|
هل الوطن العربي هو الذي يُهاجَر منه .. لا إليه ؟!
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2116 - 2007 / 12 / 1 - 11:19
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
جاء في صحيفة أخبار اليوم المصرية يوم 3/11/2007م" أن أكثر من مائة وخمسين شابا مصريا غرقوا في البحر أمام السواحل الإيطالية عندما تحطمت السفينة التي أقلتهم ليهاجروا إليها .. وقد شهد بعض الناجين أن الغرقى والناجين دفعوا ثمن غرقهم وعذابهم ، فقد دفع كل شاب لقراصنة البحر، أو تجار الرقيق في الألفية الثالثة مبلغا وقدره خمسة وعشرين ألف جنيه حتى يغادروا أوطانهم " لم أعثر على دراسات تُدمِجُ هذا الخبر ضمن إحصاءات سنوية بيانية تبيِّن عدد المهاجرين من الوطن العربي إلى خارجه ، لتخرج بحصيلة رقمية تُوضح حجم هذه الظاهرة وأسبابها . أعترف أولا بأن مفهوم الهجرة في الألفية الثالثة قد تغير ، ولم تعد الهجرة أمرا مستقبحا تعني أن يتخلى المهاجر عن وطنه (الذي تخلّى عنه) فقد يهاجر كثيرون هجرة مؤقتة ثم يعودون ليبنوا وطنهم ، وهذا النمط من الهجرة مرغوبٌ ومحبوب ! وأنا أيضا لا أعتبر بعض مغامرات الشباب لإثبات وجودهم خارج أوطانهم التي لا تشبع الحد الأدنى من طموحهم جريمةً بشعة في الأحوال العادية . غير أن ظاهرة الهجرة من الأوطان العربية ، لم تعد تصب في مجال الطموحات الفردية ، أوالهجرات المدروسة والمخطط لها ، وبالتالي فهي لا تدخل في باب المغامرات الفردية أو في إطار البعثات الدراسية المخطَّط لها بل إنها تحولت إلى ظاهرة جماهيرية و[ أغنية شعبية ] عربية يُرددها الصغار، ويتمناها الشيوخ الكبار، وتنام على وقعها الفتيات والنساء ، ويصفها المتحدثون لبعضهم كطبق شعبي شهي . ففي فلسطين يجري تداول الهجرة إلى خارج الوطن في أحاديث المساء والصباح ويذكرون أمثلة عليها تشمل الشباب والشيوخ ، فقد غادر معظم بُناةُ الوطن وطنهم ، كثيرٌ من رجال الأعمال فأُغلقتْ المصانع والمشاغل ، وهاجر كثيرٌ من المبدعين ممن يملكون أسباب الهجرة وأثمان بطاقات السفر والإقامة ، ولم يبق من الشباب النابغين والمبدعين ممن يُعوَّل عليهم في بناء الوطن إلا من قصُرتْ باعُهُم عنها ولا يملكون من المال ما يسمح لهم بالهجرة ! كما أننا اعتدنا منذ زمن أن نُكافيء المبدعين من أبنائنا ممن يحصلون على نسب مئوية عالية في امتحانات الثانوية العامة ، نكافئهم [ بتهجيرهم ] للدراسة في جامعات العالم المتحضربدون خطة ، كما كان يفعل حتى محمد على باشا أو كاترينا الثانية في روسيا ، فقد كانت البعثات وقتئذٍ في مجالات محددة يحتاجها الوطن ،ليعود المبعوث إلى وطنه ليبنيه ، أما اليوم فأبناؤنا المتفوقون يغادرون أوطانهم نهائيا وكأننا نقول لهم وطنكم وجامعاتكم لا تستحقكم !! أما في العراق الجريح فنزيف التهجير والهجرة ما يزال متواصلا حتى الآن ، وأخشى أن يكون العراق قد فرغ من تهجير آخر مبدعيه ولم يبق فيه سوى المقهورين المظلومين ممن أقعدتهم الحاجة والفقر عن الهجرة لضيقِ ذات اليد ! وفي السودان وما أدراك !! يستمر نزيف التهجير على وقع المعارك والفقر والفاقة والحرمان ، وفي المغرب ، كما في مصر يستمر النزوح بالبحر إلى أسبانيا وإلى المستعمرات الأسبانية كل يوم ! ولا أنسى أن جمهورية لبنان ظلتْ طوال التاريخ تُعتبرُ عميدة معهد الهجرة العربية وظلتْ (مصيفا) لأجيال المهاجرين، يفاخرون بها عن بعد ، وما أن يصلوها حتى [ يَصْلَوا] بمآسيها فيعودون إلى مهاجرهم باعتبارها الوطن الأول ويبقى لبنانُ المسكينُ هو الوطن الثاني ! وإذا أضفنا إلى ما سبق ما تقوم به بعضُ الدول المتحضرة التي [تنصب] شباكها للمبدعين والمتفوقين وأصحاب الخبرات والإبداعات في كل مكان من العالم العربي ،في السفارات والمراكز الثقافية ،تُُغريهم بالحياة الكريمة إذا هاجروا إليها ؛ فإننا لا نكون مخطئين إذا اعتبرنا ما يحدث مؤامرة خطيرة على ما بقي لنا من [هياكل وطنية] ما تزال تحمل اسم (العالم العربي) ! ولكي لا نُتَّهم بخضوعنا لنظرية المؤامرة ، فإننا نقرر بأن ما يحدث في عالمنا العربي أمرٌ مخططٌ له ، فمثلا إن دخول العربي إلى أي بلد أوروبي أسهل بكثير من دخول العربي أي بلد عربي ! وهذا أمرٌ يعرفه الكبيرُ والصغير ! كما أن تكلفةَ الاتصال الهاتفي بأمريكا ودول السوق الأوروبية وغيرها داخل ما يُسمى الوطن العربي أرخص بكثير من تكلفة الاتصال الهاتفي من دولة عربية إلى دولة عربية أخرى لا تفصلها عنها سوى بضعة كيلومترات فقط ، بل إن بعض الدول العربية تُغلق شبكة الاتصال مع دولة عربية أخرى بسبب نزاعات وخلافات تافهة على الرغم من أن آفاق الاتصالات في الألفية الثالثة صارت كالهواء ! أما عن حرية انتقال المعلومات فحدّث ولا حرج ، فالمعلومات تنتقل لنا بسهولة كلما كانت المسافةُ أبعد عن حدود الوطن العربي ! فأدب المغرب لا يُقرأ في المشرق إلا قليلا ، وصحف المشرق لا تصل إلى المغرب إلا في النادر ، أما في مطاراتنا فالأمر عجيبٌ وغريب ، فليذهب أي عربي إلى أية شركة طيران ويدرس جداول الرحلات من المطارات العربية إلى المطارات الأوروبية ، ففي اليوم الواحد هناك أكثر من رحلة إلى نيويورك وباريس وأمستردام وحتى أوسلو وتايلند وشنغهاي وسنغافورة وهونج كونج ، أما الرحلات بين الدار البيضاء ودمشق، وبين القاهرة وعمان ، وبين الجزائر والسودان وطرابلس فإنها تكون في الغالب مرة واحدة أو مرتين في الأسبوع في أحسن الأحوال !! أليس ذلك أمرا غريبا عجيبا يدخل في باب المؤامرة ، حتى يظلَّ العالمُ العربيُ هو الوطن (( الذي يُهاجرُ منه ، لا إليه))! أما عن أبرز أسباب الهجرة والتهجير فإنها ترجع بالدرجة الأولى إلى النقص الكبير في الجرعات الديموقراطية في العالم العربي ، الديموقراطية السياسية والاجتماعية والعقائدية ، الديموقراطية بمختلف أشكالها وألوانها ، الديموقراطية الآخذة في الزوال تدريجيا بعد أن شرع [ التطرُّف] والجهلُ يحلُّ محلّها وغدت بعض بلدان العرب (دفيئات) لإنتاج الإرهاب الذي يهدد العالم بأسره ! ويعود سبب الهجرة والتهجير من العالم العربي أيضا إلى غياب الخطط المستقبلية للبلاد العربية ، فكأن العرب يعيشون لماضيهم ، وليس لمستقبلهم ، فهم [ الماضويون] أهل النخوة والسيف والرمح والقلم ! فالمقررات الدراسية في معظم المدارس العربية محفوظاتٌ تراثيةٌ ، وأغانٍ وأناشيدٌ تهدف إلى تطويع الأبناء لتراث الآباء ، ولا تهدف لتوسيع مداركهم ليعيشوا عصرهم ومستقبلهم ! فهم ما يزالون يُجرِّمون كلَّ من ينادي بثورة على المقررات التعليمية والتربوية ، ويعتبرونه عميلا وجاسوسا يستحق الموت ! وأخيرا أتمنى قبل أن أموت أن أجد بعض من يحملون الجنسيات الأجنبية يقفون على أبواب سفاراتنا في الخارج يتقدمون بطلبات الحصول على الجنسيات العربية ، كما يفعل أبناؤنا على أبواب سفاراتهم في الدول العربية كي يحصلوا على جنسياتها ! كما أتمنى أن يرفع الحظر المفروض على الإحصاءات العلمية الموثقة عن الهجرة من الأوطان العربية إلى الخارج، وألا تُفسَّرهذه الإحصاءات بأنها مؤامرة تُهدد الأمن القومي لأنظمة الحكم العربية !
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يملك الفلسطينيون حق رفض حضور مؤتمر أنابولس؟
-
لماذا يخسر العربُ الحروب ؟!
-
إحالة غزة إلى التقاعُد !
-
المخزون الاستراتيجي الإسرائيلي من الأسرى الفلسطينيين !
-
من يُحصي جرائم إسرائيل في حق الثقافة ؟!
-
هل يتمخض مؤتمر الخريفة فيلد ... (ورقة ) !
-
رواية شيفرة دافنشي ... بين الحقيقة والخيال !
-
ما أكثر كُتَّاب المقالات ، وما أقل أثرهم !!
-
تركيا وفلسطين وأمريكا وقوانين العنصريات !
-
ميكافيللي هو مؤسس نظرية الفوضى الخلاّقة !!
-
كيف ينهض العرب من كبوتهم ؟!
-
مصانع صقل (الشائعات)!
-
عولمة ... شهر رمضان !!
-
العرب والألعاب الأولمبية !!
-
جماهيرية غزة العظمى!
-
جماهيرية غزة العظمى !
-
مجالس [ نتف الريش] !
-
البحث عن غريب في رواية ( أزمنة بيضاء) لغريب عسقلاني
-
مخاطر احتكار الإعلام
-
إقصاء الشاعر معين بسيسو عن غزة !
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|