|
بين زهور زيني ووقفة حداد نيومان
احمد العبيدلي
الحوار المتمدن-العدد: 107 - 2002 / 4 / 20 - 10:51
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
يبدو أن السبب الذي أخذ به السفير الامريكي نيومان حين دعا حفل روتاري العدلية في البحرين للوقوف حداداً علي الإسرائيليين هو الإقتناع بأن الحداد علي الأبرياء الذين تزهق أرواحهم من الجانبين هو أقل ما يجب أن يدين به المرء للإنسانية الجامعة، وهو ما ورد في الإنترنت نقلاُ عن السفير لتفسير موقفه. وإن صح هذا الخبر فهذا يشير إلي عدم اتضاح الصورة لديه بعد. حيث أنه إذا كان هذا المبدأ هو ما يسير عليه سفراء امريكا ومندوبوها فكيف يمكن تفسير ما يقومون به ومن بينهم الجنرال زيني حين يحملون الورود لوضعها علي مواقع الإنفجارات في داخل إسرائيل تضامناً معها وتحية لمن ذهب في الحادث. وبالمقابل لا يذكر المشاهد العربي إصراراً مشابهاً لإبداء الواجب نفسه تجاه ضحايا الفلسطينيين من جراء العنف الإسرائيلي. علي أن الأمر أخذ منحي مختلفاً في البحرين. فحين تظاهر الناس هناك، والمظاهرات مستمرة حتي اليوم، لم يخرجوا فقط لأجل دعم القضية الفلسطينية وإنما خرجوا أيضاً لتأكيد حقهم الجوهري في التعبير عن آرائهم. وهكذا وعلي نحو لم يسبق له مثيل صهر الشعب البحريني في أيام قليلة وبقوة بين شؤونه الداخلية وبين مسألة الوقوف إلي جانب الشعب الفلسطيني ـ وهو أمر لم يغب أبداً من الأجندة السياسية البحرينية في العقود الستة الأخيرة. وشكل حادث السفير الامريكي الشرارة التي أدت إلي قيام مظاهرات صاخبة توجهت إلي السفارة الامريكية إحتجاجاً وأدي الأمر إلي استشهاد محمد جمعة الشاخوري برصاص مطاطي (والذي لا أعرف لماذا يسمي بالمطاطي مادام قاتلاً). وتطور الأحداث بسرعة لتضع الأمور كلها في بوتقة الهاجس البحريني المستمر منذ أعوام وبالذات منذ بدأت ثمار عمل حثيث استمر لعقود من السنين تأتي بثمارها الأولي. أظهر سكان تلك الجزر أن حقوقهم الديمقراطية المنتزعة انتزاعاً تشكل أفضل الأجواء للتعبير عن آرائهم وأنها تمثل بدايات طفيفة لمسيرة ستستمر طويلاً طالماً أصرت الدولة علي تجاهل أن تعطي للبحريني ما يستحقه وما يعيشه أي مواطن في البلاد المتحضرة وتحديداً في الغرب: من الدنمارك لامريكا ومن سويســــرا لبريطانيا. هذا ما يريده المواطن البحريني وما بات غيــر مستعـــــد للقبول بأقل منه. فهو دافع ضرائب بشكل غير مباشر، وعلي حكومته أن تكون مسؤولة أمامـــه ولــــيس العكس. شكلت المظاهرات والرد الحكومي منطلقاً لموقف القوي السياسية في البحرين والذي عبرت عنه في بيان حمل مطالب ثمانية أهمها التأكيد علي مبادئ المسيرات والتظاهرات الشعبية وبحق المواطن في التظاهر والتجمع والتعبير عن رأيه واحتجاجه بالوسائل السلمية الشرعية التي نص عليها الدستور كمرجعية دستورية وميثاق العمل الوطني ومقاومة كل من يهدف إلي حرف هذه المسيرات عن أهدافها الوطنية والقومية باستخدام العنف والتخريب للممتلكات العامة والخاصة. وكذلك طلب تشكيل لجنة قانونية محايدة للتحقيق في أسباب وظروف استشهاد المواطن الشاخوري. وتقديم الجناة للعدالة لتأخذ العدالة مجراها. وتميزت مطالبة جمعية حقوق الإنسان في البحرين بجلاء رؤيتها، إذ أشارت بشكوكها في تكليف وزارة الداخلية بالتحقيق لأنها: وهي الجهة المتهمة في استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وهي المسؤولة أيضا عن العديد من حالات الوفاة بين المتظاهرين في سنوات سابقة وأشارت الجمعية إلي أن جميع وسائل الإعلام المحلية لم تشر الي مسيرة التشييع ... ولا إلي بيان الجمعيات السياسية، وهذا يضيف مثالا آخر حول هيمنة الحكومة علي وسائل الإعلام ونفوذ الجهات الأمنية وتأثير ذلك علي حرية التعبير. وبناء علي قضايا سابقة لمواطنين أصيبوا أو فقدوا حياتهم نتيجة لاستخدام أجهزة الأمن للقوة المفرطة ضد المتظاهرين وانتهت إلي القول ولضمان اتخاذ الاجراءات بشكل مقنع ومتوافق مع المقاييس الدولية، فان المنظمة البحرينية لحقوق الإنسان تزمع إعداد ملف حول القضية لتقديمه الي لجنة حقوق الإنسان في جنيف، والي مقرر الامم المتحدة الخاص بالقتل خارج القضاء ودعوته للاتصال بالحكومة وتقديم طلب لزيـــارة البحرين . هذه كلها تطورات فلسطينية ـ بحرينية. وإذا كان البحرينيون قد قدموا أول شهيد عربي من أجل الإنتفاضة فلربما توجب النظر إليه علي أنه شهيد للديمقراطية الحقة في الدول العربية، ولكيفية سقوط نظريات واعتقادات تربو علي الألف عام حول علاقة المواطن مع دولته وكيف يجب أن يتعامل مع حكومته. فأفضل ما يقدمه البحرينيون لفلسطين هو التخلص من مزيد من القيود وتحقيق حريات أكبر لأنفسهـــــم، لأنهم بذلك يجعلون نفسهم قادرين دوماً علي تقديــــم ما يريدون في الوقت المناسب وبالطريقة التـــي يريدون. بهذا فقط يمكن بروز مجتمع حي بخلاياه قادر علي تحويل رغباته في الدعم والمساعدة إلي خطوات عملية. المواطن المكبل لا يستطيع إلا أن يناشد ويستعطف بذل، ويعيش حياة سوداوية إزاء عدم تحقق مطالبه. يبقي القول أن المفارقة أنه إذ تتصرف الشرطة بمدنية وبرقي في بريطانيا وامريكا إزاء المظاهرات المناهضة للإجتياح الإسرائيلي، بل وعملت الشرطة البريطانية علي ضمان أمن المتظاهرين من مخاطر المرور، تَبرَع قوات الشرطة في عديد من الدول العربية في استخدام الهراوات والسيارات المصفحة والرصاص القاتل. ووسط ذلك يجب أن يحافظ البحرينيون علي رقي مظاهراتهم، وسلميتها واحترامها للملكيات الخاص. ويجب وعلي نحو خاص الوعي لعدم الإنجرار إلي أية أساليب عنيفة، أو إلي مهاجمة الممتلكات الخاصة. ممارسة الديمقراطية بمسؤولية ومطالبة السلطات أيضاً أن تتصرف برقي ومسؤولية. هذه مسألة تسير في اتجاهين. وإذا كانت هناك إجراءات لمواجهة أية خروقات من جانب المواطنين، فيجب أن تكون هناك قوانين وخطوات عملية تضبط السلطة وتحدد عقوبات خروجها بدورها علي القوانين. وأول تلك الخطوات ضمان التحقيق المستقل وجعل الكل متساوين أمام القانون من الشرطي الذي أطلق النار إلي الوزيــــر الذي أعطاه الأمر باستخدام السلاح في مواجهة المظاهرات. ويبقي الموقف من امريكا في وقت يصعب فيه الحديث عنها. فأساس أحداث البحرين هو موقف السفير الامريكي الخاطئ، بل الموقف الامريكي الذي لا يخفي أنحيازه لأسرائيل علي مدي عقود. ومع ذلك لا يجب الوقوع في مهاجمة كل ما هو أمريكي خبط عشواء: نحن مع الشعب الامريكي ومع ديمقراطيته ومع كل ما هو جيد وصحيح وجميل في الحضارة الامريكية ومع كلما هو مفيد لنا. ولكننا ضد كلما نراه خاطئاً. قبل ما ينوف علي القرنين ثار الامريكيون ضد الإنكليز ونالوا استقلالهم. ولكنهم لم يثوروا ضد الديمقراطية في بريطانيا ولا كانت إيجابيات بريطانيا موقع جدل بالنسبة لهم. وهكذا يقفون اليوم في مقدمة الدول الديمقراطية. وكذلك فعل الهنود حين ثاروا ضد الإنكليز، واليوم تنتصب الهند، أفضل بكثير من غالبية الدول العربية ولربما أفضل منها كلها في ممارساتها الديمقراطية. ولكن الرسالة وصلت من البحرين: الحريات تأخذ واحدة واحدة، وتثبّت خطوة بخطوة. وهي لا تسقط من السماء ولا توهب. وما يأتي بسرعة يذهب بمثلها. المهم فقط التخلص من الغشاوات علي العيون ومن الأوهام في العقول. والرسالة وصلت إلي العرب. من يود أن يدعم فلسطين فليغتنم هذه المناسبة لانتزاع حرياته الديمقراطية
جريدة القدس العربي
#احمد_العبيدلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
-
حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
-
وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض
...
-
أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير
...
-
ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|