الحزب الشيوعي اللبناني
الحوار المتمدن-العدد: 2115 - 2007 / 11 / 30 - 11:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أيها الرفاق والاصدقاء
ايها الاعلاميون.
كنا نتمنى اللقاء بكم اليوم وعبركم مع اللبنانيين, لنطرح أمامكم رأينا وبرنامجنا لتطوير الوطن وتحقيق تقدمه. لكن، للأسف اصبح مصير الاستحقاق الرئاسي ومعه مصير الكيان الوطني في دائرة الخطر الشديد. وقد نبهنا في مناسبات عديدة, كان آخرها الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيس حزبنا، إلا أن اصرار التحالف السياسي الطبقي الحاكم في لبنان, بأكثريته وأقليته, على الحفاظ على جوهر الصيغة الطائفية للنظام, بات يهدد مصير الوطن اللبناني ووجوده ومستقبل شبابه. وان كنا قد توقعنا ذلك، فنحن اليوم نشعر معكم ومع كل المواطنين بأن هذا الخطر قد أصبح واقعاً محققاً يستدعي جهداً استثنائياً من أجل انقاذ الوطن ومن اجل الحفاظ على السلم الأهلي.
ان ممارسة التحالف السياسي الطبقي الحاكم, واصراره على التمسك بصيغة المحاصصة الطائفية والزبائنية, جعله يقبل بسهولة المغامرة بالمصير الوطني, عبر ربط هذا المصير, بمسار الصراع الدولي ـ الاقليمي في منطقتنا، وجعله عبر التبعيات المتنقلة والمختلفة لأرباب النظام, مرتبطاً الى حدٍ كبير بمسألة الحرب والسلم في المنطقة.
لقد بشرونا بعظائم الأمور، ومارسوا تصعيداً مستمراً عندما كان المشروع الأميركي يتقدم باتجاه معركة شاملة، تطال رحاها الى جانب العراق, ايران، سوريا وفلسطين, اما لبنان فيشكل ساحتها المتقدمة، هكذا عبرت وزيرة الفتنة المتنقلة رايس عدة مرات. وكذلك, عندما كانت سوريا وايران تشحذان الهمم لتعديل موازين القوى في اطار هذا الصراع.
وعندما لاحت في الافق امكانية التهدئة في المنطقة لتمرير مؤتمر أنابوليس, حل البرد والسلام، الذي لن يكون برداً وسلاماً الا على اسرائيل فقط, او هو ليس الا مؤتمر التطبيع معها، في حين سيكون حاملاً ضياع الحق الفلسطيني، ومهدداً لبنان بفرض آليات التوطين عليه.
من اجل ذلك دعونا وندعو لبنان مجدداً، ومعه كل الدول العربية الاخرى، الى عدم المشاركة بهذا المؤتمر، وبالتالي دعوة الوفد اللبناني الذي ذهب غب الطلب بالعودة الى بيروت.
ومع تقدم المفاوضات لعقد هذا المؤتمر، خصوصاً بين أميركا وسوريا, شاهدنا سقوط الوساطات الدولية والعربية معاً، وهبط الوحي على استقطابي الصراع السياسي الطائفي في لبنان، وحي تنظيم الفراغ، وطارت تهديدات النصف زائداً واحداً، ودعوات عدم تسليم البلاد الى حكومة السنيورة.
أيها الرفاق،
ايها الاعلاميون،
لقد رفض حزبنا منذ البداية، الانخراط في الاستقطابات القائمة، سواء تلك التي رفعت شعار الحرية والسيادة، أو تلك التي دعت الى المشاركة والوحدة الوطنية بأبعادها الطائفية. وتوجهنا الى جمهور الفريق الأول محذرين من أن الحرية لن تكون أبداً باستبدال وصاية بوصاية أخرى، وما النتيجة اليوم سوى تعايش الوصايتين، وتوجهنا الى جمهور الفريق الثاني محذرين من اضاعة النصر الكبير الذي تحقق في تموز عبر عزل وفصل عملية التحرير عن التغيير الديمقراطي في الداخل، اوعبر الانخراط باعادة ترميم واحياء الصيغة الطائفية.
الا ترون معنا اليوم اننا لا نحتاج الى كبير عناء او ادلة وبراهين للتدليل على صحة استنتاجاتنا.
ففي كلا الحالتين، لا تحقيق لسيادة ولا ضمان لتحرير من دون تغيير ديمقراطي حقيقي، يدفن تلك الصيغة الطائفية للنظام اللبناني الموّلدة للتبعية والوصايات ـ نقيض السيادة ـ والمنتجة للحروب الأهلية والاضطرابات المتوالية ـ نقيض الحصانة في وجه الاحتلال ـ وفوق ذلك حامية للفساد والمفسدين والمفقرة لأبناء الشعب, والمهجرة لشبابه والمدمرة لاقتصاده الوطني. تلك الصيغة التي جعلت من التبعية (اي الخيانة) وجهة نظر.
ونحن اليوم نجدد تحذيرنا بان الاصرار على احياء هذا الرميم، سيؤدي الى دفن الكيان الوطني برمته، واضاعة ما تبقى من استقلال، وتبخيس وهج التحرير وقيمته.
ايها الرفاق،
ايها الاعلاميون،
لقد سبق لحزبنا منذ اكثر من سنة ونصف، ان شخص أزمة البلد الراهنة، وتختصرها أزمة مؤسساته الدستورية الثلاث: رئاسة للجمهورية ممدد لها ومشكوك بشرعية شاغلها من قبل نصف اللبنانيين، حكومة مشكوك بدستوريتها من قبل النصف الآخر، ومجلس نيابي معطل ومطعون بتمثيله قانوناً وممارسة وتوزعاً. واقترحنا في حينه مبادرة انقاذية, تطرح حلاً متزامناً للأزمات الثلاث، يرتكز على تشكيل حكومة انقاذ وطني يكون تنفيذ بنود اتفاق الطائف الاصلاحية اساس برنامجها وتوجهها.
ورغم التجاهل وحتى التهجم احياناً من قوى النظام الطائفي المختلفة على مبادرتنا. ومع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي وتصاعد التحريض المذهبي والطائفي. اطلقنا، استكمالاً للمبادرة الأولى، دعوة لمؤتمر وطني للسلم الأهلي يرتكز أيضاً على الاصلاح السياسي كأساس في الحفاظ على هذا السلم واستمراريته.
ونحن اليوم رغم قتامة المصير الذي يتهدد الوطن، يريحنا تزايد الدعوات الى السلم الاهلي والتوافق، حتى من قبل من كانوا خارج هذه الدائرة، ولكننا نلفت النظر الى أن هذه الدعوة تبقى فولكلوراً وعاجزة وناقصة وعرضة للتطورات الاقليمية اذا لم تقترن بحرص حقيقي على الاصلاح السياسي, وبحرص على اعادة تكوين الدّولة اللبنانية على أسس العدالة والديمقراطية والعلمنة.
لذا فاننا اليوم نجدد صرختنا، بان هذه الصيغة قد ماتت، وإكرامها يكون بدفنها، والاّ فانها ستدفن الجميع.
ان ما يجري اليوم، بعد تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، لا يمكن وصفه بانه فراغ فقط في موقع رئاسة الجمهورية، فهذا كذب على الناس، وتجهيل للمشكلة الحقيقية وللفاعلين معاً، بل ان حالة الفراغ والتعطيل هي نتيجة طبيعية للازمة الشاملة التي يعيشها لبنان في نظامه ودولته ومؤسساته واقتصاده وطبقته السياسية الحاكمة. في عملية التوالد المأزوم، والعجز المتمادي حتى وصلنا الى الانهيار التام. لا رئيس للجمهورية، حكومة مشكوك بدستوريتها ومشلولة، ومجلس نيابي مشوه التمثيل ويوقع خطواته على انغام الضحكات او العبوس الذي ستصل اصداؤها من انابوليس ومعها مصير السلم الاهلي والوطن برمته. في ذروة من الشحن الطائفي والمذهبي تجعل الوطن اوطاناً متناحرة، في ظل ازمة اقتصادية اجتماعية شارفت على الانفجار ...الخ
امام هذا الواقع الأليم الذي بات يتطلب عملية انقاذ شاملة يعود حزبنا الى طرح جوهر مبادرته املاً في احداث اختراق نحو معالجات وطنية متزامنة داعياً الى:
أولاً توسيع الحوار الوطني ليتخطى المسؤلين عن الأزمة الى الهيئات الاقتصادية والنقابية والأحزاب والمجتمع الاهلي بالاتجاه التوافقي الذي يؤدي الى انتخاب رئيس انقاذي تتشكل معه حكومة انقاذية.
ثانياً، يتولّى الرئيس والحكومة تنفيذ برنامج انقاذي يرتكزعلى تنفيذ البنود التي تم اهمالها من اتفاق الطائف.
1- تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية، لصياغة الاسس القانونية والدستورية للانتقال باتجاه وطن علماني ديمقراطي يتخطى حالة التجارة وتحاصص الزعامات باسم مصالح الطوائف وابنائها باتجاه صياغة اسس متينة للانتماء الوطني كبديل عن الانتماءات ما دون الوطنية.
2- اقرار قانون انتخاب ديمقراطي قائم على الدائرة الواحدة والنسبية ودون القيد الطائفي، باعتباره وحده في حالتنا اللبنانية قادر على حماية التنوع، بعيداً عن الالغاء والتهميش، ويؤمن تمثيلاً سليما، ويؤسس لممارسة سياسية ديمقراطية بديلاً لعملية التوافق (او التكاذب) الطوائفي، يجري بالتزامن معه اقرار مجلس للشيوخ كما ورد في الطائف. وهنا لا نفهم كيف يمكن للبعض انتقاد القانون الانتخابي نسخة ال 2000 ويطرح بديلاً عنه قانوناً يحقق الانقسام الطائفي والمذهبي ويكرس الصيغة التحاصصية ونعني بذلك قانون الأقضية.
3- اعادة الاعتبار لاستقلالية القضاء اللبناني. فبعد انشاء المحكمة الدولية أصبح حاسماً في طبيعة الدولة اقرار قانون جديد للقضاء يضمن استقلاليته عبر اعتماد مبدأ الأنتخاب الداخلي في تعين المسؤلين عنه.
4- انشاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي، بعد اعادة الاعتبار لدوره الذي خطفته الحكومات المتتالية لتسهل تمرير سياساتها الاقتصادية المدمرة للاقتصاد الوطني، والمنتج منه بشكل خاص، واحلال محله اقتصاد طفيلي غير منتج مرتبط بالنيوليبرالية ومنفذ لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين مما اوقع لبنان تحت دين يقارب الخمسين مليار دولار ملقى على عاتق الشعب اللبناني، الامر الذي ادى الى تدمير القدرة الشرائية للفئات الشعبية واوقف تطور اجرها رغم تصاعد الغلاء بسرعة جنونية، وعمل على تدمير مستقبل شباب لبنان باقفاله فرص العمل امامهم ودفعهم اما الى الهجرة او جعلهم فريسة الارتزاق عند هذا الزعيم او ذاك.
وبانتظار اعادة العمل بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي وتفعيل دوره يجب ايقاف كل عمليات بيع مؤسسات الدولة بانتظار تكوين هذا المجلس.
وفي هذا المجال ندعو القوى النقابية على مختلف انتماءاتها الى التوحد دفاعاً عن لقمة العيش وعن حقوق المواطنين عبر حوار سريع لاعادة هيكلة الاتحاد العمالي العام واستعادة وحدته ودوره على اساس برنامج نضالي، كذلك العمل على اعادة تكوين هيئة التنسيق النقابية.
5- اقرار قانون جديد للاحزاب والجمعيات يراعي قاعدة الانتشار الوطني ويمنع الاستقطابات الطائفية والمذهبية.
6- ان اسوأ نتاجات هذه الصيغة وجرائم الداعين للحفاظ عليها، هو تقديم الشعب اللبناني على انه شعوب، شعب سيادي وآخر مقاوم، شعب عروبي وشعب متغرب، وكل شعب او طائفة بمواجهة الآخر، بما يبرر التبعيات، ويطرح الخيانة احياناً كوجهة نظر دفاعاً عن النفس بوجه الخصم الداخلي.
لذلك فأن سلطة الانقاذ التي نقترحها مدعوة لتحديد مفهوم وطني موحد لهذه القضايا نقترح عناوينه كما يلي:
- ان للصراع مع اسرائيل جوانب عديدة، منه ما له علاقة بالصراع العربي الاسرائيلي وبشكل خاص قضية فلسطين، ومنها ما له جانباً وطنياً صرفاً، انه صراع وطني لبناني مع هذا العدو قائم ضد اطماعه في ارضنا ومياهنا وسيادتنا، اطماع مستمرة منذ الاربعينات، وخروقات يومية تمس كرامة المواطن اللبناني، اضافة الى استمرار احتلاله لجزء عزيز من ارضنا واعتقال بعضاً من ابنائنا المناضلين.
- فعلى الدولة اللبنانية ان تحول هذه القضية الى قضية وطنية شاملة، ينخرط فيها الشعب بمقاومته وجيشه ودولته. وبهذه الوجهة وعلى اساسها فقط يتم بحث القضايا التي لها علاقة بوجود المقاومة وسلاحها تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، وانطلاقاً من ذلك دعونا وندعو اليوم وحفاظاً على الوحدة الوطنية وقف التداول بالقرار 1559 بين القوى اللبنانية وفي مؤسسات الدولة.
- ان عروبة لبنان هي الاخرى مجال اجماع وطني، لكنها عروبة قائمة على احترام السيادة والاستقلال لكل بلد عربي، وقائمة على انها خيار لشعبنا وليست فرضاً عليه.
على هذه القاعدة ندعو لاعادة البحث في العلاقات اللبنانية السورية، على قاعدة حتمية بناء علاقات ثابتة بين البلدين، علاقات تكامل تاخذ بعين الاعتبار مصالح كل منهما وعلاقات احترام متبادل لسيادة واستقلال كل منهما، وفي هذا المجال، فان الجو الطبيعي للبحث لا ينطلق من واحد من خيارين اما التبعية او العداء. وفي هذا الجو الطبيعي من البحث يجري تنفيذ البندين المقررين في هيئة الحوار الوطني حول العلاقات الدبلوماسية وترسيم الحدود.
وفي الاطار ذاته اعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان انطلاقاً من اساسين هما الحقوق الاجتماعية والسياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن سيادة الدولة اللبنانية، والاساسان يقومان على ركيزة تمسك لبنان وفلسطين بحق العودة للشعب الفلسطيني المكرس بالقرار رقم 194.
ايها الرفاق،
ايها الاعلاميون،
هذه بعض النقاط التي ندعو من خلال مبادرتنا الى تنفيذها، حفاظاً على الكيان الوطني ومستقبل ابنائنا، خصوصاً انه في مناخ الازمة الحالية، تصدمنا عودة الخطاب الطائفي والمذهبي الى ذروته، ويصدمنا فيه لجوء بعض القوى المفترض بها انتماءً وطنياً وعلمانياً الى هذا السقف الطائفي، متوجهين مخلصين لها ولغيرها بان مصير المسيحيين لا يضمنه موقع الرئاسة كما لا يضمن مصير المسلمين مواقع رئاسة الحكومة او المجلس النيابي او اي موقع سياسي محدد، وحدها المواطنية والمساواة والديموقراطية الحقيقية تحمي لبنان واللبنانين.
ان ما ندعو اليه ليس مبادرة تخص الشيوعيين وحدهم، بل هو مبادرة وطنية تسعى الى فتح افق في هذا الجدار المظلم للشعب اللبناني باسره،
وفي هذا المجال ندعو شباب لبنان بكافة انتماءاتهم للدفاع عن مستقبلهم، وندعو المثقفين والاقتصاديين والنقابيين ومنظمات المجتمع المدني للتداعي باتجاه التوحد لتكوين القاعدة السياسية والاجتماعية لهذا البرنامج الانقاذي، وبشكل خاص ندعو القوى الديمقراطية والعلمانية واليسارية الى الوقوف في وجه ما يتهدد الوطن بفعل السلوك الطائفي للطبقة السياسية، مؤكدين ان ما يجري من حولنا ليس قدراً لا يمكن رده، بل ان استمراره وتماديه ناتج عن غياب الدور الوطني الموحد للقوى العابرة للطوائف، اننا ندعو القوى والشخصيات اليسارية والعلمانية والديمقراطية الى التلاقي السريع من اجل عقد اجتماع موسع يبحث هذا البرنامج ويقرره ويقدمه لشعبنا كاساس لبناء الدولة العصرية وسنسعى مع هؤلاء جميعاً من اجل هذا التلاقي خلال شهر ونصف على ابعد تقدير.
أيها الرفاق،
ايها الاعلاميون،
كلمة أخيرة، هي التمني للجيش اللبناني، هذه المؤسسة الوطنية التي قدمت الكثير في معاركها الاخيرة دفاعاً عن الأرض الى جانب المقاومة والشعب ودفاعاً عن الديمقراطية وفي مواجهتها للارهاب، التمني له بالنجاح في حماية السلم الاهلي، الى حين ميلاد دولة قادرة على تثبيت هذا السلم وضمان استمراره عبر اصلاح سياسي حقيقي على طريق بناء لبنان العلماني الديمقراطي العربي السيد والمستقل.
الحزب الشيوعي اللبناني
في 26/11/2007
#الحزب_الشيوعي_اللبناني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟