أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية















المزيد.....

الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2118 - 2007 / 12 / 3 - 11:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بعيدا عن أن يدشن عهدا من الديمقراطية في العالم العربي، أفضى الاحتلال الأميركي للعراق بالأحرى إلى انطواء زمن هيمنة الفكرة الديمقراطية في وعي المثقفين والناشطين السياسيين العرب. بالمقابل اندفع إلى صدارة الاهتمام العام شاغلان جديدان. يتصل الأول بواقعة الاحتلال ذاتها وسياسة الهيمنة الأميركية التي يندرج الاحتلال ضمنها، فيما يتصل الشاغل الثاني ببنية مجتمعاتنا المشرقية والملفات غير المعالجة وغير المحلولة المتعلقة باندماجها الوطني، ومنها مشكلات قديمة جدا تتصل بالدين الإسلامي والانقسام السني الشيعي. وهي ملفات فاقمها الطغيان الأهوج المديد بدل أن يعمد إلى معالجتها.
لوقت وجيز بعد الاحتلال الأميركي للعراق كان بدا أن أفقا من التغيرات الإصلاحية الديمقراطية ينفتح في العالم العربي. سلوك حكومات عربية (مصر وسورية ودول خليجية) وخطاباتها المعلنة بالذات كان يبث هذا الانطباع. وبدا كذلك أن الحركات الديمقراطية القديمة نسبيا والمقموعة في البلدان العربية مستفيدة من هذا الإضعاف الخارجي لنظم حكم تسلطية. وطوال عامين أو ثلاثة قبيل احتلال العراق وبعده أثير نقاش واسع عما إذا كان ممكنا تغيير أنظمة كتيمة كهذه من الداخل. وفي دمشق بالذات ألقى صحفي لبناني معروف محاضرة في عام 2004 قال فيها إن التغيير لا يأتي إلا من الخارج.
بيد أن مزيجا من تخطيط أميركي لعراق المستقبل متمركز حول الإثنية وعدم احترام سفيه للشعب "المحرّر" تجلى في صورة فاجرة في سجن أبو غريب، ثم التفجر غير المحتوم للمجتمع العراقي نتيجة هذه السياسة التي لم تبرأ من بعد انتقامي، هذا المزيج أزاح التفكير بالإصلاح والديمقراطية إلى الهامش لا في العراق وحده، بل وفي البلدان العربية الأخرى. والإصلاحات الشحيحة التي كانت بادرت إليها بعض النظم المشرقية أو وعدت بها سرعان ما سحبت من التداول مع تكشف وتفاقم تخبط الأميركيين في العراق.
وستقع الديمقراطية ضحية اقتران مشؤوم مع الاحتلال والحرب الطائفية في عين أوسع قطاعات الجمهور المتابع للأقنية الفضائية في البلدان العربية. وستحرص حكومات عربية على ترسيخ هذا المنعكس الشرطي، ولسان حالها يقول إما نحن أو الفوضى والحرب الأهلية. فيما لن يجدي نفعا تأكيد الديمقراطيين الصادق أنهم لم ينتظروا إدارة بوش للعمل من أجل الديمقراطية في بلدانهم. فقد كانت منظماتهم مقموعة وهامشية ولا تكاد تكون مسموعة الصوت. فيما طرقت الديمقراطية أسماع الجمهور العام بالارتباط مع الغزو الأميركي للعراق، والضغوط التي مورست على بلدان عربية متعددة طوال أربعة سنوات وأكثر بعد 11 أيلول 2001. لذلك حين ارتدت الموجة الأميركية العالية سحبت معها إلى البحر دعاوي الديمقراطيين المحليين الخافتة. هذا غير منصف، لكن الإنصاف لا يوجه السياسة إن لم تؤازره قوة كافية.
وعليه يصح القول إن جولة في العمل الديمقراطي قد خُسرت، وإن نصيب الفكرة الديمقراطية في المساهمة في التغيير السياسي المرغوب في بلداننا أضحى مشروطا بتغيرها هي ذاتها، أعني باستيعابها أوضاعا ومطالب لم تكن تنشغل بها سابقا، وبالتحديد مطلبي الاستقلال والاندماج الوطنيين. لقد خسرت الديمقراطية ما بدا طوال ربع قرن أنها تتمتع به من طاقة هيمنية كامنة. وقد تجسدت هذه الخسارة واقعيا في انكفاء حركتي "كفاية" في مصر و"إعلان دمشق" في سورية.
لكن في الوقت نفسه ظهر تعارض قوي بين الشاغلين الذين فرضا نفسهما على الاهتمام العام إثر الاحتلال الأميركي. فمن يمنحون الأولوية لمقاومة الاحتلال لا يبدون اهتماما بتماسك دولهم واستقرار مجتمعاتهم ولا يبدو أنهم مهتمون بذلك، إن لم نقل إنهم قوى تفجير لها. في العراق هذا واضح جدا. لكن ما يماثله مع اختلاف في الدرجة موجود في فلسطين، وكذلك في لبنان. بالمقابل لا يبدو أنه ثمة قوى معنية بترقية الاندماج الوطني الذي كان تهلهله سهل الاحتلال الأميركي وفتح الباب أمام الاصطراع العراقي، وأن غاية ما يطلب لتفادي مزيد من الانفراط الوطني هو بقاء النظم التسلطية ونسيان مطالب التغيير. وكان لتنامي القلق من مخاطر عدم الاستقرار الداخلي دور كبير في إضعاف مطالب التغيير في سورية، ورفع سعر الاستقرار والمالكين والمسوقين له، أي النظام الحاكم.
ولا يتكثف تباعد مطلبي المقاومة والاندماج في شيء أكثر من أن الأولى ستستقر في أيدي الإسلاميين الذين يصدرون عن مفهوم للدولة والمجتمع والمقاومة لا يبالي بالاندماج الوطني، في حين أن النظم الاستبدادية وحدها هي من يعرض صيغة (لا سياسية) للاندماج، "الوحدة الوطنية"، التي لا تعني إلا تفككا وطنيا مع وقف التنفيذ. وهكذا سينفصم واقع العرب ووعيهم في المشرق بين دين ودولة متصارعين فيما بينهما، ومتأزمين كل على حدة.
يطرح هذا الواقع تحديا عسيرا لا نرى فرصة لنشوء موجة ديمقراطية جديدة دون الاضطلاع به: توحيد مطلبي الاندماج الوطني ومقاومة السيطرة الخارجية، ما يعني بناء الأمة السيدة والمستقلة ضد الطوائف والعشائر من جهة، وضد أية هيمنة خارجية محتملة. ما يعني أيضا العودة إلى مهمات "قومية" ، لكن على مستوى دولنا القائمة. فبعد عقود من البلاغة القومية العربية تكشفت هذه الدول خرعة، هشة، متضخمة جهازيا بقدر ما هي ضامرة الشخصية. وليس غير التوظيف السياسي والمادي والثقافي في هذه الدول يضمن تدارك تلك المهمات التي أنجزت في معظم بلدان العالم الأخرى.
هذا يضفي على المطلب الديمقراطي تعقيدا وعمقا لم يعد يمكن تجاهلهما. طوال أكثر من ربع قرن من هيمنة الفكرة الديمقراطية بدا أن دولنا القائمة أطر طبيعية لها، وكانت عبارات مثل التحول نحو الديمقراطية أو الانتقال إلى الديمقراطية تدل بحد ذاتها على أن العملية هذه غير إشكالية. هناك نظم استبدادية، وضدها هناك قوى ومطالب ديمقراطية.. وهذا هو كل شيء. والحال لا يبدو هذه مقنعا بعد العراق. لا ترتد مشكلتنا السياسية اليوم إلى الاستبداد وحده. هناك من جهة مخاطر انتقاص شديد من سيادتها الخارجية، وهناك من جهة أخرى مخاطر انهيار الدول كمؤسسات حكم وككيانات سياسية في آن معا، وتاليا إغراق المجتمعات في لفوضى والنزاعات الأهلية.
وهناك بلا شك استبداد يسوغ نفسه مرة بمواجهة المخاطر الخارجية، ومرة بضمان السلم الأهلي. هو فاشل في المهمتين، معا كما أظهر نظام صدام الذي لا يمثل إلا درجة أعلى من العشوائية والطغيان قياسا للنظم العربية الأخرى. بيد أنه ما من متحدٍّ ذي صدقية قادر على مواجهة الاستبداد ومؤهل للاضطلاع بوجهي عملية بناء الأمة. ولعل هذا أساس الاستبدادية العربية اليوم. فمن منظور تاريخي، الاستبداد هو المخرج من معضلات لا تتوفر سبل حلها.
جملة هذه التطورات تدفع إلى إعادة تصور التحول الديمقراطي كاستقلال ثان، كبناء للأمة أو الدولة - الأمة، بما يتيح لبلداننا إعادة كسب الاستقلال الأول بعد أن فرط به الطغيان الأرعن، وسلّمه للأميركيين أو للطوائف.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيب على تعقيب سلامة كيله.. نكوص إيديولوجي للماركسية السوري ...
- في -المسألة العربية- والديمقراطية وبناء الأمة
- النظام العربي: من امتناع الحلول إلى إمكانية التحلل
- حول بعض تناقضات عملية بناء الأمة في سورية
- الإخوان المسلمون بين مرونة السياسة وتشدد المذهب
- إسرائيل والمشكلة الإسرائيلية و..المشكلة العربية
- نظام ثلاثة مارقين أو أربعة: من أين تأتي العدالة؟
- وضعيةُ معاصَرةٍ: من النبي محمد إلى المثقف المعاصر
- في توازي التفكك الوطني وانقسام الطيف الحداثي في سورية
- العلمانية كوعي ذاتي لدنيوية الدولة
- في إيديولوجية المواجهة ووظيفتها ومآلاتها
- في نقد الردح والردح الذاتي
- حوار شخصي وصريح مع إسلامي سوري في شؤون الإسلام والحرية والعق ...
- في النموذج الإخواني وتناقض الإسلامية المعاصرة
- نحو إعادة هيكلة الدور الإقليمي لسورية
- خواطر مرسلة في شأن السياسة والثقافة
- في أن الليبرالية الاقتصادية سياسة الجيل البعثي الثالث
- في أصول المشكلة الثقافية العربية وجوهرها
- في أزمة الهيمنة ومصير العروبة في سورية
- قضية محمد حجازي وحرية الاعتقاد الديني


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الاحتلال الأميركي للعراق ونهاية الحقبة الديمقراطية العربية