|
الشذوذ الجنسي: حرية أم أنحدار؟؟؟
يوسف هريمة
الحوار المتمدن-العدد: 2115 - 2007 / 11 / 30 - 09:03
المحور:
حقوق مثليي الجنس
زفاف القصر الكبير دفعني لتناول هذا الموضوع رغم الإشكاليات المحاط بها ثقافيا ودينيا، ما حدث مؤخرا في بلدنا الحبيب المغرب، وبالضبط في إحدى مدنه الشمالية المسماة ب:" القصر الكبير". فقد عرفت هذه المدينة الهادئة على سواحل المحيط الأطلسي على غير عادتها زفافا مثليا لشاذين جنسيا، في سابقة من نوعها في أرض إسلامية وعربية تعرف بالمحافظة الدينية في إطارها العام. هذا الزواج أدى إلى ردود أفعال متباينة في وسط الشارع المغربي كادت تؤدي بوفاة الرجل المثلي الذي أطلقت عليه بعض الصحف المغربية اسم:" لالة فؤاد " لولا تدخل الأمن لتفريق الجموع، ومحاولة احتواء الأزمة وعدم تفجرها في وجه الجميع أمام غضب شعبي منقطع النظير. دفعني صراحة هذا الموضوع وهذه الحادثة بالضبط، لإلقاء الضوء على مجموعة من الإشكالات المرتبطة بهذا السلوك الإنساني، بالرغم من الكثير من التحفظات التي تحيط به رغبة ورهبة. إذ أن ظاهرة الجنس وللأسف الشديد لا زالت لا تُدْرَس إلا في الأماكن المغلقة وفي عيادات المتخصصين، بعيدا عن الثقافة العامة التي كان ولا زال الجنس يشكل أحد الرموز المستعصية على الفهم فيها، بالرغم من انتشارها بشكل أو بآخر في المجتمع بدرجات متفاوتة. وإذا كان هذا هو حال الجنس كقضية مفصلية في الوعي الجمعي العربي الإسلامي، فإن قضية الشذوذ الجنسي بنوعيه تزداد تعقيدا في ظل واقع لم يستسغها بين الجنسين ذكرا وأنثى فكيف يستسيغها بين الأمثال؟... يبقى هذا السؤال يطرح عوائق معرفية وعلمية وحقوقية في واقعنا، حيث تخصص له جمعيات مساندة وأساليب متعددة تجعل من العمل بالرغم من المعارضة الشديدة عملا شخصيا، لا يخرج عن نطاق ما يسمى بالحريات الشخصية المكفولة حقا وقانونا. وقد أسس المثليون المغاربة جمعية:" كيف كيف " لمتابعة مشروعهم الحر في اختيار قراراتهم وتوجهاتهم، وأصبح لديهم صوتا عبر الشبكة العنكبوتية، وموسما اختاروا له وليا من أولياء الله الصالحين:" سيدي علي بن حمدوش " بنواحي مدينة مكناس، لإفراغ ما في الجعبة من كبت جنسي مثلي كان ولا زال المجتمع أحد القابضين بزمامه. لا أريد صراحة أن أؤطر القضية إطارا إيديولوجيا أبرر فيه موقفي من الإشكالية المطروحة، بقدر ما أريد أن أؤطرها بعيدا عن المزايدات الدينية والسياسية. فالكثير من القضايا بحجم خطورة ما نحن بصدده على بنية تفكيرية مجتمعية، غالبا ما توظف توظيفات إيديولوجية يكون ضحيتها المقاربة الكلية، أو محاولة فهم أعمق لظاهرة من الظواهر بالرغم من الموقف المسبق سلبا أو إيجابا. لهذا فإن الولوج حسب تصوري لأي ظاهرة إنسانية لا بد أن تكون من باب معرفي، ولو أخطأنا الطريق على حين غفلة منا أو بسبب قصور إدراكي معين، على أن تكون كتاباتنا مجرد ردود أفعال غير مؤسسة على قاعدة تنظر بمنظار يحاول استجلاء عمق الإشكالية، بدل قولبة المواضيع في أحكام جاهزة لن تأتي إلا على البحث الحر بالمساوئ العديدة. فظاهرة الشذوذ الجنسي بشقيه الأنوثي والذكوري طفحت على السطح بما ينبئ بخطر المقاربات السكوتية والقمعية اتجاه الكائن الإنساني، ومختلف مظاهر سلوكاته اتفقنا معها أو اختلفنا. فالعقلية العربية لم تستوعب بعد الدرس لتحصر نفسها دوما بين ثنائية الموافقة والمعارضة. فهذه الظاهرة تحكمها رؤيتين: الأولى كما قرأت عن ذلك في موقع الحوار المتمدن تدرج الموضوع في باب الحقوق الشخصية والمثلية التي لا دخل لأحد بها مهما كانت معارضته، والثانية رؤية حاقدة ناقمة تستطيع أن تعالج القضية ولو بارتكاب الجريمة كما حدث في القصر الكبير. وبين هذا وذاك سنضيع دون ملامسة ولو جانبا من جوانب الأزمة، وهذا ما سأحاول وضعه بين قوسي النقاش والحوار عبر هذا الموضوع الحساس والمثير في الوقت ذاته، عبر هذا التصميم: *- الحرية مفهوم ملغوم: إن أخطر قضية كما تناولتها دوما من خلال مواضيع متعددة، هي أزمة المفاهيم ومدى خطورتها على الوعي الجمعي. فإذا لم نستطع حصر المفهوم أو المفاهيم وحقولها الدلالية أصبحنا في فوضى مجتمعية، لا نعرف مدى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور إذا ما استمرت على حالها. والذي يسمح بهذا الفضاء الفضفاض هو تموقع النخبة المثقفة في إطارات إيديولوجية، وغالبا ما ترى الباحث لا يهمه من البحث إلا ما توصله إليه نتائجه خاطئة كانت أو صائبة. فالحزبية الفكرية المقيتة لا زالت تلعب لعبها في تشكيل هذه النخبة الناطقة باسم أفكارها المسبقة وخلفاياتها المتحيزة. أقول هذا لأن مصطلح الحرية ضاع بين هذه الخلفيات المتعددة، ولم يعد يحصره إلا رؤى الناس وآمالهم وأهدافهم. فهل يندرج الشذوذ الجنسي كما حدث أو سيحدث في أي قطر عربي ضمن هذا المفهوم؟. أطرح هذا السؤال على من يتبنى طرح الحرية الشخصية، ويعتبر الحرية هي فضاء مجرد عن أي ضوابط معيارية تحكمها نظرة الناس وثقافتهم وأفكارهم. وأنا هنا أنطلق من صميم مفهوم الحرية كما أتصوره، فالحرية مفهوم مجرد لا يمكن تصوره إلا في إطار النشأة والتركيبة الاجتماعية التي تحكمنا شئنا أو أبينا، وليس هناك أي مفهوم مطلق لها خارج هذا الإطار، إلا في عقول من يريد أن يركب مطايا مثالية وتجريدية تقفز على معطيات الواقع، لتؤسس لها صرحا بعيدا عنه بكل المقاييس. وإذا كان مفهوم الحرية يحكمه الواقع المؤطر لها كحق من حقوق الإنسان، فإن المجتمع بتشكيلاته الفكرية والسلوكية، هي من ستؤطر لنا مفهوم الحرية الجنسية الشاذة. فلا غرو أن ممارسة هذه السلوكات الشاذة بدعوى الحرية، هو قفز أمام كل هذه التوافقات الاجتماعية ليصبح الشاذ خارقا لمنظومة المجتمع الفكرية والسلوكية وحتى القانونية والعرفية. ويا ليت الأمر يبقى مقتصرا في حدود معينة على من يمارس هاته السلوكات دون الجهر بها علنا واستفزازا لمشاعر الناس قد لا تحمد عقباها. فحتى بالقيم الديمقراطية المحترمة للحرية والحقوق الإنسانية، فإن القانون وحكمه وما تعارف عليه البناء الكلي هو من يحكم ويسود وليس من يشذ عن القاعدة، ليؤسس ممارسات علنية بدعوى مفهوم لم يجلب على بلداننا إلا الخراب، فالحرب حرية والقمع حرية والشذوذ حرية والتقتيل والتجويع حرية، والواقع يئن من شدة الحرمان والبؤس الاجتماعي، وما الحرية إلا شعارا يئن تحت وطأة رضاعه العقل العربي، وثقافة الغزو الماسخ المشوه للحقائق والموجهة إليه ظلما وعدوانا. *- الشذوذ والانحدار الأخلاقي: أحب أن أؤكد هنا على أن البعد الأخلاقي كما أتداوله يتجاوز ما هو معروف دينيا، أي أن قناعتي بضرورة وجود قيم معينة نحتكم إليها هي ضرورة من ضرورات الحياة، التي بدونها سندخل إلى الفراغ المؤدي إلى سيطرة القوي واستضعاف الضعيف. والأخلاق مفهوم أيضا تحكمه جدلية الإنسان والواقع وما ينشئه العقل البشري وفق حاجياته ومصالحه، وإذا كان كذلك فإن ما يقوم به الشاذ جنسيا معلنا شذوذه كما مر معنا - متمردا على العقل الجمعي والفكري المنبثق من قيم ترى في هذا السلوك شذوذا- هو خروج عن أخلاقيات هذا المجتمع وخروج عن ميثاق فكري أخلاقي يجب أن يوضع في إطاره القانوني، دون مزايدات تحت أي مسمى من المسميات حرية كانت أو دينا أو ثقافة. فالواقع تحكمه قيم ومبادئ وإلا انهار من أساسه، حين يتسلط الشذوذ في تحدي القاعدة منبئا بالدخول في عالم العبث وعدم وضوح الرؤية. ولكن للأسف الشديد فقليلا ما نرى قراءات معينة لمثل هذه الظواهر تجنح عن الرؤيتين السالفتي الذكر، حيث يتم احتواء الموضوع دينيا أو سياسيا لصالح فئة من الفئات، وتكون جميع المقاربات المعطاة هي ردود فعال لا تجاوز حناجر قائليها مهما تستروا بالحرية المطلقة كما يفهمونها. *- المقاربات التشاركية وحل الشذوذ: لا بد وأن العقلية العربية نشأت وفي ذهنها أن المقاربات الأخلاقية كما يتصورها المتدينون، هي الحل الشافي لأي انحراف سلوكي مجتمعي. فكانت غالبا ما تكون المقاربات الزجرية أو الحدودية كما هي ثقافتنا الدينية، هي الحامي في نظر هذا الاتجاه من بروز أشكال وظواهر في حجم ما نحن بصدده، ولعل حد اللواط أحد أكبر الحدود المبينة لهذا التوجه الفقهي الحدودي، فكان القمع يؤسِّس دائما إلى سرية هذه الأفعال، وممارستها في الظلام بعيدا عن الأنظار دون بروز لها حتى زمن الحرية المطلقة كما نعيش أيامها. إن فشل المقاربات الحدودية والقمعية، هو فشل في تناول الإنسان كذات متشعبة تحتاج إلى مقاربات تشاركية ومتنوعة وباتجاهات متعددة. فلا بد أن الشذوذ سلوك بشري له ظروف خاصة وبيئة معينة تحكمه. ومن الخطأ تناول ظاهرة متجلية في العمق الإنساني قديما وحديثا بأشكال متنوعة تظهر وتختفي حسب ظروف وطبيعة المجتمع نفسه تناولا تبسيطيا قمعيا، لا يؤسس إلا إلا السرية دون محاولة تلمس الداء ودوائه. ومن هنا كان لزاما أن تفتح أبواب النقاش على مصراعيه بين كل الفاعلين والمؤثرين في الحقل الاجتماعي والحقوقي والسلوكي النفسي والديني ليؤسسوا لمرحلة ما هو الشذوذ؟ بدل كيف نعالج الشذوذ؟. إذ أن النظرة المخلة لقضايانا مجتمعة تطبعها هذه الرؤية الاختزالية التبسيطية، وهي جزء من الأزمة الفكرية للعقل العربي على فترات تشكله. والذي يخجل من مشاكله مهما كانت حساسة، هو كمن يريد أن يحجب ضوء الشمس بغربال، فلا بد أن حجمها سيؤثر بتراكمها الواحدة تلو الأخرى، لتخلق الأزمة والكارثة النهائية، وما نعيشه الآن من كبوات إنسانية هو أحد مظاهر تخلفنا على هذا الصعيد. http://fr.youtube.com/watch?v=eikVuYJlgjg http://fr.youtube.com/watch?v=QsqQXNPfb1o http://fr.youtube.com/watch?v=C6g6LVd8XC8
#يوسف_هريمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العطالة وإقالة العقل العربي !!! المغرب نموذجا
-
المعراج وأزمة فكر الأنثى!!!
-
أنا وقلم التمرد!!!
-
أُحِبُّكِ لَكِنْ أَخَاف؟!!!
-
نحو تأسيس مفهوم الكهنوت
-
قلمي ومعركة الاستبداد
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الأول
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الثاني
-
محراب الحرية
-
في محراب وردة...!!!
-
وَهْمُ سُورٍ...؟
-
أنا ومستنقع العربان...!!!
-
بلاد الوهم...!!!
-
القرآن وأزمة التأصيل: حوار صحفي...
-
الباحث يوسف هريمة التديّن إذا اصطبغ بالفكر الشمولي انتهى.. آ
...
-
عين على منهج إبراهيم ابن نبي في قراءة القرآن*
-
القرآن ومنطق الإقصاء
-
إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية
-
إبراهيم النبي وأزمة الثقافة الروائية
-
الشفاعة المحمدية والامتداد العقدي المسيحي
المزيد.....
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
المزيد.....
-
الجنسانية والتضامن: مثليات ومثليون دعماً لعمال المناجم
/ ديارمايد كيليهير
-
مجتمع الميم-عين في الأردن: -حبيبي… إحنا شعب ما بيسكُت!-
/ خالد عبد الهادي
-
هوموفوبيا
/ نبيل نوري لكَزار موحان
-
المثلية الجنسية تاريخيا لدى مجموعة من المدنيات الثقافية.
/ صفوان قسام
-
تكنولوجيات المعلومات والاتصالات كحلبة مصارعة: دراسة حالة علم
...
/ لارا منصور
-
المثلية الجنسية بين التاريخ و الديانات الإبراهيمية
/ أحمد محمود سعيد
-
المثلية الجنسية قدر أم اختيار؟
/ ياسمين عزيز عزت
-
المثلية الجنسية في اتحاد السوفيتي
/ مازن كم الماز
-
المثليون والثورة على السائد
/ بونوا بريفيل
-
المثليّة الجنسيّة عند النساء في الشرق الأوسط: تاريخها وتصوير
...
/ سمر حبيب
المزيد.....
|