قامت الدول العربية الحديثة بعد فترة من الاحتلال الأجنبي أو ضمن امتدادات الدولة العثمانية مع الهيمنة الغربية القريبة من الاحتلال، وفي حالات قليلة لم يكن ثمة احتلال أجنبي مباشر وإن كان تأثيره قويا، وساهمت هذه الحالة في تشكيل الدول العربية وفي أنظمة تولي الحكم وانتقال السلطة، ويسهل القول إجمالا أن تداول السلطة في الوطن العربي قائم على حكم عائلي أو فردي وأن الديمقراطية التي هبت على العالم لم تغير فيه كثيرا، ولكن قراءة واقع السلطة في الوطن العربي تقدم مؤشرات من أهمها.
كان حكم الأسر والعائلات هو السائد المتبع في الدول العربية كما كان الأمر عليه طوال التاريخ وما زال هذا الوضع قائما في ثمانية دول عربية هي دول الخليج الست (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان) والأردن والمغرب، وكان نظام الحكم ملكيا في مصر حتى عام 1952 وفي ليبيا حتى عام 1969 وفي العراق حتى عام 1958 وفي اليمن حتى عام 1962 وبدأ جمهوريا منذ الاستقلال في سورية ولبنان والجزائر وتونسوالسودان وموريتانيا والصومال وجيبوتي.
ولكن الأنظمة الجمهورية تشهد ظاهرة جديدة وهي الاتجاه إلى انتقال السلطة من الرؤساء إلى أبنائهم، وقد طبق ذلك بالفعل في سورية، بل وعدل الدستور السوري في جلسة عقدت بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد مباشرة ليتيح لابنه بشار تولي الرئاسة، إذ يشترط الدستور ألا يقل عمر الرئيس عن أربعين سنة، ويبدو الوضع مرشحا للتكرار في اليمن ومصر وليبيا.
لم يمنع النظام الوراثي في انتقال السلطة حدوث حالات عزل وعنف وقوة رافقت الانتقال كما حدث في الأردن عام 1952 عندما أعفي الملك طلال من منصبه، وفي السعودية عام 1964 عندما عزل الملك فيصل أخاه الملك سعود وفي عمان عام 1970 عندما عزل السلطان قابوس أباه سعيد، وفي قطر عام 1972 عندما عزل الشيخ خليفة بن حمد سلفه وابن عمه الشيخ أحمد بن علي وفي عام 1995 عندما عزل الشيخ حمد بن خليفة أباه، وفي حالات السعودية وقطر وعمان كان ولي العهد هو الذي يقود عملية العزل أو الانقلاب السياسي، ويقترب من هذه الحالات ما حدث في الأردن عام 1999 عندما عزل الملك حسين ولي عهده وأخاه الأمير حسن لينقل ولاية العهد إلى ابنه عبد الله وذلك قبيل وفاته بأيام قليلة، وحدثت حالات عنف قتل فيها الملوك وإن لم يغير ذلك من نظام انتقال السلطة كما حدث في الأردن عام 1951 عندما اغتيل الملك عبد الله وفي السعودية وعندما اغتيل الملك فيصل عام 1975.
عرفت الانقلابات في الوطن العربي أول مرة عام 1949 في سورية على يد حسني الزعيم الذي كان رئيس أركان الجيش السوري ثم توالت الانقلابات في سورية والدول العربية الأخرى ، فقد وقع انقلاب في مصر عام 1952 أنهى حكم أسرة محمد علي الذي بدأ عام 1805، وفي العراق أنهى انقلاب عسكري عام 1958 حكم الهاشميين الذي بدأ في العراق منذ عام 1918 وفي اليمن عام 1962 الذي أنهى حكم الأئمة الزيديين بعد أكثر من اربعمائة وخمسين عاما من الحكم.
لم يكن للبرلمانات إن وجدت أثر مهم في علمية انتقال السلطة سوى تقديم الغطاء الدستوري في بعض الأحيان كما حدث في سورية عام 2000 وفي الأردن عام 1952 عندما أعفي الملك طلال من الحكم لأسباب صحية، وفي تونس عام 1987 عندما أعفي الرئيس بورقيبة من منصبه لأسباب صحية.
في الدول التي حكمها حزب واحد كما في العراق وسورية واليمن الجنوبي (1967 ـ 1990 ) ومصر وتونس لعبت الصراعات الداخلية بين مراكز القوى في الحزب أو مؤسسات الحكم دورا في انتقال السلطة أو التوازن بين مراكز القوى، ولكن الأحزاب تحولت أيضا إلى مؤسسة فرد واحد وانتهى صراع مراكز القوى لأنها لم تعد موجودة، حدث هذا في مصر أوائل السبعينيات، وفي العراق أواخر السبعينيات، وفي سورية أوائل السبعينيات، ولم تعد الأحزاب القائمة حتى وهي أحزاب حاكمة تؤدي دورا حقيقيا في تنظيم انتقال السلطة. وإذا بقيت هذه الحالة قائمة في دول الحزب والجمهوريات فإنها ستؤسس لعائلات حاكمة تتحول إلى ملكية، وهكذا فإن الدول العربية تتجه إلى الحالة السابقة للجمهوريات لتعود ملكية من جديد، والواقع أن تجربة الجمهوريات في تطبيقها الفعلي في الدول العربية جعلت تهمة الرجعية والاستبداد التي كانت تطلق على الدول الملكية تبدو مضحكة وغير واقعية.
شهدت أنظمة الحكم العربية استقرارا ورسوخا، وانتهت ظاهرة الصراع الدموي والعنيف على السلطة، وتوقفت تقريبا الانقلابات العسكرية حيث لم تشهد حقبة السبعينيات والثمانينيات أي انقلاب عسكري إلا ما كان في السودان من انقلاب عبد الرحمن سوار الذهب الذى ترك السلطة بعد عام واحد للمدنيين ليضرب مثلا مميزا للعسكري غير الطامع بالسلطة او مغرياتها وبعده انقلاب عمر البشير وكانا انقلابين أبيضين، ونفس الأمر ينطبق على قدوم زين العابدين إلى السلطة في تونس حيث عرف انقلابه بالانقلاب الطبي لأنه أزاح بورقيبة لأسباب طبية. ظل الحبيب بورقيبة على رأس السلطة في تونس طيلة ثلاثين عاماً (1957-1987) إلى أن تدهورت حالته الصحية، فانتقلت السلطة إلى الوزير الأول (رئيس الوزراء) زين العابدين بن علي الذي استطاع الحصول على تقرير طبي من سبعة من كبار الأطباء التونسيين يؤكد إصابة بورقيبة بأمراض الشيخوخة وعدم قدرته من الناحية الذهنية على إدارة شؤون الحكم.
وفي الثاني من أبريل/ نيسان 1989 أجريت انتخابات نيابية ورئاسية فاز فيها زين العابدين بن علي بمنصب رئيس البلاد. في 20 مارس/ آذار 1994 أعيد انتخاب بن علي بعد انتخابات برلمانية ورئاسية، في 24 أكتوبر/تشرين 1999 أعيد انتخاب بن علي في انتخابات شارك فيها للمرة الأولى مرشحون آخرون غيره، كما فازت المعارضة بـ 20 % من مقاعد البرلمان البالغة 182، وفازت النساء بـ 21 مقعداً.
وكانت الصراعات التي حدثت في اليمن الجنوبي عام 1986 سببا مهما في نهاية نظام الحكم فيها والانضمام إلى اليمن الشمالي، وكانت التغييرات في الأنظمة الملكية أسبق من الجمهوريات في الرسوخ والاستقرار وفي هدوء عمليات التغيير والعزل، كما حدث في الأردن عام 1952 وفي السعودية عام 1964 وفي عمان عام 1970 وفي قطر عامي 1972 و 1995. وحدثت عمليات اغتيال لبعض الحكام العرب ولكنها لم تغير من نظام الحكم ولا عمليات انتقال السلطة، كما حدث في الأردن عام 1951 عندما اغتيل الملك عبد الله، وفي السعودية عام 1975 عندما قتل الملك فيصل، وفي مصر عام 1981 عندما قتل الرئيس أنور السادات.
كانت مصر جزءا من الدولة الإسلامية منذ الفتح الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وقد قامت دول مستقلة في مصر مثل الإخشيديين والطوليين والفاطميين، وكانت مصر مركز الدولة الأيوبية والمملوكية، وفي عام 1517 أصبحت جزءا من الدولة العثمانية، وبقي الحكم الفعلي فيها بيد المماليك، وفي عام 1805 عين محمد علي واليا للدولة العثمانية في مصر الذي أسس دولة مستقلة تتبع اسميا للدولة العثمانية وبقي الحكم في أسرة محمد علي حتى قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 التي أجبرت الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه الطفل أحمد فؤاد الثاني ثم ألغيت الملكية عام 1953 واختير اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية، وفي عام 1954 نحي نجيب ليحل مكانه جمال عبد الناصر الذي كان الحاكم الفعلي منذ قيام الثورة عام 1952 و بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 انتقلت السلطة سلميا إلى نائبه محمد أنور السادات وبعد اغتيال السادات عام 1981 على يد مجموعة من الجيش المصري فقد انتقلت السلطة سلميا لنائبة محمد حسني مبارك. الذي جددت له الرئاسة في استفتاء شعبي كل خمس سنوات منذ عام 1982.
اربعة عشر حاكما عربيا تم اغتيالهم خلال اربعين عاما للفترة من 1951 لغاية 1991 بداً بعبدالله بن الحسين 1951 وانتهاءاً بمحمد بو ضياف في الجزائر عام 1991.
1951-الأردن - عبد الله بن الحسين
1958-العراق - فيصل الثاني
1966- العراق - عبد السلام عارف
1969- الصومال - عبد الرشيد شرمايكه
1970- سلطنة عمان - سعيد بن تيمور
1975- المملكة العربية السعودية - فيصل بن عبد العزيز آل سعود
1977 -اليمن - إبراهيم الحمدي
1978-اليمن- أحمد الغشمي
1978-جزر القمر- علي صويلح
1981- مصر-محمد أنور السادات
1982-لبنان-بشير الجميل
1989-لبنان-رينيه معوض
1989- جزر القمر- أحمد عبد الله
1991- الجزائر- محمد بو ضياف
ثلاثون انقلاباً عسكريا خلال اربعة وثلاثين عاماً للفترة من 1952 لغاية 1986.
فؤاد شهاب ضد بشارة الخوري في لبنان 1952.
محمد نجيب ضد الملك فاروق في مصر 1952.
مامون الكزبري ضد اديب الشيشكلي في سورية 1954.
شكري القوتلي ضد هاشم الاناسي في سورية 1955.
جمال عبد الناصر ضد محمد نجيب في مصر 1956.
فؤاد شهاب ضد كميل شمعون في لبنان 1958.
عبد الكريم قاسم ضد فيصل الثاني في العراق 1958.
ابراهيم عبود ضد اسماعيل الازهري في السودان 1958.
عبدالله السلال ضد محمد البدر في اليمن 1962.
لؤي الاتاسى ضد ناظم الاتاسى في سورية 1963.
محمد امين الحافظ ضد لؤي الاتاسى في سورية 1963.
احمد بن بيلا ضد فرحات عباس في الجزائر 1963.
عبد السلام عارف ضد عبد الكريم قاسم في العراق 1963.
هواري بو مدين ضد احمد بن بيلا في الجزائر 1965.
نور الدين مصطفى الاتاسى ضد محمد امين الحافظ في سورية 1966.
عبد الكريم الارياني ضد عبد الله السلال في اليمن 1967.
جعفر النميري ضد الصادق المهدي في السودان 1969.
معمر القذافي ضد محمد ادريس السنوسى في ليبيا 1969.
احمد الحسن الخطيب ضد نور الدين الاتاسى في سورية 1970.
حافظ الاسد ضد احمد الحسن الخطيب في سورية 1971.
ابراهيم الحمدي ضد عبد الكريم الارياني في اليمن 1974.
الياس سركيس ضد سليمان فرنجية في لبنان 1976.
احمد الغشمي ضد أبراهيم الحمدي في اليمن 1977.
مصطفى ولد سالك ضد مختار ولد دادة في مورتيانيا 1978 .
علي ناصر محمد ضد سالم ربيع علي في اليمن 1978.
محمد ولد لولي ضد مصطفى ولد السالك في مورتيانيا 1979.
محمد خونة ولد هيدالة ضد محمد ولد لولي في مورتيانيا 1980.
معاوية سيدى الطايع ضد محمد خونة ولد هيدالة في مورتانيا 1984.
عبد الرحمن سوار الذهب ضد جعفر النميري في السودان 1985.
- عمر البشير ضد الصادق المهدي في السودان 1986.
ولكن هل يعبر هذا الوضع في الأنظمة العربية عن رضا وقبول شعبي؟ أو مشاركة عامة والتزام بعقد اجتماعي يحظى بأغلبية أو إجماع؟
إن معظم الرؤساء العرب يغطيهم في السلطة انتخابات شعبية أو استفتاءات كانت نتيجتها تقترب من المائة بالمائة من المواطنين، ، ولم تسجل طعون ولا مخالفات دستورية أو قانونية ولا حوادث عنف وإكراه رافقت عمليات انتخاب الرؤساء العرب أو الاستفتاء عليهم، وهكذا فإنهم وفق المعايير الديمقراطية يمتلكون شرعية تفوق رئيس أي دولة في الغرب الديمقراطي . . فإلى أي مدى يبدو هذا الكلام مقنعا؟
يتضح في ختام الاستعراض لكيفية انتقال السلطة من حاكم إلى آخر في الوطن العربي غلبة طابع الانقلابات العسكرية والسياسية والافتقاد إلى آليات ديمقراطية تضبط تداول السلطة بشكل سلمي وتوسع دائرة المشاركة السياسية. وهذا الانحسار السلطوي في يد فئة محددة يطرح تساؤلا مهما حول قضية الشرعية السياسية ومصدرها للعديد من الأنظمة العربية.