أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير اليوسف - إيران الخمينية هل هي حقاً مزاج تعددي ما بعد حداثي؟















المزيد.....

إيران الخمينية هل هي حقاً مزاج تعددي ما بعد حداثي؟


سمير اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 106 - 2002 / 4 / 1 - 14:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الحياة
(ت.م: 31-03-2002 )
(ت.هـ: 17-01-1423 )
(جهة المصدر: )
(العدد: 14255 )
(الصفحة: 20 - ملحق تيارات )

Daniel Brumberg.
Reinventing Khomeini: The Struggle for Reform in Iran.
(إعادة إختراع الخميني: الصراع علي الاصلاح في ايران).
Chicago Press, Chicago-London.
2001.
306 pages.

نهاية عام 7991، وبعد اشهر علي الفوز الساحق للسيد محمد خاتمي في رئاسة الجمهورية الاسلامية، طرحت مراسلة سي. أن. أن السؤال التالي: ولكن اية هي ايران الحقيقيّة؟ .
مثل هذا السؤال لا يحض علي طلب المعرفة بقدر ما يتوقع نزاعاً لا مفرّ منه ما بين رئيس جمهورية إصلاحي، يؤمن بالتعددية والحوار الحضاري والمصلحة القومية ويحاول، من ثم، ان يصوغ سياسة بلاده في سبيل تحقيق هذه الغايات، ومن خلال التوكيد علي اولوية سلطة المجالس ، اي البرلمان الايراني، وما بين قائد روحيّ، هو آية الله خامنئي، يُدين ادني محاولة للفصل ما بين السياسة والدين ويصرّ علي اولوية دور رجال الحوزة، وعلي ضرورة التصدي لـ الغزو الثقافي ، وإستكمال الجهاد ضد الإستكبار العالمي والصهيونية...الخ.
فأي الكلامين هو الصادر عن قلب السياسة الايرانية الفعلية؟ او للدقة، اي القائدين ستكون له الغلبة في تمثيل ايران في النهاية؟
ويبدو ان الباحث الاميركي دانييل برومبرغ قد إختار الاجابة عن هذا السؤال غرضاً لهذه الدراسة العميقة والحافلة بالمعرفة. غير انها إجابة مرهونة بالاجابة عن جملة من الاسئلة الاخري: مثلاً، من كان آية الله الخميني الحقيقي نفسه؟ وهل كانت الثورة الايرانية محض سعي غير عقلاني في سبيل الطوبي، ام كانت معنيّة بإنشاء مؤسسات غرضها تلبية المصالح السياسية والاقتصادية للشعب الايراني؟
ذلك ان المؤلف لا يري الي التضارب الفاضح ما بين موقفي الزعيمين، الرئيس والفقيه، كإعلان عن إنفجار توتر دام طويلاً، او لنزاع لا بد وان يُحسم لمصلحة طرف دون آخر، وإنما هو من مظاهر التنافر المؤسسيّ الذي ما برح يسم النظام الايراني ويتحكم بسياسته.
فمنذ اطاحة حكم الشاه، صير في ايران الي إرساء نظام سلطات متنافسة يقوم علي اساس من التنافس المؤسسي افضي الي عمليّة تشريع للسلطة وعقلنة للسياسة ذات دينامية بالغة التعقيد عسيرة. وعوضاً عن ان تدخل السياسة الثورية الايرانية في السياق الروتيني المتوقع دخوله بعدما تستنفد السياسة المعنية طاقتها الثورية او غير العقلانية، بحسب تأويل ماكس فيبر، جعلت تندرج في سياقات متباينة ومتضاربة في كثير من الاحيان.
يسلّم برومبرغ بان الثورة الايرانية جاءت نتيجة ازمة مجتمع عجز عن الاستجابة لايقاع المتسارع للحداثة، وان النظام الذي كان لا بد وان تسفر عنه هو نظام قيادة كاريزميّة كما هي الحال حينما تصل العقلانية الحداثية الي طريق مسدود. غير انه، وبخلاف تلامذة مدرسة علم الاجتماع السياسي، سواء كانوا من اتباع فيبر ودوركايم ومانهايم، ام كانوا من اتباع موسكا وغرامشي وتيارات الماركسية الجديدة ، لا يري بأن سيرة هذا النظام يمضي وفقاً لسياق خطّي، او تعاقبي، يتمثل في الانتقال السببي من طور واحد الي آخر- مثلاً الانتقال من حالة الثورة الي حالة الدولة، او من حالة التجاوز العقلاني الطوباوية النازع، الي حالة العقلانية من خلال تشريع السلطة السياسية وبناء مؤسسات تستجيب الي متطلبات الواقع السياسية والاجتماعية..الخ.
فظاهرة القيادة الكاريزمية، والسياسة التي انتهجها عهد آية الله الخميني، لم تكن ظاهرة كاريزما تقليدية او حداثية، وإنما تقليديّة وحداثية معاً، متجاوزة للعقلانية وعقلانية في الوقت نفسه، صوفية الطبيعة ولكن ذات توجّه الي الفعل والتأثير في الواقع، طوباوية الغاية ولكن ايضاً مقبلة علي بناء مؤسسات حديثة والاستجابة لمنطق عقلانيتها- بإختصار فإن كاريزما السياسة الايرانية لهي ظاهرة ما بعد حداثية .
ولئن رجّح برومبرغ صفة ما بعد الحداثة علي صفة الحداثة، فهذا لأن مناهج علم الاجتماع السياسي التقليدية، الوضعيّة منها والماركسية، تخفق في تقديم تحليل يحيط بحقيقة تناقضات السياسة الايرانية وتعجز بالتالي عن سوق تاريخ خطّي مقنع. فالسياسة الايرانية، ومن حيث جمعها التقليدي الي الحديث، انما هي سياسة تنتمي الي مزاج ما بعد الحداثة . او بكلمات اخري، هي من علامات، ونتائج، مزاج ممعن في عولمة إقتصادية وثقافية، وبما يقتضي رسم خريطة اجهزة سلطات جديدة قادرة علي الإلمام بالسياسة الايرانية وسياسة العديد من البلدان الاسلامية والعالم ثالثية. ويقترح الكاتب اربعة عناوين لخريطة جهاز السلطات المتنافسة إنطلاقاً من التجربة الايرانية، وبما يمكن تطبيقه في حالات تجارب سياسية مماثلة:
اولاً السيرة المتعددة للقائد الكاريزمي، اي لآية الله الخميني في حالة ايران. ثانياً، المخيلات السياسية المتعددة التي تشبّع بها القائد الكاريزميّ واتباعه. ثالثاً، التنافر المؤسسي الناجم عن محاولة الاستجابة لمتطلبات الواقع من جهة، ولتحقيق الطوبي من جهة اخري. رابعاً، الدينامية المعقدة لروتين الحياة السياسة الناجمة عن التنافر المؤسسّي.
وتبعاً للمعهود من سيرة القائد الكاريزمي، فإن ما يتمتّع به من صفات قيادية كهذه تُعزي غالباً الي ما كابده في طفولته (والخميني ولد ونشأ يتيماً)، او الي ما شهده من جور وفساد، او لمجرد نازع وصولي في نفسه يحضه علي إستغلال ازمة الاغتراب التي يعانيها بنو قومه، فيقدم نفسه علي صورة القائد المخلص والمبشّر بعالم طوباويّ. بيد ان هذا الضرب من السيرة لا يلامس الاّ القليل، ولا يقدم سوي صورة واحدة، متماسكة، بفضل إستبعاد الكثير مما يتعلق بالشخصية المعنية.
من هنا فإن اسلوب تعددّ السيَر الذي يتوخاه برومبرغ لا يعمل فقط علي جمع اكبر قدر من الحقائق، وإنما، والاهم من ذلك، الجمع ما بين إمكانيات سرد عديدة ومختلفة في آن واحد، بما يُبطل هيمنة خط السيرة الواحد: هكذا يظهر الخميني الرجل الذي وعي الجور باكراً، المسرف في التصوف ولكن غير المُعرِِض في الوقت نفسه عن شؤون العالم والسياسة، ذلك الناشيء في مجتمع يتطلع الي ظهور القائد الكاريزمي الذي يستجيب الي الدوافع المتجاوزة للعقلانية، ولكن ايضاً رجل الحكم الذي يسعي الي بناء مؤسسات والاستجابة الي مصالح آنيّة..الخ.
كما ولا يمكن الوقوف علي سرّ التوزع في السياسة الايرانية اذا ما إكتفينا برد المخيلة السياسية للقائد الكاريزمي والنخبة الحاكمة من اتباعه وورثته الي مصدر واحد. وعلي ما يجادل برومبرغ، ويبسط القول، فإن سياسة الخميني إنما كانت تستند الي عدة مخيلات سياسية متفاوتة المصادر ومتباينة الطبيعة والتوجه. فالي التربية الشيعية التقليدية والنزعة الصوفية، كانت هناك الثقافة السياسية السنية النازعة الي الواقعية والعملية. بل ومن خلال مصلحين ويساريين شأن بازرجان وعلي شريعتي وجلال الاحمد، إستوعب مخيلات السياسة الغربية الحديثة المنبثقة عن الماركسية والوجودية والبراجماتية.
ولا يأل المؤلف جهداً في البرهان علي ان حكومة ولاية الفقيه التي ارساها الخميني، نظراً وعملاً، لم تصدر عن مخيلة سياسية طاهرة الجوهر متماسكة: فسياسة نصرة المستضعفين ومحاربة الاستكبار العالمي ، وسياسة التطلع الي كمال روحيّ عن سبيل الزهد التصوف، وتحقيق الطوبي الاسلامية، تعود الي إستئثار نازع التصوّف، ولكن ايضاً الي ما شاع من فكر اسلاميّ يساري الطابع هو نفسه مظهر من مظاهر السياسة العالم ثالثية التي ازدهرت في غضون عقديّ الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وإن لفي الوقوف علي كلٍ من السيرّ المتعددة للقائد الكاريزمي والمخيلات السياسية الصادرة عن مصادر ثقافية مختلفة وتجارب تاريخية عمليّة متنوعة، يمكننا، اولاً، ادراك حقيقة ان التنافر المؤسسي ، كان مصيراً لا مناص للسياسة الايرانية من المضي وفقه. وثانياً، ان عملية عقلنة هذه السياسة، وإدراجها في سياق روتيني، خضعت لتناقضات عديدة بما جعل ديناميتها معقدة وشاقة.
فالتنافر المؤسسّي لم يصدرفحسب عن وجود مؤسسات مختلفة التوجه، شأن البرلمان العامل في سبيل الاستجابة الي المطالب الاجتماعية والاقتصادية، من جهة، و مجلس حراس الثورة الحريص علي إستكمال الحرب ضد ما يُسمي بـ الاستكبار العالمي ، ولكن ايضاً الي تنافر مؤسسيّ في كلٍ من هاتين المؤسستين وغيرهما، علي حدة. ونظراً الي الايديولوجية الإنتقائية التي حكمت سياسة الخميني، فلقد نشأت سلطات كاريزميّة الطابع وتقليدية، ولكن ايضاً عقلانية وشرعيّة بما جعل التنافر والتناقض في قلب كل مؤسسة حاكمة امراً لا مفرّ منه.
في ضوء تحليل كهذا، لا يخفق برومبرغ في ان يقنعنا بإنعدام وجود ايران حقيقية واحدة، وإنما ايران متعددة الوجوه والسياسات. وهو يتمتع من دون شك بمعرفة للسياسة الايرانية وافرة تخوّله الخلوص الي خلاصة كهذه. غير انه كثيراً ما تبدو هذه الخلاصة وكأنها صادرة، لا عن معرفة وثيقة بأحوال الجمهورية الاسلامية الايرانية، بقدر ما تنبع عن إغراق في منهجية ما بعد حداثية تُعرض من حيث المبدأ عن اي سرد خطّي متماسك وتصرّ علي الكشف عن التعددية حتي في ابسط التجارب واضيق المجالات. ولئن إختار المؤلف مفاهيم شأن جهاز السلطات المتنافسة و التنافر المؤسسّي و دينامية روتين معقد لتحليل السياسة الايرانية، وبما يدل علي ان هذه السياسة عاجزة عملياً عن تحقيق اهدافها المتباينة، فإنه في الوقت نفسه يمنحها من رصيد التعددية ما لا تستحقه. ففي النهاية، كانت السياسة الايرانية وما تزال مكبّلة بتركة رجل واحد، وإن تعددت هذه التركة وتنوعت. وهي الي ذلك سياسة محصورة بمنطقة مذهبية واحد بما يستبعد لا العلماني فحسب وإنما ايضاً أبناء الديانات الاخري بل أبناء المذاهب الاسلامية الاخري نفسها... لا بل الخميـــنيين ممن يحملون تأويلاً للخمينية غير الذي يحمله خمينيون غيرهم.




#سمير_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور ...
- المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير اليوسف - إيران الخمينية هل هي حقاً مزاج تعددي ما بعد حداثي؟