أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاهر أحمد نصر - قانون الأحزاب السياسية من وسائل الإصلاح السياسي الديموقراطي















المزيد.....


قانون الأحزاب السياسية من وسائل الإصلاح السياسي الديموقراطي


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 652 - 2003 / 11 / 14 - 02:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


 تتطلب مسألة معالجة المهام والتحديات الماثلة أمام بلداننا ضرورة إصلاح البنية الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية المهيمنة فيها، كي تنسجم مع منحى التطور العصري السليم .. ومما لا شك فيه أنّ عملية الإصلاح والتطوير في المجتمع ، عملية متداخلة، ومتكاملة.. فعملية الإصلاح الاقتصادي، تحتاج إلى إرادة صادقة، وإلى دراسة وفهم الواقع الاقتصادي الحالي، وإلى وضع رؤية وتصور علمي سليم للمستقبل، وخلق بيئة سياسية ملائمة لها.. وكذا عملية الإصلاح الاجتماعي ، والقانوني.. فالتشريعات الخاصة بتفعيل دور القطاع الخاص، والمصارف الخاصة، على سبيل المثال، تحتاج إلى مناخ سياسي يشجعها ويحميها. كما أنّ وجود فئة رجال الأعمال، واقتصاد السوق، يفترض وجود بنى سياسية وإعلامية وصحافة، تقام على أسس جديدة ملائمة، تختلف كثيراً عن البنى المقتبسة من الخارج بما فيها تلك الرؤى ذات التوجه الاشتراكي ..
 كما يحتاج تشخيص الحالة السياسية، ودور ومستقبل الأحزاب السياسية ، إلى نظرة موضوعية، وأسلوب بحث علمي، يتسم بروح النقد الجريء والبناء، بعيداً عن الخوف والمحابات..
فالبحث العلمي السليم يضع جميع الأحزاب والأيدولوجيا والمنطلقات النظرية، والقوانين، والدساتير، وخطب القادة والزعماء، وتاريخهم تحت مجهر التمحيص، والشك، والنقد، ويتطلب ضرورة الاعتراف بالأخطاء وتلافيها.. 
ولمّا كانت الحياة الاجتماعية في حركة، وتطور، وتغير مستمر، فإنّ ما كان صالحاً في زمن ما، قد يصبح معرقلاً للتطور في زمن لاحق.. بالتالي لا بد من إعادة النظر في الفكر، ومناهج العمل باستمرار.. ويتطلب ذلك مناخاً فكرياً، وحياةً اجتماعيةً، ووسيلةً وأسلوباً ملائماً.. وخير مناخ وأسلوب ووسيلة مجربة في هذا المجال هي الحرية والديموقراطية..

ضرورة إجراء التعديلات الدستورية:
لكي نستطيع ممارسة النقد العلمي البناء في المجال السياسي، وتبيان الترهل في الأحزاب وأدائها، وفي البنية السياسية والاجتماعية، ووضع قوانين أحزاب عصرية، ولكي تستطيع هذه الأحزاب القيام بدورها، نحتاج إلى الانطلاق من أسس تسمح بذلك، عرّفتها التجربة الإنسانية بالأسس الديموقراطية، التي تشمل فيما تشمل :
ـ وسائل وسبل حكم الشعب عبر الانتخابات وسيادة القانون على جميع أفراد وتنظيمات وقوى المجتمع، فجميع أبناء المجتمع الديموقراطي الواحد من مختلف القوميات، والأديان، والمذاهب، والطوائف، والألوان، والطبقات، متساوون قانونياً وأخلاقياً ..
ـ سيادة واحترام الحقوق والحريات الأساسية .. 
ـ السيادة المرحلية لحكم الأغلبية الشعبية التي تفوز بالانتخابات الديموقراطية وفق قوانين أحزاب، وقوانين انتخابات تصوغها فعاليات المجتمع الأساسية، ويقرها الشعب في استفتاءات حرة نزيهة.. والإقرار بضرورة وجود المعارضة، وحقها الذي يكفله الدستور في التداول السلمي للحكم والسلطة ..
هذا ما يقودنا إلى ضرورة وجود دستور ديموقراطي عصري يعترف بحق جميع الأحزاب السياسية في الوطن في الوصول إلى الحكم، وتداول السلطة بشكل قانوني وسلمي، وعدم احتكارها أو حصرها بحزب دون غيره.. فالتعديلات الدستورية أصبحت مسألة ملحة، وضرورية، إن أردنا السير في طريق الإصلاح والتطوير.
من الملاحظ والمستغرب أنّه ، ما أن تذكر مسألة التعديلات الدستورية وضرورتها، حتى يبدأ البعض يكيل الاتهامات بحق المطالبين بها، وترفع عصا التهديد والوعيد ضدهم، بزعم محاولتهم تغيير الدستور بالقوة، على الرغم من أنّهم لا يملكون من قوة إلاّ حجة إبداء الرأي المقيد.. وعلى الرغم من أنّ الذين يوجهون هذه الاتهامات أنفسهم يتخذون قرارات بعضها لا ينسجم مع الدستور، وهم مضطرون ومحقون في ذلك، لأن الدستور الذي كتب منذ حوالي النصف قرن ، كتب في ظروف تختلف كثيراً عن ظروفنا الحالية، وعملية التطور الاقتصادي والاجتماعي تتطلب اعتماد قوانين جديدة قد لا تنسجم مع بعض مواد الدستور القديمة .. لنأخذ على سبيل المثال كيفية التعامل مع المادة التي تنص على أنّ " الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط .. " . من المعلوم أنّه في الاقتصاد الاشتراكي لا وجود للمصارف الخاصة، ولا للبورصات.. بينما عملية التطور الاقتصادي في ظروفنا الحالية تتطلب وجود هذه المصارف، فقامت الحكومة بسن القوانين التي تسمح بعملها.. وينطبق ذلك على مسألة العمل السياسي ونشاط الأحزاب والجمعيات المدنية والسياسية.. إنّها تحتاج للترخيص والوجود والعمل ضمن آليات وقوانين لا يتضمنها الدستور الحالي.. كل ذلك يبين أنّه أصبح من الضروري إدخال تعديلات على الدستور، كي يشمل الأسس السليمة والأركان الأساسية للعمل السياسي، وأسس تشكيل ونشاط الأحزاب السياسية.. انطلاقاً من إقرار مبدأ دستوري يقر التعددية السياسية، وتعدد الأحزاب السياسية.. وهذا المبدأ يتطلب من الدولة أن تضمن مساواة جميع الأحزاب السياسية أمام القانون، بغض النظر عن الأمور الفكرية والأهداف الواردة في برامجها؛ شرط ألاّ تتعارض مع المصالح الوطنية للدولة والمجتمع.. والصيغة السليمة لمهمة الدولة في تأمين احترام الحقوق والمصالح السياسية للأحزاب السياسية، يجب أن تتضمن في متن وصلب الدستور.

قانون الأحزاب السياسية:
بما أنّ الأحزاب السياسية، تشكل النسيج السياسي في الدولة، ومن حق كل حزب سياسي أن يصل إلى قيادة الدولة، فمن الطبيعي أن يكون للدولة دور علني ومعروف، في الإشراف على نشاط هذه الأحزاب، من خلال قانون يحدد آلية تشكيل الأحزاب، وتحديد بعض الحدود في برامجها السياسية، والفكرية، والرقابية الداخلية، التي تؤثر على الاستقرار الاجتماعي، وعلاقتها التنافسية الندية فيما بينها، تلك العلاقة البعيدة عن الروح والممارسة الاقصائية، وعلاقة هذه الأحزاب بأجهزة الدولة .. ومن الضروري أن يلعب قانون الأحزاب دوراً فعالاً في مساعدة الأحزاب السياسية في التطور، والممارسة الديموقراطية الداخلية والخارجية على أسس ديموقراطية متحضرة، تبعد من برامجها مختلف صنوف الفكر الانقلابي، والاقصائي، والاستبدادي، والطائفي، والعرقي، والديني والإقليمي المنغلق.. وتحديد الآليات الديموقراطية في انتخاب قياداتها، بحيث تؤمن التجدد المستمر في هذه القيادات، واستبعاد مخاطر عبادة الفرد، وأبدية القيادة، لما يتركه ذلك من آثار سلبية على عمل هذه الأحزاب التي تفقد طبيعتها السياسية الوطنية العامة، وتتقوقع في إطار عائلة وقبيلة القائد، ويضمحل دورها الوطني..
فالمطلوب من قانون الأحزاب السياسية أن يحدد أسس تشكيل الأحزاب السياسية، فضلاً عن الضوابط والحدود التي تحمي الأحزاب من مخاطر فقدانها لدورها الوطني، أو لعب دور سلبي في المجتمع، وخير وسيلة لذلك تكمن في تحديد الأسس العامة لبنائها على أسس ديموقراطية، تتضمن القواعد الأساسية الناظمة للبنيان السياسي، والممارسة الوطنية الديموقراطية، ومن أهمها:
   ـ حق المواطنين جميعاً في ممارسة العمل السياسي، وفي تشكيل الأحزاب السياسية، التي تفسح المجال للانخراط فيها للنساء والرجال بشكل طوعي..
  ـ فتح أبواب الحزب السياسي إلى جميع أبناء الوطن من دون استثناء، أو تمييز قومي، أو ديني، أو إقليمي، أو جنسي، مع التأكيد على مسألة تحرر المرأة، ونيلها حقوقها كاملة .
ـ عدم السماح بتشكيل أحزاب سياسية على أسس عرقية، أو دينية، أو إقليمية،  مع فسح المجال لتشكيل، ونشاط الجمعيات الأهلية والخيرية الدينية غير السياسية.
ـ نبذ واستبعاد أية إمكانية وسبيل لعبادة الفرد في الأحزاب السياسية، ومختلف أشكال الزعامة الطائفية، أو العشائرية، أو الدينية..
ـ أن تكون الأسس التي تبنى عليها الأحزاب السياسية، ومبادئ عملها، وطرق وآليات معالجة أزماتها، وعمليات الانتخاب فيها، وتبدل قياداتها، وأسس الحوار في داخلها،  أسساً علنية وديموقراطية، ونبذ كافة أشكال القمع والضغط.. كي يتربى أعضاؤها وقادتها على الممارسة الديموقراطية، خاصة وأنّهم يطمحون لقيادة الدولة والمجتمع في إطار القانون الذي يعطيهم هذا الحق.. مع التأكيد على أن الإنسان أو النظام الاجتماعي، أو الحزب السياسي لا يصبح ديموقراطياً بمجرد إعلانه بأنّه ديموقراطي، بل بجب اعتماد آليات وأسلوب عمل، ومنهج في الفكر وفي الممارسة الداخلية، وفي العلاقة مع الذات، ومع الآخر، تثبت ذلك وتعززه..
  فقانون الأحزاب السياسية يتضمن قواعد وعلاقة الدولة بالأحزاب السياسية، وأصول وطرق تسجيلها، وحقوقها وواجباتها، ووسائل مساعدتها، وتمويلها، ودساتيرها، وآليات عملها ونشاطها،  والأسس التي تضبط العمل السياسي، وتمنع تشكل الأحزاب على أسس تهدد المصالح والوحدة الوطنية، أو تعيق تقدم المجتمع وتطوره ورقيه، وإمكانية حظر، وحل الأحزاب السياسية، عندما تهدد الأمن والسلام الوطني والاجتماعي..

قانون الأحزاب السياسية و مصير الأحزاب القديمة:
من الطبيعي أن تتأثر الأحزاب القديمة بمسألة صدور قانون أحزاب عصري على الأسس الديموقراطية المعروفة والمجربة تاريخياً ودولياً، والتي يكمن مبدأ المساواة القانونية بين جميع الأحزاب السياسية في صلبها؛ إذ سيفقد بعضها كثيراً من الامتيازات التي حصل عليها بموجب الآليات السابقة .. وسينعكس ذلك على بنية هذه الأحزاب وعلى تعدادها، وسينفض عن الحزب الحاكم ، مثلاً، كثير من غبار الوصولية والانتهازية، والمرتزقة.. وأصحاب المصالح واللاهثين وراء المناصب والامتيازات، وسنطالع على صفحات جرائده أسماء الكثيرين ممن سيتم فصلهم من صفوفه، من الانتهازيين، والفاسدين والمختلسين والمرتشين.. والذين نستغرب كيف لم يعلن فصلهم منذ حين!! وستظهر قيادات جديدة أغلبها من صفوف الشباب غيورة على حزبها ، وعلى تاريخه ومستقبله..
 ومن البديهي أن تقوم الأحزاب التاريخية والمعمرة بتطوير الأسس الفكرية والنظرية التي بنيت عليها؛ هذه مسألة مسلم بها في الأحول الطبيعية.. وتزداد ضرورتها في أيامنا المعاصرة.. ومن الضروري أن تعلن قيادتها عن فتح باب التفكير والاجتهاد بحثاً عن منهج الفكر والعمل المناسب والملائم للمستجدات والمتغيرات المستمرة..
إنّ أسس العمل الحزبي السياسي وفق قانون أحزاب سياسية عصري، يقر التعددية السياسية، يحتم على جميع الأحزاب القائدة والمقادة (المقيدة) أن تنظر نظرة نقدية علمية موضوعية إلى تاريخها، وفكرها، وبرامجها ، وأسلوب عملها، وعلاقاتها الداخلية، ومع الآخر .. فالمناخ السياسي الجديد يتطلب فكراً وأساليب وآليات عمل تنسجم معه، كما يتطلب رؤوساً جديدة، ونظرة جديدة لمسألة الكادر الحزبي، وضرورة الاستفادة من الإنجازات العلمية الحديثة، بما في ذلك شبكة الانترنيت، في العمل الفكري والثقافي والتواصل بين أعضاء التنظيم الحزبي وبينهم وبين الآخر..
هذا لا يعني إطلاقاً أنّ كل قديم أصبح بالياً وبائداً أو معرقلاً، على العكس لا بد من الاستفادة من القديم النفيس، ومن الضروري التمسك بالمبادئ والمثل القيمة، وفي صلب هذه المبادئ أسس الفكر الوطني الذي يعزز حب الوطن عند أبناء الوطن وأعضاء الأحزاب السياسية، والفكر القومي العقلاني والمتنور الذي يدعو للوحدة والتضامن بين أبناء الأمة في وجه المعتدين، ومقارعة الفكر العنصري والصهيوني الاستيطاني، واحترام حقوق الآخر والأقليات القومية كالأكراد، وغيرهم .. وكذلك الأمر بالنسبة لأسس الفكر العلماني التحرري والاشتراكي التي هي من نتاج تطور الفكر الإنساني على مر العصور، والتي ستبقى ضرورية للبشرية لبناء مجتمعات تنشد العدالة.. 
 وبما أنّ عملية الإصلاح الديموقراطي هي عملية متكاملة ستطال جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية.. وستفسح المجال لآليات عمل جديدة في إطار التنظيمات الاجتماعية، والنقابات، فإنّ مواقع جميع الأحزاب السياسية ستتغير في هذه التنظيمات والنقابات..
 أما فيما يخص الأحزاب التي وُضعت في البرادات، وغرف الإنعاش، فإنّ الكثير منها سيبقى متكلساً، والبعض ما أن يرى نور العمل السياسي الحقيقي سيتفتت وينتهي، كما تنتهي حبات القمح المحنطة منذ عصر الفراعنة، آن إخراجها من بوتقتها، وتعرضها للظروف الجوية الطبيعية.. لهذا السبب نجدها تعارض وجود قانون أحزاب عصري، وتستبسل في معارضته، لأنّها تجد في الحياة الحزبية على أسس قانونية سليمة نهاية لامتيازاتها غير الشرعية، ولوجودها المشوه..
 ومن الطبيعي أن تتشكل أحزاب جديدة من خارج إطار الأحزاب القديمة، ومن خارج ما يسمى بالمعارضة التي لا تختلف كثيراً عن الأحزاب الحاكمة، لأنّها جميعها خرجت من معطف مدرسة فكرية وتنظيمية متشابهة..
يتخوف الكثيرون من نتائج إشاعة الديموقراطية في المجتمعات العربية.. وينسجون شبحاً مخيفاً مما يسمى بالحالة الإسلامية.. ويستغل أعداء الديموقراطية والمستفيدون من حالة غيابها ذلك، للترويج للحالة غير الديموقراطية، ويتغنون بالاستبداد والديكتاتورية التي تؤمن الأمن والاستقرار، مقابل المجهول الإسلامي والذي يربطه بعضهم بالإرهاب.. ويستندون  محقين على النشاطات التخريبية، وأعمال التفجيرات التي قامت بها بعض التنظيمات التي تدعي إنّها تدافع عن الإسلام وهو منها بريء..
  إنّ الإسلام دين محبة وتسامح، وهو من النسيج الجوهري في البنية الاجتماعية العربية، وهذه الحالة كانت ، وما زالت، وستبقى موجودةً في البنية الاجتماعية العربية بشكل عام .. ونظراً لضعف مناخ العمل السياسي في بلداننا العربية، فإنّ التنظيمات الدينية، بما فيها الإسلامية تنشط وتؤكد وجودها من خلال الجمعيات الخيرية، والأهلية والاجتماعية، والفكرية والثقافية، بل تأخذ أحياناً أشكالاً تنظيمية.. إنّ حقيقة وجود هذا الشكل من النشاط الاجتماعي ـ من وجهة نظر الحريات الاجتماعية ـ هي مسألة سليمة وضرورية، إنما تبقى ناقصةً.. ولتوجيه هذا الفعل الاجتماعي في المنحى السليم، من الضروري قنونته وإكسابه الصفة والصبغة العلنية والقانونية، التي تجعله تحت مظلة الدولة الديموقراطية، وتسمح بتعرضه للنقد والتصويب، إن اتجه اتجاهات تخل في مصلحة وأمن المجتمع .. ويحصل ذلك في ظل القانون والدستور الديموقراطي.. وكما نوهنا فإنّ قانون الأحزاب السياسية والجمعيات يتضمن الأسس والضوابط التي تمنع تشكيل الأحزاب على أسس تضر بأمن المجتمع، وتفضي إلى تشرذمه على أسس عرقية، أو مذهبية، أو دينية ضيقة، وتفسح تلك الأسس المجال لمؤسسات المجتمع المدني والأهلي والخيري بممارسة نشاطها الذي يخدم المجتمع بكل حرية ومسؤولية، وتوجه العمل الحزبي والسياسي في صالح المجتمع ودولة الحق والقانون.. وفي المناخ الديموقراطي السليم، في دولة الحق والقانون، لا وجود للمجهول، ولا خوف من المجهول..

أهمية قانون الانتخاب الديموقراطي العصري
نظراً لانتشار الفكر الديني، وتعاظم دور القوى الدينية، وخاصة الإسلامية في البلدان العربية، يسود اعتقاد بأنّ أية انتخابات ديموقراطية ستفضي إلى تفوق هذه القوى، وهيمنتها على الساحة السياسية، بل واستلامها الحكم والسلطة، ومن ثم النكوص عن الحالة الديموقراطية..
كما أنّ الانتخابات النيابية في بعض البلدات العربية، التي تتبنى العملية الديموقراطية في الانتخابات، كلبنان، تقود إلى هيمنة أصحاب رؤوس الأموال على البرلمان والحكومة..
وأثبتت تجربة الانتخابات المفتوحة في بعض مفاصل الإدارة المحلية، ومجلس الشعب في غياب قانون الأحزاب، وقانون الانتخاب الحضاري، نجاح المندوبين على أسس عائلية، ودينية، ومذهبية، وإقليمية ضيقة.. وفوز أصحاب الرساميل أيضاً..
 من الضروري أن نعي حقيقة أنّ الديموقراطية ليست عصا سحرية، وأنّها تحتاج إلى تجديد مستمر، كما تحتاج الأحزاب السياسية والقوانين إلى تجديد مستمر أيضاً، علينا أن لا نخاف، لا من التجديد، ولا من التعديل، أو التراجع عندما تقتضي الضرورة، بل علينا أن نخاف من الجمود والركود، وعدم الإقدام والمبادرة. إنّ الديموقراطية في أوروبا نفسها تحتاج إلى تجديد مستمر، وتوجه إليها وإلى الأحزاب السياسية الأوروبية انتقادات مستمرة، نتيجة هيمنة البيروقراطية عليها، وتركيز جل اهتمامها على الفوز بالانتخابات فقط، وتضاؤل دورها في تفعيل مشاركة المواطنين في الحياة السياسية..
ولمعالجة كل هذه السلبيات، والمآخذ على العملية الديموقراطية، من الضروري صياغة قانون انتخاب على أسس ديموقراطية، يسمح بتجاوز تلك السلبيات.. وفي هذا الخصوص لا بد من التنويه إلى أنّ الانتخابات المفتوحة الأخيرة ـ التي تغنّى بها بعض قادة الأحزاب الجبهوية على أنّها ممارسة حرة وديموقراطية ـ تختلف عن الانتخابات الديموقراطية الصحيحة، فالانفلاش الذي يقود إلى الانتخاب على أساس العشيرة والطائفة، والمذهب، والرشوة المالية ليس ديموقراطية.. إنما للديموقراطية أسسها التي تساهم في ارتقاء تفكير وإدراك المواطن من الإطار الضيق إلى الوعي المدني الشامل.. ويتجلى ذلك في مجال الانتخابات عبر قانون الانتخاب على أسس حزبية سياسية نسبية. فيحدد قانون الانتخاب الأحزاب المسموح لها بالمشاركة في الانتخابات، وآلية تشكيل الكتل الحزبية، وشروط الترشيح ، والحملات الانتخابية، والتمويل، ومقدار النسبة التي يجب أن يحوز عليها كل حزب لولوج المجالس المحلية، والبرلمان.. بالتالي نستطيع بواسطة الطريقة التي نحدد فيها قانون الانتخابات أن نحدد طبيعة القوى السياسية الجديرة بحكم وقيادة البلد والمجتمع والشعب..

ضرورة المرحلة الانتقالية:
نظراً للانقطاع الطويل عن الممارسة الديموقراطية الحرة في ظل قانون أحزاب سياسية، وقانون انتخاب عصريين في بلادنا، لا بد من المرور بمرحلة انتقالية، تقود بسلاسة إلى المناخ والحياة السياسية الفعالة والسليمة، قد تستغرق سنتين أو ثلاث . يجري خلالها طرح فلسفة وفكر الإصلاح والتطوير ، ويتم اعتماد التعديلات الدستورية، وقوانين الأحزاب السياسية، وقانون الانتخابات؛ لأنّ أية انتخابات وفق الظروف الحالية، ومن دون تمهيد فكري ونفسي ديموقراطي سليم، ستقود لنجاح القوى والأحزاب القديمة وفق مناهجها التي لم يعد أغلبها ملائماً لمتطلبات المرحلة الحالية، ولشروط الخروج من الأزمة .... ومن المفيد الإعلان عن هذه المرحلة الانتقالية التي يجري خلالها الاستعداد الديموقراطي الفكري، والثقافي، والنفسي للحياة السياسية السليمة، مع السماح بإصدار الصحافة الحرة، وبتشكيل الأحزاب السياسية، التي ستطرح برامجها، وفكرها ليتعرف المواطنون عليها، وتخلق أجواءً مناسبة لثقة المواطنين في إمكانية  وضرورة ممارسة حقهم وواجبهم السياسي، وإجراء الانتخابات على أسس حزبية سياسية وطنية، وليس طائفية، أو مالية، أو عائلية. والطلب من جميع القوى والأحزاب السياسية، خلال هذه الفترة الانتقالية، أن تطرح ما تراه ضرورياً في مجال تحسين العمل السياسي، وتفعيل مشاركة المواطنين في تقرير مستقبلهم السياسي.. مما يساعد في خلق المناخ السليم لانتقال المجتمع إلى الحياة الديموقراطية الكريمة.. 
طرطوس 1/9/2003                
                         



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشكلة العرب والمسلمين ليست مع اليهود كيهود
- مصير العملاء السريين
- العلم عند العرب بين النهوض والتعثر
- إذا أردتم تحرير المرأة ، فابنوا مجتمعات على أسس متحضرة
- هل استكملت الأنظمة العربية عملية بناء الدولة القابلة على الب ...
- هل هناك من يريد ويعمل على البحث عن مطبات تعرقل الإصلاح؟
- المصلحة الوطنية تقتضي منع محاكمة من يتوجه لحضور محاضرة!
- الأنظمة الديموقراطية الشعبية المتكلسة ديموقراطية المظهر، ديك ...
- الديموقراطية في دولة الحق والقانون وسيلة ضرورية للتطور ومواج ...
- في أسباب انتشار الفكر الغيبي ـ أساليب الحكم وفق قوانين الطوا ...
- يوم كئيب في تاريخ الصحافة السورية
- في آلية الصراع داخل الأحزاب السياسية في البلدان العربية ـ ال ...
- في حقيقة المعارضة في المجتمعات البشرية
- لا تدعوا هذا الصوت يخبو
- كل إصلاح اقتصادي وإداري لا يترافق مع الإصلاح الفكري والسياسي ...
- الإصلاح السياسي الديموقراطي مطلب وطني عام ، وليس مطلب شخصيات ...
- صفحات ديموقراطية مضيئة في تاريخ سورية لمحة موجزة من تاريخ ال ...
- مؤسسات المجتمع المدني في الدولة الديموقراطية القوية من ضرورا ...
- الحوار المتمدن تعبير عن حضارة وديموقراطية الشعوب
- .......سيدي الكريم حمزة الحسن // زيتونـة الشــام - هادي العل ...


المزيد.....




- روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر ...
- تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول ...
- ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن ...
- ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب ...
- -الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب ...
- أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد ...
- البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي ...
- موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
- -شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو) ...
- ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاهر أحمد نصر - قانون الأحزاب السياسية من وسائل الإصلاح السياسي الديموقراطي