أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - صبر درويش - الطبيعة الهيكلية لليد العاملة السورية















المزيد.....


الطبيعة الهيكلية لليد العاملة السورية


صبر درويش

الحوار المتمدن-العدد: 2127 - 2007 / 12 / 12 - 11:36
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


كثيرة هي الظواهر الاجتماعية التي تواجهنا في سوريا, والتي تفرض علينا التساؤل حول دقة مفاهيمنا ومصطلحاتنا المعتمدة في توصيفها. ومن هذه الظواهر ظاهرة قوة العمل في سوريا. فمن الصعب أن نطلق مفهوم الطبقة العاملة ولا نكون بذلك مجانبين للحقيقة.
وأياً يكن الأمر فإننا سنطلق على جماهير مجتمعنا الكادح مجازاً اسم القوة المنتجة في سوريا, حيث ينتمي إلى هذه الطبقة الاجتماعية, كل من يعمل بأجر, وكل من يملك قطعة أرض صغيرة ومتوسطة الحجم, إضافة إلى أولائك المنتمين إلى ما يسمى بالقطاع غير منظم, وأخيراً مجموع الحرفيين الذي يقترب متوسط دخلهم من متوسط دخل إجمالي اليد العاملة في سوريا.
وفي هذا السياق ستنقسم دراستنا إلى ثلاثة محاور أساسية؛ محور أول وهو عبارة عن نظرة عامة لتركيبة اليد العاملة في سوريا, ومحور ثاني نناقش من خلاله البنية الطبقية لليد العاملة هذه؛ ومحور أخير ندرس فيه توزع نسب البطالة بشكل عام مع ملاحظات نقدية حول السياسات الاقتصادية المعتمدة من قبل الحكومة السورية والتي كان وما زال لها كل الأثر على الوضع المثير للشفقة لليد العاملة في سوريا.

***************************
أولاً: لمحة عامة:

يقدر حجم قوة العمل في سوريا بحوالي 5106359, يشكل العنصر النسائي فيها حوالي 18%, أي 788392 أنثى.
يعمل منهم حوالي 4693494, وهم موزعين على القطاعات الاقتصادية كافة. حيث يذهب 13% من هؤلاء الشغيلة للعمل في الصناعة, و20% في قطاع الزراعة, و42% يعملون في قطاع الخدمات. كما هو ملاحظ في الجدول1.

جدول (1) توزع قوة العمل
نسبة قوة العمل من إجمالي السكان معدل النمو التوزع على القطاعات الإنتاجية
زراعة صناعة خدمات
2005 25.5 4.5 20% 13% 42%

والسؤال الذي من الجيد إثارته هنا هو: ما هي سمات قوة العمل في سورية؟
بالاستناد إلى الأرقام والإحصائيات التي يقدمها مكتب الإحصاء في سوريا فإننا سنلاحظ بأن قوة العمل في سوريا تتسم ب:
أولاً: إذا ما أخذنا معيار السن فإننا سنلاحظ أن فئة 15- 24 عام تشغل ما نسبته 26.7% من قوة العمل؛ وفئة 25 - 39 عام تشغل ما نسبته 41%؛ والفئة 40 وما فوق تشغل 32.3% من قوة العمل.
وهو ما يشير إلى تركز قوة العمل في الشريحة الناضجة من المجتمع( 25 – 39).
ثانياً: يشكل القسم العامل من قوة العمل حوالي 23.4% من مجموع السكان, هذا بينما يشكل القسم العاطل من قوة العمل حوالي 8% فقط. وهو مؤشر البطالة وذلك بالاستناد إلى معطيات مكتب الإحصاء. وحيث يشكل هؤلاء الأخيرين حوالي 2% من مجموع السكان, أي 412865 عاطل عن العمل.
ثالثاً: يتجه ربع قوة العمل 26.9% للعمل في القطاع العام, أي 1263607 مشتغل. هذا بينما يستقطب القطاع الخاص 3379423 مشتغل, أي ما نسبته 72.1% من قوة العمل.وسنلاحظ فيما بعد الأسباب التي جعلت من القطاع الخاص نقطة تركز العمالة السورية.
رابعاً: يقدر النمو السنوي في قوة العمل وذلك بالاستناد إلى معطيات التقرير العربي الموحد لعام 2004, بحوالي 4.5%, هذا بينما يقدر معدل النمو السكاني السنوي بحوالي 2.7%. وهو ما يشير بطبيعة الحال إلى أن النمو في قوة العمل يساوي حوالي ضعف النمو السكاني. وفي هذه الأثناء سنلاحظ أن المعدل السنوي لنمو الوظائف يقدر بحوالي 2.5%, وذلك بالاستناد إلى المصدر السابق نفسه, وهو بطبيعة الحال ما يذهب بعكس المعطيات السابقة حول معدل البطالة في سوريا.

وأياً يكن الأمر فإن اللوحة الوردية السابقة حول قوة العمل السورية, وحجم البطالة الذي يتخللها, هو من نتاج معطيات المكتب الرسمي للإحصاء في سوريا.
بيد أننا حين نخضع هذه المعطيات للتحليل النقدي فإننا سنحصل على نتائج مختلفة بنيوياً,وهو ما سنثبته مباشرةً.
****************************

تتسم قوة العمل السورية بالهشاشة الهيكلية, وذلك ليس نتاج خصوصية المجتمع السوري الخالق لقوة العمل هذه. بل قل أن هذا الخلل الهيكلي هو نتاج خلل في بنية الاقتصاد السوري ذاته.
فنحن نعلم أن القاعدة الأساسية لبناء الاقتصاديات الحديثة, تقوم على أساس قاعدتين حاسمتين في أهميتهما وهما القاعدة الصناعية و القاعدة الزراعية. حيث يؤدي التمفصل بين هاتين القاعدتين إلى بناء اقتصاد يحترم نفسه ولو قليلاً.
ونحن نعلم أيضاً, كما تؤكد الأرقام والمؤشرات الاقتصادية معلوماتنا, أن الاستثمار الإنتاجي راح يتدهور منذ بداية الثمانينات, وحتى اللحظة الراهنة, وترافق معه تدهور موازي على مستوى إنتاجية الأرض الزراعية ودرجة استغلالها.
وإن هذا التدهور الدراماتيكي في بنية الاقتصاد, سريعاً ما سيجد منعكسه, على بنية قوة العمل السورية بشكل خاص وعلى قوى المجتمع المسحوقة بشكل عام.
فسوريا لا تعاني من ندرة مواردها الاقتصادية, هذه الندرة التي من الممكن أن تبرر حالة الفقر المدقعة السائدة لدينا, كما أننا لا نعاني من انفجار سكاني يبرر ما يحصل لدينا؛ فالمشكلة الأساسية التي نعاني منها تكمن في آليات النهب المتسارع التي تحرم الوطن والمواطن من أي فسحة للأمل في حياة كريمة.
في الحقيقة شبح الفقر في سوريا, لم يعد شبحاً, فقد أصبح واقعاً فعلياً, وهو الشيء الذي لا يحتاج كثيراً من العناء لإثباته.
*************************
ثانيأ: البنية الهيكلية لقوة العمل السورية:

أ- يد عاملة أم فوضى عاملة:
يعمل فيما يدعى بالقطاع الخاص- بحسب تعبيرات مكتب الإحصاء المهذبة- حوالي 72% من حجم قوة العمل السورية. أي بالضبط حوالي 3379423 مشتغل.
وللوهلة الأولى, يعتقد المرء أنه بإزاء يد عاملة منظمة ومتسقة, تعمل في منشآت القطاع الخاص المختلفة. بيد أننا, ما إن نخلف هذا المصطلح الفارغ خلفنا, حتى ندرك بأنه من بين المشمولين بالعدد السابق, حوالي المليون عامل ممن يعملون في القطاع الغير منظم؛ ومن المعلوم أن الالتحاق بالقطاع غير المنظم يرتبط بعدد من العوامل أهمها:
- غياب فرص العمل في القطاع المنظم.
- تدني مستوى الأجور في القطاع المنظم إلى ما دون مستوى الكفاف.
- تدني مستوى الضمانات وشروط العمل في القطاع المنظم
فعلى قاعدة تآكل قطاع الزراعة,- كما سنلاحظ ذلك لاحقاً – وتفكك بنياته الإنتاجية, تمخض عن كل هذا, هجرة معممة من الريف إلى المدينة. ومع تزامن انهيار القطاع الصناعي من جهة, وتراجع الاستثمار بخطى حثيثة من جهة ثانية. لن يكون أمام تلك القوة العاملة الباحثة عن عمل سوى الانخراط في صفوف العاملين في القطاع غير منظم. أي أن قسماً كبيراً منهم سيتحول إلى بائعي عربات ( بسطات بلغة أهل المنطقة), ومياومين بأشكال مختلفة, وبائعي يانصيب.. إلخ.
ونحن نعلم أن دخل أبناء هذا القطاع لا يتجاوز مستوى الكفاف, بل قل أنه أدنى من ذلك بكثير وذلك إذا ما اعتمدنا المعايير الدولية لحد الكفاف.
هذا ويقدر الدكتور نبيل مرزوق, عدد العاملين في قطاع الزراعة بحوالي 1.6 مليون عامل, لا يعملون أكثر من شهر ونصف في العام. وإذا ما أخذنا الانتهاك الذي حدث لقطاع الزراعة منذ حوالي منتصف الثمانينات, فأننا سنجد أن المزارعين لدينا راحوا يتحولون تدريجياً إلى عمال موسميين, يعملون في الموسم القصير نسبياً, ويبقون باقي أيام العام عاطلين عن العمل. عاجزين عن فعل شيء سوى- ربما- تربية الأمل, في موسم تجود به السماء يخفف قليلاً من معاناتهم, ويسمح للبعض منهم بالزواج!!.

في الحقيقة وبعد أن جردنا اليد العاملة في القطاع الخاص من ثلثي حجمها, فإننا سنجد أن الثلث الأخير العامل بأجر والموزع على منشآت القطاع الخاص المختلفة, يعمل في ظروف هي الأسوأ من نوعها على صعيد العالم الثالث.
وكيف لا والأجر يكاد لا يتجاوز المائة دولار في المتوسط؟؟ وهو رقم يثير السخط أكثر مما يثير من الاشمئزاز, وذلك في بلد وصلت فيه نسب التضخم إلى مستويات لا سابق لها.
وإلى جانب هذا الدخل الرديء سنجد أن العمالة في القطاع الخاص مجردة من أي شكل من أشكال الحماية, فمصطلحات كالضمان الصحي أو الاجتماعي.. هي في المحصلة مصطلحات مفرغة من أي معنى. هذا عدا عن الانتهاكات التي تحدث على مستوى ساعات العمل التي غالباً ما تتجاوز 12 ساعة.والقاطنين في سوريا يدركون تماماً أن عمال القطاع الخاص هم من يصح القول عليهم بأنه لا حول لهم ولا قوة.
فالعاملين في القطاع الخاص خاضعين تماماً لمزاجية السوق, ومزاجية أرباب العمل.

وأياً يكن الأمر, فإن كان وضع العاملين في القطاع الخاص بهذا السوء, فلا يعني ذلك أن زملاؤهم في القطاع العام أحسن حالاً.
يقدر عدد العاملين في قطاع الدولة بحوالي 1263607 مشتغل, يعمل منهم 1049981 مشتغل في قطاع الخدمات؛ أما ما تبقى فموزعين على قطاع الزراعة والصناعة والتشييد... إلخ.
وعلى الرغم من كل الخطط التنموية, والطنطنة المرافقة لها, إلا أن نظرة عاجلة على توزع العمالة في القطاع العام الصناعي – والذي من المفترض به أن يكون حجر الزاوية في الاقتصاد- ستجعلنا نكتشف أنه منذ عام 2001 وحتى عام 2005 لم يتم امتصاص سوى 12036 عامل, راجع الجدول 2.

جدول (2) تطور العمالة في القطاع العام الصناعي 2001 – 2005
2001 2002 2003 2004 2005
175633 183379 181158 183102 187669

وهو يعني معدل سنوي وسطي 2407 عمال, وهو رقم متواضع كما نلاحظ, في بلد يقدم كل عام أكثر من 200 ألف طالب عمل.
ففي مجموع الصناعات التحويلية, عوضاً من أن يزيد عدد العاملين, سنجد أن العكس هو الذي حدث. ففي عام 2001 كان عدد العاملين في هذا القطاع يقدرون بحوالي 106064 عامل, بينما هذا العدد سينخفض عام 2005 ليصل إلى 105033 عامل. راجع الجدول 3.

جدول ( 3) عدد العاملين في بعض القطاعات المختارة 2001 – 2005
السنة 2001 2002 2003 2004 2005
غزل ونسيج 25669 29027 28958 27794 27591
مجموع الصناعات التحويلية 106064 109471 108818 105827 105033
صناعات استخراجية 19344 19623 17851 17867 21621

والسؤال الذي يبقى برفقتنا دائماً: في ظل هذه المعطيات المخجلة, كيف يمكن الحديث عن امتصاص للبطالة من جهة, واستيعاب للقادمين الجدد من جهة ثانية؟؟!!

في الحقيقة, إن نظرة شاملة على شكل توزع العمالة في القطاعين العام والخاص تجعلنا ندرك في مجال لا يدعو إلى الشك مدى هشاشة قوة العمل لدينا, ومدى الخلل الهيكلي الذي أصابها عبر العقود الأخيرة.
ب- القطاعين الصناعي والزراعي في ظل الوضع الراهن:
إن السؤال الذي يبرز في هذا السياق هو كيف أمكن أن تصل درجة سوء وضع قوة العمل لدينا إلى الدرجة التي وصلت أليها اليوم؟
والإجابة تصبح واضحةً لدينا ما إن ندرك حجم الخراب الذي حل بأهم قطاعين لدينا: القطاع الصناعي, والقطاع الزراعي.
هذا الخراب الذي كان نتاج جملة السياسات اللا اقتصادية, التي حكمت البلد منذ ثلاثة عقود, ووضعت سوريا في أسفل تراتبية عالمية. وهو الذي جعلنا نتخصص في صناعة العلوك والمحارم والفوط النسائية!!!.

وأياً يكن الأمر, فإن نظرة عامة, حول وضع القطاع الصناعي لدينا, ستجعلنا ندرك أن هذا القطاع, كان قد تدهور في الفترة الأخيرة إلى حدود لا سابق لها. فهو لم يكتفي بأنه عجز عن التقدم بل قل أنه راح يتراجع بخطى حثيثة حتى أصبح الحديث عن القاعدة الإنتاجية هو هو الحديث عن الخردة الإنتاجية.
ومن هنا لو أخذنا الأرقام القياسية للإنتاج الصناعي في القطاع العام مثلاً سنلاحظ بأنه في عام 2002 كان هذا الرقم في الصناعات الاستخراجية 113, سينحدر في عام 2005 إلى 78 نقطة.
كما هو مبين في الجدول أدناه.

جدول( 4 ) الأرقام القياسية للإنتاج الصناعي في القطاع العام, 2002- 2005 . (عام 2000 = 100)
البيان 2002 2003 2004 2005
صناعات استخراجية 113 109 85 78
صناعات تحويلية 101 88 99 99
صناعة المنسوجات 116 120 138 138
صنع الملابس 113 85 67 66
صنع الآلات والمعدات 113 97 73 93
وسطي الرقم القياسي 109 102 92 89

و قطاع الصناعة التحويلية سيكتفي بالمراوحة في مكانه, هذا بينما سيكون معدل التراجع الإجمالي من 109 عام 2002إلى 89 عام 2005.
ستنعكس هذه المعطيات الرديئة على المستوى العام لحركة التجارة الخارجية, حيث ستتدهور صادراتنا من 12732.1 مليون دولار عام 1992, إلى 5118.5 مليون دولار عام 2004.
وستتراجع بالمثل حجم وارداتنا من 14458.6مليون دولار عام 2002 إلى 6721.9 عام 2004. ( راجع مقالتنا الاقتصاد السوري بين الخطاب الرسمي.. إلخ).
فلو أخذنا حجم القيمة المضافة بالنسبة للقطاعين الصناعيين الاستخراجي والتحويلي, فسنلاحظ أن قطاع الصناعات الاستخراجية سيتراجع ما يقدمه من 52035 مليون دولار عام 2000, إلى 4163 مليون دولار عام 2003.
وعلى نفس الوتيرة سيسجل قطاع الصناعات التحويلية تراجعاً من 59833 مليون دولار عام 2000, إلى 5075 مليون دولار عام 2003.كما هو واضح في الجدول أدناه.

جدول(5) القيمة المضافة للصناعات الاستخراجية والتحويلية (بالأسعار الجارية) لأعوام 2000 – 2003. (مليون دولار)
البيان 2000 2001 2002 2003
الصناعات الاستخراجية 52035 40162 3919 4163
الصناعات التحويلية 7798 16555 1497 912
المجموع 59833 56717 5416 5075
سيتمخض عن جملة هذه المعطيات السيئة, مجوعة من الآثار السلبية على مستوى الطبيعة الهيكلية لقوة العمل من جهة, وعلى مستوى المعيشة من جهة ثانية.
حيث سينتج عن هذه المعطيات حالة من الفقر المعمم, وهو ما أسميناه في مكان آخر بتنمية الفقر في سوريا.

ومن جهة أخرى, فإن وضع القطاع الزراعي لن يكون أقل سوأً, بل قل أنه أصبح الأسوأ على الإطلاق. هنا في ظل معطيات القطاع الزراعي لم يعد يسعنا الحديث عن أمن غذائي.
تعكس معطيات الجدول 6 جانباً من الوضع الحقيقي لهذا القطاع.

جدول(6) الناتج الزراعي ونصيب الفرد منه 1995و 2000- 2003 (مليون دولار)
البيان الناتج الزراعي معدل النمو نصيب الفرد (دولار) مساهمة الزراعة في الناتج المحلي
%
1995 4624 / 327 27.8
2000 4666 0.9% 286 24.7
2001 5135 10.0% 307 25.9
2002 5197 1.2% 307 25.2
2003 5403 3.9% 307 25.3

فكما هو ملاحظ فإن نسبة النمو تكاد تكون منعدمة, هذا بينما حصة هذا القطاع من الناتج الإجمالي فهي في تراجع حثيث؛ من 27.8 % عام 1995 إلى 25.3% عام 2003.
وإن البحث عن الأسباب الكامنة خلف هذا التراجع تجعلنا ندرك أن تلك الأسباب ليست سوء المناخ أو سوء الأراضي الزراعية كما يدعي ذلك محللو الاقتصاد لدينا, بقدر ما تكمن هذه الأسباب في السياسات المعتمدة في تنمية هذا القطاع. فمن جهة سنلاحظ أن الطبيعة القانونية لتملك الأرض الزراعية أدى فيما أدى إليه إلى تفتت الملكية الزراعية وهو ما ساهم في خفض إنتاجية الوحدة الزراعية بشكل عام. ففي عام 1970 كان عدد الحائزين الزراعيين يقدر ب 527899 حائز, وهذا الرقم سيقفز إلى 660371 حائز عام 2004. هذا بينما متوسط حجم الملكية الزراعية فقد كان 111.5 دونم عام 1970, حيث سيصبح 83.2 دونم عام 2004.
إضافة إلى السبب الذي سقناه آنفاً سنجد أن تخلف مكننة الزراعة سيرمي بآثاره السلبية على الزراعة بشكل جذري. فعلى مستوى مشاريع الري فحتى اللحظة الراهنة مازالت مشاريعنا بدائية؛ فعلى طول نهر الفرات على سبيل المثال لن نجد مشروعاً للري يستحق اسمه. هنا سنجد آلاف الهكتارات الغير مستثمرة.
ومن جهة أخرى سنلاحظ أن عدد الجرارات الإجمالي المستخدم في الزراعة كان 101389جرار لعام 2001, وهذا الرقم لن يتطور سوى إلى 106131جرار عام 2005.(راجع حول ذلك تقرير مكتب الإحصاء لعام 2006)
وكان قد أشار الدكتور عارف دليلة إلى نوعية الجرارات المستوردة, حيث كانت في أغلبيتها جرارات مستعملة أقرب للخردة بيد أنها بسعر الجديد بالنسبة للمزارع المسحوق.

.. في الحقيقة سيتمخض عن جملة هذا التخلف في استخدام التكنولوجيا الزراعية تراجع في مستوى إنتاجية الأرض ونوعية المحاصيل كما سنلاحظ ذلك من الجدول أدناه.
والنتيجة التي علينا التقاطها هنا, هي أن تدهور وضع الزراعة وما أدى إليه من خراب بالنسبة لصغار المزارعين, سيؤدي إلى هجرة جماعية من قبل الأجيال الشابة من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرص أفضل وهو الشيء الذي أضاف إلى السوء سوأ جديداً.
أما هذه العمالة الباحثة عن فرص عمل جديدة, فلن تجد أمامها في المدينة سوى القبول بأسوأ الأعمال, (بائعي عربات ومياومين بشروط منحطة وظروف سكن تثير الشفقة).

جدول (7) حجم الانتاج بالنسبة لبعض المحاصيل المختارة 2001 – 2005
البيان زيتون قمح شعير قطن
2001 496952 4744.6 1955.6 1009.8
2002 940941 4775.4 919.5 802.2
2003 552277 4913 1079.1 811
2004 1027166 4537.5 527.2 794.7
2005 612223 4668.7 767.4 1022

إن تدهور قطاعي الزراعة والصناعة أدى إلى إذلال كم هائل من شبابنا الذين لا يطلبون شيئا سوى عمل شريف يضمن كرامتهم وكرامة أطفالهم.
لقد أهين الإنسان السوري كما لم يحدث ذلك في تاريخه الطويل. ففي ظل المعطيات الجاري نقاشها أعلاه, أصبحت فرصة العمل تشكل شيئا عزيزا على قلب مواطننا البائس. ولم يعد أمام الكم الهائل من شبابنا إلا العمل في الفنادق والمطاعم بالنسبة لموفوري الحظ. والجلوس على قارعة الطرقات بالنسبة للأقل حظ.
إن هذه اللوحة التي نحاول رسم تفاصيلها لا تقدم جديداً بالنسبة لشعبنا الطيب, فهو الذي يدرك أكثر من كل الخطاب المنافق السائد لدينا, حجم المعانات التي يتكبدها, ويطرح السؤال على نفسه: في سبيل ماذا كل ما يجري؟؟!!
إننا نكاد نشعر وكأننا نخضع لعقوبة جماعية, بيد أننا مازلنا نبحث عما اقترفته أيدينا حتى نعاقب بهذا الشكل المزري.

ثالثاً- الخارطة العامة لتوزع البطالة:

سيتمخض عن جملة الخطط التنموية التي اعتمدت منذ عدة عقود, تراكماً غير مسبوق للبطالة في صفوف قوة العمل لدينا.
وبالتالي ستكون النتيجة الأسطع, المترتبة على الانهيار الاقتصادي الذي جرى نقاشه أعلاه, ما بات يعرف بخارطة البطالة في سوريا (هذا كون البطالة لدينا أصبح لها خارطة).

على مستوى المحافظات, وبشكل عام, سنلاحظ من قراءة الجدول أدناه, بأن توزع البطالة يأخذ طابعاً متفاوتاً بين المحافظات. فهو يتركز في اللاذقية 52582, وفي الحسكة 69612, وفي

جدول ( 8) توزع المتعطلين حسب المحافظات
دمشق ريف دمشق حلب حمص حماه اللاذقية دير الزور إدلب الحسكة الرقة السويداء درعا طرطوس القنيطرة
37271 26980 43420 48892 29433 52582 13810 10239 69612 16765 13552 12771 35989 1844

حمص 48892... إلخ, وعلى الرغم من أن المجموع الإجمالي للعاطلين عن العمل حسب معطيات مكتب الإحصاء يقدر بحوالي 412860 عاطل عن العمل, وهو رقم يثير الشكوك أكثر مما يقدم معلومات دقيقة, على الرغم من كل ذلك فبالاعتماد على هذا الرقم وشكل توزعه, فإننا سنلاحظ أن النسب العالية تتركز في المحافظات الزراعية بشكل عام, كما ويعكس هذا التوزع ذلك التفاوت بين محافظة وأخرى. وهو ما يعكس, التردي العام الذي راح يصيب قطاع الزراعة من جهة وسوء التنمية من جهة أخرى.
وفي هذا السياق, فإننا عند قراءة معطيات البطالة مستندين بذلك على معيار السن, فإننا سنلاحظ أن حصة الشريحة العمرية 15 – 24 عام تصل حتى 61% من مجموع المتعطلين. وهي نسبة عالية كما نلاحظ . تعكس هذه الملاحظة انعدام فرص العمل بالنسبة للقادمين الجدد أي الشباب, وهو ما يكذب بطبيعة الحال الخطاب السائد حول التنمية وامتصاصها للبطالة؛ بمعنى آخر سنجد أن البطالة المزمنة تتركز في أوساط الجيل الشاب من جهة,وانعدام فرص العمل الجديدة وعدم مواكبة التنمية والنمو الاقتصادي بشكل عام للنمو السكاني وللنمو في قوة العمل من جهة ثانية.

... وأياً يكن الأمر, فإن جملة الملاحظات والمؤشرات السابقة تؤكد استنتاجاتنا السابقة, بأن آفة البطالة في سوريا لها طابع بنيوي. فهي ليست متحيزة ضد الإناث مثلاً في صالح الذكور ولا ضد الشباب في صالح الأكبر سناًً, ولا ضد الريف في مصلحة المدينة, بل قل أن البطالة تصيب بأبعادها جملة قوة العمل في سوريا.
والبطالة ليست ظاهرة اقتصادية محض اقتصادية, وبالتالي يجري تحليل آثارها على مستوى الاقتصاد عموماً, بل هي إلى جانب ذلك تشكل آفة اجتماعية أيضاً, تكسر الإنسان وتشوه أجمل ما في أعماقه.
إن العاطل عن العمل, إنسان مقهور, محذوف منه أعظم ما يملك: فاعليته الاجتماعية.
ومن هنا كان إنعاش البطالة, تحت أي مبرر كان, هو هو إنعاشٌ للإنحلال والقهر الاجتماعي؛ وإن مشكلة البطالة, في نهاية التحليل تعكس أولاً ذلك التباين الفظيع بين النمو الحاصل في قوة العمل 4% - وهو نمو مرتفع بسبب القاعدة الشبابية للهرم السكاني وزيادة دخول المرأة إلى سوق العمل- وبين النمو المتواضع الذي ينمو به الطلب على العمالة سنوياً؛ وثانياً تعكس بؤس السياسات الاقتصادية المعتمدة من قبل الحكومة وآثارها المريعة على المجتمع, وبالأخص على شبابه, الذين راحوا على قاعدة شح فرص العمل يقبلون بأسوأ الأعمال وبأسوأ الظروف, بالنسبة للذين لم يحالفهم الحظ في السفر,وأما الذين اختاروا السفر فسنجدهم يستجدون فرصة العمل وبأسوأ الظروف أيضاً, عند إخواننا الخليجيين وحتى اللبنانيين والأردنيين. وهي بلدان كان من المفترض بها أن تأتي بعدنا في سلم التراتبية الاقتصادية!!. إن ما يجري في سوريا يصعب تحليله بالاستناد إلى أدوات الاقتصاد السياسي الكلاسيكي, فما يجري ربما يحتاج إلى علم جديد قد يكون من الجيد تسميته بالاقتصاد السياسي السوري على حد تعبير أحد المستشرقين الألمان.
ومرة أخرى أجد نفسي أعيد تكرار السؤال: ماذا فعلتم بقلعتنا بعد كل هذه السنوات؟؟!!!.

*********************
1- يشير مصطلح قوة العمل, إلى أولائك القادرين على العمل والباحثين عنه. وبالتالي فإن مصطلح قوة العمل يحيل إلى جميع القادرين جسدياً وعقلياً على العمل والطالبين له.
هذا بينما يشير مصطلح العاطل عن العمل وذلك حسب تعريف منظمة العمل الدولية ilo بأنه كل من هو قادر على العمل وراغب فيه ويقبله عند مستوى الأجر السائد, ولكن دون جدوى.
2- راجع في ذلك مقالة د. نبيل مرزوق ( البطالة والفقر في سوريا).
3- المصدر المجموعة الإحصائية 2006.
4 - المصدر التقرير العربي الموحد 2004.
5- راجع رمزي زكي, الاقتصاد السياسي للبطالة

- انتهى- 21- 10- 2007





#صبر_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة.. أم انهيار اقتصادي
- الحادي عشر من أيلول
- سيناريوهات المرحلة الراهنة
- نقد الفكر اليومي
- علاقة الداخل والخارج في الفكر اليومي السوري
- في مواجهة الأزمة.. المعارضة والنظام السوري الحاكم
- الفقرفي سوريا
- أسطورة التدخل الأمريكي
- الأبعاد الاجتاعية للمشروع الديموقراطي
- نقد مصطلح العولمة


المزيد.....




- وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر ...
- بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
- النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس ...
- تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما ...
- وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر ...
- يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر ...
- وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر ...
- الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل ...
- واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع ...
- وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد ...


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - صبر درويش - الطبيعة الهيكلية لليد العاملة السورية