أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - زاهد عزت حرش - مساهمة بصوت مسموع في نقاش استوفى كافة حالات الهمس عمداً















المزيد.....


مساهمة بصوت مسموع في نقاش استوفى كافة حالات الهمس عمداً


زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)


الحوار المتمدن-العدد: 653 - 2003 / 11 / 15 - 06:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


نحن المتهون دوماً :
 حين اخترنا ان ننتمي الى الفكر الماركسي كنا على ما يبدو مأخوذين بانتصارات قوى الثورة الشعبية في بقاع الارض المختلفة , وخاصة في بلاد اكتوبر . كما اننا , وعلى صعيد العالم العربي قاطبة , لم ندخل في نخاع الفكر الماركسي المادي , فبقي هو ايضاً خارج نخاع افكارنا , يحوم في الفراغ الفاصل ما بين اللب والقشرة . هكذا لم نكن ماركسيين حقاً .. ولم نكن روحانيين حقاً .! كنا بالكثير بين بين .. لذا بقي نضالنا الطبقي على مدى قرن من الزمن , هو ايضاً بين بين .. وجاءت نتائج نضالنا البينيوي لتكون انعكاساً حقيقياً واضحاً لهذا النضال .
 لسنا الوحيدين في ذلك , اذ ان التجربة التي مرت بها دول الكتلة الشرقية , تلك التي انتمت الى الهبة الثورية في عملية الانقلاب الطبقي .. لم يولد انتمائها من صميم الحاجة المنصهرة من خلال الفكر , كي يكون مؤاتياً في بوتقة الممارسة ..! واذكر ان احد الرفاق اليهود اخبرني قبل ان تبدأ حبات العقد الثمين بالانفراط .. ان الجماهير في بولونا تذهب الى الكنيسة بكثافة , وان ذلك ترك اثراً على احساسه الداخلي , ان هناك شياً ما ليس صحياً .. كان ذلك قبل ظهور فاوينسا ..! الذي قاد الحركة الانقلابية الشعبية على النظام الاشتراكي , الذي كان قائماً فعلاً في بولونيا .!!
 وها هي بلاد السوفييت تعود اكثر التصاقاً بالكنيسة الارثوذكسية مما كانت عليه قبل الثورة .. وكأن ستون عاماً من جوهرة الانسان , لم تفقد تلك المؤسسة سطوتها الروحية .!! وها هو العالم الغربي .. في قمة عنفوانه التكنولوجي , وقمة تفجر الفكر الحداثي فيه .. يقر بالحقائق المتعددة لذات الحقيقة ! وهناك حالات متعددة من سطوة الدين على الحياة الاجتماعية والسياسية , في احيان عدة !! اذكر على سبيل المثال موقف الرئيس بوش ومجموعات من شواهد الديانات السماوية مجتمعين تحت قبة السماء غداة احداث 11 ايلول .!! يدعون الناس الى التقوى والتسامح !
 ويعتبر عالمنا العربي هو الاكثر انغلاقاً وتشبثاً بصورة الماضي .. كما ان ازدياد تبعيته للغرب زاد في تعبئة كوادره الشعبية بالاصولية الدينية المتطرفة ! وبدت ظاهرة التحليل والتحريم تحكم الناس في ابسط تحركاتهم الحياتية .! فمنشورات الشيخ (الشعراوي) تباع في مصر والعالم العربي اكثر مما تباع الصحف السياسية .! ولا تزال فضئيات العرب تبث خطبه من على شاشاتها حتى بعد موته .! ولا يزال العرب يدفعون كل عام , من جراء صيام شهر رمضان ومناسك الحج , ملايين ملايين الدولارات .. وليس هناك اية محاولة  لاستثمارها في انشاء مجتمع اقل تعاسة مما هم عليه .
 ان الشيوعيين الذين سفكت دمائهم من اجل الدفاع عن اوطانهم في العالم العربي .. لم تكتب اسمائهم , حتى باحرف من القصدير على صفحات تاريخ هذه الامة .. فاولئك الذين قضو في سجون مصر , وهم الذي يعترف لهم شرفاء مصر بما قدموه لاجل مصر وتاريخها .. ضاعت اسمائهم في متاهات الصراع اليومي بين الايمان والالحاد .. وشرف الامة .!! وابناء سوريا والعراق الذي شنقوا على مفارق الطرقات لانهم ملحدين كفار ثبتت ضدهم تهمة الخيانة العظمى والتأمر على البلاد واصحابها .. لم يعد يذكرهم سوى الرفاق والكتابات القديمة .. ونحن هنا في ارض فلسطين , اصبح ابناء الساعة هم الذين يبدأ التاريخ من حيث هم بدأوا .. ففؤاد نصار وفؤاد خوري واميل توما ومئات الاسماء التي رصفت تاريخ بقاء هذا الشعب الباقي في ارض وطنه .. بمواجهة استمدت قوتها من الرفاق الشيوعيين اليهود .. ايام عز الاهل والاشقاء , حين بقينا كالايتام على مائدة الائام .. كل تلك الاسماء اصبحت امام وقعنا الجديد اسماء بلا معنى .. بلا تاريخ .. بلا حقيقة .!!امام بريق فضائيات الحريري وشطحات دكتور الفلسفة القومجي الجديد .!!  فأين الحقيقة اذاً ؟

 الحقيقة هي عود على بدء .. اننا لم نكن ماركسيين بما فيه الكفاية ! او ربما ان التاريخ لم يصل بعد الى مرحلة تجعل الناس ماديين وماركسيين .. شيوعيين ! بالمعنى الحقيقي للكلمة !! ربما نحن في سياق المخاض الفوضوي لتقلبات الزمن .. ربما هي المرحلة التي تمتد  لمئات من السنين , كي تخلق التحول الثوري بالفكر البشري ,  الذي تنهار تحت وطئته معتقدات مهترئة , وتنبعث معتقدات ثورية جديدة .!! والا ما معنى ذلك ؟؟
 ما معنى ان يقدم الحزب الشيوعي كل هذه السنين من النضال الثوري السياسي .. وان يقف دائماً في طليعة النضال الشعبي والطبقي لجماهير شعبنا الفلسطيني على مدى تاريخ هذه الازمة واسقاطاتها .. ولا يحصل على الثقة والدعم الا محدود من هذه الجماهير .. وحين تظهر على الساحة حالة مشبوهة لم تقدم اوراقها الثبوتية بعد , ولم تثبت مصداقيتها النضالية على الاقل , هكذا وبقليل من الشعارات الزائفة تستطيع ان تجرف هذا الكم الهائل من الدعم الشعبي ! كما حدث في كل التجارب السابقة .. منذ عهد التقدمية والحركة الاسلامية الى التجمع البعثي الجديد .!
 ربما لاننا لم نكن ملحدين حقاً , ولم نواجه حركة التطرف الاصولي بشتى الوسائل , ولم نفضح مساهماتها في استغلال الجماهير الشعبية لاجل اهداف غير معلنة .. الا حين كشفوا هم بأنفسهم عن انفسهم ..!! لم نكن واضحين بما في الكفاية .. ولم نصرخ في وجه العابثين منذ بداية طريقهم .. بل على العكس قمنا ومدينا لهم يد المساعدة في اول خطوة خطوها نحو الهجوم علينا .. كنا اول من مد يد المساعدة للحركة الاسلامية في الدفاع عنها باسم الديمقراطية .. وكنا اول من دفع التجمع للوصول الى الكنيست بدعوة ان التحالف مع هذه القوى الديمقراطية يزيد طرحنا مصداقية .. مع العلم ان قادته منذ البداية كانوا اول الخونة الذين انشقوا عن الحزب وتاريخه وبدأو في احابيلهم والاعيبهم المزدوجة .. ولربما لهذا نحن متهمون باننا المسؤولين اولاً واخيراً عما حدث ..! كان يمكن ان ينجح التجمع في طرح افكاره الغوغائية ما بين المواطنة والقومية .. الا انه كان بالامكان مواجهتها منذ البداية دون ان نكون ملزمين بالصمت او المهادنة لاننا صادقين في تحالفاتنا مع الآخرين .. الا ان الاخرين ليسوا كذلك .. والناس لا تعرف سوى القليل من الحقيقة ..!!
العالم العربي لا يريدنا نحن .. مع اننا حاولنا دائماً ان نثبت له اننا نريده .. وها هو في هذه التجربة الفاصلة من تاريخنا يقدم لنا جزاء صمودنا في ارض الاباء والاجداد .. ليس لانهم رجعيون فقط .. بل لاننا غضينا الطرف عن رجعيتهم هذه ! لم يحترموا الشعب السوفييتي في اوج عطائه للامة العربية والدفاع عنها .. فكيف نتمنى ان تقف هذه الامة بمقدارتها السلطوية الرجعية التابعة للامبريالية الامريكية الى جانبنا .. في حين يسجد على بساطها من يحمل شهادة حسن سلوك في مواجهة الفكر الماركسي , ويحمل بطاقة اعتماد صرف غير محدود من صدوق فورد والشركات المتعددة الجنسية .!! لم نقرأ الخارطة بعمق .. حاولنا , عمداً , ان نغير بعض كلماتها لتلائم تمنياتنا بان نحظى بالقليل القليل , اسوة بالآخرين .. وكنا ننسى او نتناسى , باننا ننتمي الى الفكر الماركسي المرفوض عربياً .. تاريخاً ومعتقدات .!!
 خلاصة القول .. اما ان نكون ماركسيين حقيقيين نواجه واقعنا ومعتقدات متخلفة في مجتمعنا .. ونقول الحقيقة دائماً دون مواربة او مهادنة .. او نترك هذا التيار ونختار تيار القوميين الاشتراكيين اسوة بابي عمر ..(د. عزمي بشارة) .!! هذا الذي استطاع حتى استغلال كنيته من اجل تمرير مشروعه الاستيلائي .. في حربه من اجل القضاء على اواخر معاقل الفكر الماركسي الحر في الشرق الاوسط .. اذا جزمنا ان الماركسيين في العالم العربي مصابين بالذهول امام هول الانكسار الذي لم يستطيعوا استيعابه لغاية الان .. او انهم يبحثون عن صيغة لاجل استدراك ابعاده من اجل البدء من جديد .
 اما ان نكون ماركسيين او لا نكون ابداً ! اما ان نقوم باعادة صياغة الابعاد الفكرية والثورية للحزب , وتجميع كوادره تحت مظلة التنظيم اللنيني .. او ان نختم صفحة نضالنا الى هذا الحد ! قبل ان نرتضم بصخرة قاع الهاوية من جراء هذا السقوط المدمر والانهيار .! علينا استنباط وسيلة لاعادة الانضباط والتنظيم الى حياة الحزب . حتى وان كلفنا ذلك حالة من التراجع , فلتكن خطوة اخرى للوراء , من اجل خطوة نوعية الى الامام .
 نحن متهمون بالالحاد وان ثبتت برائتنا . وليس امامنا من طريق اخر , سوى الاعتراف بهذا الالحاد , والعمل على دفع النقاش حول ذلك باتجاه العقل والعلم والمادة .. على الرغم من ان الامر يحتاج الى قفزة او انكسار تاريخي يحتم على البشرية , من اجل ان تصل اليه , ان تمر في كافة مراحل التقلب والذبذبة والاسترخاء تحت ظلال المعتقدات والتقاليد المذهبية والاجتماعية الموروثة منذ الفي عام واكثر .!

بصدد المواقف الفاترة :

 هي فرصة هنا كي نعيد النظر في مواقف اتخذناها على الصعيد المحلي والشرق اوسطي .. ربما يعطينا ذلك قليلاً من الضوء ليساهم في انارة دربنا نحو الآتي .. او يفتح باب الجدل للظاهرة ذاتها .. ولظواهر اخرى اتية لا محالة .
 في مواجهة شعار " دولة كل مواطنيها " .. كان همنا ان نثبت للناس اننا نحن اصحاب هذا الشعار . وقمنا نبحث في ماضينا التليد عن تلك التواريخ والمقولات التي ورد فيها هذا المصطلح بحرفية تصل حد التقديس ..! فساهم ذلك في اغراء الناس بمصداقية هذا الشعار وشحذ المعيته ليقف من جاء به بصورته الزمنية المستحدثة , وقفة المنتصر الذي يعلن امام الناس انه هو الاب الشرعي لهذا الفكر الفلسفي المعجزة .
 كان حري بنا ان نقف خلف شعارنا التاريخي " دولتان للشعبين " .. هذا الشعار الذي يحمل في طياته مصداقية مواجهة هذه المرحلة , التي لا يزال ابناء شعبنا الفلسطيني يعانون من جراء غياب تحقيقه , تحت سياط الاحتلال وتنكره للمطلب الانساني الحق , قبل المطلب الشرعي والوطني .. والذي يتطلب تجنيد كافة القوى السياسية العربية والدولية , محلياً وشرق اوسطياً وعالمياً ايضاً , من اجل تحقيقه ..! حيث كان من المفروض القيام بحملة تدعو الى احقاق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني .. وفي هذا الوقت بالذات .. لمواجهة الغطرسة الصهيونية والامبرايالية الجاثمة بثقلها القذر , على كاهل الشعب الفلسطيني خاصة وشعوب المنطقة كافة . حتى يتم تحقيق ذلك بقيام الدولة الفلسطينية .. والذي من خلال التركيز عليه يمكننا استنباط المواجه الفكرية في عدم جدوى طرح شعار" دولة كل مواطنيها " .. فان طرح هذا الشعار لا يأتي الا بالفوضى واشاعة الجدل البيزنطي الذي لا يسمن ولا يسد جوع .. اننا حين نستطيع تحقيق شعار "دولتان للشعبين" باقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل , نتيح بذلك الفرصة امام خلق واقع حياتي جديد , على هذه الارض التي لم تشهد سوى الدمار واراقة الدماء منذ قرن واكثر .. ونتيح بذلك فتح صفحة جديدة للعلاقة بين الشعبين .. تطرح من خلال واقعها الجديد فكر يمكن ان يستنبط اقامة دولة ثنائية القومية .. فلسطينية واسرائيلية .. يمكناه العمل على تحقيق شعار " دولة كل مواطنيها " في المدى الفلكي البعيد !! حين تكون الظروف على بعد قرن من طرحها الفكري , كمطلب انساني لحياة افضل للكلا الشعبين .
 في مواجهة الرجعية العربية ايضاً .. كنا نتحدث والحصوة في فمنا .! فلم نقل سوى كلاماً متلعثماً كي لا نغضبهم , حتى لا تنسد قنوات الاتصال والتواصل معهم , على الرغم من ان مواقفهم السياسية المعلنة جاءت اكثر رجعية من ايام نكبة شعبنا في واسط القرن الماضي .!! ولم نجرء على تعرية الانظمة الرجعية العربية سوى من خلال مقال هنا وآخر هناك .. وعلقنا اتهامنا للنظام العراقي وجرائم ذبح العراقين بوسائل سادية بشعة , بما تقترفه وسائل التكنولوجية الحربية والاعلامية للامبرايالية الامريكية .. وكأن غطرسة الامبريالية تنفي غطرسة الانظمة الرجعية الديكتاتورية المجرمة .. كما جاء تساهلنا في التصدي للانظمة العربية الاخرى , وتعرية مواقفها وممارساتها في ذبح الجماهير الشعبية في بلدانها وسحق الحقوق الانسانية للفلسطينيين .. كذريعة تندرج في مواجهة ما تقترفه اسرائيل من جرائم حرب ومذابح بحق ابناء شعبنا الفلسطيني .. مع اننا كنا نعلم علم اليقين ان اموال الصمود ودولارات نفط ابن الكعبة ارسلت الى القوى الاصولية , التي سمحت باقامتها اسرائيل لكي تكون اداة في مواجهة المقاومة الفلسطينية بفصائلها الثورية التاريخية .. ولم ترصد لسد رمق الجائعين ولشفاء المصابين من ابناء شعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال البشع .
  قامت اذرع السلطات في الانظمة "الديمقراطية" العربية بقمع مظاهرات الجماهير العربية والطلابية في بلدانها .. تلك التي انفجرت في شوارع المدن العربية تضامناً مع شعبنا الفلسطيني وسقط عدد من الضحايا برصاص عربي .. ولم يأخذ الموضوع منا سوى مجرد خبر عادي على صفحات صحيفتنا .. ولم نجرء ان نعلن رفضنا لذلك بصوت جهوري غاضب .. مع العلم ان ابناء الساعة عرفوا كيف يتطاولون على صوت الثورة الفلسطينية ويشرحون جسدها , مستغلين كافة نقاط الضعف التي ظهرت من خلال تفشي الفساد في سلطة الحكم الفلسطيني .. وقد وظفوا ذلك للتغطية على ما حملته ايديهم من فساد في الممارسة السياسية والنقودية .!! الا ان الناس تريد ان تعرف الحقيقة .. وكان ما استغلوا الترويج له يحمل شيئاً من الحقيقة المرة والمأساوية .. الا اننا بدل ان نعالج الموضوع بحكمة قمنا بالدفاع عن السلطة الفلسطينية تحت شعار انها تواجه اكبر قوة عسكرية في المنطقة وتتعرض للمذابح لتعجيزها , وان الوقت ليس مناسباً .. بيد ان الجماهير الشعبية هي التي ذبحت بسكين ذو حدين .. حد الاجتياح الاسرائيلي وحد الفساد والاستغلال المنصبي والوظيفي داخل اروقة السلطة الفلسطينية .

بصدد النزعة القومية :

 مر على ظاهرة التيار القومي عدة حالات من الاختفاء والظهور  .. الا انها حيال معطيات المد الاصولي اخذت شكلاً آخر من اشكال التعبير عن ذاتها , متذرعة بشعارات براقة .. منتحلة عباءة الناصرية يوماً , ومسيرة للفكر المعادي للسلطة الفلسطينية يوماً , ليس كمطلب , انما تنفيذ لسياسة البعث السوري التي تحتمي خلف لواء قوميته معاداة الشرعية الفلسطينية .!
 وحين بدأت قوافل الحجاج تسافر معزية بوفاة الحسن والحسين وحافظ .. كنا مشغولين بدورنا ومكاننا ومكانتنا ضمن تلك القوافل .. وملئنا افواهنا ماء , غازلنا حيناً , وصمتنا احياناً اخرى , حيال المواقف الرجعية والقومجية العربية من المحيط الى الخليج .. وقفنا خلف مواقف الدول العربية قاطبة مدافعين عنها كأنها حقاً تريد السلام وتريد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة الى جانب اسرائيل .. مع ان الحقيقة غير ذلك .. ولو عمدت الدول العربية الى دعم مشروع قيام الدولة الفلسطينية لكان يكفي ان تتخذ موقفاً سياسياً يلزم الامبريالية الامريكية بتنفيذ شق من الاتفاقيات الموقعة تحت مظلتها .
 اما حين فاجأنا "التجمع" من خلال صوت زعيمه الاول , بان لا خيار سوى خيار الفكر القومي .. كل ما حاولناه هو ان نحاور تلك الطروحات والشعارات والفلسفات التي جاءت منهم .. اذ اننا لم نقم بوضع دراسة شمولية لموجهة هذا الطرح وتعريته والتصدي له بكل ما اوتينا به من فكر وقدرات وتجربة تاريخية .. كما حدث في بداية مواجهتنا للحركة الاسلامية والمد الاصولي .. الا انه حين خضعت هذه الاخيرة الى التجربة التاريخية ومصداقية طروحاتها , اضافة الى مواجهتها لانها فرضت علينا المواجهة , وبفعل عوامل سقوط وتداعيات نماذج مشابهة لها في العالم العربي .. ظهر افلاسها وها هي تعد خطواتها الاخيرة نحو النهاية المحتومة .
 للفكر القومي بُعد استراتيجي يضمنه هذا الفضاء العربي الممتد من المحيط الى الخليج , خاصة وان القيادات العربية الرجعية (الملكية والملكية الديمقراطية) تجد فيه صوتاً يمكن ان يخدمها في اسكات صوت شعوبها , بذريعة أنها تقاوم المد الصهيوني بهذا الصوت القومي العربي .. الذي يواجه الصهيونية في قعر دارها .. متناسيةً عمداً الاعتراف بذلك المد التاريخي وبذلك الكفاح والنضال الذي خاضه الاولون , كي يحافظوا على بقاء هذه البقية الباقية على ارض ترابها الوطني .. متمسكين بأنتمائهم الحضاري والتاريخي لهذه الامة .. دون الجوء الى قومجية متعنجهة فارغة من اي مضمون .
 الا ان هذه الحالة القومجية اخذت راحتها في التجوال ضمن المساحات المتروكة والمعزولة بين صفوف الجماهير .. وخاصة تلك الجماهير التي تعادي فكرنا بوصفنا ماركسيين ملحدين , فجاءت الفرصة للانتقام من هذا الالحاد المزمن .. اضف الى ذلك ان هذه الظاهرة القومجية انبثقت من صلب اناس ترعرعوا داخل الحركة الثورية الملحدة التي نمثلها , وحين انشقوا لم نواجههم بالخيانة , كما لم نواجه غيرهم .. وحين عرضوا انفسهم كشركاء في المعركة من اجل تحصيل الحقوق المدنية صدقناهم .. ومدينا يد العون ووضعناهم على درب السلامة .. فاستقلوا مركباتهم مطلقين العنان للعداء المتأصل فيهم لذلك النهج الذي نهلوا من مقدراته حتى استنزفوه لاخر رمق . لم نواجههم بالخيانة لاننا شرفاء حقا ..! ورفضا ان يكون عرضنا لخيانتهم تشنجاً تشمئز منه الجماهير .. الا اننا بذلك اتحنا الفرصة لهم في اعلان الهجوم علينا في حين اتخذنا في الكثير من الحالات صفة الدفاع والرد .
 هذا هو الطرح القومي الذي فقد مصداقية وجوده في كافة بقاع الارض .. ولم تبقى انظمة تعتمد الحكم القومي سوى في العالم الثالث , تعتمده سلطاتها كرداء لاستمرار حكمها ودكتاتوريتها القومية ..  وهي الانظمة الاكثر اشباعاً وانغماساً في التبعية للامبرايالية الامريكية .. ضد مصالح شعوبها وضد مصالح الشعوب المقهورة في كل مكان على سطح الكرة الارضية .
 لذا يتوجب علينا ان نعيد النظر بمواقفنا المتهادنة مع الطروحات القومية .. ومثال ذلك تلك المواقف المتلعثمة حيال العمليات الانتحارية داخل المدن والقرى اليهودية في اسرائيل .. حتى لا نغضب احد ! مع اننا لم نطلق في مواجهة ذلك , خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة ايضاً ,  صرخة مدوية تطرح سؤالاً مدوياً يقول : لمصلحة من هذا التفجير الانتحاري .. ومن يخدم ؟؟ وفي غفلة من حركة الصراع اليومي اكتشفنا بعد فوات الاوان .. ان كل هذه العمليات لم تخدم سوى الفكر الصهيوني المتمثل باجهزة الدمار العسكرية , تلك التي نفذت المذابح الجماعية بابناء الشعب الفلسطيني على مرأى من العالم وصمته .. بيد اننا مارسنا الصراخ الذي مارسه الاخرون , بانه يجب التصدي لهذه الاحتلال الذي يريد النيل من عزة السلطة الفلسطينية المتمثلة برئيسها ياسر عرفات .. وان لم يكن ذلك خطئاً .. الا انه كان يجب ان يكون في حدوده المضبوطة , دون تضخيم , ليغض الطرف عن استمرار المجازر ضد الناس البسطاء والمعدمين .!!

لمن تعدون المشانق :

 ان نتائج الانتخابات الاخيرة , وخسارة الجبهة لعضو كان مضموناً ضمن قواها التقليدية .. هو مدعاة للغضب ,  وفرصة ملحة من اجل اجراء حساب مع الذات !! الا ان ذلك لا يعطي لاحد اي مصداقية بان يبدأ باعداد المشانق لرفيق هنا ورفيق هناك ..! حتى ولا للذين تصدوا بقوة لرأي الاكثرية التي كانت ترفض التحالف مع الطيبي . حتى وان اكتشفنا بالممارسة ان التحالف مع الطيبي كان الخطأ الاكثر خطورة في عملنا السياسي .. متناسين عمداً او سهواً , ان التحالف مع عزمي بشاره كان اكثر خطورة ومجازفة .!! وقد جاء ذلك التحالف ايضاً نتيجة لتقديرات قائمة على حسن النوايا .!! ليس الرفيق محمد بركه وحده الذي يجب ان يستخلص العبر من هذه التجربة .. وليس اي رفيق اخر بشكل شخصي او فردي .. انما القيادة كافة , والكوادر كافة , والرفاق كافة , وكافة الذين ما زالوا يؤمنون بهذا الخط السياسي الملتزم .. عليهم جميعاً استخلاص العبر من هذه التجربة .. وعلى الجميع الشماركة في النقاش وبصوت مرتفع مسموع .. كي نصل الى كل الاخطاء ونكشف كل الاوراق ونخرج منها بوضع استراتيجية متجددة من خلال الفكر المميز الذي نعتمد عليه .
 ليس هذا القرار او ذاك .. وليس تلك الخطوة بعينها , او ذلك الموقف بحد ذاته .. انما هناك العديد العديد من هذا وذاك , من قرارات ومواقف وخطوات ساهمت بدورها في هذا الخسارة .!! مثال ذلك ما وصلت اليه صحيفة "الاتحاد" لسان حال الحزب الشيوعي .. فمنذ سنوات والصحيفة تعاني من مشكلة اقتصادية لم نجد الحلول الوافية لها .. وقد وصل بها الحال في السنة الاخيرة , ان فقدت صفحاتها التحليلية في السياسة والاجتماع والادب والفنون .. ذلك بفقدانها ملحقها الاسبوعي يوم الجمعة , عداك عن الصيغة الشمولية الباهتة لاخبارها وتحريرها العام ! دون ان ننسى ان عملية التوزيع تعاني من مشكلة تتفاقم كل يوم اكثر .. ففي حيفا تركن الاتحاد في مقر الحزب بدرج الموارنه وتنتظر ان يأتي القراء لاخذها .. كيف يمكن ان تصل كلمتنا الى الناس ما دامت صحيفتنا لا تصل اليهم .؟؟ ماذا فعلنا من اجل حل كافة هذه المشاكل العالقة منذ سنوات ؟؟
هناك عدة عقارات تعود ملكيتها الى الحزب الشيوعي , لماذا لا نستثمرها  بواسطة تأجيرها او بيعها , ورصد الاموال لانهاء الازمة .  ربما هذا مجرد اجتهاد شخصي ..! لست ممن يعرفون بواطن الامور , وعلى الذين يمسكون باطراف الخيوط ان يشدوها كما يجب .. عليهم ان يمتلكوا الجرأة الكافية من اجل القيام بخطة اشفاء لمسيرة الحزب ومبناه التنظيمي .. ووضع خطة اشفاء كفاحية تمكننا من العودة الى الساحة ,  بمصداقية الذات المعتمدة على تجربة تاريخية نحترمها ونستمد استمرارنا منها .
هناك ظواهر متفشية بين القيادات السياسية المحلية والقطرية في حزبنا وجبهتنا .. تتسم بالبرجزة والسوبرمانية , فقد نسينا انتمائنا الطبقي العمالي .. حتى اننا لم نترك متسعاً من التعاطف مع ابناء هذا الطبقة التي ننتمي اليها تاريخاً ومعتقدات ..!! واخذنا نحذوا حذوا تلك القيادات العربية التقليدية التي تتربع في عروشها العاجية على ارائك وثيرة , وترفض السكن داخل مدننا وقرانا وتختار السكن في احياء يهودية , ابتعاداً عن الضوضاء والرعاع .. ومن هناك تنظر الى الناس من ابراج مزودة بالمكيفات والفتيات الشقر  .!! كي ترسم مراسيم شعاراتها البراقة وظهورها الامع على شاشات فضائيات الشركات الرسمالية في الوطن العربي .!!

الخلاصة :

 فلتشحذوا الهمم من اجل االقيام بحركة تصحيحية تقود استعداداً اكثر قدرة على مواجهة المعارك المقبلة , وتحمل في طياتها برنامجاً نضالياً يميزنا بطرحنا الطبقي والعمالي عن غيرنا ..!! وفروا المشانق للذين ارتكبوا المجازر بحق ابناء شعبنا , وسخروا مقدرات شعبهم للفتك بحرية الشعب الآخر ..! وفروا المشانق لانظمة رجعية خدمت الامبريالية العالمية !! وانساقت في تبعيتها من اجل الحفاظ على عروش مهترئة !! وقامت بذبح البشر لمجرد الاعتراض على ممارساتها القذرة !! وفروا المشانق .. ايها الرفاق للاعداء .. للاعداء فقط !! واياكم والانهيار امام خسارة عليها ان تشكل الدافع لكم للانطلاق من جديد .




#زاهد_عزت_حرش (هاشتاغ)       Zahed_Ezzt_Harash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الباص.. في مهرجان المسرح الآخر رائعة الموسم المسرحي لهذا الع ...
- الباص.. في مهرجان المسرح الآخر رائعة الموسم المسرحي لهذا الع ...
- شفاعمرو .. تاريخ واسماء ووطن-7
- شفاعمرو ..تاريخ واسماء ووطن - 5
- شفاعمرو .. تاريخ واسماء ووطن(6
- شفاعمرو .. تاريخ واسماء ووطن 4
- الرسم الايقونوغرافي او التصوير الكنسي البيزنطي
- شفاعمرو .. تاريخ واسماء ووطن- 3
- شفاعمرو تاريخ واسماء ووطن 2
- فنون فلسطينية مقاتلة في منهاتن
- شفاعمرو .. تاريخ واسماء ووطن
- بدئ التحضيرات المكثفة لمسرحية الباص - المسرحية العربية المشا ...
- تمام الاكحل .. رسولة فلسطين
- يا ناصره زجلية مهداة الى اهل الناصرة وجبهتها ورئيسها
- حين يهمل الوطن ابنائه تتناثر ابداعته بين ايدي اللصوص والسماس ...
- جدلية المدينة الحزينة
- علي .. يا علي !!
- مراثي الذات
- الرسالة
- مصطفى الحلاج .. احتراق في قاعة الانتظار


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - زاهد عزت حرش - مساهمة بصوت مسموع في نقاش استوفى كافة حالات الهمس عمداً