أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - صلاح بدرالدين - الموقف العربي الرسمي من الفدرالية في العراق بين الآمس واليوم - الآردن نموذجاً















المزيد.....


الموقف العربي الرسمي من الفدرالية في العراق بين الآمس واليوم - الآردن نموذجاً


صلاح بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 654 - 2003 / 11 / 16 - 04:48
المحور: القضية الكردية
    


  من اللآفت ومنذ فترة توجه المواقف الرسمية العربية بمناسبة أو بدون مناسبة نحو التركيز مرة اخرى على – شرور الفدرالية – والتخوف المصطنع من تقسيم العراق وان الفدرالية ستقود الى انفصال الاكراد . وكان العراق قد تعافى من جميع مشاكله : الاحتلال ، اعادة الاعمار ، بناء الدولة والمؤسسات ، اعادة تشكيل الجيش وقوى الآمن الداخلي ، وضع الدستور ، اجراء الانتخابات ، اقامة الحكومة الشرعية ، ولم يبق هناك سوى مسألة الفدرالية – هذه الصيغة التي ارتضاها الشعب الكردي كخيار حر اتحادى طوعى مع عرب العراق حسب ضمانات دستوريه وقانونية في عراق حر ديموقراطي . و أيدها السواد الاعظم من القوى الوطنية العربية في العراق .
   منذ ان انفض اجتماع دمشق بدأت الآنظمة المشاركة تعلن الواحد تلو الآخر موقفه المعارض للفدرالية كصيغة متقدمة لحل المسألة القومية في العراق بدءً من نظامي سورية وايران ومروراً بالنظام التركي وانتهاء بالنظامين المصرى والآردني وقبلهما النظام السعودي .
    ومما يثير الدهشه والاستغراب في هذه الهجمة المعادية المفاجئه كونها تحصل بعد فتره قصيره من جولة عربية شملت كل تلك البلدان قامت بها قيادات الحركة الكردية في كردستان العراق وتضمنت لقاءات مع اعلى المستويات الرسمية وشروحات وافيه للوضعيين الكردي والعراقي وتأكيدات على الموقف الكردي الحريص على وحده العراق والتمسك بالاتحاد الاختيارى مع العرب على أساس الخيار الفدرالي ، ومما يزيد هذه الدهشه تجاوب المسؤولين العرب مع الموقف الكردي واطلاق الوعود بدعم خيار الكرد مادام يصون وحدة العراق .
     نحن نسرد ذلك ليس ايماناً بكون هذه الآنظمة فعلاً تحرص على وحده العراق أو انها تشكل الحكم والمرجعيه في تقرير مصير العراقيين والكرد من بينهم بل من اجل الكشف عن زيف ادعاداتها ومزايداتها الرخيصه فالاحرى بها بالدرجه الاولى أن تتصالح مع شعوبها وان تصون وحدتها الداخلية وتسمح لقيام الديموقراطية والمساواة .
     لقد لفت نظري تصريح العاهل الاردنى الملك عبدالله الذي نشرته صحيفة – الرأي العام – الكويتية قبل زيارته الاخيره الى هناك والذي يتخوف فيه من ان تكون الفدرالية وصفة للتقسيم ، ورأيت من المناسب وازاء ذلك التصريح اعادة نشر مقالة سابقه لى كتبتها عام 1995 حول موقف العاهل الادرني الراحل الملك حسين من الفدرالية الذي يناقضه اليوم خليفته دون خجل أو وجل . وفي ما يلي النص الكامل للمقالة التي جاءت تحت عنوان : قراءة أوليه لمبادرة الملك حسين حول العراق والقوميات والاقليات:
استحوز الموقف الاردني الجديد حول العراق على اهتمام سياسي واعلامي واسع ، وقد جاء ذلك الموقف وتوضح اكثر بعد هروب – حسين كامل – الى الاردن ، وتفاوتت ردود الفعل حول المبادرة بين الرفض والتشكيك ، والقبول والتثمين ، ولاشك ان الموقف الايجابي حيالها كان اكثر تفهما واعمق اثراً لانه استند الى الموضوعية وعلى استراتيجية انقاذ الشعب العراقي بعيداً عن السلبية ، وغير منطلق من مصالح آنية ضيقة كما تميز بذلك الموقف الرافض الذى اكتفى بالرفض دون طرح البديل الافضل لمستقبل الشعب العراقي ، وقبل أي شي اخر ما هي اسس ومضمون المبادرة الاردنية .
   يبدوا ٍان السياسة العراقية للاردن اكتملت وتبلورت في سياق المراجعة العامة لمجمل مواقف المملكة حيال قضايا وشؤون المنطقة بعد حرب الخليج الثانية ، كما يبدو ان العملية اخذت وقتاً ليس بالقصير الى ان توضحت الرؤيا من قبل الاطراف الاقليمية والدولية حول الترتيبات الجديدة لبناء الشرق الاوسط والسلام العربي الاسرائيلي ، والقواعد الجديدة في عملية تطور شعوب وبلدان المنطقة وخاصة القاعدة الاقتصادية بدلا من اساليب الحرب والعنف والصراع التناحرى .
    لقد تبلور الموقف الاردني من العراق من خلال تصريحات الملك في عمان ومن كلمته على منبر البرلمان الاوروبي والتي تلخصت في اعتبار ان برنامج خلاص العراق وحل مشاكله يكمنان في اجراء مصالحة بين العناصر الثلاث المكونة للشعب العراقي : الشيعة والسنة والاكراد وعلى اساس من الصيغة الفيدرالية والتعددية القومية والسياسية والثقافية ، واحترام حقوق الانسان ، واطلاق الحريات الديموقراطية واجراء انتخابات حرة بعد رحيل النظام الحاكم .
    كما ذكرنا وفي حين لاقت هذه المبادرة استحساناً وقبولاً من جانب اغلبية قوى المعارضة العراقية وخاصة المؤثرة منها فقد تصدى لها البعض برفض دعوة المصالحة مدعياً انها قائمة ومعتبراً ان الفيدرالية ستقود الى التقسيم وانفصال الاكراد عن العراق .
ماذا تعني المبادرة الاردنية ؟
   لا يمكن معرفة اهمية هذه المبادرة بمعزل عن مجمل تطورات الشرق الاوسط . فبعد توقف الحرب البارده وظهور نتائج حربي الخليج الاولى والثانية ، واقبال المنطقة على ترتيبات جديدة في مقدمتها انجاز السلام العربي الاسرائيلي ، وبعد ان تبدلت عوامل ووسائل الصراع على الصعيدين الاقليمي والدولي بعد كل ذلك يلاحظ ملامح نظام عالمي جديد – قيد التشكل – وكامتداد له تترائ بوادر قيام نظام اقليمي جديد ايضاً يشكل السلام العربي الاسرائيلي عموده الفقرى والدمج الاقتصادى قاعدته الرئيسية ومن البديهي ان يطرح كل طرف ما لديه من مشاريع ومقترحات في مثل هذه الظروف الانتقالية التي تعيشها شعوبنا ، ومن هنا ايضاً يمكن تلمس المبادرات والبرامج التي تتسابق في طرحها حتى الان القوى الكبرى وبعض الدول المجاورة للعرب وكذلك اسرائيل وكل هذه المشاريع تتناول العديد من القضايا التي تمس واقع ومستقبل شعوب المنطقة ، بالمقابل يلاحظ فراغ الساحة العربية من اية مشاريع جدية للمستقبل لامن جانب المؤسسات والمنظمات العربية الاقليمية مثل – الجامعة العربية – ولامن جانب
 
الدول والانظمة ولا حتى من جانب احزاب ومنظمات الحركة الوطنية العربية ، ومن هنا تزداد اهمية المبادرة الاردنية ليس لكونها تدور حول اخطر الازمات التي تواجه المنطقة الآن وهي الازمة العراقية بل لكونها تواجه  بشجاعة مهام التصدى لانجاز – المسألة الوطنية – ومعالجة قضايا الشعوب والقوميات والاقليات الدينية والمذهبية بهدف العيش المشترك وعلى اساس الاعتراف المتبادل .
    ان المبادرة الاردنية تحمل نظرة عربية رسمية جديدة الى مسألة التعايش بين العناصر المكونة لبعض البلدان في المنطقة والتي تتشابه حالة العراق ، كما تطرح نظرة حضارية مشبعة بالمبادئ الديموقراطية والقيم الانسانية لمسالة القوميات التي لم تنجز قضاياها بعد وخاصة المسألة الكردية والتي تتعامل معها المبادرة كمسألة عربية ايضاً هذه المسألة التي تتفاقم منذ ابرام معاهدة سايكس – بيكو التي قسمت شعوب المنطقة حسب مصالح الدول الاستعمارية واستتبع ذلك عجزاً الانظمة المتعاقبة في تركيا وايران والعراق وسوريا عن ايجاد حلول مرضية . وادارة الازمة الكردية بدل معالجتها وتحويل القضية الكردية الى عامل من عوامل الاثارة وعدم الاستقرار ، ان الحل الفيدرالي الذى اطلقته المباردة الاردنية هو الصيغة الارقى والانجح لمعالجة هذه القضية ليس في العراق فحسب بل في كل من تركيا وايران وسوريا وليست مصادفة ان يختار اكراد العراق عندما تسنى لهم ممارسة حقهم الانتخابي بحرية قبل ثلاثة اعوام الصيغة الفيدرالية في اطار عراق ديموقراطي حر موحد . وليس سراً ان الحركة التحررية الكردية في البلدان الثلاثة الاخرى تفضل هذه الصيغة كخيار مصيرى في العيش المشترك مع الشعوب التركية والايرانية والعربية وكتجسيد للاتحاد الاختيارى وتقرير المصير من جانب الشعب الكردى .
   ان معالجة القضية الكردية حسب الصيغة الفيدرالية او حسب اية صيغة اخرى لن تتحقق ولن تدوم الا على ارضية النظام الديموقراطي ومبادئ حقوق الانسان والتعددية . لانها الضمانة الوحيدة لحمايتها والدفاع عنها اضافة الى ان مثل هذه الارضية تكفل منح الاقليات الاثنية والدينية حقوقها وتضمن تطورها الطبيعي وهذه هي الاهمية الاخرى للمبادرة الاردنية .
   من جهة اخرى يجب القول بأن المبادرة جاءت في الوقت المناسب عراقياً وكردياً وشرق اوسطياً فعجلة السلام تسير وتدور في كل من المسارين الفلسطيني والاردني وهناك تحرك جاد لانطلاق المسارين السورى واللبناني وهناك ايضاً اهتمام ملحوظ بوضع العراق وتحركات اقليمية ودولية بشأن القضية الكردية لايخلو بعضها من محاولات تسخين الاجواء وتسعير الاقتتال الكردي – الكردي وتحويل مناطق من كردستان الى – بؤر – جديدة للتوتر وقواعد خلفية لتصدير الاعمال الارهابية على غرار ما كان – ومازال – قائماً في بعض المناطق اللبنانية ( وكخيار بديل بعد السلام ) ومن هذه الزاوية ايضاً تأتي الاهمية الثالثة للمبادرة الادرنية لكونها تتناغم مع مسيرة السلام وتفي متطلباتها في مناطق استراتيجية.
جدارة الدور الاردني :
    لاتقاس اهمية دور البلدان بعدد سكانها فقط حيث هناك عوامل اخرى مثل الجغرافيا وطبائع الانظمة والموقع السياسي والوزن الاقتصادي العسكري وفي حالة الاردن هناك بالدرجة الاولى خطوة نظامه المتقدمة باتجاه التحول الديموقراطي الذى يجرى هناك منذ سنوات وموقعه السياسي في عملية السلام وهاتان الميزتان تكفيان لبلد مثل الاردن بأن يطرح مباردته بشان العراق وان يجد من يتجاوب معه على الصعيدين الاقليمي والعالمي بالاضافة الى عدد من الاسباب والمؤهلات التي تعزز هذا الدور ومنها :
- انشغال الاردن طيلة نصف قرن بالقضية الفلسطينية وبالمسألة اليهودية يؤهله لان يستخلص مفهوماً واقعياً من اجل معالجة – المسألة القومية وكذلك الدينية – هذا اذا اعتبرنا الصراع العربي الاسرائيليوالقضية الفلسطينية ومسألة العلاقة مع اليهود كعنصر قومي وديني تقع ضمن اطار – المسألة الوطنية – التي مازالت تنتظر الحلول في مناطق وقارات العالم والتي يبدو انها ستنتقل – دون – حل الى القرن القادم والمسألة هذه مازالت المحرك الاساسي لعملية الصراع الدائر والتي تتخذ احياناً اشكالاً ومسميات مختلفة ولكنها تعود من حيث الجوهر الى مسألة الهوية الوطنية والكيان ، والاستقلال ، والتحرر، والاستقلال القومي ، وحق تقربر المصير .
- رغم ان الاردن لايعتبر رسمياً دولة – متعددة الشعوب والقوميات – الا انه يحوى عدداً من الاقليات القومية التي هاجرت اليه منذ بداية القرن ومنها – الشركس والشيشان والاكراد – اضافة الى الاقليات المسيحية ولها دور مؤثر في بعض القطاعات والمؤسسات الحكومية كما انها تتمتع  بحقوق ثقافية واجتماعية ولها جمعيات ومنظمات خاصة بها وممثلون في البرلمان والحكومة. كل ذلك يضيف مؤهلات اخرى للحكومة الاردنية وقادتها في مجال الاطلاع على جوانب المسألة القومية وشؤون وشجون الاقليات .
- تعاطي الاردن مع الوضع العراقي له ما يبرره تاريخياً ، واقتصادياً ، وسياسياً ، وجغرافياً ووضوح الموقف الاردني حول العراق يعد مساهمة ايجابية مؤثرة لانقاذ الشعب العراقي وتحسين وضعه الانساني خاصة اذا استند هذا الموقف الى الجرأة والشفافية . فلا يكفي مثلاً التباكي اللفظي على وحدة العراق صباح مساء وتكرار عبارات مملة وفارغة من المحتوى مثل – الوقوف ضد التقسيم – وذلك بمناسبة وغير مناسبة ان ذلك ليس موقفاً في الوضع الخاص بالعراق وليس هذا – اللاموقف – مطلوباً الآن وغداً بل المطلوب بالحاح هو اعلان الموقف الانقاذى السليم بما ينسجم مع مصالح شعب العراق بكل مكوناته كما فعل الاردن ، يكفي هذا الشعب سماع المواقف التكتيكية التي تخدم مصالح مروجيها والتي – لاتغني ولاتسمن – وتمضي في عملية تضليل مليئة بالمزايدات ، لقد تجاوزت المسألة العراقية – الصفة الداخلية – عندما خاض نظامه حربين ذات ابعاد اقليمية ودولية وفي خارج حدوده وعندما ساهمت اكثر من ثلاثين دولة في ردع ذلك النظام وشن الحرب عليه . وعندما اصبح موضوع العراق بكل جوانبه : سيادته جيشه واقتصاده و كرده وشيعته  وشرعية نظامه في مهب الريح ورهن القرارات الدولية وارادة  مجلس الامن ، كما ان قضية الاكراد في العراق لم تعد – مسألة داخلية – فقط بل تجاوزت تلك الحدود في العصر الحديث منذ ان صدر القرار رقم – 866 – لعام 1991 من مجلس الامن الدولي ومنذ ان تقرر تطبيق عملية – الملاذ الآمن – من جانب الدول الكبرى ، واستقبال ممثلي الحركة الكردية من قبل رؤساء الدول والحكومات الاقليمية والعالمية . بعد كل هذا مازال البعض يمضي في تجاهل الوقائع الجديدة ويصر على اعتبار مجرد بحث محنة ومستقبل الشعب العراقي ومن ضمنه الاكراد من – المحرمات – والاتهام بالتدخل بالشؤون الداخلية ( وذلك امعاناً في التهرب وتشبثاً بالمصالح الخاصة ) وان المساهمة في ايجاد صيغ تنظيمية ودستورية وقانونية في اطار التوجه الى الديموقراطية ومبادئ حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير من المهام الداعية الى التقسيم .
-  ان مشاكل شعوبنا تتفاقم اكثر عندما يجرى تجاهل الحقائق وعدم رؤية عناصر الازمة وتخطي الوقائع وبا الاخير منع المساهمة الايجابية من فكرية وسياسية في طرح الحلول والمشاريع الجريئة والحضارية والديموقراطية لقضايانا العالقة ومسائلنا المختلف عليها وخاصة التي لها الطابع القومي والاجتماعي والثقافي ، فمنذ اكثر من نصف قرن لم يجلب هذا النهج الخاطئ سوى المزيد من التردى وتفاقم الازمات حتى الوصول الى الطريق المسدود ، فعلى سبيل المثال هل يؤدى تجاهل الدساتير والقوانين التركية والايرانية والسورية ومواقف انظمتها في وجود ملايين الاكراد في تلك البلدان وحرمانهم من الحقوق الى – ازالة – الاكراد من الوجود ؟ وهل هذا هو الطريق الى الحل والمعالجة ؟ هل ذلك يعني فعلاً بانه ليست هناك مشكلة قومية كردية في تلك البلدان ؟ والى متى ستحاول هذه الانظمة مضافاً اليها النظام العراقي حجب الحقيقة والتهرب من القدر المحتوم وهو الاعتراف والمعالجة في مجرى التحول الديموقراطي .
-  يقول البعض : الكل ضد تقسيم العراق يعني ان التقسيم مطروح – دون ان يعثر على دعاة التقسيم فالذين يعانون الاضطهاد والتمييز في العراق وبصورة مضاعفة والمرشحون للخلاص والمعنييون بالدرجة الاولى بعملية التغييرهم : الاكراد على اساس قومي والشيعة على اساس مذهبي وبما ان الشيعة من العنصر العربي والمعارضة فيها – باغلبيتها – علمانية ومتنورة فان – التقسيم – غير وارد وليس مطروحاً بين صفوف هذه الطائفة ، اما الكرد – الذين يحق لهم تقرير مصيرهم بما فيه تشكيل دولتهم – فلم يطرح حتى اللحظة اى فصيل في حركتهم التحررية شعار التقسيم وخيار الانفصال عن العراق ، اما الولايات المتحده الامريكية التي تقود عملياً النظام العالمي منذ توقف الحرب الباردة فليست من توجهاتها الآن تقسيم العراق واقامة دولة كردية ، وهي تعتبر نفسها المسؤولة الاولى والاخيرة عن السلم والاستقرار في المنطقة برمتها بما فيها الخليج ومنابع وممرات تسويق النفط ، وتبذل الادارة الامريكية جهوداً غير عادية لتحقيق السلام بكل مساراته وتشعباته في الشرق الاوسط قبل الانتخابات ، بعد كل ذلك يمكن القول بأن الانفصاليين وداعاة التقسيم لايقيمون على كوكبنا بل على كوكب آخر ، وما – فزاعة – الانفصال والتقسيم – الاستارا – يختبيء من ورائه خصوم الديموقراطية والتعددية ومضطهدو الشعب الكردي واعداء التآخي بين الشعوب والقوميات والاقليات والمشرفون على ادارة الازمات بالعقلية الامنية والدكتاتورية .
- من المفارقات المثيرة للتساؤل ان يواجه مثل هذا الموقف الاردني المتقدم سهام النقد الجارح والتشكيك بدلاً من محاولة تطويره والمساهمة في تحقيقه ، وبعد ان انكشف الدافع المصرى الذاتي في الاعتراض وهشاشة حججه وبعد ان ظهر ان النظام في مصر يبحث له عن دور – ضائع – ويعتبر نفسه الاولى بقيادة اى مشروع في العالم العربي ناسيا بانه هو المسؤول في عزلته وبعده عن العديد من القضايا والتي كانت من صلب اهتمامات الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وخاصة الوضع في العراق والقضية الكردية نقول بعد فهم دوافع الموقف المصرى من المبادرة الاردنية ياتي الموقف المناهض للمبادرة من جانب سوريا بشكل خاص وشريكيها في اللقاءات الثلاثية : تركيا وايران ، حيث اجتمع ممثلوها مؤخراً في طهران لبحث المبادرة والتصدى لها وافشالها والتمهيد للقاء الوزارى الثلاثي في آذار القادم لاستكمال التصدي والوقوف ضد الفيدرالية في العراق وضد اقامة دولة كردية كما جاء في بيانات المشاركين وخاصة المندوبين السورى والايراني ، لاشك ان هذا الموقف ليس بجديد وهو ليس موجهاً ضد الاردن ومبادرته بقدر ما هو موجه ضد الكرد والشعب العراقي إن الانظمة في الدول الثلاث تهدف اقتسام – كعكة – العراق ما بعد نظام صدام حين إما مصير الشعب العراقي وقضية البديل ومشاكل العراق فليست معنية بهذا ولا بالعمل من اجل تعزيز قدرات المعارضه الوطنية العراقية ، ان كل محاولة للتغير الديموقراطي سيواجه بالرفض من الانظمة الثلاث وكل مشروع سيكون مرفوضاً اذا لم يكن من صنعها وتحت اشرافها .
- ان المبادرة الاردنية وكما ذكرنا وحسب تفسيرنا لها تحوى مضموناً حضارياً وتحمل قيمة سياسية ولم توف حقها حتى الان في التقييم والبحث ، ومن المؤسف ان يجرى احتواءها من عدة اطراف لدوافع سياسية وذاتية ومصلحية فقط ، بعكس الرأى العام الاوروبي والعالمي ومحبي الحرية والديموقراطية الذين قدروها عالياً واعتبروها موقفاً متقدماً جدير بالمتابعة والاهتمام ومؤشراً الى قرب بروز فجر السلام والتعايش الحربين شعوب الشرق الاوسط . ولاشك ان هذه المبادرة تحتاج الى المزيد من البحث والمتابعة وبداية من جانب ممثلي الشعب العراقي من قوى المعارضة الوطنية ومن ممثلي الشعوب والقوميات والاقليات في دول المنطقة ومن ثم اجراء حوار بالعمق بين ممثلي الشعبين العربي والكردي حول العلاقات المشتركة والمصير والمستقبل ، نعم هناك ضرورة لاتحتمل التاجيل لاجراء مصارحة ومصالحة تاريخيتين بين العرب والكرد لوجود خلل في العلاقات الى درجة التردى ، ويجب اصلاحها عن طريق الحوار والمكاشفة ولا اعتقد ان الساحة الاردنية بموقف مليكها واحزابها وجمعياتها ومؤسساتها البحثية والثقافية تضيق امام اجراء حوار العرب والكرد عليها ومن خلال مثقفيهم وساستهم وقادتهم . يشعر الاكراد بان – سؤ الفهم – العربي لقضيتهم ومحنتهم يتعدى المواقف الرسمية للانظمة لينسحب على قطاع واسع من المفكرين والمثقفين والمنضومين في صفوف الحركة الوطنية العربية ولذلك فان مسألة المصالحة التاريخية ضرورة آنية وملحة ستنجم عن الحوار السلمي وتعاد فيه تقييم وفهم اسس التأخي بين الشعبين واعادة النظر في العديد من المواقف والمصطلحات ، وعدم الاكتفاء بارضاء النفس او تسويق العواطف مثل القول : بان شعوبنا متصالحة اصلاً والمشكلة مع الانظمة ، ورغم صحة جانب من مثل هذه الاقوال الا انها وبكل اسف لا تشكل كل الحقيقة . ان من يتابع كتابات ووثائق بعض من النخبة العربية المثقفة في هذه الايام ينتابه الذهول ويصاب بخيبة الامل حول الموقف من قضايا القوميات والاقليات في العراق وسوريا وشمال افريقيا وجنوب السودان ومصر ولبنان وحتى في تركيا وايران وبشكل اخص حول القضية الكردية التي تتصدرها بحكم الرقعة الجغرافية الاستراتيجية الواسعة التي تشغلها وموقعها السياسي الراهن في مستقبل المنطقة . ان ما يؤسف له هو ان بعض هذه النخبة قد خرج من الاطار الموضوعي في رؤية الواقع واقترب اكثر من الشوفينية والتعصب القومي عندما يقلد سلوك الفئات الحاكمة التي تمارس الاضطهاد القومي حيال الكرد والقوميات الاخرى ، فكيف نفسر مثلاً مواقف المفكرين والكتاب والمثقفين العرب المنضوين تحت لواء – المؤتمر القومي العربي – تجاه قضليا القوميات واالاقليات ومنها القضية الكردية ؟ انهم يعتبرون الاكراد في كل من سوريا والعراق عنصراً طارئاً غريباً ولاجئاً الى الارض العربية ولايقيم على ارضه التاريخية وبا الاخير لايمكنه التمتع بحق تقرير المصير بل يجوز له العيش كمواطن والتنعم بمزايا الديموقراطية – اذا توفرت – كمواطنين وافراد وليسو كشعب بعد ان تكون الاولوية للقضايا المصيرية الاهمء اما عن الحركة التحررية الكردية وارادة الشعب الكردي في الخلاص وفي اطار الصيغة الفيدرالية ضمن هذه الدول فالموقف الغالب هو التشكيك واتهام الكرد بدعاة التقسيم والانفصال وربطهم بالمؤمرات الامبريالية والحركة الصهيونية .
     وكيف نفسر مفهوم بعض هذه النخبة من مشروع – الشرق اوسطية – عندما يربط رفضه للمشروع بسبب التخوف من اعادة الاعتبار الى الشعوب والقوميات والاقليات المحرومة من الحقوق وخشية ان ترفع رؤوسها وتؤكد ذاتها وتعيد هويتها ناسياً او متناسياً الهدف المركزى للمشروع بجوانبها الاسرائيلية والاقتصادية والحضارية ، واذا كان صحيحاً ما يدعيه هذا البعض من ان هذا المشروع سيجلب النعمة للقوميات والاقليات المغلوبة على امرها فسنكون اول من يتمسك باهداب المشروع .
يتراكض بعض هذه النخبة ويستميت وينظر بهدف التوصل الى عقد حوار في العمق مع نظرائه الترك والايرانيين لبحث العلاقات – واستشراف – المستقبل – وهذا امر لانرفضه – ولكن يمتنع عن الدعوة لحوار عربي – كردي ويضيق ذرعاً باى طرح حول هذا الموضوع في منابره و الانكى من ذلك يبحث مع نظرائه الترك والايرانيين مسألة – الامن المشترك – ووحدة التراب وكيفية ازالة الخلافات والاختلافات حول التعامل مع الاكراد وذلك بموازاة الاجتماعات الثلاثية التي تعقدها الانظمة التركية والايرانية والسورية حول التنسيق لمواجهة الحركة التحررية الكردية والحفاظ على – وحدة – هذه الدول من – الانفصاليين – والفرق بين الجانبين هو ان الانظمة تعمل على تعزيز سلطاتها القمعية والدكتاتورية وهذا البعض يقوم بدور التنظيرله . كيف نفسر قيام البعض من هذه النخبة وفي هذه الايام باستذكار – الخطر الكردي – على الامة العربية وعقد الندوات من اجل احياء المصطلحات السيئة الصيت كا القول بان الاكراد – اسرائل ثانية – والاكراد ليسو بشعب ولاتاريخ لهم كما فعل ذلك قبل اشهر ( نائب الامين العام لجمعية المؤرخين العرب ) من على منبر – المركز العربي للدراسات الاستراتيجية – في دمشق .
    كيف نفسر منع معظم السلطات العربية نشر اى موضوع حول العلاقات الكردية العربية وفرض رقابة مشددة على ذلك وقيام العديد من الصحافيين واصحاب المطبوعات بمنع نشر مثل هذه المواضيع حتى لو كانت بهدف البحث عن حلول سلمية للازمة الكردية ، وكيف نفسر عجزاً احدى المنظمات العربية الجادة والمهتمة بحقوق الانسان من عقد مؤتمر حوار حول القوميات والاقليات في اى بلد عربي بل وتعرضها للتشكيك من جانب البعض من النخبة .
     لا نرغب التوسع اكثر في التساؤل وكيفية التفسير بقدرما نريد التاكيد مرة اخرى على وجود خلل في العلاقات العربية مع الاكراد وازمة تفاهم وتفهم لقضية الشعب الكردي . وضرورة الحوار على اساس الصراحة للتوصل الى قواسم مشتركة وقاعدة صلبة للاتفاق وعقد مصالحة تاريخية متينة بين العرب والكرد لمواجهة كل الاحتمالات والانتقال معاً الى القرن الواحد والعشرين ، ومن اجل تحقيق ذلك نرى ان المبادرة الاردنية بشأن العراق والفيدرالية والتعايش والتعددية والديموقراطية تصلح ان تكون محطة انتقالية الى القرن القادم نجتمع فيها ونتصارح ونتحاور في سبيل غد افضل لشعوبنا ولاجيالنا القادمة ونبني معاً صرح المستقبل الذى سيستند عليه التأخي القومي بين الكرد والعرب .   
     



#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجتماع دمشق : امن الأنظمة بديلا عن مصالح الشعوب
- العنوان الكردي لرحلة – ميرو – التركية - 2
- العنوان الكردي لرحلة – ميرو – التركية
- العراق الجديد والحركة التحررية القومية الكردية
- نزار نيوف عندما يجسد شراكة التاريخ والجغرافيا والمصير وموقع ...
- العجائب السبع
- الجيش التركي في كردستان هل هو قوة احتلال ؟
- تعقيباً على مقالة عروبة العراق ... الى اين ؟ البديل الوطني م ...
- الكورد والولايات المتحدة الامريكية
- محاولة في تحديد موقع الكرد ضمـن المعادلة الاقليمية لتوازن ال ...
- رداً على غسان الامام لماذا - استعباط - الرأي العام ايها - ال ...
- نحو اعادة صياغة البرنامج النضالي الكردي ... اليسار القومي أ ...


المزيد.....




- سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد ...
- ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت ...
- الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
- بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
- بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
- مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح ...
- مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة ...
- الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه ...
- الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس ...
- دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - صلاح بدرالدين - الموقف العربي الرسمي من الفدرالية في العراق بين الآمس واليوم - الآردن نموذجاً