أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟















المزيد.....

التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 655 - 2003 / 11 / 17 - 04:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


من المفترض أن يتركز النقد الأساسي لقرار التجمع الوطني الديمقراطي المشاركة في "الانتخابات النيابية" على آلية صنع القرار في التجمع لا  في المقام الأول  على مضمون القرار ذاته. ومردّ ذلك أن الديمقراطية، محور هوية التجمع السياسية، هي أولاً صفة لآلية صنع القرار ولصيغ النقاش والمداولة التي تتمخض عنها التوجهات السياسية الهامة والخطوات التنفيذية لترجمتها. فالحزب أو التنظيم الديمقراطي هو الذي يمارس المداولة الديمقراطية كروتين وتخضع قرارته لآليات ديمقراطية مستقرة، وليس ذلك الذي يتحدث عن الديمقراطية أكثر من غيره. والآليات الديمقراطية هي أولاً النقاش العلني الصريح والعام ثم الشفافية، وليست إلا في المقام الأخير التصويت الحر وإصدار القرار بالأكثرية أو بالإجماع وفقاً للقاعدة المتفق عليها. وينبع تقديم آليات صنع القرار على مضمون القرار من حقيقة أن الناس يشاركون في تحمل المسئولية عما يشاركون في صنعه خلافاً لما يكون عليه الحال عندما تتخذ القرارات في غيابهم أو من خلف ظهورهم. وقد يكون الأهم من ذلك في بلادنا هو الحاجة العامة إلى التدرب على المداولة الديمقراطية واستئناف مسار التعلم السياسي الذي انقطع منذ عقود مديدة؛ وثمرة التدرب والتعلم هي اكتساب الأهلية على فهم وإدارة العمل العام والتفاعل بين الناس، أي التمرس بالمواطنة الفاعلة. ولا شك أن عبارة صنع القرار (بدلا من اتخاذه) تترجم أهمية وتعقيد هذه العملية أولا، وجماعيتها ثانيا، ووزن التدبُّر والتركيب فيها ثالثاً، ولزوم آلات وآليات خاصة بها أخيراً. بهذا المعنى يكون القرار الصحيح هو القرار الديمقراطي، ومن المرجح أن يكون القرار غير الديمقراطي من حيث آليات صنعه قرارا خاطئا من حيث حصيلته العملية. (هل القرار الديمقراطي صنعاً هو قرار عقلاني بالضرورة؟ من المستحسن أن نسلم بذلك في بلادنا التي لا تشكو من افتئات المداولة الديمقراطية على ما قد يحتاجه القرار من تخصص وخبرات نوعية).
لم يكن قرار التجمع مسبوقاً بنقاش داخلي واسع، سواء في أوساط أحزابه أو في أوساط الطيف الديمقراطي السوري الذي تصدّر مكوّنُه اللاحزبي النشاطَ العام، سياسيا ومعنويا، خلال العامين الأخيرين. لم يكن الأمر كذلك قبل اتخاذ القرار فحسب، بل استمر غياب النقاش حتى بعده، رغم أن النقاش هو بالفعل الجانب الأهم من معنى "العملية السياسية" التي سوّغ التجمع مشاركته بضرورة الخوض فيها (تصريح الناطق الرسمي في 7/9/2002). فلم يجر تقديم ورقة عمل مفصلة أو موجزة تطرح المسائل الأساسية للمشاركة ومبرراتها ومعناها السياسي وآثارها على الحركة الديمقراطية، وتحاول سبر المزاج الشعبي حيالها، وتحدد الدور السياسي الحقيقي لـ "مجلس الشعب"، وتوازن بين المشاركة وعدمها وتقلّب النظر في الثمار التي تترتب على أي من الخيارين؛ أي باختصار تضع على الطاولة جملة المسائل التي ترفع من مستوى العقلانية في تحديد الخيار النهائي. ولم تعقد طاولة مستديرة حقيقية (وليست مستطيلة تكرر صيغة منتدى الأتاسي لكن على نطاق أصغر حجما: محاضرة ثم تعقيبات ..)، تُمكّن من طرح وجهات النظر المتباينة أو تتيح للمشاركين توضيح أفكارهم لأنفسهم وغيرهم. ولم يوجه التجمع ولا أي من أحزابه رسالة لأعضائه يسألهم رأيهم حول المسألة، أو على الأقل يبلغهم بها ويطلب تعليقاتهم. ولم يخصص إصدار من "الموقف الديمقراطي" لتقديم عدد من التصورات المختلفة حول القضية موضوع القرار. ولم يستشر أي من المثقفين السوريين في داخل البلاد أو خارجها لتقديم أفكارهم واقتراحاتهم حول الأمر. ولم يسع أحد لمحاولة مناقشة تجارب المشاركة والمقاطعة المغربية أو البحرانية .. ووجوه تماثل واختلاف البلدين عن الوضع السوري الراهن.
كان من شأن اتباع هذه الإجراءات أو أية مجموعة منها أن تنشط التفكير وتوسع قاعدة المداولة الديمقراطية وتقنع أنصار التجمع أنهم ناشطون فاعلون لا رعايا ينتظر منهم أن يجددوا البيعة لأي قرار يصدف أن تتخذه قياداتهم. كان من شأنه أيضا أن يمنح التجمع صدقية سياسية وأخلاقية، وأن يكون مناسبة لـ "عملية سياسية" عينها على الشعب وليس على جهاز فوقي من أجهزة نزع السياسة منه.
لا يبدو أياً من الإجراءات المشار إليها مكلفا ماديا أو أمنيا أو سياسيا، بل إنها نافذة ممتازة ومجانية لفرص الدعاية والظهور والتميز الشرعي يمنحها التجمع لنفسه. فإذا لم تخطر مع ذلك ببال قيادة التجمع فلأنها على الأرجح أسيرة حالة تثبّت نفسي متأصل، تتطابق فيها السياسة ومؤسسات السلطة، بقدر ما تمنع (حالة التثبت هذه) من اكتشاف السياسة في استمزاج الشعب أو محاورة المثقفين الديمقراطيين أو حتى تنشيط النقاش الداخلي في صفوف أحزاب التجمع. كأن التجمع لا "يقبض" نفسه سياسيا إلا بقدر ما يقترب من مؤسسات السلطة، وهي المؤسسات التي يقوم ركن أساسي من توجهه بالذات على أنها تقصي الشعب من السياسة. هذا النوع من التثبت غير الواعي هو الذي يحد من خيال قيادات التجمع ويضيق من أفقها ويدفعها إلى مراكمة هدر فرص العمل الديمقراطي المثمر. ولعل ما لهذا التثبت من قوة الغريزة ما يجعلها، أي قيادات التجمع، منيعة على النقد، هانئة في نزعة محافظة عميقة لا تكف، مع ذلك، عن ترديد مونولوج التغيير.
أعراض الأزمة
يجب أن يكون المرء بهلوانا حتى يرى في المشاركة في انتخابات مؤهلة لأحد الأجهزة الفوقية المساهمة في تجريد الشعب من السياسة "جزءا من السعي لإعادة السياسة إلى المجتمع وللمساهمة في صنع التغيير من تحت" (مقالة منشورة في "أخبار الشرق" 26/10/2002 تحت عنوان "بين الوهم والحقيقة .. من يكسر قوس الكسعي؟"). ويجب أن يكون المرء بهلوانا أيضا لكي يستطيع أن يمنح نفسه الوهم أنه، بالمشاركة إياها، يتأهب لخوض "معارك من أجل استعادة حيوية الشارع .. وكسر جدار الخوف والصمت .." قبل أن يصل حد الإعجاز فيقدم "قرابين وتضحيات" لا من حساب غيره فحسب، بل من حساب من يعلم حق العلم رأيهم في معاركه. ليس غير البهلوان ينجح في خلط رشيق كهذا بين فوق وتحت، ويدفع ثمن نضاله من تضحيات غيره (رياض الترك وحبيب عيسى)، قبل أن يكشف من موقعه على "طريق التغيير الديمقراطي السلمي غير المفروشة بالورود" الأوهام "الثوروية" للواقفين على عتبة الانتظار!
لكن البهلوانية مجرد عرض من أعراض أزمة التجمع الوطني الديمقراطي، ليست سببها ولا جوهرها. بل إن القرار الفج بالمشاركة في "الانتخابات" هو مجرد مناسبة لتفجر أزمة تعتمل عناصرها منذ التسعينات، أي منذ أن خف القمع المباشر الذي تبين أنه كان حلا وأن تراجعه هو المشكلة.
إن جوهر أزمة المعارضة، والتجمع إطارها المنظم الوحيد، ليس ناجما عن نواقص وعيها واختلالات عملها مهما تكن كبيرة أو صغيرة حتى لو لم يتجل إلا عبر هذه النواقص والاختلالات. الأصل في أزمة المعارضة السورية هو أزمة السياسة في سورية، أي مصادرة حق الشعب في التكون كفاعل سياسي حر قادر على إنتاج تمثيل سياسي ذاتي، وفي الجذر من هذا الزوال السياسي للشعب، حامل الإرادة العامة، ثمة سيرورة مديدة من تدهور الاجتماعية والعمومية الوطنية (ما يسميه برهان غليون أزمة الوطنية السورية). وتشرف على حسن سير التدهور هذا أجهزةٌ قمعية وإيديولوجية و"شعبية" تتكفل بحراسة غياب الشعب أو زواله كفاعل سياسي.
إذا صح هذا التحليل فإنه تنبني عليه نتيجتان تخصان مناقشتنا. النتيجة الأولى هي أن الرهان الأول للعمل العام اليوم هو استعادة العمومية الوطنية ورتق النسيج الاجتماعي المفتوق. وهذا يتطلب العمل على مستوى قاعدي لتنشيط الانتظام الاجتماعي الذاتي، وحفز روح المبادرة المستقلة والتدخل في الميدان العام، والمساعدة على تنمية روح التعاون والثقة والتواصل بين الناس، وإزالة الأحكام المسبقة بين مختلف الفئات الاجتماعية، وبالطبع عدم المساهمة في "حروب القيم" تحت عناوين الحداثة والتقليد وما شابهها أو العمل على تهدئتها، وتوسيع أرضيات التفاهم بين عناصر المتحد الوطني. وهذا يتطلب التحرر من ذهنية الوصاية على الحركة الشعبية والتخلي عن المنظور "التطبيقي"، أعني تحويل المبادرات الشعبية إلى "منظمات شعبية" ملحقة بأحزاب تمنح نفسها دورا قياديا غير قابل للاختبار. في هذا السياق لا شك أن ما يتداول من كلام عن محاولة أطراف من التجمع إلحاق العدد الضئيل من المنابر وأطر الانتظام المستقل الموجودة يسيئ إلى المبادرة الشعبية، ويُعيد الناس إلى السلبية، وهو ينم دائما عن داء تكسب سياسي عضال. ويجب ألا يكون مفاجئاً رصدُ التكامل الطبيعي بين إرادة الهيمنة على منابع المبادرة والحيوية القاعدية، سواء كانت منتدى للحوار أم جمعية حقوقية أم تظاهرة شعبية، وبين إرادة الانخراط في مؤسسات هيمنية لا ديمقراطية. فالنزعة الإلحاقية هناك تتعرف في النزعة الالتحاقية هنا على مكمّلها الطبيعي، تماما كما يشكل مجلس الشعب مكمّلا طبيعياً للمنظمات الشعبية وفقا للقدوة البعثية. إن الإلحاق والإلتحاق وجهان لسياسة لا ديمقراطية واحدة.
النتيجة الثانية للتحليل السابق هي أن أجهزة الحكم الحالية لا تعكس إنتاج المجتمع للتمثيل بل خطط واستراتيجيات الجهات المتحكمة بصنابير التمثيل وقنواته، وأن المشاركة فيها هي بمثابة جريان في مجاري التحكم و"انحواء" في أجهزة احتواء التمثيل الاجتماعي. بعبارة أخرى، تعني هذه المشاركة الانخراط في استراتيجية ومشروع نظام السيطرة القائم بدلا من بناء استراتيجية ومشروع تحرر ديمقراطي. وبالملموس، لن تضمن المشاركة للتجمع أن يمثل "جماهيره" بل أن يمثل ما تريد له الجهات النافذة في النظام السياسي أن يمثل: تجلّْ جديد لنفاذ إرادتها في الهيمنة والتوسع والإخضاع. وبالنظر إلى ثبات هياكل الهيمنة وتكاملها البنيوي والوظيفي، فإن المشاركة في مجلس الشعب لا تختلف، من حيث المبدأ والجوهر، عن الدخول في الجبهة الوطنية التقدمية. فكما أن الجبهة ليست مقر التعدد السياسي فإن مجلس الشعب ليس مقر التمثيل الاجتماعي. لا يغفل عن رؤية هذه الحقائق إلا من غلبه هواه.
بيد أن القول إن أزمة التجمع وجه من وجوه أزمة السياسة والاجتماع الوطني السوري لا يعني أن التجمع لا يمكن أن يكون عاملا مؤثرا في مفاقمة الأزمة أو تخفيفها. إذ يمكن لوعي جذور الأزمة السياسية الوطنية أن يساعد على بلورة البرامج والستراتيجيات الناجعة لوضعها تحت السيطرة، بينما لاجدال أن انعدام الوعي بها يقود إلى تفاقمها، وقد يلعب دورا في انفجارها خارج السياسة وضدها. هنا يأتي دور التجمع والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والثقافيين الآخرين في إطار الطيف الديمقراطي السوري. وهنا في الحقيقة يبرز بعد مهمل من أبعاد أزمة المعارضة السورية، بل أزمة السياسة في سورية، أعني البعد الفكري. فالحاجة ماسة اليوم، بعد تدهور الوظائف التفسيرية والبرنامجية والتعبوية والقيمية للعقيدتين الشيوعية والقومية، إلى تجديد حاسم في مفاهيمنا ومناهجنا ونظمنا الفكرية إن شئنا الحفاظ على أهدافنا في التحرر والمساواة والنهضة. وبالعكس فإن الجمود على نظم فكر متخشبة سيقود بمنطقه الطبيعي إلى خذلان تلك الأهداف بالذات. ببساطة لم تعد قيم التغيير والحرية والتضامن الوطني والقومي تستطيع السكن في تلك الهياكل المتخشبة. وأكثر من أي وقت سابق أضحى التجديد الفكري والمعنوي حاسما لإحياء قيم الحرية. ويجب أن يكون بديهيا بالمقابل أن ثمة تكامل عضوي بين التكلس الفكري ونظم الاستبداد.
يفسر التخثر الفكري العام جانبا من تخبط سياسات التجمع، بما في ذلك قرار "خوض معركة الانتخابات". فالإيديولوجيات الجامدة لا تسعف صناع القرار بأدوات مناسبة للتحليل ورسم السياسات، الأمر الذي يفتح الباب للارتجال ويجعل العامل الحاسم في توجيه التفكير السياسي هو ما نسميه البرمجة الذاتية أو الضمنية لإيديولوجيات الفاعلين. فهذه الإيديولوجيات مبرمجة، بحكم سجلها التاريخي الفعلي إن لم يكن بحكم تكوينها الذاتي، على إنتاج المؤسسات الهيمنية أو التكيف معها أو الانخراط فيها، وعلى التعالي على الجمهور وتوجيهه وقيادته والتفضل عليه ب "خوض جميع المعارك" باسمه .. للدخول في أجهزة امتيازية وغير ديمقراطية. ومن الطبيعي أن لا تنتج هذه الإيديولوجيات المحجوبة عن النقد والمراجعة إلا ما برمجت عليه، ما هو مدون في غريزتها السياسية. أهمية العمل الفكري تتمثل هنا في فك البرمجة الاستبدادية وإخراج الغرائز اللاديمقراطية إلى نور الوعي.
معارضة عميقة لا معارضة عنيفة
يحلو لبعض كاشفي الأوهام أن يطلقوا على المعارضين الديمقراطيين المنسجمين تعابير من نوع الثورويين أو أصحاب الرؤوس الحامية أو دعاة العنترية. يجب أن يكون هذا مفهوما في إطارنا السوري الراهن حيث الصراع الإيديولوجي على الواقعية والعقلانية ورشق الخصوم بنقائضهما المذكورة هو صراع سياسي ووجه أساسي للصراع السياسي. ومن الوسائل المجربة في كل صراع سياسي وإيديولوجي تصوير الخصم بصورة كاريكاتيرية لكي "يطير من نفخة واحدة".
لكن لعل بعضهم يبالغ في تسهيل الأمر على نفسه حين يصور الذين "يكسرون قوسهم على طريقة الكسعي" (الله وحده يعلم أي ندم يدفعهم إلى كسر أقواسهم!) بأنهم يعتبرون "النضال السلمي من أجل الإصلاح والتغيير الديمقراطي" وهماً. مهلا! لم يدع كاسرو قوسهم هؤلاء يوما إلى معارضة غير سلمية أوعنيفة، مادياً أو رمزياً. ما دعوا إليه وما مارسوه، بالأحرى، هو عمل ديمقراطي تأسيسي منفتح على قيم الحرية والنهوض الوطني والمبادرة الشعبية. ليست المعارضة الديمقراطية مشدودة إلى رفع السقف السياسي إلا بقدر ما أن ارتفاع السقف شرط موضوعي لتوسيع القاعدة الاجتماعية للعمل العام (والعكس صحيح: لا يرتفع سقف بناء الديمقراطية الوطنية إلا بقدر ما تتسع قاعدته). بعبارة أقرب إلى غرض كاشف الأوهام الثوروية: لا ننتقد التجمع لأنه لا يتحدى السلطة بل لأنه لا يوسع ميادين عمله الاجتماعي ولا يجدد في وسائل اتصاله (ليس هناك مثلا موقع انترنت للتجمع ولا يبدو في الوارد) ولا يبادر إلى الدفاع عن "قرابينه وتضحياته" ولا يبادر إلى إطلاق نقاش عام حول القضايا الوطنية؛ لا بل إنه يسهم في تفريغ أطر النشاط المتاحة من مضمونها الديمقراطي القاعدي كما أشرنا.
لا شك بالطبع أن رفع السقف السياسي، أي خلخلة المحرمات السياسية وكسر جدران الخوف والصمت (وقد نسبه كاشف الأوهام الثوروية إلى سياق نضالي يفضي إلى .. "مجلس الشعب") من أولويات عمل المعارضة، بل مبرر وجودها المباشر. لكن "أزمة الوطنية السورية" تقتضي من المعارضة الديمقراطية إيلاء أهمية حاسمة للعمل التأسيسي، الاجتماعي والفكري والحقوقي والقيمي، إلى جانب العمل السياسي المرتكز على قضايا السلطة والحريات.
يعكس ازدواج عمل المعارضة هذا خصائص الاجتماع الوطني السوري حيث يتبادل تفكك الاجتماعية و"تغوّل" السلطة التأسيس، وحيث يمر إحياء الاجتماعية بالضرورة عبر ترويض السلطة والسيطرة عليها اجتماعياً. وكلما تقدمنا على الصعيد التأسيسي، وكلما تقدم مجتمعنا على طريق تحقيق اجتماعيته وحسم قيمه الأساسية ودونها في مؤسساته، أمكن للأحزاب السياسية أن تكرس قدرا أكبر من جهودها للسياسة بمعنى التنافس على السلطة.
يقود غياب البعد التأسيسي للعمل الديمقراطي إلى انحطاط البعد السياسي بالذات. والتوجهات الأخيرة للتجمع مثال ساطع على تدهور البعد السياسي المعزول عن عمقه التأسيسي لمصلحة ما كان يمكن للمرحوم ياسين الحافظ أن يسميه ممارسة سياسوية: سياسة بلا عمق وبلا رؤية وبلا أفق.
__________
1 تشرين الثاني 2002 

 



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رياض سيف والإصلاح السوري
- الفلسطيني الذي فجّر الهويات
- السلطة و... التوبة
- السياسة المبدئية والسلطة والدستور
- الاستبداد والطغيان تأملات سياسية
- المكاسب العالمية من المساواة
- سورية وعراق ما بعد صدام: التفاعلات الإيديولوجية لسقوط نظام ا ...
- سورية وعراق ما بعد صدام: الآثار الجيوسياسية للسيطرة الأمريكي ...
- انفصال الأكراد هو الحل
- ما وراء حرب البترول الثالثة
- الحرب الأمريكية والديمقراطية العراقية
- حوار مع خطـاب الرئيـس بشار الأسد
- الشارع ليس في الشارع
- أزمـة الـحـركـة الـديـمـوقـراطـيـة الـسـوريـة ومـسـتـقـبـلـه ...
- الأبعاد الإقليمية للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط
- نهاية عصر الحكام الأقوياء في المشرق العربي
- حصة العرب من المستقبل تقاس بمقدار حصتهم من بناء داخل خاص ب ...
- عصر تنظيمات- أمريكي؟
- المسألة العربية: دم ودموع وبترول
- وعي الذات في عالم يصنعه الغير


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التجمع الوطني الديمقراطي .. إلى أين؟