ان قدرة الله لا تتجلـّـى في الرعد والعاصفة وحسب ، بل في جمال الزهرة والنسيم العليل أيضاً - شاعر الهند طاغور
أتذكر تماما تلك الدموع ، دموعي الحرى وخمسة ايام بل مطلق ايام من الجوع امام نصب الحرية
- واذكر
- فقدان ذاكرتي المؤقت لما رأيته في مبنى ، يقال له - الأمن العام - !!
- واذكر
- ايضا " شفق " الجميلة ، القتيلة بماركسية العناصر الجديدة وصخب الحنين .
- اذكر
- تماما ، كيف نام " كزار حنوش " ليال في محل خياط ٍ منزو لكي يناجي جوع حسين مردان وكنت اهمس له " لست صعلوكا مطلقا كما تروي الأساطر ، فها ثد تزوجت من جوعين وتموزين حالمين ،
- واذكــر .....
- حدث الحب ، الذي اودى بحياة ستة شبان فروا من الجبهة لقلب نظام الحكم عبر مناشير حالمة ، لقد اعدموا " ولنقل " ولدوا جميعا في يوم واحد ، وعندها تذكرت حبل غسيل امي القصير الذي مروا من تحته ، الى ربهم الأعلى وقامة أمي المنحنية ، وهي تحرق كتب لينين وماركس ومحمد باقر الصدر ودواوين سعدي ومظفر في تنورها الفجري ، كان اهل مدينتي يحبون لينين مثل اخ لهم – حتى حسد ونقم البعثيون على ذلك ، فسموا الكنية فيما بينهم – رفيق - ، ولم افهم سر ذاك الحب ، حتى بعد قراءة كل سجالات بروليتاريا الذات وإشتراكية أممية التحولات الإنسانية وكرامات المبدعين ، وكان احد نجاري مدينة الديوانية يقول لي " كان لينين صادقا معنا " وان كان جسده المسجى في ساحة الكرملين – مجرد جسد محنط الخلايا ،
- تذكرت
- ذلك في شهادة امام ضابط الهجرة الأميركي " وانا انطق القسم الوحيد امامه ، في عدم انتمائي للحزب الشيوعي ، وكان رأي الضابط الأردني ان كل مثقفي العراق من الجنوب هم شيوعيون وان قسموا !! ،
- وعندها تذكرت
- ذلك الرجل القروي من مدينة المشخاب ، والذي قادوه من مدارس محو الأمية الى إجتماعات الحزب الإجبارية ، وقد كان الدرس الأول بعض شعارات وبيانات الحزب ومنها " ان الشرفاء والــــخ هم بعثيون وان لم ينتمـــوا ، فعاد القروي المسكين الى حقله وداره ، ولم يعاود إجتماع الأسبوع التالي ، لأن المسكين فهم كلمة " ينتموا " على انها " يلتمّــو " ،وكما في اللهجة العراقية الدارجة ، وهو ذات القسم الذي أديته في مبنــى الأمن العام عام 1999 ، من انني لست عضوا في حزب الدعوة العميل !! حسب كليشة القسم ، وللآن لا اعلم سبب تسمية الشيوعي والدعوة بالعميلين ، وكذلك القسم بعدم إنتمائي الى تنظيمات ثارات الصدر الأخير ، وليس الآخر ، وذلك القسم على جميع افراد عائلتي من شيوخ واطفال نساء ورجال ليسوا اعضاء في تنظيم او على إتصال بجهة خارجية ، فقد قسمت مع علمي ان كل افراد عائلتي وجيرانهم ومن جاورهم شيوعيون وفي حزب الدعوة ايضا ،
- وعندها ايضا تذكرت نصائح صديقي الدكتور ريكان إبراهيم ، الذي أخبر لفيفا من ادباء ورجال المعارضة في مقهى السنترال في عمان ، من انه قد اكمل آخر قصائده العمودية في حب صدام ، وهو ما جعلني أرتبك وعيا ، كيف يكون هذا الرجل ، طبيبا بل أخصائي في علم النفس ، وشاعرا وناقدا ولغويا لا يشق له غبار ، وهو في ذات الحين ، ممن يدمنون حب صدام وسلطته ايضا ؟؟؟
- وهنا تذكّرت ....
- ما قرنني بخبز الشعير في سوق الحلة الفيحاء ، وكيف كانت قصائد حب الوطن تهرب او تأتي متزامنة مع وجبة باقلاء الحلة الشهيرة ، انه الرجل الضرير صاحب المحل عاشق الشعر ، والذي يعلق صورة المجد – كما يسميّها – والتي أخذها مع شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري – أيام إقامته في مدينة الحلة الفيحاء - على إحدى جدران مطعمه الصغير جدا ، وقد أدرك الرجل تعب رجال الحزب والأمن والمخافر والشرطة والفدائيين والمخابرات والـ . . . . . وجزعهم في مراقبة الناس وكتابة التقارير عند أول الصباح ، وعلى وجه الخصوص ـ تحت تاثير رائحة الباقلاء بالدهن الحرّي ، فما كان منه إلا ان حول مطعمه الى وكر عز ثقافي ، وعرين مجد أدبي ، وملاذ تجمّع لمن أراد قول شيء ، او نقد حالة ، أو إلقاء قصائد حقيقية أو كلمات نثرية ، فصحى كانت أم شعبية ، يسارية كانت أم حسينية ، خلسة ، في حب الناس والعراق ، ـلقيت قصيدتي ، وكانت طويلة بل لا تتلائم وحيثيات المراقبة لعمال ، واصدقاء وجيران الشعر عند مطعم الرجل الضرير عينا والمبصر روحا وقلبا ، وتذكرت بهـــا صمت شعراء ، ومثقفي الخارج دون الداخل ، الذين صاروا ينطقون الآن ، لا بل ويتشاجرون ويتعانفون ويتضاربون إن شأت ، ولله الحمد ، فقد ظننتهم كباقي أمــة العرب ، أو ممن طـُــبع ، ولنقل خُتـِم على سَمعهم وعلى أبصارهم ، وعلى قلوبهم بغشاوة الجيل والتجايل والفئات والشتات والصداقات والإنتماءات وصولا الى منع التجول شعرا – إلا على موائد العرق المجان في اتحاد الأدباء ، وايام صعاليك المربد والتربيد والترديم والتحطيم ، والتي كانت تنقل على التلفزيون مباشرة ، وفيها ، ينصب الفاعل ويرفع المفعول ويجر ظلما وجورا القتيل على ذمة القاتل والمسؤول ، وتذكرت ان هذا ما حدث في بلد قدم ثلاث حواضر لغوية لأمة الضاد مدعومة بالمتنبي والجواهري والسياب والحاج زاير ايضا !!!
- واتذكر هنا سجني اللا آمن في زنزانة قصيدة عمرها عشرون عاما كتبت لتقرأ وتكرّم ، في غربة دون اهل البلاد ،
وتذكرت منام الفقراء تحت تمثال عبد المحسن الكاظمي ، وتمثال السياب الحزين ، وقد اشتكت عائلة بدر شاكر السياب ، وعلى صفحات مجلة - ألف باء - من ان ضيافة زوار قرية جيكور ودار السياب ، وتمثاله من الدارسين والباحثين والشعراء ، قد اصبحت تمثل ثقلا على كاهلهم في تقديم الشاي والقهوة وبعض الإجابات ، وغيرها ، فما كان إلا ان خصّص كرم القائد – مبلغا لمضيف السياب – ويروي لي اخي الذي كان يدرس الطب في البصرة ، ان الحزب إشترط على عائلة السياب تقديم تقارير مفصلّة ، عن كل وافد وزائر لقبر وبقايا اثار السياب الخالدة ، فتذكرت
قول السياب :
" اني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون ؟؟
ايخون انسان بــلاده ؟؟ "
وتذكرت . . . .
حنين الحلاج وبراءة الجنيد البغدادي ، ورز العنبر بالمجّان ، في ضريح الإمام عبد القادر الكيلاني – كان الخبز شحيحا والأيام عجاف ،
وتذكرت من ليالي تموز تلاميذ العراق وهم يذاكرون ليلا ، ليؤدوا امتحاناتهم الوزارية في الشوارع ، وكيف نقل ضابط المخابرات ذلك الى بغداد ، فجاء الأمر بقطع التيار الكهربائي حتى عن الشوارع بحجة الشحّــة في موارد الطاقة ، فأين تدرس النساء ؟؟
وقد اعمَت القراءة على الفانوس عيوني ، وعيون طلابي ، والله والفانوس ، على ما اقول شهيـــدان .
- وتذكرت طلابي في سجن معسكر ابي عبيدة – في الديوانية ، الذين كانوا وكما سمّــتهم سجلات الحرس الجمهوري ووزارة الدفاع عن صدام ، متخلفين ، وذلك لرسوبهم في الإمتحانات وعدم ذهابهم الى تجانيدهم لأنهم كانوا يساعدون جاهدين ، في إعالة عوائلهم ، وهو ما أخرهم عن الإلتحاق لاداء الخدمة العسكرية الجائرة ، كانت زيارة الجملونات بــ ( 1000 ) دينار والجلوس لأسرة السجين بـ ( 300 ) دينار للجلوس تحت ( الشمس ) اي ليس الظل و( 500 ) دينار في ظل الجملون اللاهب ، وحبوب الآرتين الشهيرة ، كمخدرات بـ ( 2000 ) دينار للشيت الكامل المكون من 10 حبات ، وتلك الحبوب قد جعلت من اولئك الصبية في سن 17 و18 و19 مجرد اشباح يلوح للناظر انهم بعمر 60 وبرؤوس رمادية ، وجلود غائرة مع موات حواسهم ودوافعهم الطبيعية الى الجنس والحركة او حتى الشهية في الإقبال على الطعام ، صبية في عمر الورد مهمـّــشون تماما ، ومنسيّيون كشخوص غابريا غارسيا ماركيز او كضحية - مستوطنة العقاب - لفرانز لكافـكا ، فيما كان الضباط ، واحدهم بعشرة اضعاف اولئك الصبية ، وكأن العرب كانت امة واحدة ، فجاء محمد العربي ( ص ) ليكونوا 70 فرقة ، على ان كل فرقة بقتلها الأخرى ، تدعي انها الفئة الناجية ونحن الهالكون على ذمة حسني مبارك ، ومجمع أزهر اللا إردة ، وتذكرت
- هدير جمال القرآن " وترى الأرض هامدة ، فإذا انزلنا عليها الماء اهتـزت وربَت وأنبتت من كل زوج بَهيج " فلا مياه في مستنـفع العذاب هناك ، بل مجرد خزان بسعة لترين لكل فرد ، ولمدة اسبوع ، فكانوا يدخرون به ، ويجمعونه على بعض على بعض ، لأيام لا ماء فيها ولا يسمع في الرجاء في فضاءها .
، وعندها تذكرت ، ان التأريخ لا يمكن ان يتوقف عند مشهد او مشهدين ليقرأ بهما ومن خلالهما ، لا بل انه متكرر واضطراري حتى يقال انه يعيد نفسه ، ان الإسقراء الماحق ، والمثولوجيا الملطخة بوصمة عار على اكملها ، وان تلك الأسطورة التي رويت عن الحجاج بن يوسف الثقفي ، من انه كان يرسل رئيس شَــرَطته – بفتح الشين والراء والطاء - لإستفزاز أهل المصر في العراق ، وذلك للإستخفاف بهم واشعارهم بقرب السلطة الماحقة منهم ، وقيل ان رئيس الشرطة هذا قد خرج ذات يوم ، فوقعت عيناه على تاجر ناجح ومعتمر ومقتدر ، فما كان منه إلا ان قتل حاشية التاجر ، وسلب بضاعته بحجة انه سبّ ونال من شخص ولي اكر المسلمين – الحجاج بن يوسف الثقفي – فأخذ ذلك التاجر ، ليقتله ، وقد لاحتا على قرب شجرة الشنق ، حمامتان متباينتان في حجميهما ، أي أن إحداهما صغيرة ، واختها كبيرة ، فقال التاجر المسكين الذي ضاقت عليه أرض بلاده بما رحبت : " انما قتلتني فسأشهد عليك هاتان الحمامتان " فضحك رئيس شرطة الحجاج وحــز رأسه ، دون رحمة ، وقد واخبر سيده الحجاج بذلك بعد ان وضع طباخو الحجاج دجاجتين بذات تباين الحجم الكبيرة للحجاج طبعا والأخرى لقائد شرطته المقدام ـ وقد قصّ على الحجاج تلك الشهادة من امر ذلك التاجر الذي غلب على حقه ، فما كان من الحجاج إلا سأله : "
اوقتلته ، بعد ان أشهد عليك ؟؟ "
فقال : " نعم "
- فدنى الحجاج إليه فقتله في الحال ، وعندها صفّــق الغوغاء من حول الحجاج ، وهم يهتفون " لا أبقى ، وأعــز الله لهذا البلد غير جودك ، يا عــــدل الله في الأرض "
- وهنا تذكرت لم كان اهل بلادي يعشقون لينين ومحمد باقر الصدر و فريد الأطرش ، فالأول يمثل كناية بزوغ بروليتاريا الجمع والتوحيد على جباه الفقراء دون قتل البرجوازيين ولا النبلاء ، والثاني فيمثل وعي وتفكير الإسلام ، محررا من المجاهيل وعقد نقائص الذات ، وأما الثالث فيمثل هروب روح الفنان للغناء ، بمنأى ً عن طائلة يد القاتل والسلطان ،