|
الشباب العربي
عاصم بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 11:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نتحدث عن الشباب فنحن نتحدث عن عصب المجتمع والدولة ، ونتحدث عن الحاضر والمستقبل ، وإذا كان وضع المرأة في دولة ما دليل على مدى تقدمها أو تخلفها فإن حالة الجيل الشاب دليل على مدى قدرة هذه الدولة على التقدم والتمدن. الكل يعي أهمية الشباب في مختلف جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والتربوية،لكن حين نتحدث عن العالم العربي ، لا بد لنا أن نسأل أين هم الشباب اليوم؟ ما هي أحوالهم؟ في المجتمعات الديكتاتورية لا نستطيع أن نتحدث عن دور للشباب أو عن أهمية لهم ، فهم مجرد كائنات بشرية كباقي الكائنات ، يسيطر عليها القمع والإحباط والسلطات المخابراتية. عندما نتحدث عن السياسة والشباب فإننا نتحدث عن الحرية والديمقراطية وإحترام الرأي الأخر ، أي نتحدث عن التجديد المستمر في آليات الحكم وفي عناصره ، عن إبداع وإبتكار في البرامج السياسية والإقتصادية،نتحدث عن روح نشطة وقوية قادرة على رفع بلادها إلى أعلى سلالم المجد.... هذا في الحالة الطبيعية. أما في حالتنا الشاذة فالشباب يقبع تحت ظلم الحاكم وجبروته وتسلطه ، وتحت تسلط وجمود الأفكار والتيارات الدينية التي لا تعرف معنى "الأخر" ، فكل أخر دينياً أو سياسياً أو فكرياً هو كافر وقتله من الأمور المحللة ، يقع تحت مقصلة أنظمة تربوية متخلفة بدائية ، تجعل منه لاحقاً إنسان معد للإستهلاك فقط ، لا يعير أي أهمية للظروف السياسية والإقتصادية المحيطة به. لم نسمع عن ثورة قادها عجزة ، بل سمعنا عن ثورات قادها شباب وشابات. في لبنان يعيش الشاب ضمن بوتقته الطائفية ، فينمى ويتربى على مبادئها ، يتمتع بالحرية المطلقة المحددة ، هذا ليس بتناقد لغوي ، بل هو تناقد واقعي مُعاش ، فعندما يسعى الإنسان اللبناني الشاب للخروج من السجن الذي وضعه فيه القدر أي طائفته إلى المستوى الوطني الأعم والأشمل ، يقف في وجهه كل الحرصاء على وحدة الطائفة(!!) فيضطر حينها إلى البقاء خاضعاً لسلطة الطائفة وزعيمها الذي في مرحلة لاحقة سيورث أبنه الزعامة فينتفي دور الشباب اللبناني في رفع الوطن وإبعاد تلك الكأس المرة التي تلوح في الأفق كل مدة زمنية "الحرب". في مصر يكون الشاب عالقاً بين فكي كماشة السلطة الدينية والسلطة السياسية ، المتواطئتين بطبيعة الحال ، فلا مجال للحراك السياسي ولا الفكري ، ولا مجال لمجرد التعبير عن الرأي وأخيراً السجون بإنتظار المعترض. في سوريا يدرب الشاب على حب العائلة الحاكمة ، يتنافسون في حب "سيادة الرئيس" ، يضيعون أوقاتهم في هذه المنافسة والتملق والزحف من أجل وظيفة صغيرة بمردود زهيد جداً ، فلا مجال للعمل السياسي خارج نطاق الحزب الحاكم ، لا مجال للرأي المخالف والمعارض فمجالات السجون واسعة وتتسع للجميع. كم هي سجوننا كبيرة وكثيرة ، كم هي واسعة وفضفاضة وقادرة على إستيعاب مئات بل ألاف المعارضين ومعظمهم من الشباب.. وتسمع الأنظمة المتحجرة العربية تحدثك عن التقدم، أي تقدم هذا الذي يحدثوننا عنه؟!! لقد تقدمت دولنا كثيراً-ونعترف لها بذلك- في وسائل التعذيب والقمع وإحباط الجيل الشاب، وتأخرت أجيالنا ألاف السنين إلى الوراء. ماذا نطلب من شاب ولد في القمع والتسلط وراح يخرج من هزيمة ويدخل بأخرى ، ومن نكسة وفشل إلى إحتلال وإستعمار...دائماً السلبيات تحكم حياته ، والموت هو أخر المطاف ، رغم تعدد أشكاله. لكن صريحين أكثر ، لا دور لشبابنا في السياسة ولا دور لهم في أي شيء لطالما أننا نعيش في ظل أنظمة بالية ومتخلفة. لو تسألنا لماذا لم تحصل ثورة في أي دولة عربية حتى الأن ؟ هل لأن الشعب يعيش في النعيم ولا يرى حاجة للتخلص من السلطة السياسية في هذه الدول؟
بالطبع لا ، ولأتحدث عن وطني لبنان ، كي لا أظلم بلد عربي أخر ، رغم أن التشابه في التخلف هو المشترك بين جميع السلطات السياسية العربية. عدم حصول ثورات في العالم العربي مرده الأساس إلى أن السلطات الحاكمة عرفت كيف تقوّد الجيل الشاب وتحاصره وتحد من قدراته وطاقاته .. بكل بساطة! إن تطوير الفكر السياسي العربي ، لا يمكن أن تقوم به الأنظمة العربية الحالية ، بل أن القادرين الوحيدين على القيام بهذا الدور هم الشباب ، الشباب الواعي والطموح ، وهو موجود وقادر على تسلم زمام السلطة ولكن يحتاج إلى فسحة أمل ، او أي فرصة تسنح له لكي يبرهن عن قدراته. إن تنمية الفكر السياسي الحر يكون بالإنتساب إلى الأحزاب والجميعات السياسية ... ولكن أي أحزاب؟ أتلك الأحزاب التوتاليتارية الحاكمة، التي ترفع دائماً لواء القضية عالياً(!!؟) بينما تقوم هي نفسها ببيعها في أي لحظة وضمن أي تسوية من أجل ضمان بقائها؟ ولا الأحزاب الدينية هي الحل كما يعتقد البعض حتى لو كانت معارضة للسلطة ، فالفكر الديني مهما جُمل وبُلور شكله الخارجي ، إلا أن داخله متسلط وتبعي ، وسيخلع قناع الجمال حين يصل إلى السلطة. أي أحزاب إذاً؟ أحزاب تنويرية ، علمانية ، لا طائفية ، تحترم الرأي الأخر وتشدد على ضرورة إحترام الإختلاف والمحافظة عليه.
أخيراً أستذكر قول إستهجاني تساؤلي لشهيد الشباب والصحافة اللبنانية جبران تويني مع إقتراب ذكراه الثالثة طرحه في إحدى مقالته :"ماذا لو كان لدينا طاقم سياسي جديد ، شاب ، مثقف ، نظيف الكف وفعال؟". والجواب على هذا السؤال رغم غياب صاحبه ، سيكون بالطبع :"ستكون أمتنا حينها بأفضل حال".
#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة إلى فخامة الرئيس...في اللحظة الأخيرة
-
نقد محتشم لتدخلات رجال الدين في الإستحقاق الرئاسي..!
-
الحاكم و العصفور …
-
ألا يخجل؟!
-
العلمانية -سلة متكاملة-
-
قالها ولكنه لم يفهم اللعبة
-
العلمانية التركية ليست مثلا ...
-
لبنان ... بلد الألف هوية
-
في الممانعة والإعتدال العربيين
-
الأحزاب العلمانية اللبنانية وواقعها
المزيد.....
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|