أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نرين طلعت حاج محمود - مسؤولية المؤسسة الدينية عن الأخلاق العامة في المجتمعات الإسلامية















المزيد.....

مسؤولية المؤسسة الدينية عن الأخلاق العامة في المجتمعات الإسلامية


نرين طلعت حاج محمود

الحوار المتمدن-العدد: 652 - 2003 / 11 / 14 - 01:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


  الدين هو عبارة عن نصوص تتعلق بالمقدس و ما وراء الطبيعي و تصيغ مجموعة من السلوكيات الأخلاقية  و التشريعات,و لكن علاقة الفرد لا تتم مباشرة مع النص الديني إنما عن  طريق المؤسسة الدينية التي تنبثق عن الدين و تعمل على تفسير النصوص و إيصالها للفرد و هي القيِّمة على الواقع الديني , و على هذا فالمؤسسة الدينية لا تحمل صفة المقدس كالدين و لا يحمل أفراد هذه المؤسسة صفة تجعلهم فوق المجتمع.
 و بالتالي هي مؤسسة ككل مؤسسة مدنية أخرى تخضع لمعايير الأداء , أما ميدان الحكم على مستوى أدائها  فهو أخلاق المجتمع الإسلامي و سلوكياته و مفاهيمه , فهو المجال الذي تمارس فيه هذه المؤسسة نشاطها فمفاهيم المجتمع الإسلامي  و قواعد  السلوك فيه تقرر  انطلاقا من الحرام و الحلال ,أي انطلاقا من موقف ديني .
و أطرف مثل شعبي أسوقه للدلالة على المفاهيم الأخلاقية السارية  ,تلك التي تروى عن بائع الزيت الذي كان يمارس الغش على زبائنه و يساعده في ذلك قسمه برقبته و بأولاده  الذي يكرره دوما (برقبتي بولادي) , و في ذات الوقت لا يعتبر نفسه آثما أمام الله بقسمه الكاذب  لأنه يربط بحبل معلق إلى رقبته قطعة بولادي ( قطعه صغيرة من الفولاذ ) .
و سواء كانت هذه القصة صحيحة أم لا , فان هذه القصص الشعبية التي يصيغها المجتمع بحرية و دون رقيب  ذات أهمية بالغة لأنها تدل بعمق على الأخلاقيات السائدة و لذلك لا نستغرب من مدى انتشار آفة الكذب في المجتمعات الإسلامية و يمارسه المتدينون و غير المتدينين و كذلك الأقسام و الأيمان الغليظة الكاذبة و يمارسها كل أفراد المجتمع الذي لا يستطيع ان يتخذ رأيا في أية مسالة مستجدة إلا بالعودة للموقف الديني و الاطمئنان على حلالها أو حرامها.
و كل فرد  يستطيع ممارسة الغش و الكذب و الخداع دون الشعور بالذنب أو الشعور بارتكاب مخالفة دينية أمام الخالق ,عن طريق التبرير , كأن يقول في نفسه و أمام الله انه مضطر للكذب او الاستغفار مباشرة أو بعد الصلاة ,و إحدى التبريرات مثلا تلك التي تتعلق بعمليات النصب و الاحتيال و تبريرها من قبل من يقوم بها ان أموال الكفار مباحة , أما الكفار  فهم كل من يرغب بسرقتهم و الاحتيال عليهم و كل ذلك يجري ببساطة و دون ان يتناقض أبدا مع ممارسة الشعائر الدينية او الوقوف أمام الله في الصلاة.
إنَّ التأمل في المفاهيم الاجتماعية العامة يبين مدى تقدير العامة (للفلهوة) و الشطارة في الخداع و النفاق و الكذب و مدى الاحتقار الذي يكنه المجتمع  لكل سلوك نظيف كرفض الرشوة او الصدق في المعاملة الذي يوصف بالحمق و لا تستطيع هذه المؤسسة الادعاء  بعدم مسؤوليتها عن هذه الأخلاقيات الفاسدة لأن نشر الأخلاق الحميدة من صلب مهامها  ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وخصوصا ان الانحطاط الأخلاقي  يجري بالتزامن مع زيادة سلطة هذه المؤسسات التي تتيح لها صياغة المفاهيم و الأخلاق العامة , و الازدحام على خطب يوم الجمعة خير دليل على اتساع سلطتها و نفوذها وان هذه المؤسسات هي المسؤولة عن هذا التردي الأخلاقي و هي مشاركة به لأنها تتعامل مع التشريع تعامل حرفي دون إدراك روح التشريع و هي المسؤولة عن صياغة العلاقة التعبدية النفعية التي يمارسها المسلم مع الخالق و تغييب البعد الروحي لها  , بسبب فتاواها التبريرية النفعية التي تعلم المسلم الالتفاف على النص و ارتكاب الخطأ بدون المساس بحرفية النص بطرقة خبيثة , فأموال الفائدة حرام و لكن حين تسمى استثمار تصبح حلال بتغيير الاسم فقط , و الأطرف أن أموال الفائدة حرام و لكن ان تم  شراء المازوت بها تصبح حلال و تفسير ذلك أن هذه الأموال ستُحرق  , و ان قراءة آية كذا بعض صلاة العصر يمسح ذنب كذا و كذا و قراءة الآية الأخرى في فترة أخرى يمسح نوع آخر من الذنوب , و ان الحج يعيد  المؤمن طاهرا كما ولدته أمه و بالتالي يعود ليبدأ بارتكاب الذنوب على صفحة بيضاء و المثل الشعبي (إذا جارك حج اوم هج ) ذو دلالة بالغة على أخلاق من يسمّون بالحجاج  ,و الأكثر طرافة تلك العدادات الآلية التي شاع استعمالها من اجل إحصاء عدد مرات ذكر الله او ترديد الشهادتين و هي أشبه بمن يحسب على الله التقدمات ليوازن بين ما سيغفر له و ما هو متاح له لارتكاب الذنوب ,أو انه يثبِّت لنفسه ممسكا على الله في الأرقام الدقيقة التي تعطيها العدادات الآلية تماما كما يفعل بمعاملاته التجارية , حتى باتت علاقة المسلم مع الخالق أشبه بالعلاقة التجارية مع شخص آخر و ليس مع الخالق  عز و جل , لخلوها  من الإحساس الروحي الديني , بل تقوم على تأدية شعائر معينة و ذكر الله مقابل تحقيق منافع معينة .
فهذه الفتاوى الضيقة الأفق التي تصدرها هذه المؤسسات و تفسير أسبابها ,لها اثر خطير جدا لأنها تعيد صياغة مفاهيم الفرد و أخلاقه و طريقة تعاطيه مع الخالق فتصبح هذه الطريقة التبريرية أسلوبه الأساسي في التعامل مع الغير .
هذا عن مستوى أداء هذه المؤسسة أما عن مستوى تأهيل أفرادها  فهنا تكمن المفارقة الكبرى , فالمجتمعات الإسلامية رغم تمسكها الشديد بالدين الإسلامي و تغلغله في مفاهيمها الاجتماعية فإنها تنتقي من أبناءها الذين حققوا أعلى معدلات في امتحان شهادة الثانوية العامة أي ما يعني منطقيا أنهم يتمتعون بأعلى معدلات للذكاء لدخول المجالات العلمية و التقنية و الطبية و الهندسية ليكونوا الأمناء على الصحة الجسدية و العمران و التقنيات ,بينما توجه من أبناءها أولئك الذين حققوا ادني المعدلات في تلك الامتحانات و الذين معدل ذكائهم دون الوسط ليكونوا الفقهاء و الأمناء على أمور الدين ليلعبوا الأثر الأكبر في الأخلاق و السلوك و الفهم  العام , و هناك جزء من أبناء تلك المؤسسة ممن لم يمروا بمرحلة الثانوية العامة لان معدلاتهم في امتحانات الإعدادية لم تؤهلهم لدخول الثانويات العلمية أو الأدبية أو التجارية أو الصناعية أو الفنية ليدخلوا ثانويات الشريعة .
و هناك جزء ثالث ممن يمارسون الإرشاد الديني و هم يعينون أنفسهم بأنفسهم لهذه المهمة و هؤلاء حظهم من المعارف العلمية أو الدينية صفرا.
و بالتالي فان طلبة كليات الشريعة بمعظمهم مروا مرور الكرام (بسبب انخفاض معدلاتهم )  على مواد الرياضيات و الفيزياء و علم الطبيعة و الكيمياء ,و لا يخفى على احد أهمية مواد الرياضيات كالجبر و الهندسة الفراغية و علوم المثلثات على تطوير قدرة الدماغ على التحليل و التركيب و الاستنتاج و التصور و العلوم الأخرى على تكوين منهج علمي قادر على تعليل ظواهر الحياة الطبيعية و الاجتماعية تعليلا علمياً موضوعيا ,ً و هؤلاء على حرمانهم من هذه العلوم جميعا لا يتمتعون بقدرة على الاستقراء و الاستنتاج المنطقي كما حرموا من الإطلاع على الآداب العالمية بكل ما تقدمه للإنسان  من توسيع لمداركه و معارفه إضافة للمتعة الفكرية الأدبية الراقية, و حرموا أيضا  من العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع و التربية و هذا ما يجعل مفاهيمهم حول الأخلاق بدائية جدا تنهل من ارث عمره آلاف السنين و لا ينطلق من فهم داخلي عميق لطبيعة الإنسان و لا تأخذ باعتبارها التطور المذهل الذي أصابته علوم النفس و التربية و هو ما يفسر السبب في تعاطي أبناء هذه المؤسسات مع النص الديني تعاطي حرفي دون إدراك البعد الروحي للدين الإسلامي لان هذا الإدراك يحتاج لمعدل ذكاء مرتفع و قدرة على التحليل و التركيب و الاستنتاج  و الاستقراء .
و هذه المؤسسات و رغم تدني مستوى أدائها و مستوى التأهيل لدى أفرادها هي الأمينة على أهم ما يجب ان تحققه الدول المتخلفة للخروج من دائرة التخلف و هو تطوير  المفاهيم الاجتماعية حيث لا يمكن لأي تطور تقني او تكنولوجي مما تنفق عليه الدول المتخلفة ان يحقق غايته بمثل هذه الحال من التدهور الاجتماعي و الأخلاقي فلا حضارة حديثة بدون المجتمع الحر الخلاق المتوازن , لأن الحضارة هي عمل الإنسان . 



#نرين_طلعت_حاج_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة في عرف المجتمع
- شلة حسب الله و الهوية الجديدة
- حرب الشيشان حرب تحرير وطني و ليست حربا دينية
- أخلاق الرعيان ...إلى متى ؟


المزيد.....




- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نرين طلعت حاج محمود - مسؤولية المؤسسة الدينية عن الأخلاق العامة في المجتمعات الإسلامية