|
-التقرير-.. مسمار دُقَّ في نعش!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2124 - 2007 / 12 / 9 - 10:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
والآن، شَرَعْنا نراه على حقيقته العارية من الأوهام والأباطيل، من الخداع والتضليل، ومن النيَّات الحسنة، بوصفها، وفي عالم السياسة الواقعي على وجه الخصوص، أقصر الطرق إلى جهنم، فـ "أنابوليس" كان بالوناً، توفَّر الرئيس بوش، وهو في الهزيع الأخير من ليله السياسي، على مَلْئِه بالهواء، فَوُخِز بإبرة، فشرع هذا الهواء يَخْرُج منه.
و"الإبرة" إنَّما هي كناية عن "التقرير".. فأجهزة استخباراته، التي استخدمها، في أثناء الإعداد والتهيئة لغزو العراق، بما عاد عليها بضرر كبير، نجحت في الحصول على "معلومات جديدة"، أخْضَعَتْها، هذه المرة، لـ "تحليل أكثر عُمْقاً"، متوصِّلة، بالتالي، إلى ما يشبه "إبرة"، وَخَزَت بها، عن قصد أو عن غير قصد، "بالون بوش" في أنابوليس، فإيران، التي اتَّجَهَت نحوها رأس إبرة بوصلة السلام في أنابوليس، قد أوقفت، منذ 2003، سعيها المنظَّم و"السرِّي" لحيازة قنبلة نووية، وليس من وجود حتى الآن لـ "وقائع" يمكن أن يُسْتَنْتَج منها أنَّ إيران، بوصفها قوة نووية عسكرية، يمكن أن تغدو حقيقة واقعة عمَّا قريب، أي بعد بضعة أشهر، أو بضع سنوات.
إيران تمضي قُدُما، وتُظْهِر مزيدا من التصميم على المضي قُدُما، في "عملية تخصيب اليورانيوم"، مُعْلِنةً ومؤكِّدةً، في استمرار، أنَّها لن تنهي تلك العملية بصنع قنبلة نووية لأسباب عدة، منها أنَّها تَفْهَم تلك القنبلة على أنَّها سلاح ليس بـ "الحلال" إسلامياً؛ ولكنَّ إدارة الرئيس بوش ظلَّت مصرَّة على أن تقنع العالم بأنَّ "القنبلة النووية" هي "النيَّة الإيرانية الكبرى" الكامنة في "عملية تخصيب اليورانيوم". وقد حاول وزير الخارجية البلجيكي كاريل دي غوشت مساعدتها في ذلك، وفي الوقت الذي طعنتها استخباراتها بما يشبه "خنجر بروتوس"، فقال إنَّ كل عملية تخصيب اليورانيوم ليس لها من أهمية تُذْكَر إلاَّ إذا كانت جزءاً من عملية لصنع قنبلة نووية.. فعندما تملك طهران المواد الأساسية يصبح في مقدورها إنتاج السلاح النووي في الوقت الذي تشاء.
ولا شكَّ في أنَّ إصرار طهران، الذي شحنه "تقرير الاستخبارات" بمزيد الأسباب والدوافع، على المضي قُدُما في "عملية تخصيب اليورانيوم" يَحْمِل على الاعتقاد بأنَّ الإيرانيين يريدون أوَّلاً "امتلاك قدرة نووية مستقلة" على صنع السلاح النووي، ولو ظلوا مستمسكين بخيار "نَبْذ القنبلة النووية"، وكأنَّ هدفهم النهائي هو "التقدُّم الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي والعلمي.. بالطاقة النووية مع امتلاك القدرة على صنع السلاح النووي".
الرئيس بوش مع بعض من فريقه الحاكم كان يُعِدُّ العدة لآخر العلاج وهو الكي، أي الحرب، ساعياً في استنفاد سلاح "العقوبات الدولية" من خلال مجلس الأمن، فتوقُّعه كان أن تفشل هذه العقوبات، ولو شُدِّدت، في "نزع الوحشية" من "البرنامج النووي الإيراني"، فيحصل على ما يستطيع الحصول عليه من "شرعية دولية"، ومن تأييد داخلي وإقليمي، لضرب إيران؛ ولكن بما يجعل خياره العسكري هذا "مأمون العواقب (قدر الإمكان)".
والرئيس بوش لم يَفْهَم "أنابوليس" إلاَّ على أنَّه جزء لا يتجزأ من هذا المسار الإستراتيجي، وكأنَّ "بالون السلام" يُمْكِن أن يُنْجِح جهوده ومساعيه لشن حرب إقليمية جديدة، يريدها هو، وتريدها إسرائيل، أكثر مما تريدها الولايات المتحدة، التي أضعفت قوتها الدولية والإقليمية كثيراً إدارة الرئيس بوش إذ أوقعتها في "المستنقع العراقي".
"تقرير الاستخبارات" إنَّما يقول للرئيس بوش: ليس من سبب واقعي يدعو إلى حل أزمة البرنامج النووي الإيراني بالحرب، وليس لديه، بالتالي، من خيار غير الخيار الدبلوماسي مع ما يمكن أن يشتمل عليه من عقوبات دولية، ومن تشديد لهذه العقوبات.
ولقد فهمت إسرائيل "الرسالة"، أي "تقرير الاستخبارات" وعواقبه المحتملة، فوَخَزَت بإبرتها هي أيضاً "بالون بوش"، أو "بالون أنابوليس"، إذ أظَهَرَت حكومتها العزم على بناء 300 منزل جديد للمستوطنين في جبل أبو غنيم في منطقة القدس الشرقية، متنصلةً من التزاماتها بموجب "خريطة الطريق"، ومتحدِّيةً، بالتالي، الولايات المتحدة التي بموجب "وثيقة التفاهم" أصبحت "المراقِب" و"الحَكَم"، وكأنَّها أرادت أن تقول لـ "راعي أنابوليس": إنَّكم الآن، أي بعد صدور "التقرير"، في وضع لا يسمح لكم بمواجهة إيران في الطريقة التي تريدها وتحبِّذها إسرائيل، فَلِمَ يساعدكم الإسرائيليون في الإبقاء على "بالون أنابوليس" محتفظاً بكل ما أُدْخِل فيه من هواء؟!
إسرائيل كانت مستعدة لمساعدة إدارة الرئيس بوش بعد "أنابوليس" في إظهار أنَّ السلام مع الفلسطينيين والعرب يمكن أن يتحقَّق بعد، وبفضل، "أنابوليس"؛ لأنَّ لها مصلحة في أن تذلِّل العقبات من الطريق المؤدِّية، على ما توقَّعت وأرادت، إلى قيام تلك الإدارة بعمل عسكري كبير ضد إيران.
هذا التوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي في جبل أبو غنيم (هار حوما) هو اللغم الأوَّل الذي قرَّرت إسرائيل زرعه علانية في "طريق أنابوليس" إلى السلام، فإمَّا أن ينجح "المراقِب" و"الحَكَم" في نزعه من تلك الطريق وإمَّا أن يتركه ينفجر في عربة "مفاوضات الحل النهائي" التي توشك أن تنطلق.
لقد ضمَّت إسرائيل القدس الشرقية إليها، مؤكِّدة، غير مرة، أنَّها ستبقى جزءا لا يتجزأ من عاصمتها الأبدية، ثمَّ ضمَّت إلى هذا الذي ضمًَّته إليها جزءاً كبيراً من أراضي الضفة الغربية، ثمَّ قالت إنَّ هذا وذاك ليسا من الأراضي الفلسطينية المشمولة بالالتزامات الإسرائيلية بموجب "خريطة الطريق"، فهل يُسمح لإسرائيل بأن تبدأ "مفاوضات الحل النهائي" مع الفلسطينيين على هذا النحو؟!
في مجلس الأمن كان الاختبار الأوَّل لـ "راعي أنابوليس"، وفي جبل أو غنيم يكون الاختبار الأوَّل لـ "المراقِب" و"الحَكَم".
وأحسب أنَّ إدارة الرئيس بوش هي الآن في حالٍ تجعل كل من يريد اختبارها كمن يفهم السياسة على أنَّها "فنُّ تجريب المجرَّب"!
سفينتها تغرق؛ وها هي أجهزة استخبارات إدارة الرئيس بوش تقفز منها، وتتخلى عنه وتتحدَّاه؛ وها هي إسرائيل تدير له ولـ "أنابوليس" ظهرها؛ وها هي إيران تحتفل بنصر يدعى "عجز إدارة بوش عن شنِّ الحرب عليها"؛ وها هي روسيا تقول "سنحوِّل ضعفنا إلى قوة؛ لأننا في عالم لا يحب ولا يحترم الضعفاء"، ساعية إلى إقناع حلفاء الولايات المتحدة بأنَّ "تقرير الاستخبارات" يؤكِّد انتفاء الحاجة إلى نشر أجزاء من الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيك؛ وها هي المعارضة اللبنانية تغدو أقوى تفاوضيا وسياسيا، وها هو العراق يؤكِّد أنَّه المعبد الذي هدمه شمشون على رأسه.
إنَّ العاجز (أي الذي أعْجَز نفسه بنفسه إذ غزا العراق) عن ضرب إيران لن يتمكَّن أبدا من جعل "أنابوليس" طريقاً إلى السلام، ولن يبقى لديه من خيار إلاَّ أن يغادر البيت الأبيض، آخذاً معه الولايات المتحدة بوصفها "القوة العظمى في العالم"، فهو جعلها تؤمِن بأنَّ كل شيء بالحراب حتى أجْلَسَها، وجلَسَ معها، فوق الحراب!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعضٌ من جوانب صورة الكون في مرآة -النسبية-
-
حتى لا ينفجر -لغم أنابوليس- بالفلسطينيين!
-
رِفْقاً بحاويات القمامة!
-
كيف للسلام أن يَحْضُر في غياب -المفاوض العربي-؟!
-
بعضٌ مما سنراه ونسمعه اليوم!
-
قرار -قطع الشكِّ باليقين-!
-
مجلس نواب يُمثِّل 560 ألف مواطن لا غير!
-
يوم تكون -الوعود- كالعهن المنفوش!
-
الانتخابات معنى ومبنى!
-
هذا الخيار التفاوضي الجديد!
-
لا اعتراف بها بوصفها -دولة يهودية-!
-
الزهار في حضرة عرفات!
-
الكَوْن -المطَّاطي-!
-
-الثلاثون من شباط-.. ليس ب -سياسة-!
-
-انحناء الزمان المكان-.. بعيداً عن الميثولوجيا!
-
إشارات إلى -اختراق كبير-!
-
بلفور.. العربي!
-
في -الكوزمولوجيا- القرآنية
-
حتى ينجو الفلسطينيون من -مؤتمر الخريف-!
-
صورتنا كما نراها في -مرآتنا الانتخابية-!
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|