمارس الناس دور الإشراف والرقابة بناءاً على الأسس والمعايير الإلهية. أي أنه حينما يكون الإيمان بالله أساساً للحكومة، يُنتخب الحاكمون من بين عباد الله، ولا يكون المعيار والملاك لتولي الحكم هو الثراء، والملَكة المادية والغنى، بل الإيمان والعمل الصالح والتقوى. فمَن يكن أكثر إيماناً بالله ـ تبارك وتعالى ـ وأشد تقوى وتبرز ملامح تقواه بشكل أوضح في ميدان السياسة، ينبغي له أن يكون هو البديل لسلطة المستكبرين ويتبوأ مقعد الحكم الإلهي، ويصبح خليفة الله في الأرض. المــصدر السابق ص 4 و هذه مغالطة واضحة ، فماذا يعني "الخامنئي" بقوله "الإيمان و العمل الصالح و التقوى"!! ، فإن كان المقصود هو "كثرة العبادات و التقلب على السجاد و اللطم في الحسينيات" ، فما أكثر من يفعل ذلك ، و الله وحده يعلم من هو "المخلص" و من هو "الكاذب" ، كما أنه ليس هناك طرف محدد يكون هو "الفيصل" في أن يقرر من هو "التقي" و من هو "المرائي" و من هو "الجاحد" و كما يقول المثل الشعبي الشيعي في العراق :"يلطم على الهريسة ما على الحسين"!!. الحقيقة الواضحة هي أنه لا أحد منا يستطيع أن يميز "الخبيث" من "الطيب" ، خصوصا و أن المعصوم الثاني عشر غائب حسب المذهب الشيعي الجعفري ، و الرسول متوفي ـ حسب مذهب السنة ـ فلا أحد يملك الآن حقّ "احتكار" التفسير و الفقه و النظم السياسية ، كما أن سيرة الإمام علي و قبله النبي محمد كانت بالضد من "الاستبداد" بالرغم من امتلاكهما العصمة و التأييد الإلهي ، بينما لا "الخميني" و لا "الخامنئي" يملك هذا المقام أو الحق. يقول الكاتب "مرتضى معاش" : من الادلة الاساسية التي يستدل بها على ولاية الفقيه ونفوذ حكمه وامره هو حفظ النظام ودرء الفوضى لان ترك الامة بلا قيادة سوف يقودها الى فوضى عارمة تنتهك فيها الحقوق وتضيع المصالح وتنتشر المفاسد، وهذا يعني ان الحكومة من الضرورات العقلية الواضحة. ولكن عندما يتصرف الولي بدون رضى الامة ويضيع حقوق الناس ولايراعي المصالح ويسلب الحريات ويستبد بالامر فان هذا هو درء للفاسد بالافسد ويؤدي الى فوضى اكبر وتدمير النظام الاجتماعي العام. فالعقل: يحكم بالبداهة بقبح الفوضى ووجوب اقامة النظام، ولاتستقر الدولة الا بخضوع الامة وطاعتها، وتحقق الدولة بقهر قاهر ظلم على الامة يحكم العقل بقبحه فانه خلاف سلطنة الناس على اموالهم ونفوسهم ولايحكم العقل ايضا بوجوب الخضوع والاطاعة له(17). ان النظام الاجتماعي لايستقر الا عند وجود مشاركة جماعية مسؤولة على اساس واقعي وهذه المشاركة تتحقق عبر وجود الحريات التي من اهمها حرية انتخاب الحاكم. لذلك نرى ان الانظمة الاستبدادية هي اكثر الانظمة فوضوية وفسادا حيث تسحق ابسط الحقوق الانسانية وتنمو الامراض الاخلاقية والنفسية والاجتماعية ويستهلك النظام العام في اشكال من النفاق والانانية والتفكك والتناحر. ومن هنا فليس: لاحد ان يحدد حريات الناس او يتصرف في مقدراتهم بغير اذنهم، وللافراد ان ينتخبوا الفرد الاصلح ويولوه على انفسهم بل يجب ذلك بعدما حكم العقل بان المجتمع لابد له من نظام وحكم وانهما من ضروريات حياة البشر(18). فالنظام يتحقق ويتكامل مع الحرية ويختنق وينهار مع الاستبداد وقمع الحريات.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد العقل المسلم الحلقة السادسة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الخامسة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الرابعة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثالثة
-
نقد العقل المسلم الحلقة الثانية
-
نقد العقل المسلم الحلقة الأولى
-
حول برنامج -المصالحة- أو -التوافق العراقي-
-
الدين سلاح ذو حدّين!!
-
العراق و -جاره الصالح-
-
الولايات المتحدة و -المالكي- و -المؤامرة الأخيرة-
-
زيارة الرئيس -بوش-.. تقوية المركز العراقي.
-
من الشيعة من هو عالة على -التشيُّع-!!
-
-كردستان العراق-.. شريعة السراديب و الكهوف
-
حماس: الزرقاوي شهيد الأُمّة!!
-
-اجتثاث البعث- بين الفرد و المجتمع
-
-علي الوردي- و المجتمع الكردي
-
السلطات العراقية و مصطلحات -البعث-
-
-البعث الكردي- .. و أقبح دكتاتورية في التاريخ !!.
-
العراق .. ليس دولة عربية .. بل إنسانية
-
سجن الصنم
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|