|
التجارة العربية في لندن
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 2123 - 2007 / 12 / 8 - 02:44
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
أو أهل البزنس
تمتاز أسواق انجلترا بكثرة (الدكاكين) والمتاجر الصغيرة التي يديرها الوافدون على البلد من أصول وألوان مختلفة. هذا التميز الانجليزي بين بلاد الغرب، تحوّل مع الزمن إلى سبّة وظاهرة تزيد من تشوّه عاصمة التيمز المليئة بالفخر والكبرياء. ذلك أن دولة عظمى مثل بريطانيا، لم تستطع ضبط الحدود والمعايير في التعامل مع الوافدين، لا من حيث (الكم) ولا من حيث (النوع) ، فالتبست الملامح والأصول في يوميات الحياة البريطانية. ان زائر لندن لا يجد حياة انجليزية في عاصمة بريطانيا قدر ما يجد هجنة وسيلانات متضاربة متماوجة على بعضها، من أحطّ المستويات. ومن الغريب، أن لا تحظى الظواهر الاجتماعية والثقافية هذه بأيما اهتمام ايجابي من أهل البلاد. بالنسبة للوافد الأجنبي، سيما الزائر (السائح)، يجد راحة وانشراح في وجود أسواق بني ملته وسلع محليّة في سوق غربي يبعد آلاف الأميال عن بلد المنشأ. ولكنه مع الأيام، يفقد هذا الشعور ويتحول إلى انتكاسة وخيبة وإحساس بالغبن والهزيمة الداخلية، من طبيعة هذه الدكاكين وطرق وأساليب التعامل والغش المعتمدة عليها، فيخرج حاسراً مهموماً وقد فقدت العاصمة البريطانية بهاءها في مخيلته وانتكس مرة أخرى من بني قومه، الذين افترض أن خياتهم في الغرب سيغير بعضاً من طبائعهم. * ميتروبوليتان.. بلا هوية تمثل هذه النظرة مفارقة كبيرة، بالقياس إلى بقية البلاد الأوربية، وإشكالية جدلية لمن يتصدى لتفسيرها أو وضع عناوين واضحة لها. تفخر بريطانيا بتميزها وتيمزها. التيمز نهر يشق لندن ولكنه يختلف عن أنهار العالم، أنه يتيم ومنعزل. انه يختلف عن نهر الدانوب الذي يربط غرب أوربا بشرقها وتقع عليه خمسة عشر عاصمة أوربية شهيرة. ويختلف عن النيل أو الفرات اللذين يربطان عدة بلدان وأقاليم جغرافية إلى بعضها في وحدة سكانية ثقافية. التيمز هو النهر الذي مخرته سفن الروم والفرنجة وفرقاطات ألمانيا لتدمير لندن من الداخل. على نهر التيمز تقع ساعة بكبن في باحة مبنى البرلمان، دالة أخرى تتميز بها انجلترا وتفرض توقيتها على زمن الكرة الأرضية. كانت وظيفة بكًبن هي تنبيه المندوبين إلى أوقات جلسات البرلمان، وضبط مواعيد الاجتماعات. ما الذي يميز انجلترا أو بريطانيا عن العالم؟.. هذا السؤال، محور مناقشة لفيف من كتاب بريطانيا الذين استفزتهم هشاشة الهوية البريطانية [British Identity]، فانتهوا إلى وضع قواسم مشتركة تجمع النسيج غير المتجانس للجماعات السكانية في بلدهم. النقاط الأخرى التي أضيفت هنا كذلك هي اللغة الانجليزية. ولكن اللغة الانجليزية تحديداً، تزيد من وطأة الأمر، وليس العكس. فهذه اللغة لا تعاني من المصادرة الأميركانية [Americanistic] فحسب، وانما من تمزقها الداخلي بين لهجات المملكة الرئيسية المتعددة [welsh, scotish, irish]، ناهيك عن لهجات كندا واستراليا والهند وباكستان والمستعمَرات الأفريقية السابقة. ويتندّر اللغويون اكثر من هذا، مشيرين إلى اختلاف لغة القصر الملكي عن اللغة الانجليزية السائدة في وسائل الاعلام والتأليف. هذه اللغة التي تبلورت عن اللاتينية وفرنسية والجيرمانية ما زالت تعاني من غزو شنيع وتمزقات عنيفة، تكاد تجردها من أمتيازها كلغة مستقة، إلى لغة متشظية بلا قواعد. لقد جرى ويجري حديث متزايد عن عالمية اللغة الانجليزية أو غيرها، ولكن ما يلفت الانتباه، أن مأساة أي لغة في العالم، هي التحدث بها من قبل غير الناطقين بها. مما يغير في لكناتها ومخارج أصواتها ويضيف إليها مع الوقت لهجات (dialect) هجينة. في هذا المجال تحاول المناهج البريطانية زيادة الاهتمام بتعليم اللغة حسب الطريقة الانجليزية أو البريطانية، وتجعل امتحان اللغة شريطة للحصول على الجنسية البريطانية. لكن أكثر من ظاهرة تفضح هوية المتحدث الأجنبي باللغة، كما أن ثمة جماعات ثقافية تفتقد آليات نطقها لمرونة كافية أو آليات تنسجم مع اللغة الغريبة. ومن الأمثلة البارزة هنا تحادث الصينين باللغة الانجليزية (ابتلاع بعض الأصوات)، أو الفرس بالالمانية (وأحيانا الفارسية) وعدم قدرتهم على التحرر من (جرّ) أواخر الحروف. ومنها عقدة الراء أو الخاء والحاء عند آخرين. الحقيقة التي لا يستطيع الانجليزي تصوّرها، أن اللغة الانجليزية لم تعد موجودة في كثير من شوارع وأحياء انجلترا، التي تسودها لهجات أجنبية محلية. ففي قطاعات سكنية وتجارية كثيرة (community/ close community) يجري تداول لهجات ولغات أجنبية آسيوية في الغالب. شاب يعمل في التنظيف من مارسيليا يقول أنه تعلّم اللغة العربية في لندن، أكثر من شخص تعلموا اللغة الباكستانية أو الهندية. أعداد متزايدة من الانجليز والأميركان يتعلمون لغات أجنبية آسيوية من بينها العربية لأسباب مختلفة. يكفي أن تعمل في مطعم أو متجر أجنبي بضعة شهور لتعلم لغة جديدة. لغات العربية والباكستانية والبنغالية والهندية والأوردو والايطالية والصينية واليونانية والفرنسية والصومالية والبولونية والألمانية لغات قومية شائعة في الشارع البريطاني، والباب مفتوحة لانتشارها ودخول غيرها. وبالنتيجة يجد الانجليزي نفسه مضطراً لتعلم اللغة الأجنبية السائدة في سكناه أو عمله، ليتحاشى غدرهم وخداعهم. أخيرا.. يضيف (John Oakland) عائلة التاج الملكي البريطاني إلى قائمة الرموز الانجليزية والبريطانية المجسّدة للهوية البريطانية، كقاعدة أساس للبرتش سفليزيشن. * النظرة البريطانية للانسان والمدنية تمتح التربية البريطانية من فلسفة خلقية عميقة وواسعة، تنظر للبشر نظرة عالية تفترض فيه فيه درجة من الاكتمال والمسؤولية والجدارة. وهو وفق هذا الأساس جدير بالثقة والمؤاخاة والمساعدة. هذه الرؤية المثالية للمجتمع الانساني هي التي جعلت بريطانيا دولة بلا دستور، مكتفية لذلك بال [Common Low]. قانون الثقة هذا هو الذي شكّل ثغرة تسللت خلالها تجمعات متفاوتة النوعية من بلاد يحكمها الجوع والعسف، لتجد لها منفَذاً ونفوذاً على ضفاف التيمز. ولعب (الغرور والأعتداد) الانجليزي دوره في عدم التنازل أو التراجع عن (قانون الثقة) هذا في التعامل مع الآخر، للدرجة التي جعلت النماذج السيئة تطرد النماذج الجيدة من السوق والمراكز. في هذا المجال، تعرضت المدن الانجليزية الرئيسة إلى إزاحات سالبة، بين المركز والأطراف، خلال العقدين الأخيرين. وحسب شهود عيان، فأن صورة الشارع اللندني تغيرت بدرجة حادة منذ التسعينيات حتى اليوم. وهو ما جعل الانجليز والمقيمين القدماء إلى نقل مراكز سكناهم وعملهم بعيداً عن مركز المدينة الذي تحوّل بالتدريج إلى سلاسل من مطاعم ومقاهي وفنادق متلاصقة وأسواق تجارية سريعة الحركة، ترطن بلهجات ولغات عديدة، وتسودها سحنات وسلوكيات غريبة. لا تتنكر بريطانيا لتاريخها، وهي من البلاد القليلة في أوربا من يتحدث عن تاريخها وضعفاتها القومية بتلك الجرأة والشجاعة والثقة. ثمة بلاد وشعوب كثيرة تتنكر لأصولها وتدّعي أنها أنزلت منذ بدء الخليقة قطعة واحدة بلغتها وعقليتها، وهي لذلك فوق مستوى الشك والشبهات أو الدراسة والمناقشة، وهي، لا غيرها، من لها السيادة على الأرض واستعباد الآخرين. هذه الجرأة في الاعتراف بتاريخها ومشاحناته، هو ما دفع بعض الجاليات الأجنبية المتضخمة في البلاد، للانتقاص من هوية البلد الأصلي، ومحاولة تحديه أو الانتقام منه، كما حصل في تفجيرات الساع من يوليو من مسلمين باكستانيين. وهو ما دفع البلاد إلى حملة إجراءات مشدّدة ضد الوافدين عامة. بعبارة أخرى، أن النظرة الانجليزية، أو البريطانية السامية للكائن الانساني، لم تصدف من يفهمها أو يقيمها حق قيمتها ويستفيد منها ويعتبر بها في حياته وثقافته وتعاملاته الجديدة في الحياة. وانما صادفت سوء الفهم والمستويات المتدنية من التفكير والمحدودية الثقافية، التي وجدت فيها فرصة للابتزاز والاستئثار. * قواعد الهجرة البريطانية من المتعارَف سابقاً، أن هناك شروط محددة للهجرة إلى بعض أجزاء مملكة التاج البريطاني، مثل استراليا وكندا ونيوزيلندا. وهي قواعد تحصر الوافدين في أصناف معينة من البشر، ومستويات محددة من الامكانيات والقدرات الذهنية والمادية. وهي بوادر رؤية لبناء مجتمعات استيطانية تتمتع بملامح انتقائية ومؤهلات جديرة ومميزة عن القياسات السائدة. لكن انفجار موجات اللجوء والهجرة عقب سقوط المعسكر الاشتراكي وانتشار العنف المحلي والحروب الاقليمية، وضع العالم الغربي أمام مواجهة استثنائية، في مدى قدرتها الدمغرافية على احتضان ورعاية موجات سكانية وأثنية مختلفة وكبيرة الحجم. ومع رفض دول كثيرة قبل المزيد، زادت الضغوط الدولية على الدول الأخرى المحددة للهجرة واللجوء حسب مقاسات خاصة، ومنها بريطانيا. وهكذا أضيفت أعداد سكانية كثيرة لنفوس بريطانيا وتوابعها، وبشكل، تجاوز الحدود المعروفة أو الخاضعة للسيطرة كما في ألمانيا وهولنده والنمسا وسويسرا، إلى حالة أقرب للانفلات السكاني. وجاءت مواصفات الاتحاد الأوربي ومعاهدة شنغن لفتح الحدود لتسهيل نقل المهاجرين غير الشرعيين من حدود البحر المتوسط وشرقي أوربا إلى أعماق جزر بريطانيا. كان لظروف الحياة والتسهيلات القانونية والاجتماعية غير المحدودة في انجلترا أثر في اجتذاب الهجرات المتزايدة من خارج الاتحاد الأوربي أولا، ومن داخل الاتحاد الأوربي لاحقاً للمقيمين في دول الاتحاد التي تتيح انتقال مواطنيها داخل دول الاتحاد.
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مندَم
-
بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ
-
مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات
-
الجغرافيا ليست وطناً واللغة لا تعني أمة!..
-
المرأة الكردية بين التطور العلماني والتطرف السلفي
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|