أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - اراء في الديمقراطية















المزيد.....



اراء في الديمقراطية


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2124 - 2007 / 12 / 9 - 08:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


( 2 ) الديمقراطية المعاصرة وكيف تراها مجموعات المثقفين المعاصرين :
ربما يكون من السذاجة الاكتفاء بالقول إن الديمقراطية لم تطبق حتى الآن في الوطن العربي تطبيقاً سليماً. كما من السذاجة القول أن بالإمكان التصدي لمن يقول أن كتابات المختصين في هذا المضمار هي مجرد أحلام لن تجد تطبيقاً لها حتى في المستقبل.
أرى من الضروري الإشارة السريعة إلى ابرز واهم المفاهيم المتبلورة حول الديمقراطية من حيث أسسها وأساليبها وتنوعها كما أوردها الكاتب والباحث الاميركي بيتر بيركويتز في دراسة عنوانها ( تحدي الديمقراطية ) نشرتها وزارة الخارجية الاميركية :
(1) النموذج القديم : الديمقراطية في اليونان القديمة :
كلمة ديمقراطية مشتقة من كلمتين يونانيتين (ديموس كراتوس) تعنيان حكم الشعب. وكانت كلمة ديمقراطية في اليونان القديمة تفهم ككلمة مناقضة للملكية، حيث يحكم شخص واحد، ولحكومات النخبة، حيث تحكم قلة من الناس. ومع أن الديمقراطية لم تصبح القاعدة في الأيام الغابرة لليونان، فإن أول براعم للديمقراطية الحقيقية ظهرت في مدينة أثينا اليونانية القديمة. واستمرت الديمقراطية هناك من العام 508 حتى العام 267 قبل الميلاد، وإلى أن يبلغ عمر الولايات المتحدة 241 عاما في العام 2017، ستظل مدينة أثينا القديمة أطول ديمقراطية حية في تاريخ العالم.
وحكم في أثينا الشعب أو السكان المؤهلون – أي المواطنون الذكور فوق سن الثامنة عشرة – بصورة مباشرة في الجمعية العامة وناقشوا الأمور السياسية بحرية في الساحة العامة. وقد أشاد رجل الدولة بيريكليس في أثينا في ذروة مجدها في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، طبقا للمؤرخ ثيوسديديس، بديمقراطية أثينا وبتفوقها على جميع البدائل الأخرى. وعلل بيريكليس تفوقها في خطاب شهير ألقاه في جنازة الجنود اليونانيين الذين قضوا في الحرب البيلوبونيسية قائلا إنه نجم عن الحرية والمساواة اللتين تمتع بهما مواطنوها. ولكنها كانت حرية لم تتحول إلى فوضى، كما لم تكن مساواة في كل شيء، ولكن أمام القانون. وأعلن بيريكليس أن الأفراد في أثينا كوفئوا على أساس كفاءتهم واستحقاقهم، وأن الحياة الخاصة والمصلحة العامة حظيتا بالاحترام، وازدهرت الحياة الثقافية ونشط النقاش وشجع الخلق والإبداع ورحب بالغرباء، وتمكنت أثينا، بفضل انفتاحها على ما هو جديد ومختلف، من الحصول على المعرفة لإلحاق الهزيمة بأعدائها في الحرب. ولكن من المؤكد أن حقائق الحياة في أثينا كانت في كثير من الأحيان دون مستوى الصور المثالية التي وصفها بيريكليس. ولكن تلك الصور المثالية، التي تجذرت في المبدأ الديمقراطي، بعثت الحياة في آمال الناس وكانت القوة المرشدة لطموحاتهم.
إلا أن ديمقراطية أثينا لم تنج من المنتقدين. فقد اتفق كل من أفلاطون (427 – 347 قبل الميلاد) وأرسطو (384 – 322 قبل الميلاد) على أن الديمقراطية أبعد ما تكون عن كونها أعظم الأنظمة. وأكدا أنها تشتمل على خلل لأنها أتاحت للناس أن يعيشوا حسب أهوائهم وكراهياتهم بدلا من العيش وفقا للعقل والفضيلة. وكان أفلاطون بشكل خاص متأثرا في أحكامه حول الديمقراطية بمحاكمة معلمه الجليل سقراط (469 – 399 قبل الميلاد)، حيث حكمت عليه هيئة محلفين مؤلفة من 500 من مواطني أثينا بإفساد الصغار وبالفسق، ثم حكمت عليه بالإعدام.
ولكن رغم تحفظات أفلاطون وأرسطو فقد قدّما دفاعات مشروطة عن الديمقراطية. ويشيد سقراط في كتاب جمهورية أفلاطون بالديمقراطية وبعباءتها المتعددة الألوان التي، حيث توفر مكانا لجميع الأنواع الإنسانية، فإنها توفر أيضا الديمقراطية لأولئك الذين يرغبون في العيش وفقا للعقل والفضيلة. ويجادل أرسطو بأن أفضل نظام عملي – نظام الحكومة الذي يمكن أن يأمل معظم الناس معظم الوقت أن يعيشوا في ظله – هو نظام مختلط، تمارس فيه بعض السلطة بشكل ديمقراطي من قبل الشعب وتمارس فيه بعض السلطة من قبل النخبة، أو من قبل القلة الثرية.
ويمكن القول بشكل عام – وهنا لا يوجّه أفلاطون وأرسطو انتقادا قويا – إن مواطني أثينا لم يروا تناقضا بين الديمقراطية والعبودية أو بين الديمقراطية واستثناء النساء من النشاط السياسي. ومع أن الديمقراطية كما فهمها مواطنو أثينا وضعت جميع المواطنين على قدم المساواة، فإنها لم تمنح المواطنية لجميع الأفراد. بل إن الفكرة الديمقراطية المتمثلة في أن الشعب يجب أن يحكم لا تحدد من ينتمي إلى "الشعب". ويحتاج التوصل إلى الاستنتاج بأن الأفراد يجب ألا يستثنوا من النشاط السياسي على أساس الطبقة أو المعتقد الديني او الجنس (ذكر او أنثى) أو العرق، إلى مبدأ آخر. وجاء هذا المبدأ للديمقراطية في العصر الحديث من التقليد الليبرالي.
(2) النموذج الديمقراطي التقليدي :
اورد الباحث نفسه ( بيتر بيركويتز ) ملخصا عن الأفكار الكلاسيكية الديمقراطية بقوله :
لقد تأسس التقليد الليبرالي – تقليد جون لوك (1632 – 1704)، وجيمس ماديسون (1751 – 1836)، والبارون مونتيسكيو (1689 – 1755)، وإيمانيويل كانت (1724 – 1804) وجون ستيوارت ميل (1806 – 1873)، على الاعتقاد بأن البشر أحرار ومتساوون بحكم الطبيعة. ويميل هذا التقليد إلى فهم هذه الحرية والمساواة الطبيعية بمفهوم الحقوق المشتركة بالتساوي بين الجميع. ومن المألوف في هذه الأيام التحدث عن حقوق الإنسان بدلا من الحقوق الطبيعية. ولكن مبدأ حقوق الإنسان الذي يدعم ميثاق الأمم المتحدة ويعزز القانون الدولي في حين أنه يستمد الدعم من طائفة منوعة من التقاليد يعود في أصوله الفعلية إلى تقليد الحقوق الطبيعية الليبرالية.
ويعدّّل المبدأ الليبرالي المبدأ الديمقراطي بطريقتين حاسمتين على الأقل. الأولى هي أنه يؤكد، من وجهة نظر الحياة الأخلاقية والسياسية، أن إنسانيتنا المشتركة أساسية أكثر من الاختلافات الطبقية أو الجنسية أو العرقية أو حتى في المعتقدات الدينية. والثانية هي أننا بتعريف الحرية والمساواة بمفهوم الحقوق التي تسبق وجود الحكومة فإن المبدأ الليبرالي يؤكد أن هناك بعض الإجراءات التي قد لا تتخذها الحكومة ضد الأفراد مهما كان حجم ومشاعر الأغلبية المؤيدة لها. وعندما يستخدم الناس في هذه الأيام عبارة ديمقراطية فإنهم يقصدون بالفعل الديمقراطية الليبرالية.
كما أن جميع الديمقراطيات الليبرالية الحديثة ديمقراطيات تمثيلية. وبدلا من التجمع للتصويت مباشرة على القوانين كما كان يحصل في أثينا، فإن المواطنين يصوتون في هذه الأيام لمشرّعين يعدّون ويجيزون القوانين، ولتنفيذيين مسؤولين عن تطبيق القوانين. ويشتمل الحكم غير المباشر للناس عن طريق ممثليهم على تعديل آخر للمعنى الأصلي للديمقراطية. وفي الحقيقة أنه حين كانت أميركا وفرنسا تطبقان الديمقراطية الليبرالية الحديثة في القرن الثامن عشر، لزم التغلب على الاعتراض المتمثل في أنه بالنظر إلى أن الشعب يجب أن يحكم بشكل مباشر، فلم تطبق الديمقراطية إلا على عدد صغير من السكان المترابطين الذين يعيشون متقاربين في منطقة جغرافية واحدة ومكتظة ومحددة جيدا.
وقبل جيمس ماديسون التحدي في جريدة الفدرالي رقم 10، وهو جزء من سلسلة من المقالات الصحفية التي كتبها مع أليكزاندر هاميلتون (1755 – 1804) وجون جاي (1745 – 1829) لإقناع غيرهم من المواطنين بتأييد إقرار الدستور الأميركي. وأكد ماديسون أن التمثيل يتيح امتداد الحكم الذاتي في جمهورية تجارية معقدة مؤلفة من عدد كبير من السكان تمتد عبر أرض شاسعة ومتنوعة. كما أنه يمثل في الوقت ذاته عاملا تصحيحيا لميل الديمقراطية للتعبير عن الرغبات الآنية للشعب. وبدلا من أن يصوت الناس على كل قانون فإنهم يصوّتون للأشخاص المنتخبين الذين يستطيعون، بفضل معرفتهم في السياسة ومركزهم في المجتمع، والذين يمكن الاعتماد عليهم، مناقشة وصياغة القوانين بصبر وأناة، بحيث تخدم تلك القوانين المصلحة العامة. وإذا ما خلص الناس إلى أن ممثليهم أدوا مهامهم بصورة غير مقبولة وخانوا الثقة التي تم ائتمانهم عليها فإن بإمكان الناس عدم إعادة انتخابهم.
الشعب هو صاحب السيادة في الديمقراطيات التمثيلية، والحكومة تستند إلى موافقته، ولكن ما يوافق عليه الشعب هو البرنامج الكامل للمؤسسات الحكومية والإجراءات الثابتة لصياغة القوانين والتحكيم في النزاعات. وبهذه الطريقة يوافق الشعب على احترام القوانين الصادرة عن ممثليه، حتى تلك القوانين التي يختلف معها، شريطة أن تكون القوانين التي تسن وفقا للمؤسسات والإجراءات المتفق عليها متوافقة مع الحقوق المضمونة في الدستور أو في القانون الأعلى في البلاد، ولا تنتهك القوانين الطبيعية وحقوق الإنسان الأساسية. كما أن المؤسسات والإجراءات الديمقراطية ذاتها التي تتيح سن قوانين سيئة تتيح للمواطنين الفرصة لإقناع الأغلبية بانتخاب مسئولين يجيزون قوانين أفضل.
( 3 ) الديمقراطية الليبرالية الحديثة :
ركز بيتر بيركويتز افكاره الاساسية على الفهم والتطبيق الاميركيين للديمقراطية وفقا لما يلي :
(( قد تختار الديمقراطيات المختلفة إجراءات مؤسسية مختلفة لضمان الحقوق الفردية والمحافظة على المساواة أمام القانون. وقد اختارت معظم الديمقراطيات الحديثة، على سبيل المثال، نظاما برلمانيا يتم من خلاله اختيار زعيم السلطة التنفيذية في الحكومة الذي يعتمد على السلطة التشريعية. وتنتمي الولايات المتحدة إلى الأقلية من حيث أنها تبنت نظاما رئاسيا يتم فيه اختيار رئيس السلطة التنفيذية من قبل الشعب، ويكون بشكل عام منفصلا ومستقلا عن السلطة التشريعية. ويعتمد النظامان على سلطة قضائية مستقلة للتحكيم بإنصاف في النزاعات التي تبرز حتما في ظل القانون. ويعتقد أن ميزة النظام البرلماني تكمن في تجاوبه الأكبر مع إرادة الشعب وفي المرونة الأكبر التي يمنحها للأعضاء المنتخبين. ويعتقد أن ميزة النظام الرئاسي تكمن في نظام المراقبة والتوازن المتعلق بإرادة الشعب وبالسياسيين الطموحين، والمؤسس في الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن مصلحة المواطنين الذين يعيشون في ظل هذين النظامين أن يدرسوا البديل لتقدير مواطن القوة والضعف في نظام حكومتهم.
ورغم المدى الواسع للاختلافات في تصميم المؤسسات الديمقراطية، فقد أشارت التجربة التاريخية إلى أن للديمقراطية الحديثة أسسا معينة لا غنى عنها. ويشتمل العديد من هذه الأسس على وجود قيود على عمل الحكومة. فمثلا، فإن حرية التعبير التي تشتمل على حرية الفكر والنقاش، تمنع الحكومة من سن قوانين تفرض على الناس ما يجب أن يفكروا به أو يقولوه. وهذا أساسي لأن جميع الحريات الأخرى تستمد من قدرة المواطن على التوصل إلى أفكاره أو أفكارها وعلى وضع خطط مستقلة. وتساعد حرية التجمع على ضمان حق المواطنين في مناقشة أفكارهم مع غيرهم، بحرية وعلنا إذا هم رغبوا في ذلك، أو بتكتم وبشكل خاص إذا هم فضول ذلك. وتؤكد حرية العبادة أنه لا يمكن للحكومة أن تفرض على الأفراد كيف يمارسون العبادة، أو مضمون العقيدة الدينية، أو ممارسة العبادة في الأساس. كما أن حماية الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم تمنع الحكومة من استخدام سلطتها الهائلة بشكل مجحف عند اعتقال أو احتجاز أو محاكمة الأشخاص الذين يعتقد بأنهم ارتكبوا جرائم.
ولا تشتمل جميع أسس الديمقراطية على تفاصيل الحقوق الرسمية. ويوفر القضاء المستقل مصدرا فوق السياسة الحزبية للتحكيم في النزاعات حول ما يطالب به القانون أو يمنعه أو يبيحه. ويمكّن الاقتصاد الحر الأفراد من التمتع بثمار مجهودهم والتعاون والتنافس مع بعضهم البعض بطريقة تعزز ازدهار المجتمع ككل. وتوفر الصحافة الحرة للمواطنين مصادر متعددة للأخبار والآراء المتنافسة، مما يمكّنهم من التوصل إلى قراراتهم الشخصية بطريقة غير رسمية.
ولا بد للديمقراطيات، في أية حالة معينة، أن تختلف حول التوصل إلى توازن بين حقوق الأفراد وسلطة الحكومة. كما أن بوسع الناس العقلاء أن يختلفوا حول البنية الأساسية المثالية للجهاز القضائي، والدرجة الملائمة لقيام الدولة بتنظيم الاقتصاد، والحدود القصوى لحرية الصحافة. وهكذا فإن من مصلحة الديمقراطيات أن تنظر إلى ممارسات الديمقراطيات الأخرى للتعرف على وجهات نظر وأفكار جديدة حول أفضل الطرق لبلوغ أهدافها المشتركة في تحقيق الحرية والمساواة في ظل القانون.
وللديمقراطيات الليبرالية الحديثة، كسائر أنواع الحكومة، مواطن ضعفها واتجاهاتها غير الحكيمة. وقد اتفق النقاد الذين يمثلون طائفة منوعة من الاتجاهات في استنتاجهم بأن الديمقراطية الليبرالية تميل إلى تفكيك المجتمع وتقويض المطالب العادلة للعادات والتقاليد، وتشجع الأفراد على عزل أنفسهم وتفضيل ميزاتهم الشخصية على المصلحة العامة، وتعزز الاعتماد المبالغ فيه على العملية الرسمية والحقوق الفردية على حساب التفكير في الاستحقاقات الجوهرية والغايات النهائية، وتتجاهل الانضباط والتعليم الأخلاقي في الشخصية الضرورية لبناء مواطنين صالحين، وبحجة تشجيع التنوع تفرض توحيدا للمعتقدات والسلوك. ويتحدث منتقدوها وكأن هذه الانتقادات توجد الأسس لرفض الديمقراطية. ويتصرف بعض الأصدقاء المضللين للديمقراطية وكأن من الخيانة حتى الاعتراف بأن الديمقراطية تشتمل على عيوب. وفي الحقيقة أن معرفة عيوب الديمقراطية مكمل حيوي لتقدير أسس الديمقراطية. إذ يتعين على الدول، في ضوء أسس الديمقراطية، أن تضع وسائل تصحيح ليبرالية وديمقراطية لمواطن الضعف والاتجاهات غير الحكيمة للديمقراطية. )) .
من هنا لابد من تكريس بعض الرؤى لاختبار مستقبل الديمقراطية على ضوء ما شهدته مناطق عديدة من العالم من موجات فكرية وتطبيقية لكثير من الموضوعات الرئيسية في التحول الديمقراطي خلال الربع الأخير من القرن العشرين ،حيث بدأت هذه الموجات منذ النصف الثاني من السبعينات عندما حدث التحول في عدد من دول جنوب أوربا هي اليونان وأسبانيا والبرتغال حيث لكل دولة فروضها ونتائجها بهذا الصدد . لا بد من التعرض لبعض الآراء التي تنضوي تحت الفكر التجريبي مروراً بأمثل عديدة ووصولاً إلى بعض خلاصة التطبيقات في البلدان العربية أيضاً .
امتدت ظاهرة الموجة الديمقراطية ، بفضل أسباب عديدة بعضها يرجع إلى وجود أنظمة أعاقت التطور الاجتماعي وكان من اخطر نتائجها أما انتشار العنف في بعض الأقطار العربية ، وإما انتشار الصمت الذي جنح إليه الشعب .
شملت الموجة الديمقراطية ، في الثمانينات والتسعينات ، العديد من دول أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا ووسط وشرق أوربا . كان هذا الشمول العام بمثابة المفتاح للوطن العربي لإيجاد قناعة مشتركة لدى غالبية القوى والأحزاب السياسية بأن الديمقراطية هي الطريق الصحيح إلى التنمية والتقدم والسلم الاجتماعي. حتى الحكومات اتخذت من الديمقراطية مدخلاً لعلاقة جديدة مع شعوبها. وقد تأثرت المنطقة العربية كلها بهذه الموجة ، حيث تحقق نوع من(الانفتاح ) في الصحف ووسائل الأعلام وفي المؤسسات الدراسية والجامعات كما ساد شعور عام بضرورة وجود موقف عام إزاءها.. كما حصل(انفتاح سياسي) داخل الأحزاب وفي الأوساط الحكومية أيضاً. ومن طبيعة التجارب العالمية ذاتها بدت من وجهة نظر أغلبية السكان أن الديمقراطية كمنهج في الحكم تغدو أكثر و جدلاً وحيوية ووضوحاً في المنهج المعتمد في اكتساب المعرفة بالطريق المؤدية إلى معالجة مشاكل اجتماعية وإقليمية عديدة ،كما أن غزارة الجدل الصحفي والسياسي أوجدت شكلاً من أشكال المطالبة الجماهيرية والضغط على الأنظمة للتجاوب مع الخاصية النشيطة للديمقراطية .
في مجادلات كثيرة حول الديمقراطية تظهر دائما أفكار جديدة تشارك في أغناء تجارب ومفاهيم الديمقراطية أو تشارك في العاب مفكري الرأسمالية العالمية في وصف الديمقراطية بما ينسجم أو يتطابق مع مرحلة التطور المعاصر للرأسمالية العالمية وخاصة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية العالمية .
يقول عثمان الرواف في مقالة بجريدة الشرق الأوسط :
( يبدو ان الأولوية الرئيسية للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية تتمثل اليوم في حرص امريكا وسعيها لتحويل ملامح الشرق الأوسط من خلال دفع وتشجيع الديمقراطية في الدول العربية. فهناك برنامج خاص في وزارة الخارجية الأمريكية لتنمية الديمقراطية في العالم العربي ترأسه اليزابيث تشيني ابنة نائب رئيس الجمهورية ديك تشيني. ولقد أكد غالبية كبار المسئولين الأمريكيين أهمية تطبيق الديمقراطية في الدول العربية. وافادت كوندوليزا رايس بأن امريكا سوف تعمل في الشرق الاوسط مع الذين يسعون نحو مزيد من الديمقراطية والتسامح والرخاء والحرية. وفي فبراير 2003 قال الرئيس بوش: «ان للعالم مصلحة واضحة في انتشار القيم الديمقراطية لأن الاستقرار في الامم الحرة لا يؤدي الى ظهور ايديولوجيات القتل، بل يشجع على السعي السلمي لحياة افضل». ويوضح تصريح الرئيس بوش ان اهتمام امريكا الحالي بنشر الديمقراطية في العالمين العربي والاسلامي يرتبط باعتبارات المصلحة الامريكية والامن القومي الامريكي. فلقد كان بعض القادة السياسيين الامريكيين في السابق المنتمين على الأغلب الى الحزب الديمقراطي وليس الجمهوري مثل كيندي ومجفرن وهمفري يدعون الى دعم الديمقراطية في العالم الثالث لاعتبارات أخلاقية إنسانية .. جريدة الشرق الاوسط 1 – 12 – 2007 ))
من الأمثلة على الدور الرئيسي في التنظير الديمقراطي للرأسمالية أو في التنظير الرأسمالي للديمقراطية فقد ظهر مقاول فكري خاص بهذا الصدد هو فرانسيس فوكوياما الذي ظهر خبيرا أولا في التعبير عن ديمومة الرأسمالية وعن دور التاريخ في صيانتها وخلودها .

كتب فرانسيس فوكوياما تحت عنوان " نهاية التاريخ " قائلا : (( إن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين ، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية..)) .
وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب أصدره عام 1992 بعنوان " نهاية التاريخ والإنسان الأخير"
وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة "المادية التاريخية" ، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل وأستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية.
ذكر فرانسيس فوكوياما في مقاله الشهير "نهاية التاريخ" شارحا نظريته بالقول إن ما نشهده الآن ليس نهاية للحرب الباردة أو مرور فترة معينة لمرحلة ما بعد الحرب ، وإنما نهاية للتاريخ ، بوضع حد للأفكار الأيدلوجية في التاريخ الانساني وانتشار قيم الليبرالية الديمقراطية الغربية. تقوم نظرية نهاية التاريخ لفوكوياما والتي اختلفت الأراء حولها بين مؤيد ومعارض، على ثلاثة عناصر أساسية. العنصر الأول، هو أن الديمقراطية المعاصرة قد بدأت في النمو منذ بداية القرن التاسع عشر، وانتشرت بالتدرج كبديل حضاري في محتلف أنحاء العالم للأنظمة الديكتاتورية. العنصر الثاني في نظرية نهابة التاريخ ، هو أن فكرة الصراع التاريخي المتكرر بين " السادة" و"العبيد" لا يمكن أن يجد له نهاية واقعية سوى في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر. العنصر الثالث في نظرية فوكوياما، هو أن الاشتركية الراديكالية أو الشيوعية لا يمكنها لأسباب عدة أن تتنافس مع الديمقراطية الحديثة، وبالتالي فإن المستقبل سيكون للرأسمالية أو الاشتركية الديمقراطية.
وطبقا لنظرية فوكوياما، فإن الديمقراطية قد أثبتت في تجارب متكررة منذ الثورة الفرنسية وختى وقتنا هذا أنها أفضل النظم التي عرفها الانسان أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا. ولا يعني فوكوياما أن نهاية أحداث الظلم والاضهاد في التاريخ قد انتهت، وإنما التاريخ هو الذي أنتهى، حتى وإن عادت نظم استبدادية للحكم فيمكان ما، فإن الديمقراطية كنظام وفلسفة ستقوى أكثر مما قبل.
وقد انتقد فوكوياما لبناء نظريته عل النموذج الأمريكي للديمقراطية الغربية، لكن مؤيدوه يدافعون عن نظرية نهاية التاريخ بالقول إن المنتقدين قد أساؤوا قراءة النظرية ، حبث يرى فوكوياما أن العالم سيشهد المزيد والمزيد من الحكومات الديمقراطية بمختلف أشكالها في السويد وتركيا والهند وغانا وفنزويلا. كما يتم التدليل على فشل نظرية فوكوياما من خلال تصاعد حركات وأفكار إسلامية في الشرق الأوسط أو نجاح الحركات اليسارية في أمريكا الجنوبية.
لفترة طويلة اعتبر فرانسيس فوكوياما واحدا من منظري المحافظين الجدد Neoconservatives ، حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء في عام 1993 مركزا للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأمريكي ، وقد دعا هو ورفاقه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى ضرورة التخلص من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقد وقع على خطاب مماثل وجه إلى الرئيس بوش في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حتى وإن لم توجد ما يربط نظام صدام بمنفذي الهجمات. وكان فوكوياما خلال تلك الفترة مؤمنا بضرورة التخلص من الأنظمة الاستبدادية بالقوة خاصة في حالة الشرق الأوسط.
طرأت تحولات على مواقف وقناعات فوكوياما في نهاية عام 2003، حين تراجع عن دعمه لغزو العراق، ودعا إلى استقالة وزير الدفاع الامريكي في ذلك الوقت دونالد رامسفلد. وأعلن عن احتمال تصوبته ضد الرئيس بوش في انتخابات الرئاسة عام 2004، معتبرا أن الرئيس الأمريكي قد ارتكب أخطاء رئيسية ثلاثة ، هي: أولا، المبالغة في تصوير خطر التشدد الإسلامي على الولايات المتحدة. ثانيا، إساءة تقدير إدارة بوش لردود الفعل السلبية وازدياد مشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم. ثالثا، التفاؤل الزائد في إمكانية إحضار السلم إلى العراق من خلال الترويج لقيم الثقافة الغربية في العراق والشرق الاوسط بصورة عامة.
وقد عبر فوكوياما في مقالاته ومؤلفاته في السنوات الأخيرة عن قناعته بأن على الولايات المتحدة أن تستخدم القوة في ترويجها للديمقراطية، ولكن بالتوازي مع ما دبلوماسية ما اطلق عليه نموذج نيلسون الواقعي. حيث اعتبر إن استخدام القوة يجب أن يكون أخر الخيارات التي يتم اللجوء إليها ، وكنه ألمح إلى أن هذه الاستراتيجية تحتاج المزيد من الصبر والوقت. واعتبر أن التركيز على إصلاح التعليم ودعم مشاريع التنمية يمنحان سياسة الولايات المتحدة لنشر الديمقراطية أبعادا شرعية.
وقد تخلى فرانسيس فوكوياما صراحة عن ولائه وانتمائه لأفكار المحافظين الجدد في مقال نشرته المجلة التابعة لصحيفة نيويورك تايمز في عام 2006 مقارنا حركة المحافظين الجدد باللينينية. ونفى فوكوياما أن تكون الحرب العسكرية هي الإجابة الصحيحة على الحرب على الإرهاب. وأضاف أن معركة كسب عقول وقلوب المسلمين حول العالم هي المعركة الحقيقة.
في الحقيقة أن هناك على ضوء ما تقدم من يعتبر ان الفكر الحر «الليبرالي» الأمريكي توصل الى فهم جديد للحياة الدولية من بعد سقوط الاتحاد السوفيتي من على المسرح الدولي في عام 1991، فأخذ يدعو الى نظام عالمي تقوم دعائمه مرتكزة على دولة قوية مهيمنة لتحكم العالم ليس استنادا فقط الى قوتها العسكرية المفرطة، وقدرتها الاقتصادية الهائلة، وانما ارتكازا ايضا على نظامها السياسي الديمقراطي، الذي تعمل على تصديره الى غيرها من الدول ليكون نموذجا تقتدي به الأنظمة السياسية في العالم من خلال التزامها بالمبادئ القائمة في امريكا، باعتباره «القدوة» في الحياة الدولية المعاصرة. وعرف علماء السياسة الأمريكيون هذه الرؤية الإستراتيجية التي تنادي بها واشنطون بنظرية «الاستقرار الدولي تحت مظلة الهيمنة الامريكية». انظر مقالة رضا محمد لاري – 1 جنوري 2003
وهناك نماذج أخرى من الثقافة والأفكار المتصلة بالديمقراطية :
منها ان الديمقراطية الأميركية انطلقت من الروح التطوعية وقامت على أساسها.
هناك خبيرتان أمريكيتان تقولان إن التطوع جزء أساسي في الديمقراطية .
تقول المؤلفتان الأميركيتان كاثرين نويز وسوزان إليس في كتابهما "بالشعب" (By the People)، إن روح التطوع ما زالت حاسمة الأهمية للديمقراطية الناجحة.
ما زالت النشاطات المدنية التطوعية تشكل منذ فترة طويلة جانباً جديراً بالملاحظة في المجتمع الأميركي. فقد ساعد المتطوعون في تشكيل البلد وما زالوا يساهمون في رخائه. وتقول المؤلفتان، وهما خبيرتان في شؤون التطوع والنشاطات التطوعية، إنه كلما نشط عدد أكبر من المواطنين متطوعين، "كلما اقتربوا أكثر من تحويل مثل الديمقراطية إلى حقيقة واقعة."
تتضمن النشاطات التطوعية في أميركا نشاطات متنوعة الأهداف والأغراض كالخدمة في اللجان الأهلية المحلية، وجمع التبرعات المالية للقضايا التي تستحق المساعدة، والعمل على المحافظة على المعالم التاريخية، والخدمة في أطقم الإطفائية وسيارات الإسعاف، وقيادة مجموعات الشبيبة.
كان تأثير النشاطات التطوعية، في المؤسسات والنشاطات المهنية والاجتماعية الأميركية، جديراً بالملاحظة. وتقول إليس وكامبل إن التطوع "أسلوب لإنجاز هدف اجتماعي مشترك" تبنته بسرعة "كل موجة جديدة من المهاجرين."
وتشيران إلى أنه "كانت لدى جميع المستوطنين الأوروبيين في المستعمرات الأميركية الجديدة نفس الأولوية: البقاء على قيد الحياة. ... وكثيراً ما كان التعاون يعني الفرق بين الموت والحياة."
وكان على أبناء كل جالية جديدة، لتحقيق هذا التعاون، القيام بأدوار مختلفة متنوعة تتعلق بكل حاجة من الاحتياجات. وقد قاموا بتكييف المعتقدات والمؤسسات التي جلبوها معهم إلى نماذج جديدة. واكتشف المستوطنون أن هذه الخدمة المشتركة المتبادلة تؤدي إلى أكثر من مجرد توفير البقاء على قيد الحياة؛ وتقول الخبيرتان إن الجاليات اكتشفت أنها "توفر منافذ اجتماعية وتعزز الشعور بأن الأفراد ينتمون إلى مجموعة سكانية واحدة." وما لبث النظام الجديد أن أصبح صفة محددة للكثير من الحياة الأميركية.
وتشير الكاتبتان أيضاً إلى أنه نظراً إلى عدم وجود أنظمة حكم متنوعة متعددة، كان المتطوعون الأفراد، أو الجمعيات التطوعية، هم الذين يتولون أمر الكثير من أمور المجتمع. وأخذت المستوطنات، لدى نمو حجمها، تتبنى أشكالاً من أنظمة الحكم التي تعزز الروابط المشتركة بين أفرادها والتي تعتمد على الخدمات التي يقدمها الأفراد.
وكانت الكتب نادرة في تلك الأيام، فكان الناس يتشاركون في قراءة مجموعاتهم الشخصية من الكتب وكثيراً ما كانوا يتبرعون بها للجالية. وكثيراً ما كانت الوثائق التاريخية تضاف إلى مجموعات الكتب، فتبرز إلى الوجود نتيجة لذلك المكتبات والمتاحف المحلية. ومع ظهور المدن، تولت الحكومة في نهاية الأمر تقديم الكثير من الخدمات. ولكن المواطنين الأفراد هم الذين كانوا يقومون بها في بداية الأمر.
كما كان المتطوعون يقدمون خدمات في مجالات التربية والتعليم وإدارة الجريمة والاستجابة السريعة للطوارئ والصحف وتوزيع البريد ورعاية الفقراء.
وكانت العائلات تسافر معاً في مجموعات طلباً للأمان عندما بدأ ارتحال الأميركيين باتجاه الغرب نحو المناطق الجديدة. وكانت هذه "المجتمعات المتنقلة" توزع الأعمال بين أفرادها، بحيث كانت مساهمة كل فرد منهم مهمة لنجاح المجموعة ككل.
وظلت هذه الروح قائمة عند وصولهم إلى الأراضي الجديدة. وطور المستوطنون، أثناء تجربتهم أساليب جديدة في تنظيم مجتمعهم المحلي، "مجموعات قوانين ومبادئ حكم ديمقراطي" قائمة على أساس المساعدة المتبادلة والخدمة الفردية التطوعية، وهي القوانين والمبادئ التي تقول الكاتبتان إنها شكلت في ما بعد أساس دساتير الولايات. ومع نمو الولايات المتحدة، تشكلت مجموعات لمعالجة مشاكل جماعات المهاجرين حديثي الوصول.
وترتبط أسماء الكثير من الشخصيات المرموقة في التاريخ الأميركي بجهود تطوعية أو نشاطات خيرية. وبينهم بنجامن فرانكلن، الذي قام في القرن الثامن عشر بتأسيس واحدة من أوائل المكتبات الأميركية، وأول فريق إطفاء تطوعي وأول حديقة حيوان؛ وكلارا بارتون، التي عملت في ساحات المعارك لمساعدة الجنود الجرحى في الحرب الأهلية الأميركية ثم أنشأت جمعية الصليب الأحمر الأميركي، مضيفة خدمة المنكوبين في الكوارث إلى الخدمات التي كانت تقدمها جمعيات الصليب الأحمر الأوروبية؛ وجين آدمز، التي قامت "حركة منزل المستوطنة" (Settlement House Movement) التي أسستها في أواخر القرن التاسع عشر، بمعالجة مشاكل الفقراء في المدن وأدت إلى إصلاحات اجتماعية مهمة. وقد تم تخليد الدعم والمساعدة التي قدمتها قبائل الهنود الأميركيين إلى المستوطنين الأوائل في الكثير من تقاليد عيد الشكر الأميركي.
وهكذا تطورت أميركا، موحدة بين الكثير من التقاليد ومعالجةًَ التحديات الجديدة ومستخلصةً العبر من التعاون والعمل معا، في بيئة تشجع الابتكار ومساعدة كل شخص للآخر. وما زالت تمثل أفضل ما تعنيه المشاركة في مجتمع ديمقراطي.
ربما هناك اجماع او شبه اجماع لدى الكثير من الكتاب والباحثين العرب ومنهم في العراق ايضا من مثل المؤرخ العالم الدكتور سيار الجميل ، والمناضل الماركسي كاظم حبيب . اغلب دعاة الديمقراطيين العرب لا يشكون مطلقا ان الديمقراطية ستنتصر في نهاية المطاف ولا يوجد هناك سبب للافتراض بأن المستقبل سيجلب تغيرات تجعل أسس الديمقراطية غير ضرورية أو تتغلب بطريقة حاسمة على مواطن ضعف الديمقراطية واتجاهاتها غير الحكيمة، فإن المراحل الجديدة ستخلق حتما تحديات جديدة. وهذه المرحلة، مرحلة العولمة، لا تختلف عن غيرها. وقد جعلت الثورة الحالية في السفر والاتصالات العالم أصغر حجما وجلبت مشاهد وكلمات من جميع أنحاء العالم إلى أجهزة الحاسوب المكتبية والشخصية. وتكمن في ذلك ميزة ديمقراطية. فباستطاعتنا، بالضغط بضع مرات على فأرة الحاسوب، أن نتمتع بالوصول غير المسبوق إلى طائفة مذهلة من الآراء من مصادر متنوعة أصيلة حول قضايا الساعة الهامة. ويمكن لذلك أن يعزز النقاش السياسي وأن يشجع التسامح مع وجهات النظر المخالفة. ولكن ذلك ينطوي أيضا على خطر. فبفضل تكنولوجيا الاتصالات ذاتها أصبح من الأسهل أكثر من أي وقت مضى أن ينغمس الناس في تقديم التقارير والآراء بشكل يعزز الأفكار المسبقة والمحاباة الحزبية. ومن شأن ذلك أن يحدث استقطابا في السياسة وأن يؤجج محاربة الفكرة ذاتها للتنافس بين وجهتي نظر متنافستين.
لكنني وجدت ان نصيري الديمقراطية العراقية كاظم حبيب وسيار الجميل امتلكا فعلا امكانية فكرية عالية الدرجة رغم اختلافهما في الكثير من معطيات التطبيق الديمقراطي لمواجهة التحديات الكثيرة التي تقف عائقا امام انتصار الديمقراطية في العراق .
يقول كاظم حبيب :
(( حين قلت بأن الولولة والبكاء على عدم وجود الديمقراطية لا يجدينا نفعاً, لأن غياب الديمقراطية أمر واقع وقائم ومشخص من قبل الجميع. ولكن السؤال هو: كيف نوفر مستلزمات السير نحو الديمقراطية, سواء أطال الوقت الذي تحتاجه هذه المسيرة أم قصر؟ ثم يفترض فينا العمل من أجل إشاعة وتكريس فكرة الديمقراطية ومن ثم توفير مستلزمات ذلك, إذ أنها لن تأتينا بقدرة قادر ولا تنزل علينا من السماء مهما بذل الغرب من جهود في هذا السبيل, بل المفروض أن نعمل لتوفير مستلزمات نشوء الديمقراطية في بلداننا الشرقية, والتي هي عملية ثقيلة وطويلة ومعقدة ومليئة بالتضحيات, ولكن في مقدور الغرب بحضارته المعاصرة والعالمية, وبمقدور قوانين العولمة الموضوعية في حالة استيعابها والتعامل الواعي معها, أن تساهم كلها وتساعد في تعجيل المسيرة المنشودة صوب الديمقراطية وأن يقوم الغرب بدعمها وتنشيطها بصورة مباشرة أو غير مباشرة, ولكن ليس بالأساليب والطريقة التي يمارسها بوش في الوقت الحاضر, لأنها غير مجدية وغير فاعلة بالاتجاه الصحيح, إذ أنه ينطلق في واقع الأمر من أساس خاطئ يقوم على ثلاث قواعد, وهي:

• أن الولايات المتحدة هي المالكة للحرية وهي التي يفترض فيها أن تنشر الحرية في جميع أرجاء العالم, وهي الأمثل في ذلك, حتى أنها أفضل من أوروبا العتيقة.
• الانطلاق من مواقع قومية شوفينية ضيقة وقناعة بأن الأمريكي هو الأفضل والأحسن والأكثر قدرة على كل شيء بالمقارنة مع بقية البشر. وهي نظرة تذكرني بما لا أريد التذكير به. وهذا يرتبط أيضاً بحديثه عن القوات المسلحة أيضاً.
• إنه ينطلق من موقع ديني سلفي متزمت "انجليكاني" محافظ جداً يرى بأن الله منح الولايات المتحدة الأمريكية ومنحه بالذات مهمة ومسئولية إصلاح العالم ونشر الحرية فيها. إنه أمام مهمة دينية. ومن هنا بدأ المبشرون من الكنيسة الإنجليكانية يدخلون العراق ويسعون للتبشير التي أدت على موت الكثير منهم على أيدي قوى متزمتة مشابهة لها من المسلمين.
إن الإصابة بواحدة من هذه العلل كاف لخلق مشكلات كبيرة في العالم, فكيف إذا اجتمعت القواعد الثلاث في شخص واحد وفي دولة أعظم مثل الولايات المتحدة الأمريكية. )) .
أما الدكتور سيار الجميل فهو يرى :
((لا ديمقراطية في مجتمع غارق في التخلف ! انك لا يمكنك الرهان على تحول سريع لمجتمع غارق في التخلف .. انك لا يمكنك ان تمارس الشعارات وتصفق لها وباسمها تتحكم الاغلبية الدينية او الطائفية في مجتمع لا يعرف المؤسسات المدنية .. ان التغيير الاقتصادي وتغيير بنية المجتمع الاقتصادية لا ينفعان ابدا في خلق وعي اجتماعي وتنوير ديني .. المسألة ليست من البساطة بمكان .. ان المجتمعات الديمقراطية اليوم كانت قد مرّت بمخاضات عسيرة من التحولات ، وهي ليست بمجتمعات اسلامية ؟ ان المجتمعات الاسلامية اليوم يا عزيزي لا تعترف اصلا بالديمقراطية ولا تؤمن بها ، فكيف ستعمل بمبادئها ؟ واذا كانت بعض التجارب تزاوج بين الشورى والديمقراطية ولا تعد الديمقراطية الا مجرد صندوق انتخابي ومجالس شورى ، فهي دول تضحك على نفسها وعلى شعوبها .. فالمجتمع الديمقراطي لا يمكن ان يؤهل الا من خلال مؤسسات مدنية ودستور مدني صرف وتربويات مدنية واعلاميات مدنية لكي لا نضحك على ديننا وعلى مشايخنا وعلى مجتمعاتنا .. علينا ان نعلن لكل مجتمعاتنا بصراحة متناهية ان الدين لا يمكن توظيفه في الديمقراطية .. ولا يمكن للاحزاب الدينية ان تجّرب حظها في المسألة الديمقراطية ! وعلى الاعلام في الدولة الديمقراطية ان يكون مستقلا عن اي سلطة سياسية او دينية .. وعلى الانسان في المجتمع ان يكون حرا في خياراته كلها وافكاره ومبادئه .. فهل هناك ثمة دولة في العالم الاسلامي قاطبة لديها الشجاعة في ان تقول هذا للمجتمع ؟ اذا حدث ذلك وتقبله المجتمع عند ذاك استطيع القول ان مجتمعاتنا مؤهلة للديمقراطية من دون سفسطة او فلسفة وبلا لف ولا دوران .. )) .
الشيء الواضح في البلدان العربية جميعها هو كونها تعيش في ظل انظمة ليست ديمقراطية مهما ادعى حكامها او قادة احزابها الحاكمة فان واقع الحال إن جميع الدول العربية عاشت في ظل أنظمة دكتاتورية شمولية وغياب الديمقراطية الحقيقية.. و جميع الرؤساء العرب قاوموا بشدة الى حد ممارسة القمع البوليسي اليومي حرية الرأي.. ولهذا غدت التيارات الفكرية و السياسية أصبحت سطحية في بلادنا العربية.. ولا تبتعد التيارات السدحية عن غالبية الاحزاب السياسية في البلدان العربية : (( يمكننا القول إن صفة الديمقراطية لا يمكن اكتسابها بمجرد إضافة اللفظ والتشدق بالشعارات، وإنما هناك شروط موضوعية لاكتسابها. فهناك دولة وهناك دولة ديمقراطية، وهناك حزب وهناك حزب ديمقراطي، وهناك انتخابات وهناك انتخابات ديمقراطية، وهناك دستور وهناك دستور ديمقراطي، ولا بد لنا من فحص المضمون والتأكد من المنهج قبل أن نطلق صفة الديمقراطية أو نحجبها. - د. علي خليفة الكواري - )) .
يتبع



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة موسيقية
- مسامير جاسم المطير 1417
- تحية الى هيئة تحرير الحوار المتمدن
- مسامير جاسم المطير 1415
- مسامير جاسم المطير 1416
- افكار في الديمقراطية
- البنطلون رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ..!!
- مسامير جاسم المطير 1413
- مسامير جاسم المطير 1412
- الى الدكتور علي الدباغ مع التحية
- مسامير جاسم المطير 1406
- مسامير جاسم المطير 1407
- مسامير جاسم المطير 1405
- مسامير جاسم المطير 1404
- مسامير جاسم المطير 1403
- مسامير جاسم المطير 1402
- مسامير جاسم المطير 1400
- بمناسبة رحيل المناضلة نزيهة الدليمي
- كلمة
- مسامير جاسم المطير 1397


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - اراء في الديمقراطية