سلمان محمد شناوة
الحوار المتمدن-العدد: 2125 - 2007 / 12 / 10 - 04:59
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
لقد نص القانون العراقي الجديد الصادر في 2005 وحسناً فعل في المادة (5)
((السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية)) .
كذلك المادة ( 6 ) من الدستور الكويتي الصادر في 1962 :-
نظام الحكم في الكويت ديمقراطي , السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً , وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور ) .
كذلك نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 على إن (( الأمة هي مصدر كل سيادة )) .
من هو صاحب السيادة في الدولة : -
تتفق كل النظريات الثيوقراطية إن أساس السيادة هو ( الرب او الإله ) عند المجتمعات الوثنية , و ( الله ) عند المجتمعات الدينية التوحيدية ( اليهودية والمسيحية والإسلامية ) .
النظريات الثيوقراطية :-
تنقسم النظريات الثيوقراطية في تعريف الحق الإلهي إلى :-
الطبيعة الإلهية للحكام
كان الحكام والملوك يحكمون بصفتهم إلهة او أبناء آلهة (( فرعون )) حين قال (( أنا ربكم الأعلى )) ولو درسنا كل المجتمعات القديمة في بلاد ما بين النهرين او مصر القديمة او الهند او الصين واليابان , او حتى المجتمعات اليونانية القديمة بحيث كان لكل اله تخصص فهناك رب الأرباب زيوس والهة الحرب والهة الحب والهة البحر وهكذا حيث ظهرت التخصصات لدى الإلهة , لوجدنا إن الاعتقاد بكون الملك اله او شبيه بالإله من المعتقدات الطبيعة في كل تلك المجتمعات ,فكانت سلطة الحاكم او الملك مطلقة , لا حدود لها , كذلك كان يملك الحياة والموت ويملك الحربة والعبودية لكل البشر , فكل الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مبنية على هذه الأفكار مثل الرق والعبودية وغيرها , لا بل إن نظام اقتصادي عريق مثل الرق لا ينتعش إلا بفقدان الحرية والاستقلالية الفردية , فهو مبني أساسا على وجود طبقية بالمجتمع لا يتحقق بدونها , وحين نتابع المناقشة التي تمت بين النبي ابراهيم ونمرود الملك :
ابراهيم : ربي هو الذي يحي ويميت .
الملك : إنا احي وأميت فا استطيع إن أهب الحياة لشخص محكوم عليه بالموت او اقتل شخص لا يقربه الموت .
ابراهيم : ربي يأتي بالشمس من المشرق وتختفي في المغرب .
هذه المناقشة تمت في الإلف الثاني قبل الميلاد أي قبل أربعة ألاف سنة من ألان , حيث كانت فكرة كون الملك هو اله او شبه اله من الأفكار والعقائد الطبيعية في كل مجتمع , كانت هذه المناقشة لم يكن لتحدث لولا البدايات التي اتخذها المصلحون والأنبياء للبحث عن حقيقة الإنسان والأفكار المرتبطة به .
نظرية الحق الإلهي المباشر
يتلخص محور هذه النظرية إن الحاكم وان كان من البشر وليس له طبيعة إلهية مباشرة , إلا إن الحاكم يتم اختياره من الله ويمنحه السلطة ويخصه وحده بممارستها .
وما دام إن الحكام يستمدون سلطانهم من الله دون تدخل من جانب البشر – إذ إن اختيارهم تم خارج نطاق إرادة البشر – فقد وجبت طاعتهم وامتثال أوامرهم لان معصية هم هي عبارة عن معصية الله ,
ويترتب على ذلك انتفاء مسئولية هؤلاء الحكام عن كل تصرف يصدر عنهم أمام المحكومين , إذا إن المسئولية تكون أمام الله الذي وهبهم الحكم والسلطان .
لقد اعتنقت المسيحية هذه النظرية, ونادي القديسين بان الإرادة الإلهية مصدر كل سلطة على وجه الأرض.
واستخدمها ملوك فرنسا لتدعيم سلطانهم على الشعب وخاصة لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر خلال القرن السابع عشر .
نظرية الحق الإلهي غير المباشر
في نظرية الحق الإلهي الغير مباشر تتم الاختيار بواسطة الشعب لكن بإرشاد وتوجيه من الارداة الإلهية أي إن الاختيار هنا يتم بطريق غير مباشر , بالرغم إن هذه النظرية تتم على أساس ديمقراطي يتمثل باختيار الشعب بنفسه إلا انه تجعله مسير لا مخير في هذا الاختيار .
كذلك إن اختياره بواسطة الشعب لا يجعله صالح بالضرورة بل قد يدفعه اعتقاده إلى الاستبداد والطغيان .
الدين الإسلامي والنظريات الثيوقراطية : -
من المعروف إن الإسلام أقام دولة على الأرض , وهذا شي لم تأتي به لا اليهودية ولا المسيحية , كان في شخص الرسول اتفقت السلطة الزمنية مع السلطة الدينية , فكان الرسول الحاكم بأمر الله , فكان الرسول هو الحاكم الأوحد , لا يوجد هناك من ينافسه على السلطان , وكان يعتمد بسلطانه هذا على الله سبحانه وتعالى , لذلك نرى إن الرسول كان يحكم استنادا إلى (( نظرية الحق الإلهي المباشر )) , (( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم , فان تنازعتم في شي فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) فالنبي محمد كان يحكم مباشرة نيابة عن الله بصفته هو الرسول والنبي الذي يوحى إليه من السماء , فدولة الرسول كانت دولة ثيوقراطية , تحكم بالحق الإلهي المباشر , وكانت تتجمع في يديه كل السلطات ( التنفيذية فهو رأس الدولة الحاكمة والتشريعية فكان هو المشرع الأول حيث كانت تأتيه التشريعات من السماء والسلطات القضائية فكان هو القاضي الأول حيث يستطيع إن يقضي بين الناس او ينتدب للقضاء أشخاص في الأماكن البعيدة )) .
لكن المشكلة ظهرت بعد وفاة الرسول فعلى أي أساس سوف يتم الاختيار هنا ظهر لدينا اتجاهين, وهو يمثل الاختلاف بين الحق الإلهي المباشر والحق الإلهي الغير المباشر ...
فلقد اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعده وبعد اخذ ورد بين مختلف الاتجاهات حيث كان التنافس بين جهتين لهما بالغ الأهمية وهما المهاجرين والأنصار ..
فكان الاتجاه الغالب انتخاب أبو بكر الصديق (( خليفة للمسلمين )) وهو يمثل الاتجاه إلى (( الحق الإلهي الغير المباشر ))
والاتجاه الثاني تمثل بالدعوة إلى خلافة الامام علي استنادا إلى أمر الهي بذلك وتفسير للآية التي تقول (( بلغ ما انزل إليك من ربك , فان لم تفعل ما بلغت رسالته , والله يعصمك من الناس )) , فكان اجتماع الناس في حجة الوداع وإعلان الولاية إلى الامام علي , حيث فسر أصحاب هذا الاتجاه إن هذه الآية هي الأمر الإلهي بإعلان خلافة الامام علي وعلى أساسه كانت الدعوة في حجة الوداع وعلى أساسه أيضا نزلت أخر أية من القران وهي (( اليوم أكلمت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) ويمثل هذا الاتجاه (( الحق الإلهي المباشر )) .
واستنادا إلى نظرية الحق الإلهي المباشر وكان الشيعة هم من تمثل لديهم هذا الاتجاه الذي بنيت على أساس هذه النظرية كثير من الأمور التي كانت لازمه لها وبدونها لا تكتمل نظرية الحق الإلهي , مثل (( نظرية العصمة ))و نظرية (( الإمامة )) لدى الشيعة ونظرية الإمامة هي صورة متكاملة للحكم لدى الشيعة .
فالإمام هو الحاكم يجب إن تكون صفاته :-
1- البلوغ 2- ألذكوره 3 – الانتماء إلى قريش 4 – العصمة لدى الشيعة 5- العدالة 6- العلم 7 – سلامة الحواس 8- سلامة الأعضاء 9- الرأي 10 – الشجاعة .
والعصمة تعني (( عدم إمكانية الخطأ الصادر عن الامام او الحاكم )) لان هذا الامام الحاكم هو شخص يقوم بإصدار القوانين ومتى ما تم تشريع هذه القوانين يجب على كافة الناس إن يطبقوا هذه القوانين او التشريعات بحذافيرها وهذه التشريعات حد فاصل بين الجنة والنار , لذلك يستبعد إن يصدر عن الامام الخطأ مثلما يستبعد إن يصدر عن النبي الخطأ كذلك يستبعد إن يصدر الخطأ عن الامام فالإمامة لطف واللطف واجب على الله تعالى لذا كانت العصمة أساس الإمامة لا يمكن إن تتخيل الإمامة بدون العصمة , وحين ننظر إلى كل كتب الصادرة من المراجع الشيعية نراهم (( يضعون الإمامة )) في باب الأصول , وهي من الأمور التي لا يجوز بها الاجتهاد وبدونها لا يكتمل إسلام او إيمان الإنسان .
النظريات الديمقراطية : -
النظريات الديمقراطية ترجع السيادة إلى الشعب سواء حسب نظرية سيادة الأمة او نظرية سيادة الشعب ,
نظرية سيادة الأمة .
تنسب نظرية سيادة الأمة إلى(( جان جاك روسو)) في مؤلفه الشهير (( العقد الاجتماعي )) , إن السيادة عبارة عن ممارسة للإرادة العامة وإنها ملك للأمة كلها , باعتبارها وحدة مستقلة عن الإفراد المكونين لها وليست ملكاً للحاكم .
لذلك فان سيادة الأمة وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة فلا يمكن التصرف فيها او التنازل عنها والأمة هي الوحيدة المالكة لها , ولقد قامت الثورة إلي تحويلها إلى مبدأ دستوري إذ نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 على إن (( الأمة هي مصدر كل سيادة ))
كما نص دستور السنة الثالثة للجمهورية 1795 على (( وحدة السيادة وعدم قابليتها للتجزئة او التنازل عنها لأنها ملك للأمة )) . كذلك نصت المادة رقم ( 6 ) من الدستور الكويتي على ( الأمة مصدر السلطات ) . ومن نتائج سيادة الأمة :-
1- سيادة الأمة لا تتفق مع الديمقراطية المباشرة والديمقراطية شبه المباشرة التي تأخذ بمبدأ الاستفتاء الشعبي .
2- ممارسة الانتخاب تعتبر وظيفة للإفراد وليست حقاً لهم وبناء عليه يجوز وضع شروط على الاقتراع مثل شرط النصاب المالي وشروط الجنس او الأصل .
3- يكون لا تمثيل الأمة كوحدة مستقلة عن إفرادها في جيل محدد بذاته بل يشمل كل الأجيال الحاضرة والمستقبلة .
4- يمثل النائب في المجلس
نظرية سيادة الشعب :
نظرية سيادة الشعب تعتبر إن السيادة ملك لكل الشعب لكن يمكن تجزئيتها حيث يتم النظر لهذه السيادة ليست كوحدة واحدة إنما تنظر إلى الإفراد ذاتهم وتقرر اشتراكهم في السيادة بحيث تقسم بينهم بحسب عددهم , ويكون لكل فرد منهم جزء من هذه السيادة . وهذا ما عبر عنه روسو في عقده الاجتماعي يقول (( لو فرضنا إن الدولة تتكون من عشرة ألاف مواطن , فان كل مواطن يملك جزء من عشرة ألاف جزء من السلطة ذات السيادة )) , وهنا تكون النتيجة يتلخص بجوهر نظرية السيادة الشعبية في تجزئة السيادة على إفراد الشعب السياسي في الدولة , بالتساوي بينهم .
وبناء على ذلك :-
1- الانتخاب حسب هذه النظرية يكون حق لكل فرد من إفراد الشعب , لأنه يملك جزء من السلطة ولا يجوز بناء على ذلك – تقييد هذا الحق بآي شروط كانت , إذا الاقتراع العام هو الذي يجب إن يؤخذ به لهذه النظرية .
2- يجوز للناخبين إن يعزلوا النائب في المجلس النيابي لأنه وكيل عن الناخبين في دائرته الانتخابية .
3- يعتبر القانون تعبير عن إرادة الأغلبية الحاضرة الممثلة في المجلس النيابي وانه يجب على الأقلية إن تذعن لهذه الاردة .
4- تتناسب نظرية سيادة الشعب مع الديمقراطية المباشرة , حيث يباشر أفراد الشعب السلطة بأنفسهم بطريقة مباشرة (( وتتماشى مع الديمقراطية غير المباشرة بمظاهرها المختلفة واستفتائها المتنوعة , بخلاف سيادة الأمة التي لا تتفق إلا مع السيادة النيابية .
سيادة الأمة والفقه الإسلامي :
قلنا في البداية إن الفقه الإسلامي اتجه إلى توصيف الحكم بين أكثر من اتجاه بين (( نظرية الحق الإلهي المباشر )) و (( نظرية الحق الإلهي الغير المباشر )
فهل لسيادة الأمة أي اثر لها في الفقه الإسلامي ....
لقد حاول الفقهاء المحدثون إلى إسناد السيادة في الدولة الإسلامية إلى الأمة ... ولكننا نقول على أي أساس ؟
يقول هؤلاء إن دعائم الحكومة الإسلامية تتمثل في
1- الشورى
2- مسئولية أولي الأمر
3- استمداد الرئاسة العليا ( الخلافة ) من البيعة العامة .
واستدلوا على إن الأمة صاحبة السيادة بالحديث الشريف (( لا تجتمع أمتي على ضلاله )) وان الله قد أمر بطاعة أولي الأمر في قوله تعالى(( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم )) وذلك في مقابل المسئولية الملقاة على اعتقاهم كما بينتها الآية السابقة (( إن الله يأمركم إن تؤذوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس إن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به , إن الله سميعاً بصيراً ))
ويقصد أولي الأمر عند بعض الفقهاء أهل الحل والعقد والذين يمثلون الأمة , وهم الولاة والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة .
على ذلك يعتبر الفقه الإسلامي الولي والحاكم وكيلا عن الأمة صاحبة السيادة , وانه ملزم بتطبيق شرع الله من قران وسنة إذ إنهما المرجع والفيصل عند وقوع التنازع والخلاف كما قال سبحانه وتعالى (( فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ))
بناء على ذلك لو خرج الخليفة او الحاكم عن أحكام القران او السنة او أجماع الصحابة وجبت معصيته تطبيقا لحديث الرسول (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية , فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ))و (( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ))
وأخيرا
الحركة الطويلة للتطور الفكري للإنسان من الفكر المبني على الطبيعة الإلهية للحكام إلى الفكر القائم على سيادة الأمة او سيادة الشعب , تطور كبير على مدى طويل من عمر الإنسانية .
فلقد اعتنق الفكر السياسي الأوربي مبدأ سيادة الأمة في القرن الثامن عشر كسلاح لمحاربة الاستبداد وكمعول لهدم طغيان الملوك وضمان للحقوق والحريات الفردية ونجحت الثورة الفرنسية في إبراز النظرية كمبدأ دستوري , وتكريسها في نصوص الدساتير الفرنسية الصادرة بعد الثورة , لقد ولي ذاك العصر الذي يعتمد فيه على نظرية الحكم الإلهي المباشر او الغير مباشر , مع إن هناك الكثير من الشعوب تأخذ بهذه النظرية وتنساق لها انسياق الاعمي , وتكرس نظريات الحكم الإلهي المباشر والغير المباشر , إلا إن تطور الإنسانية تجبر هؤلاء او هؤلاء لإعادة حساباتهم من جديد .
الشعوب نهضت من سباتها الطويل ولن تعود للنوم , والشعوب التي لازالت في حالة نوم لا بد إن يأتي اليوم الذي تستيقظ من سباتها وتنظر إلى الحقيقة الظاهرة كضوء الشمس .
المراجع :-
1- النظم السياسية - ( الدكتور عبد الغني بسيوني عبدالله )
2- الدستور العراقي الصادر في 2005
3- الدستور الكويتي الصادر في 1962
#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟