أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - سامي فريدي - مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات















المزيد.....

مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات


سامي فريدي

الحوار المتمدن-العدد: 2112 - 2007 / 11 / 27 - 07:29
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


الشرق غرب.. والغرب شرق
مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات

معادلات معكوسة
منذ انهيار النظام الاشتراكي (1989) ارتفع معدل حركة الأفراد على الصعيد الدولي بدرجات مخيفة، تحولت في حالات معينة إلى هجرة اجتماعية مشتركة لمنظومات ثقافية وجماعات عرقية أو سكانية، بما يستدل منه السعي للحصول على وطن جديد، يمنح الجماعة عوامل الاستقرار وتأمين الحاجات التي لم تعد متوفرة في المكان الأصلي (الوطن). وفي بلد مثل العراق، احتضن على مدى التاريخ جماعات أثنية وثقافية متعددة، يشهد منذ النصف الثاني للقرن العشرين حتى الأن إزاحات سكانية متصلة، أصبحت مركزية بعض فئاته خارج الميسوبوتاميا، مثل الصابئة والأيزيدية والمسيحية، والخطورة هنا ليست في مسألة الهجرة، وانما في الهجرة الدائمية، وكثير من أبناء العراق الأصليين لا يفكرون في العودة مطلقاً، وهنا مدعاة للتأمل والدراسة، في مدى معيارية مفهوم (وطن) عاجز عن منح شروط الاستقرار والخبز والكرامة لأبنائه. على أن الظاهرة تتجاوز المثال العراقي إلى بلدان وأثنيات كثيرة من أفريقيا وآسيا وجنوب أميركا. تشير التقديرات إلى دخول حوالي مليوني نسمة إلى بريطانيا خلال السنوات القليلة الماضية، مقابل هجرة ربع مليون أنجليزي من السكان الأصليين نحو اوستراليا وكندا ونيوزيلنده والولايات المتحدة. إلى جانب وجود هجرة داخلية ممثلة بإزاحة سكان البلاد من المراكز إلى الأطراف، أو من الجنوب إلى الشمال (استكلندا /ايرلنده)، بينما تحولت لندن الميتروبول الدولي طيلة قرون إلى (لندنستان) حسب وصف المخابرات المركزية الأميركية، جراء غزو الجماعات الأسيوية لها كمركز تجاري عالمي. أما الظاهرة الآخرى، فهو اختزال قيمة الهجرة كممارسة ايجابية إلى هجرة سلبية بالمعنى الحضاري، فبدلا من استفادة المهاجرة من ملامح الحضارة في البيئة الجديدة ومقوماتها، نقلوا إليها تقاليدهم المحلية وشوّهوا مقومات الاستقرار والمدنية فيها. فإلى جانب عدم استفادتهم الفكرية والسلوكية من الحضارة والمدنية الجديدة، دمروا ملامح البيئة الجديدة. فإذا كانت هذه الجماعات تركت مواطنها الأصلية بسبب ما لحقها من خراب، فأن البيئة الجديدة، لا تفتأ إن تصتب بعدوى الخراب، وهو ما تكشف عن إزاحات سكانية مضادة داخلية وخارجية، لا تقتصر على السكان الأصليين، وانما على المهاجرين الوافدين السابقين الذين استقروا في البلاد واندمجوا في مضمار حضارتها، ولا يستطيعون تقبل مظاهر التخلف التي ولوها الأدبار منذ زمن بعيد. هل العالم بحاجة إلى تحديد مفهوم جديد لموضوعة الحقوق الثقافية واحترام الثقافات المحلية دون تهديد الثقافات الأصلية والهويات القومية للسكان الأصليين؟!!.
*
انفجار سكاني..
الانفجار السكاني لبلدان العالم الثالث، هو نتيجة مباشرة لعمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية قصيرة المدى خلال النصف الثاني للقرن العشرين المنصرم. لقد أريد ببرامج التنمية المدعومة في جانب منها من البلدان المتقدمة الاشتراكية والرأسمالية ومؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والكوميكون قبل تفكيكها، تقليل الفجوة الحضارية والصناعية بين بلدان الجنوب (المتخلفة اقتصادياً) ودول الشمال (الصناعية المتقدمة). لكن النتيجة كانت المزيد من التخلف الاقتصادي والوقوع في مستنقع الديون والتبعية والتخبّط الاقتصادي. بمعنى آخر، أن الدول دون النامية، [وسط وجنوب آسيا، أفريقيا وأميركا الجنوبية]، لم تعد متخلفة كالسابق، ولكنها أكثر عجزاً على مقاربة عربات التقدم الصناعي. وبدلاً منه، فقد..
1- أثقلت كاهلها بأعباء الديون وفوائدها.
2- السقوط في التبعية والعجز عن موازنة ميزانها التجاري، نتيجة حاجتها المتزايدة للاستيراد لسدّ الحاجة المحلية المتزايدة.
3- التخلف القطاعي في الاقتصاد وتخبّط إجراءاتها وسياساتها التجارية.
4- تزايد معدّل نمو السكان نتيجة تحسن ظروف الصحة والتعليم، وتشوّه التوزيع الدمغرافي للمجتمع.
5- عجز الاقتصاد المحلي عن استيعاب الحاجة المتزايدة لفرص العمل، وتلبية الاحتياجات السلعية والغذائية.
6- استفحال الأزمات الاجتماعية وفي مقدمتها الهجرة غير المنظمة.
*
تشوّه ديمغرافي..
أولاً: تقدم حضاري واحتضار سكاني
كان من نتائج البناء (إعادة البناء) الاقتصادي لأوربا الغربية عقب الحرب العالمية الثانية، ازدياد تأثير العامل الاقتصادي في السياسات الاجتماعية للمجتمعات المحلية عامة. ترتب عليه عجز البلاد الأوربية عن تعويض الخسائر البشرية في الحرب وضحايا المعتقلات النازية. ان جيل ما بعد الحرب الثانية في أوربا، هم أبناء أرامل الحرب الذين فقدوا آباءهم في ظل ظروف متفاوتة. وقد انحصرت تصوراتهم الاجتماعية، بين ذكريات الحرب والدمار وفقدان الآباء والمنازل، وبين كماشة الضغوط الاقتصادية لإعادة البناء والإعمار والتنمية الصلبة. كان من نتيجة ذلك تراجع معدل الخصوبة السكانية إلى معدل [1-2] طفل للعائلة الواحدة، وبالشكل الذي تحول إلى نظام اجتماعي اقتصادي جديد للمحافظة على معدل الرفاه الاجتماعي. بعد مرور نصف قرن على نظام المعادلات الجديدة، تزايد في أوربا شبح ما يسمى بالانقراض الأوربي أو موت المجتمع. وعمدت بلدان مثل السويد والدنمارك وايطاليا لوضع برامج حوافز اجتماعية وثقافية واقتصادية لزيادة معدل خصوبة السكان، بينما ازداد اعتماد بلدان أخرى مثل فرنسا وألمانيا وبريتانيا على مصادر الهجرة الوافدة للمحافظة على/ أو تعويض النقص المستمر والتهديد المستقبلي لانتحار المجتمع والهوية الثقافية. من هذا المنظور، فأن الغاية من برامج الهجرة الباهظة الثمن، ضمان الجيل الثاني والثالث من المهاجرين الذين يترعرعون أو يولدون في البلاد الجديدة، واستقطابهم الثقافي والاجتماعي. وبشكل لا يمكن اعتباره مدروساً، أو مقصوداً، التقت الحاجة الأوربية الغربية، بالأعباء غير المُحتمَلة لبلدان الجنوب، لتحقيق معادلات توازن اجتماعي في مجتمع العولمة في عملية [feed in, feed out] متبادلة، لتحقيق جملة فوائد مشتركة للطرفين.
ثانياً:- انفجار سكاني وتخلف اقتصادي..
تنوء مجتمعات الجنوب بأعداد هائلة من السكان، لا تنسجم مع الامكانات الاقتصادية أو الطاقة الاستيعابية للسياسات الجارية فيها. يزيد من وطأة ذلك عدم توفر فرص كافية لتوظيف تلك الزيادات السكانية لخدمة المشاريع الاقتصادية في البلاد، أو تضمينها في الخطط المستقبلية المتوسطة المدى لتنتفع منها البلاد، وتقليل وطأة الأعباء المترتبة منها. ان الاحصاءات التقريبية العامة لمجمل مجتمعات الجنوب، تقدر معدّل الأمية بنسبة تزيد على نصف السكان. تقارب نسبة الاناث معدل 60% من السكان، بينما تبلغ نسبة السكان دون مستوى البلوغ قرابة 40% ونسبة الأيدي العاملة من الشباب 25%. ونتيجة تحسن الأوضاع الصحية في العالم عموماً ارتفع معدل العمر في بلدان الجنوب من 45 إلى 60 عاما، مقابل زيادة أوربية من 65 إلى 85 عاماً. تجم عنه ازدياد نسبة الشيوخ في أوربا إلى أكثر من 40% من السكان، وتهديدها بالارتفاع المستمر مما دفع إلى زيادة سنّ التقاعد إلى معدل يتراوح بين [65- 70] في أوربا الغربية. وفي هذا الصدد أشارت دراسة ألمانية قبل سنوات إلى حاجة البلاد لمعدل ثابت قدره 25 ألف مهاجر سنوياً للمحافظة على مستوى التشغيل الاقتصادي الراهن. ومن المشكوك فيه محافظة أوربا الغربية على خصائصها السكانية والثقافية خلال نصف قرن.
*
منافع الهجرة ومساوئها..
يمكن مقارنة المرحلة الراهنة بالقرون السابقة للميلاد التي شهدت حركة واسعة من موجات الهجرة الجماعية من بقاع مختلفة نحو الغرب والشمال. ما أسفر عن ظهور مجتمعات جديدة وهويات ثقافية وسكانية مختلفة. لقد اجتمعت عوامل متباينة للهجرة خلال ربع القرن الأخير من الشرق والجنوب نحو الغرب والشمال، مما لا يمكن الاستهانة بنتائجها وآثارها على صعد الحضارة والمجتمع والاقتصاد. أبرز تلك المتغيرات هي..
1- انهيار برامج التنمية الوطنية في بلدان العالم الثالث.
2- انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك منظومته الاقتصادية والعسكرية.
3- انتشار الخصخصة وبرامج العولمة المترافقة مع شروط الاصلاح الاقتصادي للبنك الدولي.
4- برامج الحروب الأهلية والقومية المتعاقبة بين بلدان أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط.
ان الخلاصة المشتركة لجملة هذه التغيرات هي..
1- آثار سياسية ممثلة في فقدان الأمن والنظام والاضطهاد على أنواعه.
2- آثار اقتصادية ممثلة في دمار البنية التحتية للاقتصاد والمجتمع وتراجع مستويات المعيشة.
3- انتشار البطالة والعنوسة والغلاء ونزعة سوداوية بعدمية المستقبل.
كل هذه العوامل، وبنسب متفاوتة جعلت فكرة الهجرة، برنامجاً أكيداً لأغلبية الفئات العمرية الشابة في البلاد النامية. وهي الفئات التي تلقى قبولاً من لدن البلاد الأوربية أكثر من الفئات العمرية الأكبر سناً، أو مكونات اللجوء السياسي وحقوق الانسان (الثمانينيات والتسعينيات). بعبارة أخرى، أن أوربا الغربية أكثر حرصاً في النظر إلى مصالحها الذاتية في التعامل مع ملف الهجرة منها إلى مواد القانون الدولي لحقوق الانسان أو المساهمة في دعم جهود خفض الاضطهاد الدولي في العالم، الذي كان حكراً على بلدان العالم الثالث والبلدان الشيوعية، بينما يتأكد الارهاب والاضطهاد الدولي صفة للعالم المتقدم بزعامة الامبريالية الأميركية وأعضاء الناتو اليوم.
ينظر المهاجرون إلى مصالحهم القريبة في النجاة من مخاطر المجاعة والحروب والاضطهاد والتمتع بأمن واستقرار نسبي ومستوى مناسب للمعيشة، وفق منظور فردي ضيق، يستند إلى عجز الأفق السياسي المحلي من تلبية الاحتياجات الداخلية للأهلين. بينما تنظر أوربا الغربية إلى مصالحها الستراتيجية البعيدة خلال العقود المقبلة، ومعالجة الاحتضار السكاني والتراجع الاقتصادي. بالمقابل، لا تحصل البلاد النامية المصدّرة للهجرة على شيء يذكر، غير استمرار معدلات التضخم السكاني والعجز الاقتصادي بنسب متزايدة. دون القدرة على إحداث أي تغيير يساعد في تقليل أعبائها الاقتصادية أو رفع معدل الناتج المحلّي فيها.
*
المستقبل.. صورة سوريالية
ليس ثمة ما يشير إلى احتمال تراجع وطأة العوامل الدافعة لهجرة الأفراد والجماعات من الجنوب والشرق نحو الغرب، على العكس منه، فالظروف آخذة بالتفاقم، إزاء النمو السريع في أعداد السكان مقارنة بتراجع التنمية وتفاقم العجز الاقتصادي وما يسفر عنه من ازدياد معدلات البطالة والعنوسة ووارتفاع معدل الطفولة والشيخوخة (الفئات غير المنتجة في المجتمع). الأمر الذي تجدر الاشارة إليه هنا هو تغير النظرة الرسمية والمجتمعية للهجرة. ان التماسك الأسري في القرن الماضي كان أكثر صلابة من الظروف الشخصية للأفراد أو حتى طموحاتهم العلمية والتجارية بعيدا عن العائلة والبلد. وبينما تستفيد الحكومات في التخفف من أعباء الجماعات المهاجرة واقتناء مردوداتها المالية والسياسية، يسود في أوساط العائلة الشرقية توجه لتشجيع أبنائها على الهجرة ودفعهم لاتقان اللغات الاجنبية والاعتماد على الذات لتحمل مشاق الغربة والكفاح، أو توطيد الأواصر مع أفراد العائلة في الخارج لاحتضان المهاجرين الجدد. فقد اقتنعت تلك العائلة أن تحسين مستويات الحياة أكثر أجدر من اجترار حياة الأهلين والآباء والخضوع للعاطفة السلبية. وثمة ظاهرة طريفة استدركت لها أسر الشرق، هي أهمية الدراسة في الغرب لتأمين الحياة والاستقرار فيها.. والمقصود ليس الدراسات العليا ولا الدراسة الجامعية الأولية، وانما الدراسة الثانوية التي تسبق الجامعة، أي مرحلة ما قبل بلوغ السن القانونة للسفر والهجرة والاقامة. وتعتمد في هذا المجال اساليب وأطر مبتكرة لتسجيل الأبناء في الكوليج تمهيدا للدراسة الجامعية. ان التيار الجديد من مهاجرين الشرق هم الفئة دون الثامنة عشرة الذي يتحركون في مجموعات مدرسية ويفترشون الحدائق ويحلمون بالمال والشهادة والثروة، بعيدا عن الأهل والبلد الأم. هذه الظاهرة لا تصبّ في صالح الوافد وانما في مصلحة الغرب الرأسمالي الذي يتاح له توجيه النشء الجديد والاستفادة من طاقاته الانتاجية أطول فترة ممكنة، إضافة إلى ضمان الاستفادة من معدل انتاجيته العالية، مقارنة بالعمالة المتقدمة في السن غير الماهرة أو تحتاج إلى إعادة تأهيل. ثمة عامل آخر لا يقل أهمية للطرفين. وهو العامل الاجتماعي، وانعكاساته الثقافية ممثلة في سهولة الاندماج في طرز الحياة الغربية ، من الفئات المتزوجة من البلد الأم وبطء معدل اكتساب اللغة والعادات والاندماج في المجتمع الجديد. هذه العوامل مجتمعة وغيرها مما قد يستجدّ مع الأيام، يعطي انطباعا مستقبليا بارتفاع نسبة المهاجرين الشرقيين في الغرب. ومع الأخذ بنظر الاعتبار، الاحتضار الديمغرافي لمجتمعات الغرب، وارتفاع معدل العمر الفردي العام لسن الشيخوخة، مقابل تناقص معدل الولادات في العائلة الغربية، واتجاه فئات الشباب والبالغين للهجرة خارج بلدانها، ترتسم صورة سوريالية، بانتقال مجتمعات شرقية نحو بلاد الغرب، تقابلها صورة تقريبية لتحول جماعات الغرب في إطار الاستثمار والادارة أو الغزو العسكري والاقتصادي نحو بلاد الشرق. وثمة، فليست عوامل مناخ الكرة الأرضية، هي التي تضطرب وتتبادل مواقعها بين الشمال والجنوب، حيث ترتفع معدلات الحرارة تدريجيا في شمال القارة الأوربية، وانما العوامل الاجتماعية والثقافية.
لقد راهن رهط من علماء الانثربولوجي على امكانية تحسين العنصر الانساني بتشجيع التزاوج بين الأنواع والسلالات البشرية المختلفة من أصقاع القارات المختلفة، ويبدو، أن العقود والقرون التالية تؤكد صحة هذه التوقعات وتتجاوزها إلى تقليل التفاوت الثقافي والأثني في المجتمع الانساني. هل العالم أمام تحولات طوباوية، كانت حتى عهد مضى ضربا من الخيال، واقتناص الغيب. لا يمكن استكناه ما سيحدث تماما. لكن الخطوط الأولية والاشارات العامة ىخذة في الظهور، والذين يتحدثون عن نوع من (الفوضى الخلاقة) لهم جانب من الحق، حتى لو كان للطبيعة دور أساس في التغيرات، أكثر من سياسات العولمة.
*
الهجرة وإشكالية الهويّة الثقافية..
من الأخطاء الفادحة في ترجمة المصطلحات، اعتبار دعوة هونتنغتون في [Crush of Zivilisations] على أنها (صراع حضارات). مما يوحي بوجود (حضارات) تهدّد سيادة الحضارة الغربية المستمرة منذ ثلاثة قرون تقريباً. وهو أمر لا ينسجم مع واقع، تسجل فيه الأم المختلفة خارج أوربا الغربية وأميركا الشمالية تراجعاً مريعاً على مختلف المستويات، مع تزايد اعتمادها على منتجات الغرب السلعية وسياساته الاجرائية. مما يفنّد فرضية الصراع الحضاري. كما لا يمكن تصوّر كاتب غربي عنصري يسلّم بوجود حضارة مساوية أو مناظرة أو مناهضة للحضارة الأميركية، بينما تستغرق بلاده منذ أواسط الثمانينيات في تخصيص ميزانيات ضخمة لخدمة برامج حروب النجوم [Stars Wars]. ان ما تنوّه لها فكرة هونتنغتون، ليس غير دعم نشر الثقافة الأميركية وتحجيم أثر الثقافات المحلية الملوّنة في آسيا وأفريقيا. والمصطلح على أقرب وجه هو (تصادم الهويّات) الذي يعاني منه المجتمع الأميركي في مواجهة الهنود الحمر والأفروأميركان، ناهيك عن تزايد الجاليات الآسيوية من الصين واليابان والعرب لديهم.
ان ملامح الثقافة الأميركية التي ترسّخت عولمياً في العقود الثلاثة المنصرمة وتترسّخ أكثر..
1- انتشار النزعة الاستهلاكية والوجبات السريعة.
2- التسطيح الثقافي والانقطاع عن الجذور.
3- ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات الحديثة.
وكلّ واحدة من هذه تدعم فكرة الزعامة الامبريالية المهيمنة على الاقتصاد العالمي وتقنية الاتصالات الفضائية ولا تألُ جهداً لتغيير أنماط السلوك والتفكير ولغة التواصل عبر هيمنتها المطلقة على وسائل الاعلام، ودور المنتجات الاقتصادية في توجيه سلوك الأفراد، ضمن أساسيات علم نفس المستهلك. أن الطبقة العامة من فئة الشباب، دون الخمسة والعشرين أو الثلاثين من العمر في كل العالم، أكثر تأثراً وانجذاباً بنمط الحياة الأميركية [American Style of Life] في الثياب والسلوك والطعام والتسلية من أنماط ثقافتهم وتقاليدهم المحلية. ويشمل هذا الحكم حتى أولئك النفر من المتطرفين والمتورطين في الارهاب ضد الغرب، الذي علّل سلمان رشدي في روايته الأخيرة عداءهم للغرب بالعجز عن مطاولة الحلم الأميركي مما دفعهم للحقد والانتقام منه في صيغة انتحار جماعي تدميري على نمط أحداث سبتمبر 2001.
ان المجتمع المعولم هو مواليد الثلاثين سنة الأخيرة، وهو آخذ في التنامي والتوسّع والانتشار. وسوف تساعد قيم الانفتاح والتسامح في الحضارة الغربية على استيعاب الموجات الجديدة، وإعادة تأهيلهم الاجتماعي والفكري ليكون جزء نافعاً من بنى مجتمعات الغرب مع عوائلهم ونسلهم الجديد. وبالاضافة لنمط الحياة الغربية ووسائل الاعلام، تلعب البرامج التربوية والسياسات التعليمية دوراً مؤثراً في قولبة الأجيال الجديدة للانسجام مع تفاصيل المشهد الجديد. وقد وجّهت أحداث انفجارات قطارات لندن [7 يوليو 2005] التي قام بها باكستانيون من مواليد بريتانيا، أنظار الحكومة إلى نقاط الخلل في سياساتها المتعلقة بالمهاجرين الشرقيين وبرامج التعليم والتشغيل. وأدخلت جملة إجراءات مشدّدة منذ أواخر العام الماضي (2006) لتلافي نكسات مماثلة.
حتى ذلك، لا يمكن اعتبار المهاجرين في البلاد الجديدة، مواطنين غربيين، مهما كانت الوثائق والامتيازات التي بحوزتهم. وسوف يستمر التعامل معهم كأدوات اقتصادية بديلة، أكثر من كونهم عناصر إنسانية ورموز ثقافة مغايرة. سوف يستمر الارتياب والشكّ حاجزاً نفسياً بين الجانبين. وبينما تحاول بلاد معينة اعتماد مبدأ العمل سمة لاستمرار مواطنة الأجنبي أو إقامته في البلاد، ولا يتجاوز بقاءه بلا عمل رسمي نصف العام، فلا يمكن التكهن بمفاجآت السياسات الغربية تجاه الملوّنين، ولا سيما العرب والمسلمين الذي حققوا درجات سيئة في امتحانات العولمة عبر برامج الارهاب وارتفاع معدل الكراهية ومعاداة الغرب في صفوفهم. وعلى حد تعبير أحد الكتاب، لقد خرج المهاجرون من مجتمعاتهم القديمة، ولكنّهم، لما زالوا، لم يتحوّلوا جزء من المجتمعات والمدنيات الغربية الحديثة.
*
لندن







#سامي_فريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجغرافيا ليست وطناً واللغة لا تعني أمة!..
- المرأة الكردية بين التطور العلماني والتطرف السلفي


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - سامي فريدي - مستقبل حركة الأفراد العابرة للقارات