على مدى قرن من الزمان شكلت قضية العلاقة مع الغرب محور نقاشات وحوارات مطولة، وقد اتسم التعاطي مع هذه القضية بطابع الحدة والعنف، ولعل الدائرة الفكرة التي اعتنت بمعالجة هذه القضية والتركيز عليها بشكل مفرط هي دائرة التيار الاسلامي، ويميل منظرو التيار الاسلامي الى التأكيد على أن العلاقة مع الغرب محكومة بعامل الصراع، فنحن أمام نموذجين حضاريين لا يمكن التوفيق بينهما، النموذج الاسلامي في مقابل النموذج الغربي، ولعل البعض هنا سيستهجن ملاحظتي هذه مذكراً بأن مصطلح ( الصراع مع الغرب) هو من نتاج عقلية غربية ( تحديدا صمويل هانتنغتون ) واسارع هنا الى التأكيد على أن ربط فكرة الصراع مع الغرب بهانتنغتون صحيح، ولكن من الثابت والمؤكد أيضاَ ان الخطاب الاسلامي المعاصر قد سبق هانتنغتون الى التأكيد على وجود هذا الصراع، ويكفي هنا التذكير بكتابات مثل : نحن والحضارة الغربية لأبي الأعلى المودودي، وظلام من الغرب لمحمد الغزالي، والصراع بن الفكرة الاسلامية والفكرة الغربية لأبي الحسن الندوي، وكلها كتابات تؤكد على التناقض بين مفردات الحضارة الغربية و القيم الاسلامية، وهي الفكرة المحورية لنظرية صراع الحضارات لهانتنغتون .
والسؤال الذي يطرح هنا :
هل صحيح أن هناك صراع بين القيم الغربية والقيم الاسلامية بحيث يستحيل التعايش الفكري بينهما عملاً بشعار الثورة الاسلامية الشهير : لا شرقية لا غربية .. اسلامية ..اسلامية ؟؟؟؟
ترى الا يمكن أن يكون هناك حوار وتعاون بين الشرق والغرب ؟
في اعتقادي ......ان الافكار ليست لها هوية جغرافية، فلا وجود لمنظومة فكرية غربية في مقابل منظومة فكرية اسلامية أو شرقية ، فالفكر نتاج الانسان بوصفه انسان ، وبالتالي فالقيم والمبادئ التي توصف بأنه ( غربية ) يمكن أن تعيش في المجتمع الاسلامي ، وفي المقابل فان القيم التي توصف بالاسلامية يمكن ان تطبق ايضا في المجتمع الغربي .
وحتى يكون حديثنا دقيقا ينبغي ان نؤكد على اننا نقصد بـ (القيم) القيم الفكرية والسياسية من قبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والتأكيد على مبادئ المشاركة والرقابة الشعبية واحترام الحق في التعبير عن الرأي ...الخ .
من المؤكد أن هذه القيم هي قيم انسانية بحتة وليس لها هوية خغرافية أو ثقافية أو دينية ، وبالتالي ينبغي ضمانها والتأكيد عليها، ومن الخطورة محاربتها أو التنفير منها تحت غطاء المحافظة على الهوية الاسلامية كما يصنع قطاع كبير من الفكر الاسلامي .
فاذا زالت هذه الحواجز الزائفة بين ما يسمى بالمنظومة الفكرية الغربية ومثيلتها الاسلامية اصبح من الممكن واليسير مد جسور الحوار بيننا وبين الغرب، وما احوجنا – في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها – الى مثل هذا الحوار ..